سلامة البيئة

الحدائق والمنتزهات... مطلب صحي وبيئي
إعداد: د.الياس الشويري
رئيس لجنة النقل البري في منظمة السلامة العالمية وممثل المنظمة لدى الأمم المتحدة

يعاني معظم المدن المكتظة بالسكان والسيارات من ظاهرة الضباب الدخاني (SMOG) التي تفاقمت بشكل مرعب في الآونة الأخيرة وفي معظم دول العالم. وقد صدر عن الإتحاد الدولي لإدارة الحدائق  IFPRA) )تقرير بعنوان "الحدائق والمنتزهات في عصر المعلومات" جاء فيه "أن الحدائق والمنتزهات أصبحت مطلباً أساسياً، ليس فقط لكونها مظهراً حضارياً وترويجياً بل وبيئياً أيضاً... وإنه يتعين على الدول التي تسعى للحفاظ على بيئة نظيفة، أن تُعنى بحدائقها ومنتزهاتها وفق أسس علمية مدروسة...". لماذا الحدائق، وما هو الدور الذي تؤديه في التقليل من الآثار السلبية الناتجة عن ظاهرة الضباب الدخاني؟ وما هي الأسس العلمية الواجب إتباعها لاستحداث الحدائق العامة والمنتزهات بإعتبارها المتنفس الصحي الوحيد؟

 

ملوثات الهواء

من الحقائق الثابتة لدى الجميع، أن ملوثات الهواء الأكثر خطورة على صحة الإنسان وتشويه البيئة هي تلك التي تنفثها السيارات، وأن هذه النواتج هي السبب المباشر في تكوين الضباب الدخاني. فقد أثبتت الدراسات والبحوث الحديثة بهذا الخصوص أن هذا الضباب يتكوّن أساساً نتيجة إحتراق الوقود في محركات السيارات ووسائل النقل العامة التي تجوب طرقات المدن، والتي تُقدّر أعدادها بعشرات الألوف. وعند احتراق الجازولين (البنزين) أو السولار في محركات السيارات، تتأكسد الجزئيات العضوية المكوّنة للوقود الى نواتجها النهائية، وهي ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء. ولكن إحتراق الوقود في آلات الإحتراق الداخلي لا يكون إحتراقاً تاماً على الدوام، لذلك فإن غازات العادم التي تتكوّن من غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء تكون مصحوبة عادة بكمية قليلة من بعض الجزئيات العضوية التي لم تتأكسد أكسدة كاملة، بالإضافة الى قدر صغير من غاز ثاني أكسيد الكربون وبعض أكاسيد النتروجين، وينطلق كل هذا الخليط الغازي السام من عشرات الألوف من السيارات ليملأ طرقاتنا وينشر في أجوائها ويغلّف مساكنها، من دون أن يراه أو يلاحظه أحد! وعندما يتعرض هذا الخليط الغازي للأشعة فوق البنفسجية الآتية من الشمس، يحدث بين مكوناته تفاعل كيميائي غريب.

 

كيف نخفف من حدة التلوث؟

 لعل الحل للتخفيف من حدة هذه الملوثات المميتة يكمن في إقامة العديد من الحدائق العامة والمنتزهات، فالدراسات العلمية قد أجمعت على أن مثل هذه "المسطحات" وما تحويه من أشجار ومساحات خضراء تقوم بدور فاعل في امتصاص ثاني أكسيد الكربون. كما ثبت أيضاً بأن شجرة واحدة قادرة على امتصاص الرصاص المنطلق من 120 كيلوغراماً من البنزين، وأن كيلومتراً مربعاً واحداً من الأشجار والنباتات يُعطي ما بين 650­2500 طن من الأوكسجين ويمتص 460-650 طناً من ثاني أكسيد الكربون في فصل النمو الواحد. إضافة الى ذلك فإن الأشجار ذات الأوراق الملساء تُعتبر من أفضل الأنواع الشجرية لامتصاص الإنبعاثات الغازية السامة، أما الأشجار ذات الأوراق الإبرية فهي قليلة الفاعلية في امتصاص الغازات، ولكنها ذات فاعلية كبيرة جداً في خفض نسبة الغبار في الجو.

 

متطلبات البيئة

إن أبرز المعايير الواجب أخذها بعين الإعتبار عند تخطيط الحدائق والمنتزهات كي تنسجم مع متطلبات البيئة المحيطة بكل مكوناتها هي:

■ تنفيذ هذه المهمة من قبل فريق عمل متجانس وكفوء.

■ طبيعة الموقع وما يُحيط به من تلال ومرافق ومبان...

■ الإعتبارات الإجتماعية والإقتصادية للفرد والمجتمع.

■ عدم الإكثار من الطرق والممرات داخل الحديقة، وذلك لتوفير أكبر مساحة ممكنة للمناطق الخضراء، وتوظيف الممرات    لخدمة المنشآت وصيانتها ولرعاية المناطق المزروعة.

■ توفير الخدمات والمرافق العامة من إنارة، برادات لمياه الشرب، دورات مياه، أمن...

■ وجود الأماكن والخدمات التي تُلبي متطلبات ذوي الحاجات الخاصة.

■    استخدام النباتات والأشجار ونباتات الزينة والزهور التي تلائم الظروف المناخية والبيئية للموقع.

■ تخصيص مساحة لا تقل عن 20% من المساحة الإجمالية للحديقة للإستجمام والراحة الهادئة.

 

كلنا مسؤول

 يبقى السؤال: هل تراعى عند تخطيط الحدائق العامة والمنتزهات الموجودة في معظم الدول العربية الأسس العلمية المدروسة والتي تتناسب مع البيئة المحلية والقاطنين فيها؟ خصوصاً أنها لا تؤدي وظيفة بيئية تكمن في تلطيف الجو من الإنبعاثات الغازية السامة التي تنطلق من عوادم السيارات والمصانع (فلاتر طبيعية) فحسب، بل أصبحت مطلباً حيوياً ملحاً كونها تلعب دوراً بارزاً في الإرتقاء بالقيم السلوكية للشعوب، فتشييدها في حد ذاته دليل على التحضّر والرقي. وهي مساعد رئيسي في التخفيف من تأثيرات الضجيج الضار الناتج عن حركة المرور، إضافة الى كونها تمثل عناصر بصرية وتبايناً مشوّقاً في المسقط الأفقي للمدينة وخط الأفق وتوفّر الظلال وتؤمن امتصاص الرطوبة.