نحن والقانون

الحدث المخالف للقانون أو المعرّض لخطر الانحراف في القانون اللبناني
إعداد: د. نادر شافي
محام بالإستئناف

الحدث، في المفهوم القانوني، هو الشخص الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره إذا ارتكب جرماً معاقباً عليه في القانون، أو كان معرضاً للخطر. ويجري التثبت من السن بالقيود الرسمية أو بالخبرة الطبية. ومن الشائع في كل أنحاء الكرة الأرضية، تعرّض الأحداث، وخصوصاً الأطفال، في كل لحظة لمظالم ومخاطر؛ كأن يتم احتجازهم لمدد غير محدّدة، وإما مع البالغين، أو في سجون غير صحية. ففي لبنان مثلاً، ينتظر 90% من الأحداث الموقوفين لتقديمهم للمحاكمة، وبعضهم ينتظر مدة قد تصل الى سنتين أو أكثر، على الرغم من الاتجاه نحو الاسراع في بت هذا النوع من القضايا، ويعود ذلك الى قلة عدد القضاة، وعدم توافر المساعدة القضائية الجدّية.
لقد تنبّه المجتمع الدولي الى وجوب توفير الرعاية الكاملة للأطفال، فعصبة الأمم (العام 1924) والأمم المتحدة (العام 1959) تبنّتا إعلانين بشأن حقوق الطفل، لكن أياً من هاتين الوثيقتين لم تكن ملزمة لحكومات العالم على الرغم من اعتبارهما من المبادئ الجوهرية في هذا الاطار، الى أن تمّ وضع القواعد الدنيا لإدارة قضاء الأحداث المعروفة بقواعد بكين العام 1985. ثم تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل العام 1989، وصادقت عليها دول العالم كافة باستثناء الولايات المتحدة الأميركية والصومال. وكان لبنان من أوائل الدول التي صادقت على هذه الاتفاقية، وهي تتضمن فصولاً هامة حول حق الطفل في الحياة والنمو والحريات المدنية والبيئة العائلية والحقوق الصحية والتربوية وعلاقة الأطفال بالأجهزة العدلية والأمنية. ثم جرى العام 1990 وضع مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث المعروفة بمبادئ الرياض.
حفَّزت هذه المواثيق الدولية العديد من الدول على الشروع في عملية تطوير قوانينها لتلبية حقوق الأحداث واحتياجاتهم ومنع تعرضهم للخطر وتطوير قضاء الأحداث. وتقوم منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة في العالم «يونيسف» بمراقبة أوضاع الأطفال والأحداث في الدول كافة، وهي تضع تقارير مفصَّلة واقتراحات بوجوب ادخال اصلاحات قانونية وعملية في معظم الدول.
أما في لبنان، فقد صدر المرسوم الاشتراعي رقم 119 /83 بتاريخ 16 /9 /1983 الذي وضع قانون حماية الأحداث المنحرفين، ثم ألغي بموجب القانون رقم 422 /2002 تاريخ 6 /6 /2002 وهو قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين للخطر. وتوجد اصلاحيتان في الفنار (المتن) وبعاصير (الشوف) تهتمان بقضايا الأحداث المنحرفين، وجناح خاص للأحداث في سجن رومية، يطالب المهتمون بإلغائه وانشاء اصلاحية متخصصة.


المبادئ القانونية الأساسية لحماية الأحداث المخالفين للقانون

وضعت المادة الثانية من القانون 422 /2002 بعض المبادئ الأساسية التي يجب مراعاتها في تطبيق أحكامه، وهي:
1 - الحدث بحاجة الى مساعدة خاصة تؤهله ليضطلع بدوره في المجتمع.
2 - في كل الأحوال يجب مراعاة صالح الحدث لحمايته من الانحراف.
3 - الحدث الذي يخالف القانون يستفيد من  معاملة منصفة وانسانية، وتخضع اجراءات ملاحقته والتحقيق معه ومحاكمته الى بعض الأصول الخاصة، فتحاول ما أمكن تجنيبه الاجراءات القضائية باعتماد التسويات والحلول الحبية والتدابير غير المانعة للحرية. ويكون للقاضي أكبر قدر مقبول من الاستنساب ضمن نطاق القانون لاتخاذ التدابير الأكثر ملاءمة لوضع الحدث ولإمكان إصلاحه مع الحق بتعديلها أو بالعودة عنها بحسب ما يظهر من نتائج تطبيقها، وتكون التدابير المانعة من الحرية آخر الاحتمالات، ولا يتم حجز الأحداث مع الراشدين.
4 - قضاء الأحداث هو المولج بشؤون الأحداث، والمولى أصلاً تطبيق هذا القانون، وتتولى الوزارات المعنية تأمين كل الوسائل اللازمة لهذا التطبيق.
وعلى الرغم من تكريس مبدأ وجوب مراعاة صالح الحدث لحمايته من الانحراف، نصت المادة 33 من القانون ذاته على قاعدة مخالفة ومتناقضة مع هذا المبدأ، فاعتبرت أنه إذا كان الحدث مشاركاً مع غير الأحداث في جرم واحد أو في جرائم متلازمة، يخضع الحدث مع الراشدين الى اجراءات الملاحقة والتحقيق والمحاكمة أمام المرجع العادي.

 

التدابير والعقوبات المطبَّقة على الحدث المخالف للقانون

تتحدّد جرائم الأحداث بحسب القوانين الجزائية. إلا ان العقوبات الملحوظة في هذه القوانين أو في غيرها تخفض بالنسبة للحدث وفق ما ينص عليه قانون الأحداث الذي يلحظ تدابير خاصة تطبق عليه (م4).
وقد حدَّدت المادة الخامسة من قانون حماية الأحداث الرقم 422 /2002، التدابير والعقوبات التي تفرض على الحدث على النحو الآتي:
أ - التدابير غير المانعة للحرية وهي:
اللوم، الوضع قيد الاختبار، الحماية، الحرية المراقبة، العمل للمنفعة العامة أو العمل تعويضاً للضحية (م5). ويمكن للقاضي تمديد هذه التدابير، ما عدا الوضع قيد الاختبار، حتى سن ال12 إذا كانت ظروف القاصر وتربيته تستوجب ذلك، بعد الاستماع للحدث وللشخص المسؤول عنه أو المسلّم اليه وللمندوب الاجتماعي (م12).


* اللوم:
هو توبيخ يوجهه القاضي للحدث، ويلفته فيه الى العمل المخالف الذي ارتكبه، ويتم ذلك شفوياً وبموجب قرار مثبّت لهذا اللوم (م7).


* الوضع قيد الاختبار:
يقضي، وفقاً لشروط يحددها القاضي، بتعليق اتخاذ أي تدبير بحق الحدث طيلة فترة زمنية تراوح بين ثلاثة أشهر وسنة، يخضع خلالها للمراقبة من قبل المندوب الاجتماعي وذلك عندما يتبين بوضوح أن ظروف القاصر وشخصيته تبرر هذه التدابير. وإذا خالف الحدث شروط الاختبار المحدَّدة من قبل القاضي أو ارتكب جرماً آخر، جنحة أو جناية، خلال فترة الاختبار، يسقط تدبير الوضع قيد الاختبار حكماً ويتخذ القاضي تدبيراً أشد (م8).


* تدبير الحماية:
هو تسليم الحدث الى والديه أو أحدهما أو الى وصيه الشرعي أو الى أسرته، شرط أن تتوافر في المسلّم اليه الضمانة الأخلاقية، والمقدرة على تربيته تحت اشراف المندوب الاجتماعي المكلَّف بالأمر. وعند عدم وجود أي من هؤلاء الأشخاص في لبنان أو عدم توافر تلك الشروط، يمكن تسليم الحدث الى أسرة موثوق بها أو الى مؤسسة اجتماعية أو صحية معتمدة من الوزارات المختصة أو الى غيرها إذا كانت تتوافر في المؤسسات المعتمدة الاختصاصات المطلوبة (م9). وهذا التدبير مماثل لما هو معتمد في المجتمعات الغربية والمسمى بال "Foster Family"، علماً ان تطبيق هذا التدبير يواجه الكثير من الصعوبات، كما قد يؤدي الى نتائج عكسية عند سوء استخدامه.


* الحرية المراقبة:
هي وضع الحدث تحت مراقبة المندوب الاجتماعي أو المرجع المعيّن لهذه الغاية تحت اشراف القاضي. وتشمل مراقبة سلوكه وسيرته وعمله، وتوجيهه والاشراف على شؤونه الصحية والنفسية والاجتماعية المهنية، مدتها من سنة الى خمس سنوات. ويجب على الحدث الاستماع الى ارشادات المندوب الاجتماعي وإتباع تعليماته والحضور الى مكتبه عند طلبه (م10). لكن القانون لم يضع تدبيراً في حال مخالفة الحدث للتوجيهات أو رفض الحضور الى مكتب المندوب الاجتماعي.


* العمل للمنفعة العامة أو العمل تعويضاً للضحية:
يجوز أن يقرر القاضي بموافقة القاصر وموافقة الضحية، أن يتم القاصر عملاً للمتضرر أو عملاً ذا منفعة عامة في مهلة زمنية ولعدد من الساعات اليومية التي يحددها. وينفذ العمل تحت اشراف المندوب الاجتماعي المختص. ويعود للقاضي أن يستبدل التدبير إذا تخلّف الحدث عن إتمام العمل وفقاً للشروط المقررة، وذلك بعد الاستماع اليه. وفي هذه الحالة تتم ملاحقته بجرم التخلف عن إنفاذ قرار قضائي (م11). من الواضح أن هذا التدبير يخالف الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل للعام 1989، لتناقضه مع المصلحة الفضلى للحدث، ولأن هذا التدبير سيفرض فرضاً على الحدث المنحرف المضطر للإذعان له، وهو شكل من أشكال الاستعباد الذي كان سائداً في العصر الروماني، والذي كان يحوِّل المخطئ الى مستعبد لدى الضحية، ويولد لديه الكثير من الاحساس بالحقد والضغينة على ضحيته ومحيطها. لذلك، من الأجدى إلغاء هذا التدبير وعدم تطبيقه.
ب - التدابير المانعة للحرية، وهي:
الاصلاح، التأديب، والعقوبات المخفَّضة. وفي كل الأحوال يجوز للقاضي أن يتخذ تدابير احترازية وفقاً لأحكام هذا القانون (م5/2).


* الاصلاح:
يقضي بوضع الحدث في معهد الاصلاح لمدة أدناها ستة أشهر، يجري خلالها تلقينه الدروس وتدريبه على المهن والاشراف على شؤونه الصحية والنفسية والأخلاقية. وللقاضي، عند بلوغ الحدث سن ال81، بعد الاستماع اليه، أن يقرر وقف التدبير الاصلاحي واطلاق سراحه مع وضعه تحت اشراف المندوب الاجتماعي لمدة محددة، أو وضعه في معهد التأديب حتى انقضاء مدة التدبير المقرر. وعلى مدير المعهد أن يبلغ القاضي المختص بقرب بلوغ الحدث سن ال18 قبل شهرين على الأقل، تحت طائلة تعرضه للملاحقة المسلكية وللغرامة من 500 ألف الى مليون ل.ل. بعد الاستماع اليه، وذلك بموجب حكم مبرم (م13). وقد أنشأ المرسوم الرقم 6675/1946 معهداً لإصلاح الأحداث وتربيتهم بإشراف جمعية الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان، وما تزال أحكامه سارية المفعول. لكن القانون الجديد الرقم 224/2002 أغفل ما كان وارداً في المادة 20 من المرسوم الاشتراعي الرقم 119/83 الملغى في ما خص القاصرة الجانحة وإمكان وقف التدبير المتخذ في حال ثبوت زواجها رسمياً ووجود مسكن شرعي لها مع وضعها تحت المراقبة لمدة ثلاث سنوات، وإعادة التدبير إذا انتهى الزواج لأي سبب قبل مضي الثلاث سنوات.


* التأديب:
يوضع الحدث في معهد التأديب لمدة أدناها ثلاثة أشهر. إذا أتمَّ ال21 من عمره وهو ما يزال في المعهد المذكور، يمكن للقاضي بناء على طلب الحدث أو المندوب الاجتماعي، وبعد الاستحصال على تحقيق اجتماعي وعلى تقرير مدير المعهد، وبعد الاستماع الى الحدث، أن يطلق سراحه مع وضعه تحت الحرية المراقبة لمدة لا تتعدى السنة إذا اقتضى الأمر، وإلاّ يبقى في معهد التأديب حتى تنفيذ الأحكام بحقه أو ينقل الى السجن الخاص بالأحداث أو الى السجن العادي بحسب ما يقرره القاضي (م14). لكنه حتى الآن لم يتم انشاء معهد التأديب، لذلك يقتضي الاسراع في إنشائه بالتعاون مع الوزارات المختصة، كالشؤون الاجتماعية والعدل، وجمعية الأحداث والتنسيق مع الهيئات الدولية المتخصصة في رعاية الطفولة والأحداث، وذلك للحؤول دون وضع الحدث في السجن، فيكون الأمر بمثابة عقوبة لها سلبياتها الكثيرة بدلاً من التأديب والاصلاح.


* العقوبات المخفَّضة:
يحكم على الحدث بعقوبات مخفَّضة وفق ما يلي: في المخالفات والجنح تخفض العقوبات المنصوص عليها في القانون بما فيها الغرامات الى النصف. وفي الجنايات، تخفض عقوبتا الاعدام والأشغال الشاقة المؤبدة الى الحبس من 5 الى 15 سنة. وفي الجنايات الأخرى تخفض العقوبة بحدَّيها الأدنى والأقصى الى النصف حبساً. وتنفذ العقوبة بوضع الحدث في معهد التأديب أو في سجن خاص بالأحداث وفق ما يقرره القاضي (م15). وإذا تمرَّد الحدث أو هرب من معهد الاصلاح أو التأديب، يرفع مدير المعهد تقريراً الى المحكمة التي اتخذت التدبير. وللقاضي، بعد الاستماع الى الحدث والى المندوب الاجتماعي، أن يقرر استبداله بتدبير أشد أو تمديد مدة التدبير الى حد أقصى لا يتجاوز سن ال21 مع بيان الأسباب المبرَّرة (م16). كما يمكن لقاضي الأحداث أن يوقف تنفيذ العقوبة المخفضة، كلياً أو جزئياً، على أن يقترن وقف التنفيذ بأحد التدابير غير المانعة للحرية ما عدا اللوم. ويفقد الحدث منحة وقف التنفيذ إذا أقدم خلال 4 سنوات من تاريخ نفاذ الحكم على ارتكاب جنحة أو جناية حكم عليه بها أو إذا أخل بشروط وقف التنفيذ (م17).
ج - التدابير الاحترازية:
هي الحجز في مأوى احترازي أو مؤسسة متخصصة، أو منع ارتياد بعض المحلات، ومنع الإقامة، والاخراج من البلاد إذا كان الحدث غير لبناني، ومنع السفر، ومنع مزاولة عمل ما، ومنع حمل السلاح والآلات الحادة، والمصادرة العينية، ومنع قيادة الآليات والمركبات. ويحدد قاضي الأحداث مدة التدبير على ألاّ تتجاوز إتمام الحدث سن ال18، ولهذا القاضي أن يقرر تمديد هذه التدابير الى سن ال21، اذا كانت ظروف الحدث توجب ذلك (م18). وتجدر الإشارة هنا الى ان تدبير منع الإقامة غير منطقي لعدم ملاءمته للحدث، خصوصاً عند عدم وجود مسكن آخر له أو إذا كانت عائلته غير قادرة على الإنتقال معه.
ولقاضي الأحداث أن يبدّل التدبير المتّخذ بتدبير آخر أشد أو أخف، وأن ينهيه أو يعلّقه بشروط يحددها إن وجد في الأمر فائدة (م19). كما ان التدابير المتخذة التي تخرج الحدث من حراسة والديه أو وصيّه، تعلّق حق هؤلاء في حراسة الولد وتربيته. وينتقل حق الحراسة والتربية لقاضي الأحداث ويمارسها بإسمه الشخص أو مدير المؤسسة الذي استلم الحدث، ويشرف المندوب الاجتماعي على تربية الحدث، ويقدم تقريراً كل ثلاثة أشهر، يُضم الى ملف الحدث لدى المرجع القضائي المختص (م20 و21 و22). ويتعرض الأشخاص الذين سُلِّم اليهم الحدث لغرامة تراوح بين 600 ألف ومليون ل.ل.، إذا اقترف الحدث وهو في عهدتهم جرماً من نوع الجناية أو الجنحة ناتجاً عن إهمالهم في مراقبته وتربيته، ويعود الاختصاص هنا لمحكمة الأحداث التي حكمت بتسليم الحدث اليهم، بموجب حكم قابل للاستئناف، إضافة إلى المسؤولية الجزائية والمدنية.

 

علاقة سن الحدث بالتدابير الاصلاحية والعقوبات الجزائية

اعتبرت المادة الثالثة من القانون الرقم 422 /2002 أنه لا يلاحق جزائياً من لم يتم السابعة من عمره حين اقتراف الجرم. فلا يجوز ملاحقة القاصر الذي لم يتم السابعة من العمر جزائياً، لكنه يجوز إقامة الدعوى المدنية على أصول هذا القاصر وأوصيائه لمطالبتهم بالتعويض عند توافر شروط مسؤوليتهم سنداً للمادة 126 من قانون الموجبات والعقود التي نصت على أن «الأصول والأوصياء مسؤولون عن كل عمل غير مباح يأتيه الأولاد القاصرون المقيمون معهم والخاضعون لسلطانهم».
أما إذا أتمَّ الحدث السابعة ولم يتم الثانية عشرة بتاريخ ارتكاب الجرم، تُفرض عليه أي من التدابير المنصوص عليها في المادة الخامسة المذكورة سابقاً، ما عدا التأديب والعقوبة المخفضة، ولا يكتفى باللوم في الجنايات.
وإذا أتمّ الحدث الثانية عشرة من عمره ولم يتم الخامسة عشرة بتاريخ ارتكاب الجرم، تفرض عليه أي من التدابير المنصوص عليها في المادة الخامسة، ما عدا العقوبات المخفَّضة، ولا يكتفى باللوم في الجنايات.
وإذا أتمَّ الحدث الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة بتاريخ ارتكاب الجرم، يُفرض عليه، في الجرائم كافة التي لا تشكل جناية، أي من التدابير المنصوص عليها في المادة الخامسة والعقوبات المخفَّضة. أما في الجنايات، فتفرض عليه التدابير المانعة للحرية أو العقوبات المخفَّضة، باستثناء الجنايات المعاقب عليها بالاعدام فتطبق بشأنها العقوبات المخفَّضة وحسب.
وفي الأحوال كافة يتعين على القاضي أن يُعلّل قراره بشكل وافٍ وأن يبين سبب اتخاذ التدبير من وجهتي صالح الحدث وظروف ارتكاب الجرم (م6).

 

الحدث المعرَّض للخطر

لعل الأهم من معالجة المشاكل المتعلقة بالحدث المخالف للقانون هو إتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع انحراف الحدث، واستباق معالجته قبل هذا الانحراف، أو الوقاية منه قبل وقوعه. وقد حددت المادة 25 من قانون حماية الأحداث الرقم 422 /2002 الحالات التي يعتبر فيها الحدث مهدَّداً بخطر الانحراف، وهي الحالات الآتية:
* إذا وُجِد في بيئة تعرِّضه للاستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته.
* إذا تعرَّض لاعتداء جنسي أو عنف جسدي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي.
* إذا وُجِد متسولاً أو مشرَّداً. ويعتبر الحدث متسولاً إذا اعتاد استجداء الإحسان بأي وسيلة كانت. ويعتبر متشرداً إذا ترك مسكنه ليعيش في الشوارع والمحلات العامة أو لم يكن له مسكن.
ومنعاً لمخالفة الحدث القانون، نتيجة الأحوال المذكورة أعلاه، أعطت المادة 26 من القانون المذكور للقاضي أن يتخذ لصالح الحدث تدابير الحماية والحرية المراقبة أو الاصلاح عند الاقتضاء. ويتدخل القاضي بناءً على شكوى الحدث أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الاجتماعي أو النيابة العامة أو بناءً على إخبار، وله التدخل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة. وعلى النيابة العامة أو قاضي الأحداث أن يأمر بإجراء تحقيق اجتماعي وأن يستمع الى الحدث ووالديه أو أحدهما أو الوصي الشرعي أو الأشخاص المسؤولين عنه، وذلك قبل اتخاذ أي تدبير بحقه، أما اذا كان هناك عجلة، فيمكن اتخاذ التدبير الملائم قبل استكمال الاجراءات المذكورة. ويمكن الاستعانة بالضابطة العدلية لتقصي المعلومات في الموضوع. ولا يعتبر إفشاءً لسر المهنة، ولا يقع تحت طائلة أحكام قانون العقوبات، أي إخبار يقدم الى المرجع الصالح ممن هو مطَّلع بحكم وضعه أو وظيفته أو فنه على ظروف الحدث المعرض للخطر؛ كالأطباء والمحامين وغيرهم.
وللقاضي بعد الاستماع الى الوالدين أو أحدهما، أن يبقي الحدث في بيئته الطبيعية، على أن يعيّن شخصاً أو مؤسسة اجتماعية للمراقبة وإسداء النصح والمشورة للأهل والأولياء ومساعدتهم في تربيته، وعلى أن يقدم هذا الشخص أو المؤسسة الى القاضي تقريراً دورياً بتطور حالته. وللقاضي، إذا قرر إبقاء الحدث في بيئته، أن يفرض عليه وعلى المسؤولين عنه موجبات محدَّدة، كأن يدخل مدرسة أو مؤسسة اجتماعية أو صحية متخصصة أو أن يقوم بعمل مهني ما (م27).
وفي جميع الحالات، يبقى والدا الحدث، ومن كان غيرهما ملزماً النفقة تجاهه، مسؤولين عن تأديتها. ويكون للقاضي الذي فرض التدبير، بعد أن يستمع الى الشخص المعني، أن يقرر ما يجب عليه تأديته من نفقة لتغطية تكاليف التدابير المقرَّرة. وقراره لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة، وينفذ وفقاً لأصول تنفيذ قضايا النفقة بما فيها اللجوء الى الحبس الاكراهي (م29). ولا تقبل قرارات محكمة الأحداث في هذه الحالات أي طريق من طرق المراجعة، لكن التدابير المقررة تبقى خاضعة لإعادة النظر في كل وقت بحسب المقتضى، بمبادرة من القاضي أو بناءً على مراجعة صاحب حق في الموضوع (م46).

 

قضاء الأحداث

وضع قانون حماية الأحداث الرقم 422 /2002 أحكام القضاء الناظر في قضايا الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين لخطر الانحراف، فنصت المادتان 30 و31 على أن هذا القضاء يتألف من قاضٍ منفرد ينظر في المخالفات والجنح وفي الحالات المتعلقة بالحدث المعرَّض لخطر الانحراف، ومن الغرفة الابتدائية لدى محكمة الدرجة الأولى التي تنظر في الجنايات. وتجري الملاحقة والتحقيق والمحاكمة وفقاً للأصول المقرَّرة في قانون أصول المحاكمات الجزائية مهما كان نوع الجرم، مع مراعاة بعض الاستثناءات التي نص عليها هذا القانون. وتقام دعوى الحق الشخصي أمام محكمة الأحداث تبعاً للدعوى العامة وفقاً للقواعد العامة (م38). وكان من الأفضل أن يقتصر تشكيل محكمة الأحداث على قاضٍ منفرد لعدة أسباب، أهمها: التخفيف من رهبة المحكمة على الحدث، وعدم القاء الرعب في نفسه عند وجود هيئة قضائية مؤلفة من عدة أشخاص. كما أنه من المفضل الاستفادة من تجربة بعض الدول في تشكيل لجنة أهلية من المواطنين المهتمين بشؤون الأحداث للنظر في المخالفات البسيطة التي لا تستأهل جرّ الحدث الى المراكز الأمنية والقضائية.
والمستغرب هو ما نصت عليه المادة 33 من قانون حماية الحدث الرقم 422 /2002 بأنه إذا كان الحدث مشاركاً مع غير الأحداث في جرم واحد وفي جرائم متلازمة فإنه يخضع مع الراشدين الى اجراءات الملاحقة والتحقيق والمحاكمة أمام المرجع العادي، ويكون على هذا المرجع أن يُطبّق بالنسبة اليه الضمانات الاجرائية المنصوص عليها في هذا القانون، بما فيها سرية المحاكمة عند استجواب الحدث. لكن دور المحكمة العادية ينحصر هنا بتحديد نسبة الجرم الى الحدث ومسؤوليته والوصف القانوني والإلزامات المدنية، على أن يعود الى محكمة الأحداث الاستماع اليه وفرض التدابير والعقوبات اللازمة، وذلك بعد إبرام حكم المحكمة العادية. فهذه المادة كما سبق وذكرنا، مخالفة لمصلحة الطفل أو الحدث الفضلى التي نصت عليها المادة الثانية من القانون ذاته والمادة 12 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل للعام 1989. فالمادة 33 المذكورة مخالفة للمبادئ الأساسية الواجب مراعاتها في هذا الاطار؛ مثل: موجب السرية، وعدم إطالة مدة التحقيق والمحاكمة، وموجب محاكمة الحدث أمام قضاء مختص، وغيرها. كما يؤدي ذلك الى عدة عقبات، أبرزها اعطاء مهمة تقرير التدبير أو العقوبة لقاضٍ آخر غير الذي قرّر المسؤولية الجزائية، خصوصاً عند اختلاف قناعة محكمة الأحداث عن قناعة المحكمة العادية، فتُلزم الأولى بالتقيّد بقناعة الثانية.


* الاختصاص المكاني لقضاء الأحداث:
يعتبر مختصاً من الناحية المكانية قضاء الأحداث الموجود فيه: محل وقوع الجرم، محل إقامة الحدث أو محل سكنه أو سكن أهله أو محل إلقاء القبض عليه، ومكان وجود معهد الاصلاح أو التأديب أو المؤسسة التي وُضع فيها أو الشخص الذي سلّم اليه (م32).


* اجراءات التحقيق والمحاكمة:
عند احضار الحدث أمام النيابة العامة أو الضابطة العدلية في الجرم المشهود للتحقيق معه، يتوجب على المسؤول عن التحقيق أن يعلم فوراً أهله أو أولياء أمره أو المسؤولين عنه، إذا كان ذلك متيسراً، وأن يتصل فوراً بالمندوب الاجتماعي المعتمد ويدعوه الى حضور التحقيق. ويجب على المندوب الحضور خلال ست ساعات من تاريخ دعوته. ولا يجوز البدء بالتحقيق ما لم يكن المندوب حاضراً تحت طائلة الملاحقة المسلكية. وفي حال كان حضوره متعذراً لأي سبب، على النيابة العامة أو مصلحة الأحداث في وزارة العدل أن تعين مندوباً اجتماعياً في إحدى الجمعيات المصنّفة في هذه المصلحة ليحضر مع الحدث في أثناء التحقيق. وعلى المندوب الاجتماعي أن يباشر بحثاً اجتماعياً ويقدم نتائجه الى من يقوم بالتحقيق مع الحدث (م 34).
ولقاضي التحقيق أن يتّبع الاجراءات المذكورة أعلاه، كما له بحسب الظروف وحاجات التحقيق وسلامته والحفاظ على الأدلة والحؤول دون هرب محتمل، توقيف الحدث الذي أتم الثانية عشرة من عمره في الأماكن المحددة لتوقيف الأحداث، وذلك في الجرائم المعاقب عليها بسنة حبس على الأقل، كما له أن يضع الحدث في دار الملاحظة المختص (وهو غير موجود حتى اليوم). ولقاضي التحقيق أن يخلي سبيل الحدث إذا كان محل إقامته ثابتاً، أو تسليمه الى شخص له محل إقامة ويتعهد بتقديمه الى المراجع القضائية كلما طلب منه ذلك، كما له أن يقرر منع الحدث من السفر للمدة التي يراها، وهذا القرار يسقط حكماً عند صدور قرار مبرم بمنع المحاكمة أو بقرار من قضاء الحكم المحالة اليه الدعوى. ولا يجوز توقيف الأحداث الذين لم يتموا الثانية عشرة إلا إذا وجدوا في حالة التسول أو التشرد، ويجري توقيفهم في مؤسسة اجتماعية متخصصة (م35).
ويجري ابلاغ الحدث موعد المحاكمة والأحكام الصادرة بحقه بواسطة ولي أمره أو المسؤول عنه قانوناً، وإذا تعذر ذلك، يجري التبليغ الى الحدث بالذات، أو الى وصي خاص تعينه المحكمة لغرض المحاكمة واجراءاتها. وفي حال تعذر كل ذلك، تطبق أصول التبليغ العامة (م36). وإذا تخلف من سُلم اليه الحدث عن احضاره في اليوم المحدد، رغم تبليغه، يحكم عليه بغرامة تراوح بين 500 ألف ومليون ل.ل.، ولا يعفى ما لم يبد عذراً مشروعاً، والحكم غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة. وفي حال تخلّف الحدث عن الحضور يمكن للمحكمة أن تصدر بحقه مذكرة توقيف غيابية (م37)، كما يمكن لقاضي الأحداث صرف النظر عن حضور الحدث عند عدم ضرورته لسبب معين (م43).
وتجري محاكمة الأحداث سراً، ولا يحضرها إلا الحدث ووالده أو الشخص المسلّم اليه والمدعي الشخصي، والشهود والمندوب الاجتماعي المعتمد، والمحامون، وأي شخص ترخص له المحكمة بالحضور. وتصدر المحكمة حكمها في جلسة علنية، بينما تحاط بالسرية إجراءات الملاحقة والتحقيق (م40). وإذا لم يكن قد وضع ملف اجتماعي للحدث في اطار الإجراءات السابقة، على محكمة الأحداث أن تستحصل، قبل صدور الحكم، على تحقيق إجتماعي يقوم به المندوب الاجتماعي أو من تكلفه المحكمة بذلك من العاملين في الحقل الاجتماعي. يشتمل التحقيق معلومات عن: أحوال ذوي الحدث المادية والاجتماعية، وعن محيطه الاجتماعي والمدرسي والمهني، وعن أخلاقه ودرجة ذكائه، وحالته الصحية والعقلية وسوابقه الاجرامية، مع التدبير المناسب لإصلاحه. وللمحكمة أن تأمر بإجراء معاينة طبية للحدث، جسدية أو نفسية أو عقلية، كما لها عند الاقتضاء أن تضعه في دار الملاحظة لمدة أقصاها ثلاثة أشهر قبل صدور الحكم (م41).
كما فرض القانون بصورة الزامية وجود محامٍ الى جانب الحدث في المحاكمات كافة الجنائية والأخرى، فإذا لم يبادر ذوو الحدث الى تأمين محامٍ، للمحكمة أن تكلف واحداً أو تطلب ذلك من نقيب المحامين (م42). وعلى المحكمة أن تستمع الى الحدث منفرداً، ولها أن تعفيه من حضور المحاكمة أو من بعض اجراءاتها إذا رأت أن مصلحته تقضي بذلك، ويكتفى عندئذٍ بحضور وليه أو وصيه أو وكيله، وتعتبر المحاكمة وجاهية بحقه (م43).


* أحكام قضاء الأحداث وطرق الطعن بها:
يصدر قاضي الأحداث أحكامه بالدرجة الأخيرة في ما خص دعوى الحق العام. وتبقى هذه الأحكام قابلة للطعن عن طريق إعادة المحاكمة وفقاً للقواعد العامة. أما الأحكام الصادرة في الجنايات، فتخضع للمراجعة أمام محكمة التمييز في الحالات المنصوص عليها في القانون العادي. وفي ما خص الإلزامات المدنية في الأحكام، فهي تقبل الاستئناف أمام محكمة الاستئناف وفقاً للقواعد العامة (م44). ويجوز للحدث المحكوم عليه أن يعترض بواسطة ولي أمره أم الشخص المسؤول عنه، على الأحكام الغيابية الصادرة بحقه بغير القضايا الجنائية وفقاً للقواعد العامة. أما في القضايا الجنائية، فيعتبر الحكم كأنه لم يكن من تاريخ تسليم الحدث نفسه للسلطة أو القاء القبض عليه، فتجري محاكمته مجدداً. وإذا تغيَّب الحدث مجدداً بدون عذر مشروع، تعتبر محاكمته وجاهية (م45). وتقوم محكمة الأحداث بإنفاذ الأحكام الصادرة عنها بواسطة قلمها، وتكلف المندوب الاجتماعي المعتمد مرافقة الحدث الى المعهد أو المؤسسة التي حكم بوضعه فيها، إلا إذا تعذر ذلك، أو إذا أصبح راشداً فتكلف عناصر قوى الأمن الداخلي بهذه المهمة (م49). وتدرج الأحكام الصادرة بحق الحدث المتضمنة عقوبة في السجل العدلي، ولا تظهر إلا في البيانين رقم 2 و3. أما التدابير المتخذة بحق الحدث فلا تدرج في السجل العدلي (م50).
ويحظر القانون نشر صورة الحدث أو وقائع التحقيق والمحاكمة أو ملخصها في الكتب والصحف والسينما أو أية وسيلة اعلامية اخرى. لكنه يمكن نشر الحكم النهائي على ألا  يذكر من اسم المدعى عليه وكنيته ولقبه إلا الأحرف الأولى. وكل مخالفة لهذه الأحكام تعرض المخالف لعقوبة السجن من ثلاثة أشهر الى سنة وللغرامة من مليون الى خمسة ملايين ل.ل. أو لإحدى هاتين العقوبتين (م48).
وتتولى مصلحة الأحداث لدى وزارة العدل تنظيم العمل في كل شؤون الأحداث، ووضع الخطة الوقائية والتأهيلية المناسبة والاشراف عليها، والتنسيق مع الوزارات المعنية الأخرى ومع القطاع الأهلي بموجب مراسيم تصدر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل. ويستمر الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان بممارسة المهام المنوطة به بمقتضى القوانين، من دون أن يحول ذلك دون اتفاق وزارة العدل مع مؤسسات أو جمعيات أخرى متخصصة للقيام ببعض المهام وفق معايير تحدد بمراسيم بناء على اقتراح وزير العدل.
* * *
لقد بات واضحاً مدى حاجة الأطفال والأحداث الى رعاية متخصصة، خصوصاً بعد ثبوت عدم كفاية مبادئ وحقوق الانسان عن الإيفاء بحاجاتها، وبعد صدور تقارير مخيفة عن كيفية استغلال الأطفال في البغاء والتسوّل والأعمال الضارة والاجرامية. كما تبدو الحاجة ملحة لتحضير عناصر مثقفين من قوى الأمن ومن المؤسسات الحكومية والأهلية، والتنسيق مع المؤسسات المحلية والاقليمية والدولية المتخصصة، للتعاطي مع الأحداث عند تعرضهم لخطر الانحراف وعند مخالفتهم للقانون.


مراجع:
- د. غسان رباح: حقوق الحدث المخالف للقانون.