ملء عين الوطن

الجيش وعكار

دم الشهداء وعرق الشرفاء في مواجهة الفتنة


كشفت الفتنة عن وجهها البشع بوضوح ومن دون مواربة أو حياء. بكل قبحها ونتانتها أعلنت أنها مصمّمة على زرع النار والحقد بين الأخ وأخيه، بين الأب وابنه، بين أفواه الفقراء ولقمة عيشهم. بين أحلام الشباب وإرادتهم. بين الجيش وأهله، وأين؟ في عكار؟
عكار التي في كل بيت من بيوتها ساعد للجيش وصورة لأحد شهدائه! إنه لمن الأسهل تصوّر الجسد قابلاً للحياة إن سلخ عنه جلده ومنع تدفّق الدم إلى شرايينه، من تصوّر الجيش في مواجهة عكار، أو تصوّر عكار في مواجهة الجيش...
لن تمرّ الفتنة ولن يسمح الجيش لرياح سمومها بهدم ما بني بالعرق والدم. ولن تكون حادثة مفجعة ممرًّا إلى دمار جديد وعودة إلى ماضٍ لا يريد العودة إليه أي مواطن صادق في ولائه.
الجيش يقوم بواجباته على الأرض بكل ما أوتي من مناقبية وصبر وجهد وتصميم وصمت... يبقى على الآخرين أن يقوموا بواجبهم. والآخرون ليسوا ضميرًا غائبًا أو مجهولاً...


العماد قهوجي: على السياسيين إطفاء نار الفتنة
عقب التطوّرات التي تسارعت في الشمال خلال الفترة الأخيرة وأدّت إلى حادث مؤسف ذهب ضحيته الشيخ أحمد عبد الواحد ورفيقه محمد حسين مرعب، توجّه قائد الجيش العماد جان قهوجي بالتعازي إلى أهل الشيخ عبد الواحد وأقربائه خصوصًا وإلى أهل عكار عمومًا، طالبًا من الجميع عدم التسرّع واستباق التحقيق. وقال: ليأخذ القانون مجراه، وسيتمّ توقيف المتورّطين، داعيًا أهل عكار إلى عدم الانجرار وراء الفتنة، «فأبناء الجيش اللبناني هم أبناؤكم، وعكار هي الحاضن والخزان البشري للمؤسسة العسكرية».
وفي حديث إلى صحيفة «الجمهورية» الصادرة بتاريخ 21/5/2012، قال العماد قهوجي «إنّ ما حصل في عكار هو نتيجة الإحتقان السياسي الموجود في المنطقة» ودعا «السياسيين إلى إطفاء نار الفتنة لأنّ اللبنانيين لا يريدون العودة ببلادهم إلى الوراء، وهم يتمسكون بالدولة وبالجيش. ولكن المشكلة هي في بعض الخطاب الذي يكون أحيانًا سببًا للتوتير والفتنة».
وأضاف: «لن نسمح بالفتنة لا في الشمال، ولا في أيّ منطقة لبنانية. وما يصيب أهلنا في عكار وطرابلس وكل مدينة وقرية في لبنان يصيبنا، والجيش للأهالي وليس على الأهالي».
سبق هذا الكلام للعماد قهوجي كلام آخر إلى صحيفة «السفير» (18/5/2012) غداة الحوادث الأمنية التي عاشتها طرابلس وأدّت إلى سقوط قتلى وجرحى واستشهاد أحد العسكريين.
قائد الجيش الذي أكّد عدم السماح بالمساس بهيبة المؤسسة العسكرية، قال: «إن مست هيبة الجيش فلن يبقى من المؤسسة العسكرية شيء، وبالتالي فإن تقوية المؤسسة العسكرية هي الأساس الذي يجب أن يرتكز عليه السياسيون، وقوة المؤسسة تعني مزيدًا من الاطمئنان لكل المواطنين».
وحول الوضع في طرابلس، قال قائد الجيش إن المؤسسة العسكرية «مصمّمة على إنجاز مهماتها في طرابلس بما يؤدي إلى إعادة الحياة إلى طبيعتها وتأمين أمن المواطنين وإزالة كل المظاهر المسلحة». وأكّد «إن الوضع الحالي لا بد أن ينتهي وتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، خصوصًا كي لا يؤدي استمرار تردي الأوضاع إلى تمدّدها إلى أمكنة أخرى».
ولفت العماد قهوجي الانتباه إلى أن الوحدات العسكرية تنفّذ مهماتها بالحدّ الأعلى من الحرص على حياة المواطنين، كما على حياة العسكريين، وإنّ الأوامر المعطاة للعسكريين تقضي بالتعامل بحزم وشدّة لإعادة الأمن والاستقرار، وحماية المواطنين، ومن هذا المنطلق تنفّذ الوحدات العسكرية مهمتها في منع المظاهر المسلّحة، انفاذًا لأوامر مشدّدة بالتصدي فقط لكل من يتعرّض للجيش مباشرة والرّد على مصدر إطلاق النار على الجنود مع الحرص الكامل على عدم التسبب بسقوط ضحايا في صفوف المواطنين.
وأكّد العماد قهوجي أن «الجيش للجميع من دون استثناء، وليس مع طرف ضد طرف ولا ينصر فئة على أخرى، فكما أن الفوج المجوقل موجود في جبل محسن، كذلك فوج المغاوير موجود في التبانة، وبالتالي الجيش ليس منحازًا لا لجبل محسن ولا للتبانة، وهو لن ينحاز لأي منهما على حساب الآخر، بل هو منحاز لكليهما معًا انطلاقًا من واجبه بحماية أمن كل المواطنين وأرزاقهم وممتلكاتهم».
وإذ شدّد القائد على تعاون المواطنين مع الوحدات العسكرية في طرابلس، توجّه إلى السياسيين قائلاً:
«هناك مهمة أساسية تقع على السياسيين خصوصًا أولئك الذين «يمونون» على المسلحين، علمًا بأن أكثر من نصف المسلحين في طرابلس تابعون للسياسيين، ومسؤولية هؤلاء تقتضي سحبهم وأن يبادروا إلى تخفيف حدّة الخطاب السياسي ويساهموا في تأمين الاستقرار والأمن وإزالة التشنج وأسباب التوتر، وأن يسارعوا إلى خلق بيئة حاضنة للجيش الذي كان وسيبقى الملاذ الأول والأخير لكل اللبنانيين».


بيانات التوجيه
في المقابل أصدرت قيادة الجيش - مديرية التوجيه عدة بيانات حول الحوادث الأمنية وتطورات الأوضاع في طرابلس، ومن ثم في حلبا وسواها من المناطق.
فقد صدر في 13/5/2012 بيان جاء فيه: «على أثر الاشتباكات التي حصلت فجر اليوم بين عناصر مسلحين في منطقة التبانة - جبل محسن وأدّت إلى إصابة عدد من المواطنين، اتخذت وحدات الجيش المنتشرة في المناطق تدابير أمنية مشدّدة، بما في ذلك تسيير دوريات مؤللة وإقامة حواجز مكثفة. وقد استشهد أحد العسكريين في محلة الملولة من جراء تبادل إطلاق النار بين المسلحين وذلك في أثناء انتقاله من مركز عمله في البقاع إلى بلدته في عكار.
تستمر وحدات الجيش في تعزيز إجراءاتها الأمنية وتعقّب المسلحين لإعادة الوضع إلى طبيعته بصورة تامة، وتؤكد القيادة أنها ستتعامل بكل حزم وقوة مع العابثين بأمن المدينة واستقرارها إلى أيّ جهة انتموا».
وأعقب هذا البيان بيان آخر في اليوم نفسه أفاد أنه «في أثناء قيام دورية من الجيش بفتح الطريق الرئيس بين محلتي باب التبانة وجبل محسن، تعرضت لإطلاق نار من قبل عناصر مسلحين ما أدى إلى جرح عسكريين اثنين، وإصابة بعض الآليات بطلقات نارية. وقد ردّت قوى الجيش على مصادر النيران بالمثل، وهي تعمل على معالجة الوضع وملاحقة الفاعلين».
وفي 15/5/2012 أعلنت القيادة أن وحدات الجيش «استكملت عملية الانتشار في المناطق التي شهدت اشتباكات مسلّحة في طرابلس وخصوصًا في أحياء جبل محسن وباب التبانة وشارع سوريا، وأعادت الوضع إلى طبيعته وهي تقوم بتسيير دوريات وإقامة حواجز في شوارع المدينة لمنع الإخلال بالأمن وتمكين المواطنين من ممارسة حياتهم الطبيعية.
كما تمّ تعزيز قوى الأمن الداخلي في المدينة للمساعدة في تسيير أمور المواطنين وحفظ النظام.
إنّ قيادة الجيش إذ تأسف لسقوط الضحايا البريئة في صفوف المدنيين والعسكريين، تؤكد أن فرض الأمن هــو حاجة وطنيـة لكل اللبنانييــن، وأن الفوضى لن تكــون في مصلحـة أحــد، وأنّ وجود الجيـش في طرابلس أو في أيّ منطقة أخرى هو لحماية الاستقرار فيها، وليس لمواجهـة الأهالي أو الاشتباك معهم، ولهذه الغاية لا تعنيه المواقــف التحريضية أو الاستفزازية الصادرة من هنا أو هناك، والتي تدعو الجيش مرة لعدم التدخل، ومرة لضرب شعبه وبالتالي توريطه في أوضاع تسيء إلى دوره، ولا تخدم أمن المواطنين واستقرارهم.
إنّ قيادة الجيش تراهن مجددًا على وعي أهل المدينة ووقوفهم إلى جانب جيشهم، وتؤكد قرارها الحاسم بإزالة جميع المظاهر المسلّحة من المدينة، بما في ذلك إطلاق نار من دون إنذار باتجاه أي مسلّح فور مشاهدته، كما أنها ستقوم بكلّ ما من شأنه الحفاظ على السلم الأهلي ومنع الفوضى».
كما أعلنت القيادة في بيان لاحق أن وحدة من الجيش باشرت إزالة جميع الدشم والمتاريس، محذّرة من أنها ستتعامل بكل قوة وحزم مع أيّ محاولة لإعادة بنائها.
وجاء في بيان صدر في اليوم التالي: «على أثر إقدام عناصر مسلّحين في مناطق جبل محسن والتبانة والقبة على تبادل إطلاق نار بالأسلحة الحربية الخفيفة، قامت وحدات الجيش بالردّ على مصادر إطلاق النار بدقّة، كما نفّذت ولا تزال عمليات دهم سريعة للمباني التي يجري منها إطلاق النار، حيث تمكنت من توقيف عدد من المسلّحين وضبط الأسلحة والذخائر التي كانت بحوزتهم، وقد أصيب من جراء الاشتباكات أحد الجنود بجروح غير خطرة.
تشير قيادة الجيش إلى أن ما أورده بعض وسائل الإعلام عن انسحاب وحدات الجيش من شارع سوريا أو أي مكان آخر، هو عار عن الصحة جملة وتفصيلاً، وهي تهيب بوسائل الإعلام المعنيّة، التحلي بروح المسؤولية الوطنية والمهنية، وتوخي الدقّة في بث الأخبار المتعلقة بالجيش، والعودة إلى هذه القيادة للوقوف على الحقيقة كاملة».

 

حلبا
يوم الأحد (20/5/2012) كان الجيش يتّخذ تدابير استثنائية ومشدّدة في مدينة حلبا بالتزامن مع دعوة طرفين سياسيّين في المنطقة إلى إقامة احتفالين في الوقت نفسه وفي ساحتين تفصل بينهما مسافة قريبة، وتطوّر الوضع بشكل دراماتيكي مع مقتل الشيخ عبد الواحد ومرافقه قرب حاجز الجيش.
مديريّة التوجيه أصدرت بيانًا حول الحادث جاء فيه:
«أدّى حادث مؤسف قرب حاجز الجيش في بلدة الكويخات - عكار، إلى إصابة كل من الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه بطلقات نارية، وما لبثا أن فارقا الحياة متأثرين بجروحهما.
إن قيادة الجيش، إذ تعبّر عن أسفها الشديد لسقوط الضحيّتين، وتتوجّه بأحر مشاعر التضامن والتعازي إلى ذويهما، تشير إلى أنها بادرت على الفور إلى تشكيل لجنة تحقيق من كبار ضباط الشرطة العسكرية، وبإشراف القضاء المختصّ».
وقالت المديرية في بيان لاحق «إنّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر حضر إلى منطقة الشمال، وعاين مكان الحادث واطّلع على الأدلة المتوافرة وباشر التحقيق مع عناصر حاجز الجيش للإطّلاع على ظروف الحادث وملابساته وإجراء المقتضى القانوني».
الجيش يقوم بواجباته، وهو لن يسمح للفتنة بأن تعبث بأمن البلاد، إنه عهد وهو لطالما وفى بعهوده، يبقى أن يعي الآخرون إلى أي منزلق يقودون البلاد، إذا لم يقوموا بواجباتهم ويفوا بعهودهم.