تحقيق عسكري

الجيش في رابع قواعده الجوية «وجه الحجر» تبتسم ومثلها حامات...
إعداد: ندين البلعة

«وجه الحجر» تبتسم وإن كان في القلب بعض من عتب... البلدة الوادعة جارة حامات، أفرحها أن يحلّ الجيش في رحابها، وإن رأت في تسمية القاعدة الجوية الجديدة (قاعدة حامات الجويّة) إجحافًا بحقّها. فالأرض التي تقع فيها القاعدة ومدرسة القوات الخاصة، تعود عقاريًا إلى «وجه الحجر».
على أي حال، أينما حلّ الجيش، فهو بين أهله. وأيًا كان الموقع الذي يشغله عقاريًا، فموقعه في القلب.


بين 1976 و2011
العام 1976 باشرت إحدى قوى الأمر الواقع إقامة منشآت على بقعة أرض تتبع عقاريًا منطقة «وجه الحجر». فكان ما سُمي مطار حامات الذي لم يكتمل ولم يوضَع قيد العمل. وخلال وجوده في لبنان، استخدم الجيش السوري هذه المنشآت للتدريب.
في ما بعد، تحوّلت هذه المنشآت إلى مركز للجيش اللبناني، حيث كان بعض الأفواج يمارس فيها التدريبات من وقت إلى آخر. ومع بداية العام 2010، انتقَلَت مدرسة القوات الخاصة من برمانا إلى نقطة مجاورة للمطار، وبدأ التفكير جدّيًا باستثمار المدرج الموجود، كقاعدة للقوات الجوية.
العقيد الركن الطيار بسام ياسين قائد القاعدة يوضح سبب اختيار الموقع لإقامة قاعدة جويّة جديدة فيقول: «من المعروف أن إقامة مدرج للطائرات بالشكل الصحيح أمرٌ مكلف جدًا، وبما أنّ المدرج قائم في منطقة وسطية بالغة الأهمية بين بيروت والقليعات، ارتأت قيادة الجيش إقامة القاعدة الجويّة الجديدة، التي توفّر للجيش حرية الحركة.
وبتاريخ 25/11/2010 صدر القرار بإنشاء قاعدة حامات الجويّة التي بدأت قيادتها وعناصرها العمل فعليًا مع بداية العام 2011».

 

الهيكليّة وفريق العمل
إلى جانب قائد القاعدة العقيد الركن الطيار ياسين معاونان، العقيد الركن إيلي أسطفان والعقيد الطيار زياد هيكل.
وتضمّ القاعدة جناحًا جويًا مهمته الأساسيّة التدريب وتنفيذ المهمات الجويّة، وجناحًا فنيًّا، مهمّته تدريب الفريق المولَج تعهّد الطائرات والطوافات وصيانتها.
تُعتبَر قاعدة حامات الجويّة، أكبر قاعدة من حيث عدد الضباط بالمقارنة مع عدد العسكريين. وتختلف عن باقي القواعد الجويّة من حيث البناء. وهنا يوضح العقيد الركن ياسين: «نحن محكومون بمساحة الارض التي يحقّ لنا التموضع فيها، لذلك ستكون كل منشآت القاعدة مضغوطة. لكن في هذا الأمر ميزة إيجابيّة إلى حدٍّ ما، إذ يتيح تجمّع القوى».
في ما يتعلّق بأعمال البناء، كُلِّف فوج الأشغال المستقلّ بتشييد الأساسات لمرائب مؤقتة للطائرات (Shelters). كما كُلِّفَت مديرية الهندسة بترميم المبنى الذي تشغله القاعدة، وبترميم هنغار ليكون مركزًا مؤقتًا للجناح الفنّي.

 

طوافات وقريبًا طائرات
تتولّى القاعدة المهمات الإعتياديّة للقوات الجويّة: المحافظة على المجال الجوّي الوطني، تقديم الدعم الجوّي للوحدات البريّة والبحريّة وتنفيذ مهمات خاصة (إنمائية، بيئيّة...).
لقد باشرت القاعدة عملها قبل أن تنجز أعمال البناء، فكيف تسير الأمور؟ يجيب العقيد الركن الطيار ياسين عن تساؤلنا قائلاً: «إنّ وضع القاعدة من حيث البناء لا يعيق مهماتنا وتدريباتنا، نحن نتكيّف مع الوضع المتعب المؤقّت لموقع القاعدة، ونتمسّك بمبدأين أساسيَّين: الصبر، والإصرار على الوصول إلى هدفنا، لأن عملية البناء تتطلب وقتًا طويلاً».
ويتذكّر العقيد الركن ياسين الأيام الأولى في مبنى القاعدة: «تمّ حجز العسكريّين بنسبة 94% بسبب وضعٍ أمنيٍّ طارئ، فنام العناصر في ممرّات المبنى، إذ لم يكن المكان مجهّزًا ليسَع هذه النسبة من الجهوزيّة. ولم يؤثّر ذلك علينا ولا على معنويّاتنا لأننا كنّا متأكّدين أننا سنحقّق من اللاشيء شيئًا».


الجار قبل الدار
يقع مبنى قاعدة حامات الجويّة بجوار مدرسة القوات الخاصة. «الجار قبل الدار» يقول المثل، فكيف إذا كان الجيران رفاق السلاح؟ فريق القوات الجويّة عند قدومه إلى المنطقة، لاقى الترحيب وأقصى حدود التعاون من المدرسة التي قدّمت الدعم اللوجستي اللازم للتمركز. والجاران يتشاركان الخدمات المعيشيّة علمًا أنّ لكل قطعة استقلاليّتها العملانيّة.
ماذا عن الجيران في الدائرة الأوسع، أي أهالي المنطقة؟
يشرح العقيد الركن ياسين:
«تُعتبَر منطقة تمركز القاعدة منطقة هادئة، وأهاليها تعوّدوا هذه الأجواء. وجود القاعدة قد يسبّب إزعاجًا لهم، ولكنهم على الرغم من ذلك كانوا متعاونين جداً. ونحن بدورنا نحاول ألاّ يؤثّر وجودنا سلبًا على هدوء هذه المنطقة وجمالها.
وبما أنّ موقع القاعدة يقطع الطريق بين القريَتَين (حامات ووجه الحجر)، ومع الحاجة إلى تحسين الطرقات المؤدّية إليها، وللحفاظ على طبيعة المنطقة، وضعنا خطّة لإقامة طريق دائريّة حول المدرج بشكلٍ يبقي القريتَين موصولَتين.
وهنا يجب الإشارة إلى أنّ لتموضع القاعدة في هذه المنطقة آثارًا ايجابيّة أكثر منها سلبيّة. ففي كل دول العالم تنشَأ المدن والمؤسسات حول القواعد الجويّة لما تقدّمه في مجال الإستثمارات وتنشيط الدورة الإقتصادية في المنطقة.
فوجود ثكنة أو موقع عسكري يحرّك عجلة الإستهلاك: شراء الحاجيات، تزوّد الوقود وحتى استئجار المنازل للعسكريّين القادمين من مناطق بعيدة عن مركز خدمتهم». ويضيف قائلاً: «لقد اجتمعنا بأهالي المنطقة وطلبنا تعاونهم معنا وتحمّل الإزعاج الصادر عن أعمالنا وتدريباتنا، فهم أهلنا ونحن لن نتخلّى عنهم».

 

صعوبات
«البدء من الصفر أمر غاية في الصعوبة، لكن الصعوبة الأساسيّة التي واجهها فريق عمل قاعدة حامات الجويّة تمثّلت بمحدوديّة المساحة. كنّا محكومين ببقعة التمركز حيث وجود مدرسة القوات الخاصة من جهة، وقرية التدريب على القتال في الأماكن الآهلة من جهة أخرى»، هذا ما يوضحه قائد القاعدة الذي يضيف: «إنّ مساحة قاعدة جويّة تكون عادةً أكبر بكثير وتشمل المدرج وموقع القيادة والأراضي المحاذية. لذلك نعمل على مشروع تملّك أراضي بما يحقّق تصوّرنا النهائي للقاعدة. العمل سيتمّ ضمن مراحل... ونحن ما زلنا في المرحلة الأولى».


الطيران والفقر لا يلتقيان
خلال زيارتنا القاعدة، التقينا العميد الطيار طه ضنّاوي الذي كان يتفقّد الأعمال في القاعدة. وقد أشاد بالعمل المميّز الذي قام به فريق القاعدة، والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه والتي يؤدّيها بشكلٍ مميّزٍ بإلتزامٍ كامل وبالإتّكال على المعارف والقدرات الشخصيّة.
ويلفت العميد ضناوي من جهة أخرى، إلى أنّ القوات الجويّة تحتاج إلى تمويل أكثر من باقي القوى «فالطيران والفقر لا يلتقيان».
كذلك، يشير إلى ضرورة متابعة دورات الإختصاص وبخاصةٍ في مجال الصيانة، لأن الخطأ الأول في الطيران، يمكن أن يكون الأخير.
أمّا العقيد الركن الطيار بسّام ياسين فيقول ختامًا: «بصبرنا وإصرارنا على النجاح نشعر بلذة العمل.
وعلى الرغم من إدراكنا صعوبة الوضع الإقتصادي الضاغط على المؤسسة العسكريّة، إلاّ أنّنا متفائلون باهتمام القيادة وسعيها إلى توفير ما يلزم».

 

القواعد الجوية في لبنان


• قاعدة رياق الجويّة:
خلال الحرب العالميّة الأولى، أنشأ الألمان مطار رياق العسكري ثم قام الحلفاء بتوسيعه، وأخذ الضباط الفرنسيون المتخصصون في الطيران يدربون عددًا من الشبان اللبنانيين على ميكانيك الطائرات.
في أول حزيران 1949 ولد سلاح الجو اللبناني في قاعدة رياق الجوية وعيّن المقدم اميل بستاني أول قائد للسلاح ولقاعدة رياق وكان ذلك في الأول من تموز 1949.
كانت قاعدة رياق الجوية على أيام الفرنسيين جوهرة القواعد الجوية ومحط أنظار رجال الثكنات الأخرى، ليس في لبنان فحسب بل في سوريا والشرق الادنى، إذ كان فيها من منشآت الرفاهية والكماليات والحدائق الزاهرة والتدفئة المركزية والمباني الفخمة ما لم يكن موجودًا في غيرها من الثكنات العسكرية.
بعد أن أخلى الطيران الفرنسي القاعدة، بقيت مهجورة فترة من الزمن، فكانت أبنيتها وحظائرها ومدارجها بحالة سيئة للغاية. أعادت قيادة الجيش اللبناني ترميمها فعادَت الى سابق عهدها لا بل إلى أفضل ممّا كانت عليه، حيث شملت الأعمال بناية الإدارة والحظائر وبرج المراقبة والنادي والمساكن وبرج المظلات وثكنة الجنود وقساطل المياه والكهرباء والهاتف والمدارج والتدفئة المركزية والمصانع ومتفرّعات المدارج … إلخ.
دُشِنت مدرسة طيران شراعي في قاعدة رياق الجوية في حزيران 1957 تيمّنًا بولادة سلاح الطيران في 1 حزيران 1949.


• قاعدة بيروت الجويّة:
أنشأ الفرنسيون العام 1933 مطارًا مدنيًا في بئر حسن في بيروت يخدم لبنان والمنطقة المجاورة في الشرق الأوسط، ولكن هذا المطار بات مهملاً منذ العام 1950.
وبعد أن بقيت قيادة سلاح الجوّ أربع سنوات ونصف في رياق، قرر قائد الجيش نقل هذا المركز إلى بيروت اعتباراً من أول كانون الثاني 1954 وإبقاء قيادة القاعدة في رياق.


• قاعدة القليعات الجويّة:
العام 1941 أنشأ الحلفاء مطارات صغيرة في كلٍ من: الإسطبل (جنوبي بلدة شتورة، استخدم كمدرسة طيران العام 1956) ومرج عيون وإيعات- بعلبك (شمال غرب مدينة بعلبك، تم استخدامه في تمارين الهبوط والإقلاع للطائرات المكبسية، ثم تعطلت مدارجه وأصبح يستخدم لإجراء رمايات الطائرات «جو/أرض»)، ثم أنـشأوا مطار القليعات. وقد طال الإهمال هذه المطارات باستثناء مطارَي القليعات وإيعات - بعلبك. فالأخير ما زال حتى الآن يستعمل للرماية الجوية، وأصبح مطار القليعات قاعدة جوية إعتُبرت آنذاك من أحدث القواعد الجوية في المنطقة.
يقع مطار القليعات على الشاطئ الشمالي للبنان وعلى بعد ستة كيلومترات من الحدود اللبنانية السورية، وكانت تملكه شركة IPC للنفط وتستعمله طائرات صغيرة تابعة للشركة لنقل المهندسين والموظفين بين لبنان والدول العربية. 

 

تصوير: روبير مرقس