في المواجهة

الجيش في ظل حالة الطوارئ بعد انفجار المرفأ: استجابة فورية ودقيقة وفاعلة
إعداد: جان دارك أبي ياغي

بعد هول الكارثة التي حلّت بلبنان جرّاء الانفجار المدوّي الذي وقع في مرفأ بيروت، وأدّى إلى سقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى وإلى تهجير المواطنين من بيوتهم، أعلن مجلس الوزراء قبل استقالته حالة الطوارئ في منطقة بيروت وتولّت قيادة الجيش صلاحية المحافظة على الأمن، ووُضِعتْ بتصرّفها جميع القوى المسلّحة.

كيف كانت استجابة الجيش الفورية لكارثة المرفأ، وما هي المهمات التي أداها في ظل حالة الطوارئ المفروضة؟ الجواب في هذه المقابلة مع نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن الطيار بسام ياسين لمجلة «الجيش».

 

في البداية اعتبر العميد الركن ياسين أنّ انفجار مرفأ بيروت من أكبر الكوارث التي يتعرّض لها أي بلد. عادة في مثل هذه الحالة، يكون الجيش وأجهزة الدولة على استعداد لتلقّف مثل هذه الكارثة من خلال التمرّن على عدة سيناريوهات، إلا أنّ كارثة المرفأ فاقت كل التوقعات وكانت صادمة جدًا.

وتابع: فور وقوع الانفجار، تلقت وحدات الجيش الموجودة في منطقة المرفأ (القوات البحرية وفوج المدفعية الأول) الصدمة كباقي سكّان المنطقة بحكم تمركزهم قرب المرفأ وأصيب العشرات من العسكريين، فتم فورًا تكليف اللواء الحادي عشر بعزل بقعة الانفجار للحفاظ على مسرح الجريمة وعدم العبث بالأدلة، بانتظار تكليف النيابة العامة الجهة المختصة لإجراء التحقيق العدلي.

بعد خطوة العزل، أَوْلى الجيش الاهتمام لعمليات البحث والإنقاذ والتفتيش عن المفقودين وإخلاء المصابين. خارج منطقة المرفأ، تعرّضت المناطق المواجهة للانفجار لأضرار جسيمة في الأرواح والممتلكات. هنا، تدخّل الجيش لمساعدة الوحدات الصحية التي كانت تقلّ المصابين، وأعان المستشفيات المتضررة بفعل الانفجار، وعمل على تنظيم السير لتسهيل وصول الجرحى إلى المستشفيات لتلقي العلاج.

 

الجيش ملأ الفراغ

يلفت العميد الركن بسام ياسين إلى أنّ الجيش عضو في هيئة إدارة الكوارث ويؤدي دورًا مهمًا إلى جانب أجهزة الدولة. وقد سبق أن شارك في تنظيم عدة تمارين وفي وضع الخطط الملائمة لمثل هذه الحالات. ويتذكر في هذا الإطار تمرينًا جرى في منطقة الجنوب حول سيناريو حدوث زلزال وكيفية مواجهته، شاركت فيه أجهزة الدولة كلها، وكان لكل فريق مشارك دوره الخاص.

تهدف هذه التمارين في ظل الكوارث إلى تحديد كيفية توزيع المسؤوليات، وهذا ما برز عند انفجار العنبر رقم ١٢ في مرفأ بيروت، حيث تميَّز الجيش في طريقة تعاطيه مع الوضع القائم نتيجة الاستجابة الفورية للصدمة الكبيرة. وقد تصرّف بسلاسة ومنهجية للمحافظة على مسرح الجريمة وحماية البقعة من الناحية الأمنية، وساعد في عمليات البحث والإنقاذ، وفي إخلاء المصابين وصولاً إلى التحقيق.

 

مهمات جديدة في ظل حالة الطوارئ

عندما تُعلن حالة الطوارئ في البلاد يُفترض بالجيش أن يقوم بمهمات حفظ الأمن. إلا أنّ حجم الكارثة التي وقعت في مرفأ بيروت أدت إلى تداخل الأمن مع الكارثة ما فرض طبيعة تدخّل جديدة للجيش.

يوضح هنا العميد الركن ياسين أنّه بحسب حالة الطوارئ، ووفق القوانين المرعية الإجراء في مثل هذه الحالة، توضع القوى الأمنية جميعها بتصرّف قيادة الجيش وتُمنح صلاحيات واسعة. ووفق توجيهات العماد قائد الجيش استطاع الجيش أن يفرض التوازن بين المهمات العادية والروتينية التي يقوم بها في يومياته ( كالحفاظ على الأمن وحق التظاهر وحماية الأملاك العامة والخاصة) وبين الحالة المستجدة أي حالة الطوارئ.

خلال الاجتماع الأمني الأول الذي عُقد في اليوم التالي للانفجار والذي ضمّ قادة الأجهزة الأمنية إلى محافظ بيروت والصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني، تمّ توزيع المهمات داخل مدينة بيروت على الشكل الآتي: يتولى الجيش حماية المنطقة التي يقع ضمنها مرفأ بيروت حيث مسرح الجريمة، إلى منطقة الكرنتينا. أما المنطقة المقابلة للانفجار أي منطقة الأشرفية ومحيطها والتي تمتد من ساحة الشهداء حتى نهر الموت، فهي من صلاحية قوى الأمن الداخلي والأمن العام، وتولّى أمن الدولة منطقة رأس بيروت.

كان الهدف من هذا التوزيع، بحسب نائب رئيس الأركان للعمليات، مؤازرة الجيش، وحماية كامل منطقة الانفجار تفاديًا لأي خلل قد يحصل في أثناء القيام بالمهمة. بهذه الطريقة تمكنّت الأجهزة الأمنية من حماية الأملاك العامة والخاصة المتضررة من جرّاء الانفجار، ومنعت تعرّضها للسرقة في الوقت الذي كان يتم فيه مسح الأضرار.

في صلب الاجتماع الثاني، كان تنسيق بين الأفرقاء المعنيين لمعرفة دور كل جهاز بالمهمة المناطة به. مثلاً، كان على قوى الأمن الداخلي التعرّف إلى جثث الضحايا بعد العثور عليهم، مهمة الدفاع المدني الإسهام في إخماد الحرائق وساعد الصليب الأحمر في نقل المصابين. كما طُلب من محافظ بيروت تكثيف الدوريات للمحافظة على أملاك الناس ومنع التعديات.

في موازاة ذلك، أنشأت قيادة الجيش قيادة عسكرية لمرفأ بيروت بقيادة العميد الركن جان نهرا، وغرفة طوارئ متقدمة في مركز محافظة بيروت بقيادة العميد الركن سامي الحويك لإدارة عمليات المساعدة الإنمائية والإنسانية في قلب المناطق المدمرة، بالإضافة إلى الإشراف على عمليات إزالة آثار الانفجار فيها. هذا إلى مباشرة أعمال لجنة مسح الأضرار في منطقة بيروت بالتعاون مع الهيئة العليا للإغاثة.

 

الواجب الوطني

يشير العميد الركن بسام ياسين إلى أنّ انقضاء مهلة الشهر لحالة الطوارئ لا يعني إنتهاء مهمة الجيش، فهي تبقى رهن المستجدات الميدانية المتعلقة بانتهاء التحقيق بالجريمة وانتهاء البحث عن المفقودين، ورهن الوضع الأمني إذا كان يستدعي بقاء الجيش ممسكًا بزمام الأمور، وهذا القرار يعود إلى مجلس الوزراء.

في النهاية، مع إعلان حالة الطوارئ أو من دونها، يتحمّل الجيش في كل الظروف مسؤولية وطنية، فكيف بكارثة من هذا الحجم تتطلّب حضورًا فاعلاً. وهو لم ولن يقصّر في واجباته فالوضع القائم فاقم مسؤولياته، خصوصًا بعد استقالة الحكومة. وفي مثل هذه الحالة، تزداد التضحيات وتكبر ثقة الناس بالجيش، والجيش دومًا إلى جانب شعبه، على حد قول العميد الركن بسام ياسين.

 

تحية إلى المتطوّعين

في الختام، سجّل نائب رئيس الأركان للعمليات تحية إكبار إلى الهيئات المحلية والمؤسسات التطوعية والجمعيات الإنسانية بمختلف انتماءاتها، منوهًا بحضورها الفاعل وعملها على مدّ يد العون إلى الشعب اللبناني المنكوب في غياب الجهات الرسمية. فالمتطوعون رسموا من خلال هذه المبادرة صورة لبنان الحقيقية في وقت الأزمات الكبرى.