باختصار

الحدود
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

وإن يكن من السّائد، في بعض أوساط المجتمع، أنّ في إقامة الحدود بين اثنين بوادر تراجع للودّ بينهما، وأنّ في مقولة «طلبت منه أن يلزم حدّه»، شيئاً من الحدّة قد يداني الخصومة، وقد يمتدّ ليبلغ بالتّالي المناكفة والمبارزة بألف سلاح وسلاح، إلاّ أنّه ليس هناك من ينكر أهميّة تمتّع كلّ فرد بكيان خاص به، وحقوق مرسومة له، وواجبات مترتبة عليه، وحدود يمنع تخطّيها من قِبله، كما يمنع عبورها إليه من أي جهة حصل العبور. ومن المعروف أنّ توزع الإرث واجب بين الأخوة والأخوات، توديعاً لطفولتهم وإعلاناً لشبابهم، واستعداداً لانطلاقهم في دروب الحياة. ففي هذا التوزّع تأكيد لبلوغ كلّ منهم مرتبة العنصر الاجتماعي الجدير بتحمّل المسؤوليّة، والجاهز للتعاون مع جاره ورفيقه وصديقه وأخيه، مع المحافظة التامّة على مقتضيات الجيرة والرّفاقيّة والصدّاقة والأخوّة.
وفي الدّول، نجد الصّورة المكبّرة عمّا نجده بين الفرد وأخيه، أليست الدّول مجموعة من الأفراد الذين ينتمون إلى الإنسانية بمعناها الشامل؟ وكيف للدّولة أن تحمل اسماً خاصاً بها من دون أن يكون لها علم ونظام سياسي ومؤسسات وقوانين وأرض ومساحة... وحدود؟
وتختلف معايير الحدود بين دولة وأخرى وفق العلاقة التي تربط بينهما، فهما إمّا شقيقتان أو صديقتان تتعاونان وتجدّان السعي في سبيل الصالح العام الذي يشمل مواطنيهما ورعاياهما والبشرية بأسرها، وإمّا عدوّتان نالت إحداهما من الأخرى، أو اعتدت على حقوقها، أو تسبّبت بأذى لشعبها، ولم يكن للتسوية بينهما سبيل.
ويعرف وطننا الحالين معاً، فمنذ العام 1948، تاريخ إنشاء الكيان الإسرائيلي في فلسطين، وللبنان عدو يتربّص به عند الحدود الجنوبية، ويواصل الاعتداء عليه مغذيّاً الفتن في مجتمعه، ومقيماً شبكات العمالة والتجسّس. كما أنّه اجتاح أرضه في أكثر من مرّة واحتلّ بعض قراه وبلداته قبل أن يتم دحره عن القسم الأكبر منها في مثل هذا الفترة الربيعية العام 2000. الحال الثّانية هي حال الجوار مع العالم، ما بين شقيق وصديق عبر حدوده، سواء البحرية أو البرية أو الجوية، هذه الحال هي من السّمات الرئيسة للكيان اللبناني، ويرتبط بها التبادل الاقتصادي والثقافي، والتعاون الأمني المبني على القوانين العامة التي ترعى العلاقات بين الدول، وتنظمها. ولبنان، خصوصاً من خلال مؤسسته العسكرية ينظم علاقاته الدولية تلك، في البداية مع شقيقاته العربيّات، فيضبط حدوده ويراقب معابره ذهاباً وإياباً لصالحه ولصالح جيرانه على السّواء، كائنة ما كانت التفسيرات التي قد يتم تسويقها، وقد أنشأ جيشه أفواجاً ووحدات تخصصّت في هذا المجال، خصوصاً في البحر وفي البر، مستقدماً لها ما يمكن من العتاد، وهي تؤتي النتائج المرجوة خصوصاً في هذه الفترة التي تعرف فيها منطقتنا مخاضاً سياسياً واجتماعياً يستدعي ضبط الحدود، والتشدد في مراقبتها سواء بالنسبة الى الحالات الإنسانية أو الحالات الأمنية، عامّة وسياسيّة كانت، أو فرديّة تخريبيّة تحاول استغلال ما يجري للعبث والتعدي والقرصنة.