مهمات استثنائية

الحاجة تكبُر وكذلك الجهود...

منذ نيسان الماضي بدأ الجيش توزيع المساعدات االجتماعية على المواطنين في المناطق كافة. ومع صدور هذا العدد يكون قد شارف على االنتهاء من توزيع الدفعة الرابعة من هـذه المساعدات.
أعـداد المستفيدين ارتفعت مع ازديـاد نسبة المواطنين الذين باتوا بحاجة إليها، ما اقتضى ً جهودا إضافية إلنجاز المهمة ً التي تتطلب في األساس جهودا ً جبارة، بدءا من عملية التدقيق في اللوائح، وصـوًل إلى تسليم المساعدات لمستحقيها.

 

قد يخيّل للمرء للوهلة الأولى أنّ تولّي الجيش توزيع المساعدات ليس بالأمر العسير نظرًا لانتشار ثكناته ومراكزه في المناطق كافة، ما يعني عمليًا أنّه بقرب المواطنين. لكن المثل القائل: «مَن يأكل العصي غير مَن يعدّها» يجد أفضل تطبيق له في ما يخص تولّي الجيش مهمة توزيع المساعدات. فحرصًا على العدالة والشفافية عمل الفريق المولج بتدقيق اللوائح بمعدل 16 ساعة يوميًا على مدى أيام طويلة لتحاشي الأخطاء التي تتيح للبعض الاستفادة من دون وجه حق. وعملية التدقيق هذه تُكرَّر كلما أضيفت إلى اللوائح التي تم تدقيقها في المرحلة الأولى، لوائح أخرى.
في هذا السياق، يورد اللواء الركن الياس الشامية عضو المجلس العسكري بعض الوقائع كنماذج: «عدد المستفيدين من ضحايا الألغام كان 4300 شخص وبعد التدقيق انخفض إلى 1406، وذلك بسبب وجود متوفين لا ورثة لهم، وآخرين غير لبنانيين (أجانب يعملون مع فرق نزع الألغام)، فضلًا عن عملاء للعدو انفجرت بهم ألغام كانوا يقومون بزرعها. في فئة السائقين العموميين كان يوجد الكثير من الأخطاء التي تم كشفها وتصحيحها. فقد يبيع سائق سيارته إلى آخر من دون أن يشطب اسمه كمالك، ويتكرر الأمر حتى يتبين أنّ هناك خمسة أشخاص يريدون الاستفادة بالاستناد إلى ملكية السيارة نفسها. وفي فئة ذوي تلامذة المدارس الرسمية أيضًا كانت هناك أخطاء سببها طمع البعض بقبض المساعدة مرتين، وقد اعتمد هؤلاء عدة طرق، لكنّنا كشفنا الأمر واتخذنا ما يلزم من إجراءات، ومن بينها أنّ للأب وحده الحق في تسلّم المساعدة، وفي الحالات الاستثنائية كوفاته أو سفره أو مرضه على الأم أن تبرز تقريرًا مصدّقًا من المختار تحت طائلة المسؤولية».
 

ملاحظات ميدانية
في تقويم للعمل في مهمة توزيع المساعدات التي بدأها الجيش في تاريخ 21 نيسان 2020 وأنهى لغاية مطلع شباط 2021 توزيع ثلاث دفعات منها، يقول اللواء الشامية: «خلال هذه الفترة كُنا نراقب مليًا ردات فعل المواطنين المستفيدين منهم وغير المستفيدين. بالطبع المستفيدون راضون عن أداء الجيش المولج بالتوزيع حتى ولو تكبّد أحدهم بعض الأحيان مشقّة الوصول إلى المركز العسكري البعيد نسبيًا ليتسلّم متوجباته. إنما الأهم كان الجزء الكبير غير المستفيد، فالاعتراضات كثيرة والاحتياجات تتزايد، لكنّ الجميع يعرفون أنّ رئاسة مجلس الوزراء هي مَن تقرر البرامج واللوائح للمستفيدين. ودور الجيش يقتصر على التدقيق والتنظيم والدفع، وبالتالي لا اعتراضات على أدائه، وإنما على البرامج وما تحويه من لوائح من قبل البعض. في المحصلة إنّ توقيت انطلاق توزيع المساعدات من قِبَل الدولة على الشرائح التي طالها كان سليمًا، ونحن نلمس إيجابية هذا القرار من خلال الدعوات وعبارات الشكر التي يسمعها العسكريون يوميًا، وخصوصًا من قِبَل النساء الأرامل المستفيدات».
ويوضح اللواء الشامية أنّه في المرحلة الأولى من التوزيع كان بين المواطنين مَن يرفض قبول المساعدة المخصصة له تحسسًا بالمسؤولية تجاه المحتاجين أكثر منه، أو خجلًا أمام أبناء بلدته. أما الآن فلا يوجد شخص غير محتاج أو متردد في قبول المساعدة. فأعداد المحتاجين إلى ارتفاع وشرائح المجتمع الفقيرة تتوسع تباعًا. في المقابل نلاحظ أنّ سكان المدن أصبحوا أكثر حاجة من سكان الأرياف حيث يستطيع المواطنون استغلال أراضيهم والاستفادة من منتوجاتها، وهذا ما يخفّف عنهم أعباء الغلاء الفاحش في أسعار الخضار والفواكه.
 

شكاوى
يشتكي المواطنون من عدم الالتزام في تسديد الدفعات الشهرية من المساعدات، فما الذي يسبب التأخير؟ في هذا السياق يشير اللواء الشامية إلى أنّ الآلية المتّبعة في دفع المساعدات تتطلّب وقتًا لتحضير اللوائح وتدقيقها وتجهيزها وتعميمها وعملية الدفع تتطلب شهرًا ونصف الشهر. أما سبب التأخير فيعود أحيانًا إلى تأخّر تحويل الأموال من وزارة المال إلى الجيش، كما أن لجائحة كوفيد-19 وما رافقها من تدابير دورًا في ذلك.
 

أعداد المستفيدين وفريق العمل
كيف تطوّر عدد المستفيدين وما هي الأعباء التي تضيفها زيادتهم على صعيد فريق العمل؟ يوضح اللواء الشامية أنّ الزيادة المطّردة في عدد المستفيدين تتطلّب تكبير حجم فريق العمل الإداري. ففي المرحلة الأولى استفادت 144000 عائلة، وفي الثانية استفادت 170000 عائلة أما في المرحلة الثالثة فوصل عدد المستفيدين إلى 228000 عائلة، ومن المرتقب أن يزيد عددهم عن ثلاثمئة ألف عائلة في المرحلة الرابعة في حال تأمين الأموال المطلوبة. وهذا ما يستدعي بذل فريق العمل لجهود مضاعفة.
ويتألف فريق العمل الحالي من أربعة أقسام:
- قسم العمليات «CALL CENTER»: يتلقى استفسارات المواطنين وشكاواهم ويجيب عليها، كما يعالج اتصالات الضباط الواردة من الوحدات المكلّفة بالتنفيذ.
- قسم التأليل: يقوم بمقارنة الملفات الواردة مع جميع الملفات والبرامج المعمول بها لحذف الأسماء المكررة منها منعًا لازدواجية الاستفادة.
- قسم المتابعة: مهمته معالجة الملفات قبل إرسالها إلى الطباعة ومن ثمّ استلامها من الوحدات بعد إتمام عملية الدفع ومعالجتها من جديد.
- قسم الطباعة: يتسلّم الملفات، يُدقّق بها ثم يرمّزها ويرسلها إلى مديرية الشؤون الجغرافية لطباعة البطاقات التي يسلّمها ضمن آلية قانونية إلى الوحدات المعنية بالتنفيذ.
بالنسبة إلى العمل على الأرض، بدأ تسليم الدفعة الرابعة في 25 / 1 / 2021 في جميع المناطق اللبنانية دفعة واحدة، ويتولّى المهمة أكثر من 250 فريقًا. تُشارك في توزيع هذه المساعدات جميع الألوية والأفواج وقيادات المناطق العسكرية الخمس والقوات الجوية بالإضافة إلى معهد تدريب الأفراد.
في ظل تطبيق قرار منع التجوّل يتم التوزيع في القرى والبلدات والأحياء داخل المدن لكي لا يتحمّل المواطن عناء الانتقال بسيارته. ومعلوم أنّ الجيش حمل المساعدات في المرحلة الأولى إلى منازل المواطنين بهدف الاطلاع على أوضاعهم، وطمأنتهم إلى أنّ الدولة لن تتخلّى عنهم وهي حاضرة معهم.
أما في المرحلة الثانية فقد اختيرت مراكز عسكرية قريبة من مكان السكن، وفي المرحلة الثالثة تم اعتماد مراكز عسكرية ثابتة اعتُبرت وسطية بين عدة قرى.
 

المعايير
لم تتغيّر المعايير منذ بدء عملية التوزيع، إذ ترد أسماء المستفيدين ضمن لوائح واردة من رئاسة مجلس الوزراء عبر وزارة الدفاع الوطني، وهم يُقسمون إلى سبعة برامج أو فئات هي: مصابو الألغام - ذوو طلّاب المدارس الرسمية من مستوى الصف التاسع وما دون- ذوو الاحتياجات الخاصة- العائلات الأكثر حاجة- السائقون العموميون- متطوّعو الدفاع المدني- والقسم المُدقّق من البرنامج المشترك بين وزارتَي الداخلية والشؤون الاجتماعية «IMPACT». أما معايير الاستحقاق فتلخّص بالآتي:
- أن يكون لبنانيًا.
- لا يمارس أي عمل مأجور ولا يتقاضى أجرًا.
- لا يتقاضى راتبًا تقاعديًا.
- غير ميسور ولا يمارس أي تجارة.
- على قيد الحياة ويعيش في لبنان.
- غير متورّط بأعمال إرهابية أو بالتعامل مع العدو الإسرائيلي.
- لا يمارس عملًا منتخبًا من أجله (رئيس بلدية أو مختار).
- لا يمارس سلطة دينية.
 

غير كافية ولكن...
يعلم الجميع جيدًا أنَّ المساعدة التي تتلقاها كل عائلة (400 ألف ليرة لبنانية شهريًا) غير كافية لإعالة عائلة، لكنّها تساعد في تحسين أوضاعها. والتوزيع ليس شهريًا إنما يتم تسليم دفعة كل شهرين تقريبًا، وأحيانًا أكثر بسبب التأخّر في تأمين الأموال.
ويكشف اللواء الشامية: «ندرس إمكان رفع قيمة المساعدة، وقد تمّت مناقشة الموضوع مع المعنيين في رئاسة مجلس الوزراء، لكن الأمر بات متعذّرًا حاليًا إذ لا يُعقَد اجتماع لمجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف أعمال، بينما تعديل قيمة المساعدة يستوجب اجتماعه لتعديل القرار السابق الذي حدّد قيمتها».
وفي النهاية، يشكر اللواء شامية قيادة الجيش وعمليات القيادة على دعمها المطلق لهذه المهمة الإنسانية، وينوّه بجهود جميع العاملين على إنجازها، من الفريق الإداري إلى الوحدات التي تتولى التوزيع.


مناطق وأرقام
• يتفاوت عدد المواطنين المستفيدين في المناطق ما يؤشر إلى الأكثر حاجة بينها. ففي حين تحل عكار في الطليعة (28 ألف عائلة تقريبًا)، تأتي طرابلس بعدها مباشرة (20 ألف عائلة تقريبًا)، ومن ثم بعلبك - الهرمل (19600 عائلة)، فأقضية: بعبدا وصور (نحو 17 ألف عائلة في كل منهما)، صيدا (14 ألف عائلة)، المتن وعاليه (12 ألف عائلة كل منها)، وبنت جبيل (6 آلاف عائلة تقريبًا). أما الشريحة الأكبر من المستفيدين فهي التي تضم ذوي التلامذة في المدارس الرسمية إذ يبلغ العدد نحو 100 ألف عائلة.
• في غرفة العمليات رقم هاتف يتلقى اتصالات المواطنين، والرقم هو 456900 /05.
• مع انطلاق المرحلة الثالثة تمّ اعتماد بطاقات يستطيع صاحب العلاقة الاستفادة منها لست مرّات متتالية وقد وزّعت على الأشخاص الواردة أسماؤهم في اللوائح حيث يبرزها الشخص لدى حضوره لتسلّم المساعدة، ويوقّع عليها الضابط الموزّع.