كلمات ليست كالكلمات

الجردة الوطنية
إعداد: العميد الركن الياس فرحات
مدير التوجيه

عند انتهاء كل عام, من البديهي أن ينظر كل منا إلى ما قام به في العام المنصرم, ماذا انجز وماذا كان عليه أن يفعل؟ أين اصاب وأين اخطأ؟ أين النجاح وأين الخلل, وما السبيل لإصلاح الخلل؟
أمّا في المؤسسات فتتم الجردات المالية بحسابات الربح والخسارة واستشراف مستقبل الاعمال, وينشط المحاسبون والمقيّمون في تقدير ما اذا كان يجب الاستمرار بها او تعديلها, او ابتكار اساليب اخرى من أجلها... وأخيراً, البحث عن مشاريع وأسواق جديدة.
هذا في المؤسسات التجارية وفي عالم الاعمال, أما في المؤسسات الوطنية ¬ ويأتي الجيش في طليعتها ¬ فتكون الجردة بما حققنا من انجازات وطنية, وفي أي من الأمور نجحنا, وكيف وأين كانت الثغرات ¬ في حال وجودها ¬ وكيف نطور ونحسّن الانتاجية, أو كيف نرتقي بالاداء للوصول نحو الافضل.
وفي ذلك يجـدر القـول إن الجـيش أنجـز بنـجاح مهمات امنية ذات طابع استثنائي, لدرجة اعتبارها استحقاقاً هاماً, وهي مؤتمر القمة العربية ومؤتمر القمة الفرنكوفونية, واثبت الجيش جدارة عالية في التدابير الامنية على مختلف انواعها, من الامن اللصيق إلى امن الانتقالات, إلى اماكن الإقامة, إلى الاجتماعات, اضافـة إلى الكفاءة التنظيمية لدى قوى الجيش المولجة بالتنظيم, والاجهزة المدنية في وزارات الدولة المختـصة.
انعقاد القمتين اظهرَنا دولة استقطاب في العالم, واعاد حضورنا وتألقنا في المجالين السياسي والاعلامي. واذا تنقل أي كان بين محطات التلفزة العربية والدولية لرآها كلها تتحدث عن مؤتمر بيروت, وعن لبنان, وفي كل ذلك دعاية, بل وصف لحقيقة هذا البلد. وأكثر من ذلك, نفي لكل الشائعات المغرضة التي تطلقها وسائل الاعلام المعادية, وكل المتضررين من عودة السلام والوئام إلى وطننا, وذلك بتصويره بأنه غير آمن, وباستحضار مشاهد الحرب وذيولها في كل مناسبة للتأثير على الرأي العام سلباً, من اجل صرف انظار اللبنانيين المغتربين عن العودة إلى وطنهم وزيارته, وتوجيه السياح والمستثمرين إلى بلدان اخرى. اذاً, جاءت القمتان لتكرسا صورة لبنان الآمن المستقر والمتطور في اذهان الاوساط العربية والدولية على اختلافها, وفي اوساط اللبنانيين في ديار الاغتراب.
كل هذا تحقق بفضل جهود وتضحيات العسكريين وسهرهم الدائم, وتحقيق جهوزية عالية وكفاءة واهلية من اجل أداء هذه المهمات. كفانا فخراً أن نسمع آراء اجنبية وعربية بأن القمتين هما من احسن القمم تنظيماً وأمناً, هذا الفخر يعود لجهود كل عسكري, مهما كانت رتبته, قام بوظيفته في أي موقع, من اجل تحقيق الجهوزية.
والإنجاز الثالث الذي تحقق بفضل القرار الشجاع لفخامة رئيس البلاد العماد اميل لحود, هو استعادة حقوق لبنان من مياه الوزاني رغم صلف العدو الاسرائيلي وعنجهيته ونزعته العدوانية, ورغم قرع طبول الحرب واطلاق التهديدات ضد هذا الوطن.
نعم, عادت مياه الوزاني إلى الاراضي اللبنانية ليشرب منها المواطنون اللبنانيون داخل قرى بقيت عطشى طوال سني الاحتلال الاسرائيلي. نعم, عادت مياه الوزاني إلى مجاريها الوطنية الحقيقية, واثمرت جهود الجيش وتضحياته ووقفته الأبية بقيادة العماد ميشال سليمان في التشبث بالارض وفي رد العدوان بكل الوسائل المتوافرة. واثمرت تلك الجهود في صناعة موقف وطني جامع تمثّل في تمكين لبنان من تحرير مياهه بعدما حررت المقاومة البطلة ارضه بالدماء.
ونتابع الجردة لنصل إلى حوادث متفرقة استشهد فيها عسكريون في بعلبك, وفي صيدا, وفي الدكوانة, وكنا كمؤسسة وطنية قوية متماسكة نخرج بعد كل واحدة منها اقوى واشد صلابة. فالتضحية بالذات قدر العسكريين, قدر ارتضوه حين اختاروا دخول هذا السلك, كما أن التضحية بالدماء لا تذهب هدراً, إنها تخلق تماسكاً وطنياً, وأمناً واستقراراً, ونهضة للوطن.
في مطلع العام الجديد, هذه هي الجردة الوطنية للمؤسسة الوطنية, إنها بذل غير محدود في سبيل لبنان.