متقاعد يتذكر

الجندي المتقاعد توفيق نقولا
إعداد: باسكال معوض بومارون

حياتنا كانت اكتفاء وبركة.. ويوم خدمة ويوم حرس

«يا ريت إرجع شب تإرجع إخدم بالجيش»...
بهذه العبارة استقبلنا الجندي المتقاعد توفيق نقولا ابن السابعة والسبعين، فحنينه الى تلك الأيام لا يزال يغلي في عروقه، وتعلّقه بتلك الحقبة من حياته جعله توّاقاً لتقديمها كإرث لأولاده الذين حمّلهم هذه الوديعة الغالية.

 

توفيق نقولا الجندي المتقاعد منذ ثمانٍ وثلاثين عاماً تأثّر إيجاباً بمحيطه العسكري، فإخوته كانوا أفراداً في عائلة الجيش الكبيرة، وكانوا يقدمون له أفضل مثال على رقيّ الحياة العسكرية وأهدافها السامية، وتضحياتها في سبيل الوطن، هذا كلّه معطوفاً على صـوت داخـلي جعلـه يتوجّه في كانون الأول من العام 1949 الى وزارة الدفاع ليقدّم أوراق طلبه للانخراط في الجيش.
ويخبرنا الجندي المتقاعد نقولا: لم أكن أستطيع آنذاك أن أصدق أنه تمّ قبولي وأصبحت أنتمي الى هذه المؤسسة.
في طرابلس بدأ تدريبنا لمدة 6 أشهر في دورة للأغرار، لأصبح بعدها عنصراً في الفوج الأول المتمركز آنذاك في منطقة مرجعيون جنوباً.
بعد مرجعيون والفوج الأول، وفي العام 1961 نقلت الى مصنع الرجال الضباط، الى المدرسة الحربية، وفي هذه القطعة المتميّزة بقيت حتى العام 1967 حين تمّ تسريحي من الخدمة العسكرية.

وعن يوميات الحياة العسكرية يقول الجندي المتقاعد نقولا: قديماً كانت حياتنا العسكرية طوارىء دائمة، وكنا إما في يوم خدمة إما في يوم لنوبة الحرس، وعندما كنت لا أزال عازباً لم أكن آتي الى المنزل إلا نادراً، فالثكنة أصبحت بيتي ورفاقي عائلتي؛ وحتى عندما تزوجت، كان وقتي في العمل أكثر بكثير منه مع عائلتي الصغيرة. كنت أقبض 21 ليرة تكفيني وتزيد، فيومها كانت البركة تطرح في معاشاتنا وفي حياتنا.

وكنت أملك ثلاث بزات، الأولى للعمل العسكري، والأخرى لداخل الثكنة، أما الثالثة فأرتديها في أيام مأذونيتي خارج الثكنة حيث لم يكن يحقّ لنا أن نرتدي ثياباً مدنية في أي وقت من الأوقات.
وكان الانضباط في الهندام والتصرّف أمراً واجباً على كل عسكري، فكنا في المجتمع مثالاً على المواطن الصالح، حتى قيل ان إحداهن تزوّجت رجلاً عسكرياً بشعاً فسُئلت: «ما الذي أعجبك فيه؟»، فأجابت: «غرّتني البدلة رقم واحد».
لم نكن نجرؤ ان نفك الزر في أعلى الرقبة أو أن نحمل في يدنا كيساً أو طعاماً في الطريق، فالعقوبة بانتظارنا.
وقد حصلت حادثة مع رفيق لنا من الفوج ذهب يزور قريباً له من الشرطة العسكرية، وبعد انتهاء الزيارة خرج رفيقنا من منزل قريبه وخلع القلنسوة عن رأسه، فما كان من قريبه إلا أن نهره لفعله هذا.
وفي اليوم التالي قدّم به محضراً حكم عليه على أثره بعقوبة.
ويختم نقولا بالقول: الجيش مدرسة علّمتني الكثير، ومنها علّمت أولادي المبادىء الصحيحة والأخلاق الحميدة، فدم الجيش لا يزال يجري في عروقي حتى اليوم.

تصوير:الجندي بلال عرب