غياب الكبار

الجرّاح العالمي ومنقذ قلوب الملايين
إعداد: تريز منصور

مايكل دبغي عملاق طب القلب توقّف قلبه

خسر العالم عملاق الطب الجراحي ومايسترو جراحة القلب، البروفسور العالمي الأميركي اللبناني الأصل مايكل دبغي، ابن مرجعيون في جنوب لبنان عن عمر يناهز الـ99 عاماً. ضخّ دبغي الدماء في قلوب كثيرين طوال 70 عاماً من العطاء المهني، طاوياً سبعة عقود حافلة بالعمليات الجراحية في القلب، فاقت الـ63 ألف عملية، كما عالج عدداً لا يُعدّ ولا يحصى من البشر، وأنجز ابتكارات حديثة وعديدة في المجال الطبي أهمها خيط الجرح، وكذلك أسّس جراحة القلب المفتوح بمفهومها المعاصر.
توفي البروفسور مايكل دبغي في مستشفى «ميثوديست هوسبيتال فاميليز» في هيوستن بولاية تكساس. العام 2006، أجريت له جراحة كبيرة في القلب، تولى هو بنفسه تخطيطها. وقد أجرى العملية أحد تلاميذه، الذي ما زال حياً، ويدعى جورج نون.
ويجـدر بالاشـارة أنها العملية الأولى في تاريخ الجراحة التي تُجرى لإنسان يتجاوز التسعين سنة. وبعد إجرائها، لم يغادر مقر إقامتـه لأنه لم يعـد في صحـة جيـدة مئة في المئـة.
رحل دبغي بعد حياة حافلة بالإنجازات الطبية، كجراحة القلب المفتوح واستبدال الشريان التاجي، حيث اخترع مضّخات القلب. ولقد كان رائداً في تطوير «أسلوب الميل» وفي تطوير سيارة للجراحة في ساحة الحرب، عرفت بالمستشفى النقّال للجيش، والمعروفة أيضاً باسم «ماش».

 

ولادة مبدع
ولد مايكل دبغي في بلدة جديدة مرجعيون الجنوبية سنة 1906. في الثانية من عمره هاجر مع أهله إلى الولايات المتحدة الاميركية. وتابع هناك دروسه الابتدائية والثانوية في مدارسها، ثم انتسب الى كلية الطب في تولان بمدينة نيو اورلينز، ومن ثم قسم الجراحة في جامعة ستراسبوغ في باريس وجامعة هيدلبرغ في ألمانيا.
منذ انتسابه إلى الجامعة، انخرط مايكل دبغي في الأبحاث والدراسات، واخترع المضّخة الدائرية (1932)، التي صارت في ما بعد جزءاً من آلة تقوم بعمل القلب والرئتين، في أثناء جراحة القلب المفتوح. كما منح ايضاً براءة الاختراع لعدد كبير من الأدوات الطبية والتقنيات التي ساهمت في إنقاذ حياة الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم. ولعلّ من أهم هذه التقنيات استعمال أقمشة خاصة (Dacrongroft)، جهّزها بمساعدة زوجته على ماكينة الخياطة في بيته سنة 1952، ليوصل بواسطتها شرايين مريض محتاج، وليُلهم مراكز البحوث والصناعات الطبية والمختبرات انتاج الكثير منها بعد حين. ويقول دبغي إنه استقى هذا الإبداع في علم الجراحة من جدته العجوز اللبنانية، التي كانت تضعه في حضنها، بينما كانت تحيك بصنارتها أروع القطب. وقد استعمل هذا التكتيك نفسه والمهارة ذاتها في تصميمه للقطب الجراحية.
خلال الحرب العالمية تطوّع الدكتور دبغي للخدمة العسكرية، وعيّن مديراً للإرشاد الجراحي التابع لمكتب الجراحة العامة الأميركي. وقد ادّت أبحاثه ودراساته في تلك الفترة إلى إنشاء المستشفى العسكري المتنقل (وحدات ماش، Mash). وساهم دبغي لاحقاً في إنشاء مراكز جراحية خاصة لمعالجة العائدين من الحرب، أي ما عُرف في ما بعد بنظام المراكز الطبية للعائدين من الحرب.

 

شهرة بلا حدود
إكتسب الدكتور دبغي على مرّ السنين شهرة واسعة في جميع أنحاء العالم، وكان مستشاراً لرؤساء الجمهورية الأميركية جميعهم، خلال السنوات الخمسين الماضية، وكذلك لرؤساء دول آخرين من سائر أنحاء العالم. كما ساهم في إنشاء «المكتبة الوطنية الطبية» في أميركا والتي تتضمن أهم المراجع والوثائق الطبية وأكثرها دقة وأكاديمية.
تقدّر عدد عمليات القلب المفتوح التي أجراها دبغي بـ63.000، إضافة إلى تدريبه آلاف الأطباء العاملين الآن في أنحاء العالم.
العام 1976، أسـس تلامذة دبغي «جمعية مايكل دبغي العالمية للجراحة»، كما أطلق اسمه على عدد كبير من المنظمات ومراكز الأبحاث والدراسات والمشاريع، التي أقيمت بهدف خدمة الصحة العامة للبشر، من الدول والشعوب كافة.
تلقى البروفسور دبغي أسمى آيات التكريم والتقدير من أرقى معاهد الطب وكلياته في العالم، وكذلك كرّمته المؤسسات التربوية والمدنية والحكومات المختلفة.
مايكل دبغي كان الطبيب الجراح الأول في المستشفى التطبيقي، أكبر أجنحة تكساس الطبي، وفي الوقت عينه شغل منصب عميد معهد بايلور الطبي، الرائد في مجال الدراسات والأبحاث الطبية. وعمل كذلك مع وكالة الفضاء الاميركية «ناسا»، لتطوير قلب إصطناعي صغير مكثف ذاتياً.
لقد أعطى الدكتور مايكل دبغي البشرية جمعاء الكثير الكثير، لا سيما بلده الأم لبنان الذي بقي فخوراً بانتمائه إليه، ويلمّ بكل شاردة وواردة تخصه، ولا يتردّد في زيارته كلما سنحت له الفرصة.

 

أهم إنجازات مايكل دبغي
• 1932: دبغي الطالب يطوّر «مضخّة دائرية» للاستخدام في الجهاز الذي يقوم بعمل القلب والرئتين في أثناء العمليات الجراحية.
• 1949: الدكتور دبغي يقود حركة للمطالبة بإنشاء المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة الاميركية.
• 1950 - 1953: تطويره آلة تستخدم في جراحة شرايين القلب.
• 1953: الدكـتـور مايكل دبغي يقوم بأول جراحة لفتح شريان مسدود.
• 1956: قيامه بأول عملية جراحية لإصلاح ثقب في القلب.
• 1960: الدكتور مايكل دبغي يبدأ العمل على تطوير قلب إصطناعي.
• 1963: أول من يقوم بعملية جراحية عن طريق الاتصال التلفزيوني.
• 1964: أول عملية جراحيـة لتغيـير الشراييـن التاجيـة، وفي العـام نفسـه يتـم تعييـنه عميـداً للمفوضية الرئاسية لأمراض القلب والسرطان والدماغ.
• 1977: نشر كتابه «القلب الحي».
• 1978: إنشاء مركز مايكل دبغي للدراسات والأبحاث في «الطب الإحيائي».
وهـو علـم يبحـث في قدرة الكائنات البشرية على العيش في المركبات الفضائية وما شابه.
• 1985: إنشاء مركز دبغي لأمراض القلب.
• 1996: إدراج إسمه بين «مشاهير العاملين في الطب».


الميدالية الذهبية للكونغرس
قلّد الرئيس الأميركي جورج بوش البروفسور دبغي الميدالية الذهبية للكونغرس، التي أضيفت إلى لائحة طويلة من الميداليات التي نالها عن ابتكاراته. وكان الطبيب الشهير قد حصل قبل أربعين سنة على ميدالية الحرية للكونغرس وقلّده إياها الرئيس الاميركي الراحل ليندون جونسون.
العام 1969 نال أعلى وسام يمكن لمواطن أميركي أن يحصل عليه، وهو «الميدالية الرئاسية للحرية بامتياز» كما منحه الرئيس ريغان (1987) «الميدالية الوطنية للعلوم».
وتقديراً لإبداعه ولإنجازاته منحته جامعة البلمند في زيارته إلى لبنان في العام 2005، لقب «كرسي» مايكل دبغي.
ومن الذين عالجهم دبغي، الرؤساء الأميركيون السابقون: جون كينيدي، وليندون جونسون، وريتشارد نيكسون، إضافة إلى شاه إيران، والعاهل الأردني الراحل الملك حسين والرئيس الروسي بوريس يلتسين. وقد مُنح أوسمة مختلفة والدكتوراه الفخرية من جامعات عالمية مختلفة.