الحد من التواطؤ في الصفقات العمومية

الحد من التواطؤ في الصفقات العمومية
إعداد: د.محمد سيف الدين
أستاذ محاضر وباحث

المقدّمة

يتم تصميم الصفقات العمومية[1] عادةً بشكل يُؤمّن اختيار العارض الأكثر كفاءةً[2] بين مجموعة العارضين المتنافسين من جهة، وتعظيم الوفورات لدى الشاري العام من جهة أخرى. إلّا أنّ المنافسة ليست السيناريو المفضل لدى الشركات، فهم يفضّلون تنسيق جهودهم من أجل تخفيف المنافسة السعرية وبالتالي زيادة أرباحهم المشتركة. فالتنسيق في ما بينهم، سواء أكان صريحًا أم ضمنيًا، أمر مغر ومجد كون معظم عمليات الشراء الحكومي تتكرر مع مرور الوقت. وفي أسواق احتكار القلة[3] على سبيل المثال، يكون التنسيق عملية سهلة إلى حدّ ما، نظرًا لوجود عدد ضئيل من العارضين، فالشركات تضع سعرًا مرتفعًا وتُبقيه ثابتًا مع مرور الوقت ما لم يقم أحد المنافسين بتقديم سعر أدنى.

أضف إلى ذلك أنّ عمليات التواطؤ[4] في الصفقات العمومية تكون مدفوعة بقوى مشابهة جدًا لتلك التي تحكم تشكيل الكارتلات[5] في أسواق احتكار القلة، حيث أنّ عدم التزام أحد العارضين بما تم الاتفاق عليه مع باقي أعضاء الكارتل سيُواجه بحرب أسعار تؤدي إلى إخراجه من السوق. وقد أشار ستيغلر[6] إلى أنّ شفافية عمليات الشراء الحكومي، وعلى الرغم من أهميتها في مكافحة الفساد وزيادة الثقة بإجراءات الشراء، إلّا أنّها قد تُسهّل التواطؤ لأنّها تسمح للكارتل بأن يُحدد على وجه السرعة الشركات المنحرفة ومعاقبتها على الفور.

يُؤدي التواطؤ الناجح بين العارضين إمّا إلى زيادة كبيرة في الأسعار وإمّا إلى تخفيض الجودة الموردة عند سعر معين، وبالتالي فإنّه يُشكل مصدر قلق رئيسي لا بد من أخذه بعين الاعتبار عند تصميم الصفقات العمومية. وكما يقول جون فيكرز، رئيس مكتب المملكة المتحدة للتجارة العادلة: "التواطؤ بين العارضين يحرم الزبائن منافع المنافسة"[7].

إنّ وجود الكارتلات وتكوينها ليس مجرد تخمين نظري. فعلى سبيل المثال، اكتشفت وزارة العدل في الولايات المتحدة الأميركية أنّ 18 ولاية كانت ضحية الكارتل الذي قام برفع سعر الحليب المباع من المدارس الحكومية في تلك الولايات، وفي هولندا أيضًا اكتشفت الحكومة أدلة على وجود تواطؤ في مشاريع البناء العامة بين أكثر من 600 شركة[8]. وفي فرنسا، قامت السلطات في آذار 2012 بتغريم مزارعي الهندباء ومنظماتهم المهنية حوالى 4 ملايين يورو، بعدما ثبت التواطؤ في ما بينهم، وأيضًا قامت السلطات الفرنسية في أيار 2013 بتغريم أحد الكارتلات الفاعلة في سوق السلع الأساسية مبلغ 79 مليون يورو[9]. وفي ألمانيا اكتشفت السلطات في العام 2002، بناءً على معلومات حصلت عليها من قطاع البناء، كارتلًا ينشط في سوق الأسمنت منذ العام 1970، مؤلفًا من 30 شركة مصنعة للأسمنت، وقد تجاوز مجموع الغرامات التي فُرضت على ذلك الكارتل 700 مليون يورو[10]. وفي كانون الأوّل من العام 2005، أفاد محققو مكتب التجارة العادلة في المملكة المتحدة بأنّهم اكتشفوا أدلة أدت إلى الاشتباه بوجود تواطؤ بين شركات البناء في أكثر من ألف صفقة عامة تضمنت عقودًا قيمتها خمسمائة مليون جنيه استرليني في الأشهر الأحد عشرة الماضية وحدها[11]. وفي 28 تشرين الثاني 2013 كشفت هيئات المنافسة الفنلندية والسويدية عن كارتل في سوق الأسفلت يعمل منذ ما يقارب العشر سنوات. ووفق هيئة المنافسة السويدية، وبعد اكتشاف كارتل الأسفلت، فإنّ إدارة الطرق الوطنية التي كانت الضحية الرئيسة لهذا الكارتل، قد سجلت انخفاضًا في الأسعار بنسبة 25 إلى 30 في المائة في بعض المناطق[12]. وهذه مجرد أمثلة قليلة عن حالات التواطؤ في الصفقات العمومية.

 

أمّا الآن فماذا يعني التواطؤ؟ يمكن تعريف التواطؤ بأنّه سلوك تعتمده مجموعة من الشركات بهدف إفساد لعبة المنافسة من خلال التوافق على السعر أو تقسيم السوق أو الزبائن. ولتحقيق هذا الهدف، تحتاج الشركات إلى تنسيق إستراتيجياتها ضمنيًا أو صراحةً[13].

وفي الصفقات العمومية[14]، يتخذ مثل هذا التنسيق أشكالًا عدّة:

- تثبيت الأســعار (Price-Fixing) أو ما يُعرف بـتزويـر العطاءات (Bid-Rigging): حيث تقوم الشركات المتواطئة بتحديد مسبق للعارض الذي سيفوز بالصفقة، ويُطلب من باقي أعضاء الكارتل تقديم عروض أسعار أعلى أو مواصفات أدنى من تلك المحددة في دفتر الشروط[15] (عطاءات زائفة). ومخطط كهذا يتم بناءً على توافق مسبق وتقاسم الحصص بحيث يقوم بموجبه العارض الفائز بتحويل بعض الأرباح إلى أعضاء الكارتل الآخرين. ويسهل تحقيق ذلك في الصفقات العمومية المتكررة، على سبيل المثال، من خلال آلية مداورة يُحدد بموجبها فائز مختلف في كل مرة.

- اتفاقيات تقاسم السوق: يتم بموجبها تقسيم الزبائن وفق بعض الخصائص ذات الصلة كالموقع الجغرافي مثلًا، حيث يتم التوافق المسبق بين أعضاء الكارتل على تقسيم السوق في ما بينهم، وتحديد العارض الذي سيفوز في كل منطقة جغرافية. وبموجب هذه الاتفاقيات يقوم باقي أعضاء الكارتل المقرر عدم فوزهم بتقديم عطاءات أو عروض زائفة.

وتجدر الإشارة إلى أنّه حتى ولو تمكنت الشركات من الاتفاق على آلية لتقاسم الحصص فيما بينها، إلّا أنّ عملية التواطؤ تواجه مشكلة أساسية ثانية، ألا وهي التقيد بالمخطط التواطئي من قبل أعضاء الكارتل. فعلى الرغم من أن المكاسب المتأتية من التواطؤ مهمة وواضحة، إلا أنّه بإمكان أي عضو من أعضاء الكارتل أن يحقق أرباحًا كبيرة على المدى القصير عن طريق الانحراف من جانب واحد عن المخطط التواطئي، وبالتالي سرقة الأرباح المفترضة من أمام باقي أعضاء الكارتل. ومن البديهي أنّ باقي أعضاء الكارتل في هذه الحالة لا يمكنهم اللجوء إلى القضاء أو الاعتماد على النظام القانوني القائم لمعاقبة الأعضاء المنحرفين عن تنفيذ المخطط التواطئي غير القانوني أصلًا. لذلك، وفي سبيل الحد من الانحرافات الممكنة، يجد أعضاء الكارتل أنفسهم ملزمين باستخدام الانضباط الذاتي، أي اللجوء إلى آلية السوق التي تعاقب الانحرافات. فعندما يكون العارضون منافسين على المدى الطويل في السوق، أي منحرفين عن الاستراتيجية المتفق عليها تتم معاقبتهم فورًا بمراحل حروب أسعار، بحيث يقوم باقي أعضاء الكارتل بتخفيض أسعارهم في السوق بهدف إلحاق الخسائر الفادحة بالشركة المنحرفة وصولًا إلى إخراجها كليًا من السوق. وهكذا إذا كانت القيمة الحالية للمكاسب قصيرة المدى الناجمة عن الانحراف أقل من القيمة الحالية للخسائر طويلة المدى الناجمة عن المرحلة اللاحقة من حروب الأسعار والمنافسة القاسية، فإنّ كل شركة ستجد أنّه من المنطقي الالتزام بالاتفاق التواطئي وعدم الانحراف عنه.

وانطلاقًا من هنا يُمكن القول بشكل عام أنّ هناك عوامل عدّة تُؤدي إلى تسهيل التواطؤ بين الشركات، وهي[16]:

 

- سهولة تقاسم الحصص، الأمر الذي يُبسط عملية التنسيق بين الشركات.

 

- ضآلة الأرباح القصيرة المدى التي يمكن للشركة الحصول عليها من خلال الانحراف عن الاتفاق التواطئي.

 

- العقاب الشديد الذي ستتعرض له الشركة المنحرفة.

 

- ضخامة الأرباح الناجمة عن التواطؤ.

فعلى الرغم من أنّ هذه العوامل تسهم في تسهيل التواطؤ واستدامته بين الشركات، إلّا أنّ العمل عكس هذه العوامل من شأنه وضع العقبات أمام أي اتفاق تواطئي وبالتالي عرقلة التواطؤ.

 

1- الجزء الأول: العوامل الهيكلية المؤثرة في التواطؤ

1-1- عدد المتنافسين

في أسواق الصفقات العمومية كما في أسواق احتكار القلة، نجد أن عدد المتنافسين يؤثر على عملية التواطؤ لسببين رئيسين:

- كلما ارتفع عدد المتنافسين في السوق ارتفعت صعوبة التنسيق في ما بينهم. فالتوصل إلى اتفاق حول تقسيم السوق وتثبيت الأسعار يُصبح أكثر تعقيدًا كلّما ارتفع عدد الشركات العاملة في السوق.

- كلّما ارتفع عدد أعضاء الكارتل (أي عدد الشركات المتواطئة)، كلما انخفضت الحصص التي سيحصلون عليها من جراء تقاسم الكعكة في ما بينهم. وهذا يعني أنّ المكاسب المتأتية من الانحراف عن الاتفاق التواطئي ستكون أكبر بكثير من الحصص المتفق عليها بين أعضاء الكارتل، وبالتالي فإنّ الشركة المنحرفة عن الاتفاق ستُقدم عرض أسعار أدنى من السعر التواطئي المتفق عليه بين أعضاء الكارتل، ممّا سيسمح لها بتحقيق أرباح أكبر بكثير من تلك التي كانت ستحصل عليها فيما لو التزمت بالاتفاق التواطئي.

 

2- 1- عوائق الدخول إلى السوق

ترتبط مسألة عوائق الدخول إلى السوق ارتباطًا وثيقًا بعدد العارضين المتنافسين. فالدخول الفعلي والمحتمل للمنافسين الجدد إلى السوق هو أهم قوة للحد من التواطؤ لأن هؤلاء المنافسين الجدد، الذين يجذبهم معدل عائد أعلى من المعدل الطبيعي، سوف يميلون إلى تعطيل مخطط التواطؤ القائم. وفي حال وجود عوائق للدخول إلى السوق، فإنّ الشركات القائمة ستنعم بأرباح بعيدًا من المنافسة ومن دون أي خوف من تهديد منافسين جدد. علاوة على ذلك، فإنّ سهولة دخول منافسين جدد إلى السوق من شأنه أن يحدّ من نطاق الانتقام من الشركة المنحرفة عن الاتفاق التواطئي، ممّا يحد بدوره من استدامة التواطؤ. وبشكل أكثر تفصيلًا، حتى ولو أنّ دخول منافسين جدد إلى السوق في المستقبل لن يؤثر على أرباح المدى القصير المتأتية من الانحراف عن الاتفاق التواطئي، إلا أنّه سيقلّل من التكلفة المحتملة للانحراف لناحية الأرباح المستقبلية الضائعة ممّا يجعل عقوبة الانتقام من الشركة المنحرفة أقل فعالية.

ينطبق ذلك على أسواق الصفقات العمومية كما على أسواق احتكار القلة. في ما خص أسواق الصفقات العمومية هناك العديد من الطرق لتيسير الدخول إليها، كتبسيط إجراءات العطاءات أو المناقصات، وتخفيض رسوم الاشتراك، أو استخدام الشراء الإلكتروني. ويمكن للشاري العام أيضًا أن يشجع على المشاركة عبر زيادة عدد البنود(Lots)، وبالتالي تخفيض القيمة الاقتصادية الإفرادية لكل بند ممّا يؤدي إلى الحد من العوائق المحتملة أمام الدخول إلى السوق بحيث سيصبح بمقدور الشركات الأصغر حجمًا المنافسة على المناقصة. وثمة عامل آخر قد يحد من الدخول إلى السوق، وهو الميزة الإستراتيجية التي يكتسبها بعض الشركات مع مرور الوقت بسبب ملكيتها للأصول المكملة. فعلى سبيل المثال أي حاسوب يتم شراؤه لن يعمل إلّا بوجود برنامج مُشغّل، حيث نجد أنّ المُشغّل الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم هو "Windows" الذي تُنتجه شركة مايكروسوفت، والذي يُعتبر أصلًا مكملًا عند شراء الحاسوب.

 

1- 3- تكرّر التفاعل بين المنافسين

كلّما تكرر التفاعل بين المجموعة ذاتها من المنافسين (أي تكرّرت المنافسة في ما بينهم على صفقات مختلفة)، كلّما أصبح التواطؤ المستدام في ما بينهم أكثر سهولة. وسبب ذلك أنّ تكرار التفاعل بين الشركات يؤدي حتمًا إلى سهولة التنسيق في ما بينهم، ممّا يدفعهم إلى إنشاء كارتل يجمعهم. وحيث أنّ التفاعل بين هذه الشركات مستمر ومتكرر، هذا يعني أنّ الانحرافات يمكن معاقبتها بشكل سريع وفوري، ممّا يؤدي في نهاية المطاف إلى استدامة التواطؤ في ما بينهم. في حين أنّه لو تنافست الشركات بشكل غير متكرر، سيكون لديها قدرة أقل للحفاظ على التواطؤ، لاسيّما وأنّ الانحرافات لن يكون بالإمكان معاقبتها إلّا في المستقبل البعيد.

في الصفقات العمومية، تكرر التفاعل يتحدد بتكرار عمليات الشراء التي يقوم بها الشاري العام. وعادةً ما يكون هناك علاقة عكسية بين تكرار التفاعل ومدّة عقد التوريد، فكلّما طالت مدة العقود كلّما كان الاحتكاك بين الشركات أقل تكررًا، ومن المرجح أن تؤثر هذه الميزة سلبًا على السلوك التواطئي للعارضين. فالعقود قصيرة الأمد لا تشجع الشركات على الانحراف عن الكارتل لأنها ستتعرّض للعقوبات في المستقبل القريب، في حين أنّ العقود طويلة الأمد يمكن أن تُعرقل التواطؤ، لأنّ الانحراف يصبح أكثر ربحية من جهة، ومن جهة أخرى لن يكون بالإمكان الانتقام من الشركة المنحرفة إلّا في المستقبل البعيد.

عند تصميم خطة الشراء إذًا، ينبغي على الشاري العام أن ينظر إلى حاجاته من السلع والخدمات ككل، بدلًا من النظر إلى كل نوع من أنواع السلع والخدمات التي يحتاجها بشكل منفرد. والسبب الرئيس لذلك هو أنّ العديد من الموردين هو شركات متعددة المنتجات والخدمات، حيث أنّها تلتقي مرارًا وتكرارًا في عمليات التلزيم للسلع المختلفة.

 

1- 4- شفافية السوق

إنّ طبيعة المعلومات التي يمكن استنتاجها من بيانات السوق هي عامل حاسم في تحديد درجة شفافية هذا السوق. فالشفافية تسمح بكشف أسعار العارضين أمام الجمهور وحتى المنافسين، الأمر الذي يؤدي إلى تسهيل التواطؤ من خلال جعل الانحرافات عن الاتفاق التواطئي أكثر سهولة للاكتشاف من قبل المنافسين الذين يمكنهم الانتقام على الفور. وبالتالي فإنه كلما كان بالإمكان ملاحظة الأسعار بسهولة كلما أصبح الاتفاق التواطئي أكثر استدامةً.

الشفافية في الصفقات العمومية التنافسية الرامية إلى تلزيم عدة عقود شراء، تتوقّف أساسًا على كمية المعلومات التي يتم الكشف عنها لمقدمي العروض في أثناء المراحل المختلفة التي تمر بها عملية تقديم العطاءات نفسها. فلو تمّ اتباع سياسة كشف غامضة تمامًا، أي سياسة تخفي جميع المعلومات عن مقدّمي العروض، سيؤدي ذلك حتمًا إلى إعاقة التواطؤ والحد من استمراره لأنّه لن يكون باستطاعة أعضاء الكارتل ملاحظة الانحرافات ومعاقبتها، مما يُشجع الأعضاء على الانحراف عن الاتفاق التواطئي. فالتواطؤ إذًا يكاد يكون من المستحيل استدامته إذا كانت كل شركة غير قادرة على مراقبة إستراتيجيات منافسيها. فإذا لم يكن بالإمكان الكشف عن الغش، فلن يكون هناك أي أساس لاتخاذ قرار بمعاقبة المنشق، لأنّ الشركات لن تعرف أصلًا ما إذا كان قد حدث انشقاق أم لا. وينطبق هذا المنطق نفسه على الصفقات العمومية التنافسية التي يتم بموجبها شراء عدة سلع أو خدمات بالتتابع. فعندما يكون خطر التواطؤ مرتفعًا، تكون سياسة الكشف الوحيدة التي لها تأثير قوي على ضرب التواطؤ وإعاقة استمراريته هي عدم الكشف عن المعلومات، أي إبقاء جميع المعلومات المتعلقة بالعطاءات والعارضين الفائزين بكل بند سرًا عن جميع مقدمي العروض[17].ومع ذلك، وحيث أنّ الهيئات المسؤولة عن الصفقات العمومية تعمل نيابة عن الجمهور، فإنّها لا تستطيع ببساطة أن تتحمّل سياسة كشف غامضة تخفي جميع المعلومات عن مقدمي العطاءات وذلك بسبب مخاطر الفساد، لذلك يتوجب على الشاري العام أن يكشف لمقدّم العطاء الفائز أنّه قد تمّ اختياره وللعارضين الآخرين أنهم لم يفوزوا بالصفقة. وبالتالي، فإنّ درجة الشفافية تتعلّق بكمية المعلومات التي يتم الكشف عنها لمقدمي العروض أو العطاءات غير الفائزين. ومن بين جميع سياسات الكشف الجزئية المحتملة، قد يؤدي الكشف العلني عن السعر (أو الأسعار) من دون كشف أسماء مقدمي تلك الأسعار، إلى التأثير على قدرة الكارتل على اكتشاف الانحرافات الداخلية ومعاقبتها. أمّا جميع سياسات الكشف الجزئي الأخرى، ككشف أسماء العارضين الفائزين، فإنّها تعادل عمليًا سياسة كشف شاملة للمعلومات أي سياسة كاملة الشفافية[18].

ومرة أخرى، إنّ سياسة الكشف الجزئي التي تكشف السعر (أو الأسعار) فحسب قد تبدو غامضة جدًا نظرًا لخطر الفساد الذي قد تولده. لذلك، إذا كان الشاري العام ملزمًا باعتماد صيغة شفافة، فإنّه يمكن أن يجعل التواطؤ إلى حد ما أكثر صعوبة عن طريق تغيير توقيت الكشف عن المعلومات. فالتأخير في نشر المعلومات قدر الإمكان، وبالتالي إخفاء هوية الشركة المحتمل انحرافها عن إستراتيجيات تقديم العطاءات المقررة من قبل الكارتل (أو الشركات المحتمل انحرافها) لأطول فترة ممكنة، قد يزيد من المكاسب الناجمة عن الانحراف عن الكارتلات وربما زعزعة استقرار بعضها.

 

1- 5- نمو الطلب

تنشط الحركة التجارية في أيامنا الحالية في الأسواق سريعة التطور كأسواق الحاسوب والطاقة، إلا أنّ التساؤل الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى تؤثر الأسواق الآخذة في الاتساع على قدرة الشركات في التواطؤ؟

من البديهي القول أنّه في ظل وجود عدد ثابت من العارضين، سيكون من الأسهل استدامة التواطؤ في ما بين هؤلاء العارضين في الأسواق الآخذة في النمو. وبما أنّ الأرباح المستقبلية ستكون أعلى بكثير من الأرباح الحالية نظرًا لنمو السوق، وبالتالي نمو المبيعات، فإنّ المكاسب الناتجة عن الامتثال للاتفاق التواطئي ستنمو مع مرور الوقت، مما يؤدي إلى انخفاض احتمالية الانحراف عن الاتفاق التواطئي. غير أنّ هذا المنطق لا يأخذ في الاعتبار أنّ الأسواق المتنامية عادة ما تجذب شركات جديدة بحيث سيكون دخولها إلى هذه الأسواق معطلًا للكارتلات العاملة. بناءً على ذلك، نجد أنّ الأسواق الآخذة في النمو تُولد قوتين: القوة الأولى داعمة للتواطؤ في حين أن القوة الثانية مكافحة أو معرقلة له.

وعلى العموم فإنّه لا يمكن التنبؤ بما سينتج عن نمو السوق لجهة دعم التواطؤ أو مكافحته، إلّا أنّه يمكن القول بأنّ مستوى عوائق الدخول إلى السوق هي العامل الحاسم في معرفة ما سينتج عن نمو السوق كون هذه العوائق هي التي سترجح كفة أي من هاتين القوتين المعاكستين على الأخرى. فعندما تكون عوائق الدخول إلى السوق منخفضة، ستجذب الأسواق الآخذة في النمو عددًا كبيرًا من الشركات الجديدة مقارنة بتلك القائمة أصلًا (والمتواطئة)، وبالتالي فإنّ نمو السوق في هذه الحالة سيؤدي إلى مكافحة التواطؤ وتخريبه. وعندما تكون عوائق الدخول إلى السوق مرتفعة، فإنّ الشركات القائمة ستكون محمية من دخول شركات جديدة إلى السوق، وبالتالي يؤدي نمو السوق في هذه الحالة إلى دعم التواطؤ واستدامته.

 

1- 6- تقلّبات الطلب ودورة الأعمال

عندما تكون الأسواق عرضة لتقلبات الطلب، يصبح من الصعب استدامة التواطؤ. والفكرة في ذلك بسيطة جدًا، فعندما يكون السوق في الذروة سيحقق الانحراف عن الكارتل أقصى قدر ممكن من المكاسب في حين أنّ التكلفة المحتملة للعقوبات ستكون عند أدنى حد ممكن لها، لأنّ الطلب سيكون منخفضًا حينها. وهذا يعني أنّه عندما يكون الطلب أعلى من المتوسط، سيكون الانحراف عن الكارتل مغريًا، وبالتالي يصعب استدامة التواطؤ. والتحليل نفسه ينطبق على الدورة الموسمية ودورة الأعمال.

 

1- 7- التفاوت بين الشركات في حصصها من السوق

من المتعارف عليه أنّ التفاوت في حصص السوق يُعيق التواطؤ لأنّ الشركات الأصغر في الكارتل ستحقق مكاسب أعلى من الانحراف عن الاتفاق التواطئي وستسرق بالتالي جزءًا أكبر من السوق. إلّا أنّ هذه النظرية عرضة للكثير من الانتقادات حيث يرى معارضوها أنّ حصص السوق ذاتية النمو، كونها تعتمد على تفاوتات جوهرية كتكلفة الإنتاج، وقدرة الشركات، ونطاق المنتج والجودة أو حدودهما. وعلاوة على ذلك، فإنّ الشركات الأصغر حجمًا هي الأكثر هشاشة من الناحية المالية، وبالتالي فإنّها ستفكر مليًا قبل الانحراف خوفًا من معاقبتها بحروب الأسعار. ونتيجة لذلك، تؤدي حصص السوق دورًا مهمًا في استدامة التواطؤ. والواقع أنّ حصص السوق غالبًا ما تحدد قدرة المورد على التنافس على عقود الشراء، وبالتالي قدرة الكارتل على تخصيص البنود بين أعضائه بحيث يحصل كل عضو من أعضاء الكارتل على بند يتناسب مع حصته من السوق.

 

أ - التنسيق

يتم تلزيم الصفقات العمومية في أغلب الأحيان على أساس البنود (Lots) وبخاصة الصفقات الكبيرة الحجم. ويتوقف قرار كل عارض من العارضين المحتملين في ما خص البنود التي سينافس عليها على تفضيلاته، ولكنّه سيكون مقيدًا بقدراته الإنتاجية والتي بدورها قد تحدّد حصته من السوق. وإذا كانت الصفقة مقسمة إلى بنود صغيرة مع احتمالية مشاركة عدد كبير من الشركات الكبيرة والصغيرة على السواء في الصفقة، فإنّ التنسيق في ما بينهم للتوافق على تقاسم الكعكة قد يصبح معقدًا للغاية، نظرًا لكثرة عددهم من جهة، ولصعوبة التوافق على حصة كل منهم من جهة أخرى. وبالقياس على ذلك، إذا كانت الشركات متفاوتة في الأحجام وبالتالي متفاوتة في حصصها من السوق، فإنّ التساوي بين البنود (كتساوي قيمتها على سبيل المثال) قد يُشكل أداةً مكافحة أو مضادة للتواطؤ لأنّ الشركات الكبيرة سترغب بالحصول على بنود أكثر من تلك التي ستحصل عليها الشركات الصغيرة، وحجتها في ذلك أنّ كل عارض يجب أن يحصل على بنود تتناسب مع حجمه وحصته من السوق وهو ما ستعارضه الشركات الصغيرة.

 

ب- التطبيق

تُحدّد حصص السوق عدد العارضين النشطين وبالتالي حجم الكارتل المحتمل. ولذلك، فإنّ التفاوت الكبير في حصص السوق قد ينطوي على انخفاض مشاركة الشركات الأصغر حجمًا لعلمها المسبق بصعوبة منافسة الشركات الكبيرة. وهذا بدوره قد يسهل التواطؤ عن طريق منع الشركات الصغيرة من تهديد الشركات الأكبر منها حجمًا.

 

 1 -8- التفاوت بين الشركات في التكلفة

إنّ التفاوت في التكلفة يُعيق استدامة التواطؤ لثلاثة أسباب ذات صلة:

أ- قد تجد الشركات صعوبة في الاتفاق على سياسة تسعير مشتركة. فالشركات المنخفضة التكلفة ستميل إلى اختيار سعر أقل من السعر الذي ترغب شركات التكلفة المرتفعة في استدامته. هذا ما يجعل من اختيار السعر التواطئي أمرًا صعبًا.

ب - وفي حال تمكّنت الشركات من التغلب على مشكلة التنسيق في ما خص السعر التواطئي، سيكون من الصعب ضبط سلوك الشركات ذات التكلفة المنخفضة، كونها تستطيع الحصول على مكاسب أعلى من الانحراف عن الكارتل، وهي أقل قلقًا بشأن حروب الأسعار التي ستسبب ضررًا بالغًا للشركات ذات التكلفة المرتفعة.

ج - بما أنّ الحافز على الانحراف مرتبط بالربح الناتج عن التواطؤ، ومن أجل منع الشركات المنخفضة التكلفة من الانحراف عن السعر التواطئي، ينبغي أن توافق الشركات الأعضاء في الكارتل على تقاسم الأرباح بشكل غير متجانس بحيث تحصل الشركات ذات التكلفة المنخفضة على الحصة الأكبر من أرباح التواطؤ، وتحصل الشركات ذات التكلفة المرتفعة على حصص أقل من أرباح التواطؤ، مما يزيد بدوره من حافز هذه الشركات على الانحراف عن الاتفاق التواطئي.

بناءً على ما تقدم، فإنّ التفاوت في التكاليف يُخفض من إمكانية التوصل إلى اتفاق تواطئي مستدام كما هي الحال عند الشركات ذات التكاليف المتماثلة.

 

1- 9- التفاوت بين الشركات في القدرات

عندما تكون الشركات ذات قدرات محدودة ومتماثلة في ما بينها، يكون أثر هذه القيود على التواطؤ غامضًا بوجه عام. فمن ناحية، لن تحقق الشركة ذات القدرات المحدودة أرباحًا مهمة عند انحرافها عن السعر التواطئي، كونها لن تستطيع تلبية الطلب إلّا وفق قدراتها (تأثير داعم للتواطؤ)؛ ومن ناحية أخرى، فإنّ الشركة ذات القدرات المحدودة تكون قدرتها على الانتقام من الشركات المنحرفة محدودة أيضًا) تأثير مكافح للتواطؤ.

أمّا التفاوت في القدرات بين الشركات فيكون له تأثيرات أقل غموضًا. فالشركة التي تمتلك قدرات أكبر من قدرات منافسيها يكون لديها حافز قوي للانحراف بسبب ضعف قدرة منافسيها على الانتقام. وبهذا المعنى فإنّ التفاوت في القدرات يميل إلى التخفيف من التواطؤ في الصفقات العمومية كما في أسواق احتكار القلة.

 

1- 10- تمايز المنتجات

في معظم الأسواق، يُنتج الموردون السلع والخدمات التي لا يعتبرها المستهلكون بدائل مثالية. فقد تختلف المنتجات من حيث السمة الجوهرية أي الجودة، وهكذا يكون المستهلكون على استعداد لدفع ثمن أعلى لقاء منتج عالي الجودة، وهذا ما يُسمى عادةً التمايز العمودي Vertical Differentiation. وهناك نوع آخر من التمايز يُسمى التمايز الأفقي Horizontal Differentiation، ينشأ عندما يتم تقديم المنتجات بأسعار مماثلة أو متقاربة وذلك في توليفات مختلفة من الخصائص (اللون، الشكل، الموقع)، بحيث يهدف هذا النوع من التمايز إلى خلق ولاء للعلامة التجارية.

إنّ نتائج التمايز الأفقي للمنتجات على التواطؤ هي بشكل عام غير واضحة. فالشركات المتمايزة أفقيًا تكسب أقل من الانحراف عن الاتفاق التواطئي لأنّها يمكن أن تجتذب جزءًا ضئيلًا من زبائن منافسيها. وفي الوقت نفسه فإنّ هذه الشركات تكون أقل عرضةً للانتقام أو للعقاب، لأنّ معظم زبائنهم لن يتم إغراؤهم وبالتالي جذبهم بواسطة العروض التنافسية. بناءً على ذلك، يؤدي انخفاض المكاسب الناجمة عن الانحراف إلى جعل التواطؤ أكثر استقرارًا، في حين أنّ العقوبة الأقل قسوةً تُعيق التواطؤ لأنها لا تُشكل رادعًا أمام الانحراف. وبالتالي، فإنّ تأثير التمايز الأفقي يبدو غامضًا تمامًا.

أمّا نتائج التمايز العمودي للمنتجات على التواطؤ فهي أكثر وضوحًا. إذ إنّ التمايز العمودي يخلق تفاوتًا بين الشركات قد يؤدي إلى تعطيل التواطؤ. فإلى حد ما، إن الشركة التي تقدم نوعية أفضل تكون كما لو أنّها تتمتع بميزة التكلفة، وبالتالي يؤدي التمايز العمودي إلى نتائج مشابهة لتلك النتائج الناجمة عن التفاوت بين الشركات في التكلفة والتي تمت مناقشتها سابقًا.

 

1- 11- احتكاك الشركات في عدة أسواق

بما أنّ العديد من الموردين هو شركات متعددة المنتجات والخدمات، فهذا يعني أنّ هذه الشركات تلتقي مرارًا وتكرارًا في عمليات التلزيم للسلع المختلفة. ومن المعلوم أنّ الاحتكاك بين الشركات في عدة أسواق يُمكن أن يسهل التواطؤ في ما بينها وذلك لسببين رئيسين:

- الشركات التي تلتقي في المزيد من الأسواق تتفاعل في ما بينها بشكل أكثر تواترًا وبالتالي تستطيع التنسيق بسهولة أكبر.

- يُمكن لهذه الشركات التوافق على تقسيم الأسواق في ما بينها بحيث يتم تعزيز التواطؤ في سوق سلعة ما لصالح عارض معين، مقابل تنفيذ التواطؤ في أسواق السلع الأخرى لصالح العارضين الآخرين.

 

2-  الجزء الثاني: صياغة المناقصات

في ما يأتي ستتم مناقشة بعض العوامل المحددة لطريقة طرح المناقصة والتي من شأنها تسهيل التواطؤ أو إعاقته. ويجوز للشاري العام أن يختار بين العديد من أشكال المناقصات التي تتم صياغتها بشكل رئيسي وفق إمكانية قيام العارضين بتحسين عروضهم (المناقصة الديناميكية أو المتحركة مقابل المناقصة بالظرف المختوم)، ووفق الطريقة التي يتم بموجبها تحديد سعر الشراء (السعر الأدنى مقابل ثاني أقل سعر).

 

2- 1- المناقصة الديناميكية مقابل المناقصة بالظرف المختوم

المناقصة الديناميكية أو المتحركة هي عبارة عن مناقصة مفتوحة يقوم الشاري العام بافتتاحها من خلال الإعلان عن سعر تتم المنافسة على أساسه بشكل علني من قبل جميع العارضين. بحيث أنّه وخلال جلسة التلزيم، وبعد الإعلان عن السعر الذي ستتم المنافسة على أساسه، يقوم كل عارض بتقديم سعره أمام باقي العارضين المنافسين، ومن ثم تخفيض هذا السعر إذا رغب بذلك، وصولًا إلى السعر الأدنى الذي لن يقبل العارضون الآخرون بتقديم سعر أقل منه، ومن ثم ترسو الصفقة في نهاية المطاف على العارض الذي يُقدم أدنى سعر للوازم أو الأشغال أو الخدمات المراد شراؤها. إنّ المناقصة الديناميكية أو المتحركة تُعزّز خطر التواطؤ، حيث أنّ العارض الذي ينحرف عن الاتفاق التواطئي سيجد نفسه مباشرةً أمام تهديد الانتقام الفوري من قبل الفائز المحدد سلفًا من قبل أعضاء الكارتل[19]. ففي الواقع، إذا كانت بعض الشركات تُشكل كارتلًا واختارت الشركة الأكثر كفاءةً في ما بينها للفوز بالمناقصة )أي الشركة ذات كلفة الإنتاج الأدنى(، فإنّ أي عضو من أعضاء هذا الكارتل لا يُمكنه تقديم سعر أقل (أو تنزيل أعلى)، من دون أن يستدعي ذلك استجابة فورية من الفائز المتفق عليه سلفًا. ممّا يؤدي بالنتيجة إلى المزيد من تخفيض الأسعار بحيث أنّ الشركة المنحرفة لن تستطيع أن تقدّم سعرًا أقل من سعر التكلفة لديها، في حين أنّ الشركة الأكثر كفاءةً والمتفق على فوزها بين أعضاء الكارتل هي الشركة ذات كلفة الأدنى من الإنتاج، وبالتالي تستطيع هذه الشركة أن تقدّم أدنى سعر ممكن من دون الوقوع في خسارة (سعر يعادل كلفة الإنتاج لديها أو يزيد عنه قليلًا)، من دون أن يكون باستطاعة الشركة المنحرفة تقديم سعر أدنى من سعرها. ممّا يعني أنّه لن يكون بمقدور الشركة المنحرفة تحقيق أي مكاسب من سلوكها هذا.

أمّا المناقصة بالظرف المختوم[20]، وهي الطريقة المتبعة حاليًا في لبنان، فيقوم كل من العارضين بتقديم المستندات المحددة في دفتر الشروط بالإضافة إلى عرض الأسعار، وذلك في ظرف مختوم ضمن مهلة محددة، بحيث لن يكون باستطاعة أي من العارضين معرفة السعر المقدّم من أي عارض آخر لحين جلسة فض العروض. وفي هذا النوع من المناقصات، وبمجرّد أن يقوم أعضاء الكارتل بتحديد الشركة التي ستفوز بالمناقصة، فإنّه يتوجب على الأعضاء الآخرين الانسحاب من المناقصة أو عدم استكمال المستندات المحددة في دفتر الشروط أو تقديم عروض أسعار زائفة، في حين أن الفائز المحدد سلفًا يقدّم عرض أسعار يفوق الأسعار الحقيقية. في هذه الحالة، أي من الأعضاء الآخرين يستطيع الانحراف عن الاتفاق التواطئي والفوز بالمناقصة من دون أن يكون بمقدور الفائز المحدد سلفًا التفاعل أو الرد الفوري على العارض المنحرف.

 

2-2- المناقصة على أساس السعر الأدنى مقابل السعر الأقل الذي يأتي في الدرجة الثانية:

يستخدم الكارتل الناشط في أسواق الصفقات العمومية إستراتيجيات في المناقصة التي تجري على أساس السعر الأدنى مختلفة عن تلك الاستراتيجيات المتبعة في المناقصة التي تجري على أساس السعر الثاني الأقل، وذلك بهدف المحافظة على المبلغ نفسه من الأرباح الناجمة عن الاتفاق التواطئي. ففي المناقصة التي تجري على أساس السعر الأدنى، يرسو الالتزام على العارض المقبول الذي يقدّم أدنى سعر. وبناءً على ذلك نجد أنّ الاتفاق التواطئي سيدعو الشركة الأكثر كفاءةً في الكارتل إلى تقديم عرض أسعار أقل بقليل من السعر الاحتياطي [21]Reserve Price بينما يقوم باقي أعضاء الكارتل بتقديم عروض أسعار مساوية للسعر الاحتياطي.

أمّا في المناقصة التي تجري على أساس ثاني أقل سعر[22]، فيرسو الالتزام على العارض المقبول الذي يقدم أدنى سعر ولكن يُدفع له على أساس السعر الذي جاء أعلى منه مباشرةً. فعلى سبيل المثال، وبعد فض العروض المقدمة في مناقصة عامة عائدة لتلزيم شراء مكيفات هواء وتركيبها في وزارة معينة، تبين أنّ أدنى الأسعار والبالغ 200$ للمكيف الواحد مقدم من الشركة (أ) تليها مباشرةً الشركة (ب) بعرض أسعار يبلغ 220$ للمكيف الواحد. ترسو الصفقة في هذه الحالة على من قدم أدنى الأسعار أي الشركة (أ) ولكن يُدفع لها على أساس السعر الذي جاء أعلى من سعرها مباشرةً أي السعر البالغ 220$ في مثالنا هذا والمقدم من الشركة (ب).

ويلجأ الشاري العام عادةً إلى هذه الطريقة بغية كشف كلفة الإنتاج الحقيقية للعارضين(فقط عند التأكد من عدم وجود أي اتفاق تواطئي)، بحيث أنه وعند اعتماد هذه الطريقة سيقوم كل عارض من العارضين بتقديم أدنى سعر ممكن والذي سيكون مساويًا لكلفة الإنتاج لديه لعلمه المسبق بأنّه في حال فوزه بالمناقصة سيحصل على السعر الأعلى منه مباشرةً، أي أنّه سيحصل على سعر أعلى من تكلفة الإنتاج لديه وبالتالي سيحقق ربحًا

بناءً على ما تقدم، وفي حال اعتماد هذه الطريقة في ظل وجود اتفاق تواطئي بين العارضين، ستقوم الشركة الأكثر كفاءةً في الكارتل بتقديم عرض أسعار مساوٍ لتكلفة الإنتاج لديها، بينما يقوم باقي أعضاء الكارتل بتقديم عروض أسعار مساوية للسعر الاحتياطي. مما يعني فوز الشركة الأكثر كفاءةً في الكارتل بالصفقة وبالسعر الذي جاء أعلى من سعرها مباشرةً، أي السعر الاحتياطي في هذه الحالة. وبالتالي، فإنّه في المناقصة التي تجري على أساس ثاني أقل سعر، لن يكون من المربح لأي عضو من أعضاء الكارتل الانحراف عن الاتفاق التواطئي لأن ذلك سيتطلب منه تقديم عرض أسعار أقل من السعر المقدم من العارض الأكثر كفاءةً. أي أن العارض المنحرف سيفوز بالمناقصة وسيحصل على السعر الذي جاء أعلى منه مباشرةً، أي السعر المقدم من العارض الأكثر كفاءةً والذي سيكون مساويًا لكلفة الإنتاج لدى ذلك العارض الأكثر كفاءةً كما سبق وتمت الإشارة، والذي بدوره سيكون حكمًا أقل من تكلفة الإنتاج لدى العارض المنحرف، مما يعني وقوع ذلك العارض المنحرف في خسارة كونه سيفوز بالصفقة بسعر أدنى من تكلفة الإنتاج لديه[23].

في حين أنّه في المناقصة التي تجري على أساس السعر الأدنى، ستُقدم الشركة الأكثر كفاءةً في الكارتل عرض أسعار أقل بقليل من السعر الاحتياطي كما سبق وتمت الإشارة، لذلك سيكون بإمكان العارض المنحرف تقديم عرض أسعار أقل بقليل من السعر التواطئي وبالتالي تحقيق الأرباح عند انحرافه عن الاتفاق التواطئي.

 

2- 3- المناقصات المتزامنة مقابل المناقصات المتتابعة

المناقصات المتتابعة التي تجري على أساس السعر الأدنى، والرامية إلى تأمين الاحتياجات المختلفة، للإدارات العامة شائعة جدًا في مجال الصفقات العمومية. فعقود التوريد للوازم المختلفة، ولكن ذات الصلة (على سبيل المثال: الطابعات، أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أجهزة الكمبيوتر المكتبية، شاشات الكمبيوتر، الخوادم)، يتم تلزيمها عادةً بشكل منفصل، أي بالتتابع وليس في الوقت نفسه بالتزامن، وغالبًا بطريقة المناقصة بالظرف المختوم على أساس السعر الأدنى. فبالنسبة للعارضين متعددي المنتجات الذين ينشطون في العديد من أسواق اللوازم التي يشتريها الشاري العام، تتم عمليات الشراء بواسطة مناقصات متتابعة على أساس السعر الأدنى بهدف تأمين اللوازم المتعددة.

المناقصات المتتابعة تُسهل التواطؤ بين العارضين فيما لو تمت مقارنتها بالمناقصات المتزامنة، وذلك يعود لسببين اثنين[24]. وقبل الحديث عن هذين السببين تجدر الإشارة إلى أنّه في العديد من الصفقات العمومية التنافسية المتتابعة يكون هناك كشف كامل عن المعلومات بعد كل عملية تلزيم (أسماء العارضين، مستنداتهم، عروض أسعارهم)، وهذا ما سيتم أخذه بعين الاعتبار في ما يلي.

السبب الأول يرتبط بقدرة أعضاء الكارتل على تحديد الانحرافات عن الاتفاق التواطئي والرد عليها بسرعة، وهو ما يكون أمرًا سهلًا في المناقصات المتتابعة بحيث أنه وعند فض العروض المتعلقة بكل مناقصة، يتم تحديد أي انحراف بسبب الكشف الكامل عن المعلومات، ومن ثم الرد على كل انحراف بشكل أسرع ضمن التسلسل ذاته. وهذا يحد من مكاسب المدى القصير التي يمكن للعارض المنحرف تحقيقها بحيث ستتم معاقبته في المناقصات التالية. مما يُسهل التقيد بالاتفاق التواطئي فيما لو تمت المقارنة مع المناقصات المتزامنة التي يصعب معها الرد بشكل سريع، وبالتالي معاقبة العارض المنحرف.

السبب الثاني يرتبط بالتفاوت المحتمل بين أعضاء الكارتل. فبقاء الكارتلات واستمرارها غالبًا ما يكون مرتبطًا بوجود شركات يصعب ضبط سلوكها، كونها ستحقّق مكاسب أكثر نتيجة انحرافها عن الاتفاق التواطئي، أو مكاسب أقل نتيجة التحاقها بالكارتل[25]. وإذا كانت الشركات متفاوتة، يمكن للمناقصات المتتابعة تسهيل التواطؤ عن طريق السماح للكارتل بتخفيف عدوانية تلك الشركات التي يصعب انضباطها، وذلك من خلال تخصيص المناقصات الأخيرة في التسلسل لتلك الشركات. وهذا ما يحد من حافز تلك الشركات على الانحراف ويُعزز من بقاء الكارتل واستمراريته. إنّ هذا التدبير الذي يمكن للكارتل اعتماده لضمان بقائه وديمومته، لا يمكن تطبيقه في المناقصات المتزامنة.

 

2 -4- قواعد إرساء الصفقة

 ينص دفتر الشروط على القاعدة التي يجب اتباعها لإرساء الصفقة. وهذه القواعد متعددة بحيث أنّه قد ينص دفتر الشروط على إرساء الصفقة على العارض المستوفي للشروط والذي يُقدم أدنى الأسعار. وقد ينص دفتر الشروط على إرساء الصفقة على العارض الذي يُقدم أفضل العروض وذلك باستخدام قاعدة "المناقصة الأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية[26] MEAT"، حيث يتم تخصيص نقاط معينة لكل من المواصفات الفنية والمواصفات الاقتصادية (السعر المقدم، النوعية، عدد المشاريع المنفذة سابقًا، الخبرات...)، ومن ثمّ يتم احتساب مجموع النقاط لكل عرض من العروض المقدمة، وفي النهاية يتم إرساء الصفقة على العارض الذي قدم أفضل عرض، أي الذي حصل على أعلى مجموع من النقاط. وقد ينص دفتر الشروط على اعتماد قاعدة متوسط العروض [27] Average-Bid لتحديد العارض الذي سترسو عليه الصفقة، حيث يتم احتساب متوسط عروض الأسعار المقدمة وذلك بقسمة مجموعها على عددها، وفي النهاية يتم إرساء الصفقة على العارض الذي تكون قيمة عرضه الأقرب إلى المتوسط ولكن من دون هذا المتوسط، أي العرض الذي يقل عن المتوسط ويكون الأقرب إليه بين باقي العروض.

تُعتبر البساطة والشفافية من الخصائص الجيدة للمناقصة بشكل عام. فعندما يتم الكشف بوضوح عن ما يحتاج إليه الشاري العام، يستطيع العارضون صياغة عروضهم بسهولة ودقة. والشفافية سمة حاسمة في قواعد احتساب النقاط لكل عارض على أساس عرضه الفني والاقتصادي على السواء، وذلك عندما يتم اعتماد قاعدة "المناقصة الأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية MEAT"من أجل تحديد أفضل العروض. إنّ شفافية قواعد احتساب النقاط تسمح للعارضين باحتساب مجموع نقاطهم قبل تقديم عروضهم، وبالتالي تسمح لهم بالمفاضلة بين النوعية والسعر عند إعداد عروضهم الفنية والاقتصادية. وفي حال كان العارضون، بدلًا من ذلك، غير قادرين على التنبؤ بمجموع نقاطهم، يُمكن القول عندئذٍ بأنّ قواعد احتساب النقاط تفتقر إلى الشفافية.

وهنا، لا بدّ من التشديد على أنّ قاعدة متوسط العروض Average-Bid، تمتلك ميزة مؤيدة للتواطؤ لا نجدها في غيرها من قواعد إرساء الصفقات. لذلك نجد أنّ أعضاء الكارتل يفضّلون عادةً هذه الطريقة لأنّها تحمي وجود الكارتل واستمراريته. وللاطلاع على ذلك بمزيد من التفصيل، سنفترض وجود صفقة عامة تعود لتوريد 10.000 جهاز كمبيوتر محمول متطابق، بسعر احتياطي قدره 1.000 دولار لكل جهاز. وسنفترض، من أجل البساطة، أنّ المنافسة تجري على أساس سعر الكمبيوتر المحمول فقط أي على أساس السعر الأدنى، لذلك لا وجود لنقاط على النواحي الفنية ذات الصلة بأبعاد الجودة المختلفة. ولنفترض أن أكثر من شركتين (ن >2) شارك في المناقصة واعتمد آلية بسيطة للتواطؤ: الشركة المتفق عليها ستفوز بالمناقصة عبر تقديم عرض أسعار بقيمة 999 دولارًا للكمبيوتر المحمول الواحد بينما تقدم جميع الشركات الأخرى (ن – 1) عروض أسعار مساوية للسعر الاحتياطي والبالغ 1.000 دولار لكل جهاز، ومن ثم يتم تقاسم الفائض بين هذه الشركات. مع اعتماد قاعدة السعر الأدنى لترسية الصفقة، أي عارض غير فائز يمكنه الانحراف عن الاتفاق التواطئي فقط من خلال تقديم عرض أسعار بقيمة 998 دولارًا. تكلفة الانحراف هي نفسها بالنسبة لجميع العارضين: من خلال خفض السعر بقيمة دولار واحد للكمبيوتر المحمول الواحد، أي عارض سيكون قادرًا وبفعالية على الانحراف عن الاتفاق التواطئي وكسر الكارتل، وبالتالي الفوز بالمناقصة.

لنفترض الآن أنّه سيتم اعتماد قاعدة متوسط العروض Average-Bid من أجل إرساء الصفقة، بحيث تُسند الصفقة إلى المورد الذي يكون عرضه الأقرب إلى المتوسط، ولكن دون المتوسط. من جديد، يختار الكارتل شركة للفوز بالصفقة عبر تقديم عرض أسعار قيمته 999 دولارًا للجهاز الواحد. أما باقي العارضين (ن – 1) فيقدمون عروض أسعار مساوية للسعر الاحتياطي والبالغ 1.000 دولار للجهاز الواحد. الآن ما هو المبلغ الذي يجب أن يقدمه العارض المنحرف عن الاتفاق التواطئي من أجل الفوز بالصفقة؟ وكم ستكون تكلفة الانحراف بالنسبة إليه؟ نلاحظ أولًا أنّ العارض المتفق على فوزه، وفي ظل عدم انحراف أي من العارضين، سيكون هو الفائز فعلًا، لأنّ 999 دولارًا هو العرض الوحيد الذي يقل عن المتوسط، حيث أنّ هذا الأخير أي المتوسط يساوي (1 \ ن)999$ + [(ن-1) \ ن]1000$. من أجل الفوز بهذه الصفقة، على العارض المنحرف أن يقدم عرضًا بحيث تبقى جميع العروض الأخرى أعلى من المتوسط. ومن السهل رؤية أنّ عرضًا بقيمة 998 دولار ليس منخفضًا بشكل كافٍ كما هو الحال في المناقصة السابقة التي جرت على أساس السعر الأدنى ومن ثم رست على العارض الذي قدم أدنى الأسعار.

ولرؤية ذلك بشكل أكثر وضوحًا، لنفترض أنّ عدد العارضين المشاركين في المناقصة هو خمسة، أي أن ن = 5. فلو قدم العارض المنحرف عن الاتفاق التواطئي عرضًا بقيمة 998 دولارًا سيكون المتوسط (998 + 999 + 3(1000)) \ 5 = 999.4. مع هذا المتوسط فإنّ العارض الأول البالغة قيمة عرضه 999 دولار لا يزال الفائز بالصفقة. ونتيجة لذلك، فإنّ عرضًا بقيمة 998دولار ليس كافيًا للفوز بالمناقصة. فمن أجل الفوز بالمناقصة، يحتاج العارض المنحرف إلى جعل المتوسط أقل من 999 دولارًا، وبالتالي يحتاج إلى تقديم عرض أسعار بقيمة س، بحيث يكون (س + 999 + 3 (1000)) ≤ 999، مما يعني أن س ≤ 996 دولارًا. وبشكل عام، عندما يكون عدد الشركات المتواطئة هو ن، ستكون س ≤ (ن-1)999$ - (ن-2)1000$.

إنّ هذه السمة البسيطة المؤيدة للتواطؤ في قاعدة متوسط العروض تنبع من التكلفة الأكثر ارتفاعًا التي سيتحملها العارض الراغب بالانحراف عن الاتفاق التواطئي، وذلك مقارنةً بكلفة الانحراف عن الاتفاق التواطئي العائد لمناقصة يتم تلزيمها على أساس السعر الأدنى. وتكلفة الانحراف هذه ترتفع مع ارتفاع عدد أعضاء الكارتل، حيث أنّ العارض المنحرف عليه موازنة وزن العطاءات المتطابقة الأخرى (ن – 2) حتى يكون العارض الوحيد دون المتوسط.

 

2 -5- العرض المشترك والتعاقد من الباطن

يُمكننا إذًا نص دفتر الشروط على ذلك، أن يقوم بعض العارضين بتشكيل تحالف فيما بينهم بحيث يشتركوا في المناقصة كعارض واحد وبعرض مشترك واحد Consortium Bidding، كما يُمكن للعارض الفائز أن يُخصص جزءًا من عقده لمورد آخر (غير فائز أو غير مشارك في المناقصة)، وهو ما يُعرف بالتعاقد من الباطن Subcontracting.

ولكل من هذه العلاقات التعاقدية آثار غامضة على التواطؤ. فمن ناحية، يُمكن لها أن تحل المشاكل المتعلقة بالكفاءة وأن تُعزز المنافسة وذلك إمّا من خلال السماح بمشاركة الشركات التي كان من الممكن استبعادها (بسبب عدم توافر الإمكانيات المالية أو الفنية أو البشرية، أو الخبرات الكافية واللازمة لتنفيذ الصفقة بكاملها)، أو من خلال تقديم عروض أكثر عدوانية من قبل بعض المشاركين، أو كليهما. ومن ناحية أخرى، قد تكون هذه العلاقات مفيدة للتنسيق بين الشركات بحيث تسمح لها بتوزيع الأرباح في ما بينها، بعد أن أصبحت ملائمة ومجدية بفعل تلك العلاقات التعاقدية، وهو ما يُؤدي إلى تسهيل التواطؤ واستدامته. فالمهمة المعقدة للشاري العام هي إذًا وضع قواعد صارمة على الحالات التي يُمكن فيها السماح بتقديم العروض المشتركة أو التعاقد من الباطن، وذلك بهدف الحد من استخدامها بشكل تواطئي، ومن دون أن يحول ذلك من اعتماد هذه العلاقات التعاقدية من أجل تعزيز الكفاءة.

هناك قاعدة واحدة بسيطة وهي السماح بالعروض المشتركة، أو بالتعاقد من الباطن:

1- إذا كانت هذه العلاقات التعاقدية تنطوي على شركات لا تكون في وضعية تسمح لها بالمشاركة في المناقصة بشكل منفرد. إنّ استحالة مشاركة تلك الشركات بشكل منفرد في المناقصة يعود لعدم توافر المواصفات المحددة في دفتر الشروط لديها والتي تكون إمّا شروط الأهلية (امتلاك العتاد والتجهيزات اللازمة، عدد المستخدمين، خبرة المستخدمين...)، وإمّا القدرات الاقتصادية الفعلية اللازمة لتأمين ما تحتاجه الهيئات العامة من اللوازم أو الأشغال أو الخدمات.

2- أو إذا كانت هذه العلاقات التعاقدية تُؤدي إلى تحسين كفاءة المشاركين حيث أن تحالف الشركات الصغيرة سيُمكنها من دمج مرافق إنتاجها، ومن ثم إمكانية الحصول على المستوى نفسه بالنسبة لكفاءة الشركات الكبيرة، وبالتالي منافستها وعرقلة تواطئها في حال وجوده.

 

الخاتمة

الشاري العام لا يستطيع محاربة الكارتلات، ولكنه يستطيع جعل حياتها أصعب من خلال صياغة الصفقات العمومية بطريقة تُعيق التواطؤ بين أعضاء الكارتل وبالتالي تُعرقل استمراريتهم وبقاؤهم في السوق.

1- النتائج

- إنّ وجود عدد كبير من الشركات المتنافسة في السوق من شأنه أن يُعيق التواطؤ لأنه يجعل كلًّا من التنسيق والالتزام بالاتفاق التواطئي أكثر حدة وصعوبة.

- التأخير في الكشف عن المعلومات لأطول فترة ممكنة، بخاصة في الصفقات العمومية الرامية إلى تلزيم عدة عقود شراء، يُؤدي مؤقتًا إلى إخفاء هوية الشركات المحتمل انحرافها عن الاتفاق التواطئي، ممّا يسهم في عرقلة التواطؤ وزعزعته بين العارضين الكارتلات القائمة. أمّا سياسات الكشف الجزئي التي تخفي جزءًا من المعلومات وتكشف عن الجزء الآخر فيكون لها أثر ضئيل عادةً.

- نمو السوق يُؤدي إلى عرقلة التواطؤ وزعزعته، عندما تكون عوائق الدخول إلى ذلك السوق منخفضة، نظرًا لجاذبية الأسواق الآخذة بالنمو بالنسبة للشركات الجديدة الراغبة بالمنافسة والفوز بحصة وازنة من السوق. إلّا أنّ نمو السوق يؤدي إلى دعم التواطؤ واستدامته عندما تكون عوائق الدخول إلى ذلك السوق مرتفعة، بحيث أنّ الكارتلات الفاعلة ستكون محمية من دخول أي منافسين جدد إلى السوق.

- التقلب المستمر في الطلب يؤدي إلى زعزعة التواطؤ. فعندما يكون الطلب أعلى من المتوسط سيحقق الانحراف عن الاتفاق التواطئي أقصى قدر ممكن من المكاسب، ممّا يُحفز الشركات على الانحراف.

- التفاوت بين الشركات سواء أكان في تكاليف الإنتاج لديها أو في قدراتها، يؤدي إلى زعزعة التواطؤ، نظرًا لعدة أسباب أبرزها عدم قدرة الشركات ذات تكاليف الإنتاج المرتفعة أو تلك محدودة القدرات على الانتقام.

- المناقصة الديناميكية أو المتحركة قد تسهل التواطؤ بين العارضين نظرًا إلى سهولة كشف العارض المنحرف ومعاقبته على الفور، في حين أن المناقصة بالظرف المختوم قد تُعرقل التواطؤ وتضربه نظرًا لعدم إمكانية اكتشاف الانحراف عن الاتفاق التواطئي قبل جلسة فض العروض.

- المناقصات التي تجري على أساس السعر الثاني الأدنى مُعرضة بشكل كبير لخطر التواطؤ نظرًا لأنّ الانحراف عن الاتفاق التواطئي سيؤدي إلى خسائر لدى العارض المنحرف والذي سيحصل بدوره على سعر أقل من كلفة الإنتاج لديه. أمّا المناقصات التي تجري على أساس السعر الأدنى فهي تُشجع على الانحراف عن الاتفاق التواطئي، حيث أنّ العارض المنحرف سيُقدم سعرًا أقل بقليل من السعر التواطئي (الذي يكون بدوره أقل بقليل من السعر الاحتياطي)، وبالتالي سيُحقق الأرباح عند انحرافه عن الكارتل.

- المناقصات المتتابعة تُسهل التواطؤ بين العارضين مقارنةً بالمناقصات المتزامنة نظرًا لسهولة تحديد الانحرافات عن الاتفاق التواطئي ومعاقبتها بسرعة من جهة، وللجوء الكارتل إلى اعتماد إستراتيجية تخصيص المناقصات الأخيرة في التسلسل للشركات المحتمل انحرافها من جهة أخرى، وهو ما لا يمكن تطبيقه في المناقصات المتزامنة.

- عند اعتماد قاعدة السعر الأدنى لإرساء الصفقة، إذ كلّما ارتفع عدد أعضاء الكارتل ارتفع الحافز على الانحراف لأنّ المكاسب الناجمة عن الانحراف ترتفع مع ارتفاع حجم الكارتل. والسبب في ذلك يعود إلى تناقص المكاسب التي سيحصل عليها أعضاء الكارتل كلما زاد حجمه. أمّا عند اعتماد قاعدة متوسط العروض، فكلّما ارتفع حجم الكارتل كلما انخفض الحافز على الانحراف بسبب ارتفاع كلفة الانحراف مع ارتفاع حجم الكارتل.

 

2- التوصيات

- في حال وجود عوائق أمام دخول شركات جديدة إلى السوق، لا بد من العمل على تخفيف تلك العوائق وصولًا إلى إزالتها إذا اقتضى الأمر، حيث أنّ دخول شركات جديدة إلى السوق يعني منافسين جددًا ممّا يفسّر بدوره ضرب الكارتلات القائمة وتفكيكها.

- عندما تكون مخاطر التواطؤ مرتفعة، يُفضل اللجوء إلى عقود التوريد طويلة الأمد بدلًا من عقود التوريد القصيرة الأمد، مما يؤدي إلى الحد من تكرر الاحتكاك بين الشركات وبخاصة تلك الشركات متعددة المنتجات، وبالتالي تشجيعها على الانحراف عن الاتفاق التواطئي في حال وجوده.

- عند تصميم المناقصة ومن أجل الحد من خطر التواطؤ، لا بد للشاري العام من أن يأخذ بعين الاعتبار عدد العارضين المحتمل مشاركتهم في المناقصة وعدد البنود التي سيجري تلزيم الصفقة على أساسها، بحيث أنّه ومن أجل إعاقة التواطؤ لا بدّ من أن يكون عدد البنود مختلفًا عن عدد العارضين المحتملين. فعندما يكون عدد البنود مساويًا لعدد العارضين المحتملين، سيؤدي ذلك إلى تسهيل التواطؤ بحيث يحصل كل عارض على بند من البنود. أما إذا كان عدد البنود مختلفًا عن عدد العارضين، فمن شأن ذلك عرقلة التواطؤ نظرًا لصعوبة التوافق في ما بين العارضين على تقاسم البنود.

- كذلك الأمر عند تصميم المناقصة ومن أجل الحد من خطر التواطؤ، لا بد للشاري العام من أن يأخذ بعين الاعتبار التفاوت القائم بين العارضين سواء أكان في حصصهم من السوق، أو في التكلفة، أو في القدرات. فعند وجود تفاوت بين العارضين المحتملين (في حصصها من السوق، أو في التكلفة، أو في القدرات)، يؤدي تلزيم الصفقة على أساس البنود المتماثلة أو المتجانسة Homogeneous Lots، إلى الحد من خطر التواطؤ لأنّ الشركات الكبيرة سترغب بالحصول على بنود أكثر من تلك التي ستحصل عليها الشركات الصغيرة، وهو ما ستعارضه هذه الأخيرة. أما إذا كان لدى العارضين المحتملين حصص سوق، أو تكاليف، أو قدرات متماثلة، فيؤدي تلزيم الصفقة على أساس البنود غير المتجانسة Heterogeneous Lots، إلى الحد من خطر التواطؤ نظرًا لصعوبة التوافق في ما بين العارضين على حصة كل منهم.

- عندما يكون خطر التواطؤ مرتفعًا، يجب عدم إجراء المناقصات على أساس ثاني أقل سعر نظرًا لصعوبة الانحراف عن الكارتل إضافةً إلى نتائج الانحراف السلبية على الشركة المنحرفة.

- عندما يكون التواطؤ مصدر قلق كبير، يجب تلزيم جميع عقود التوريد في الوقت نفسه، أي باعتماد المناقصات المتزامنة وليس المتتابعة، وبخاصة عند توريد اللوازم التي ينشط فيها العارضون أنفسهم.

- عندما يكون خطر التواطؤ مرتفعًا، يجب الابتعاد عن قاعدة متوسط العروض حيث الحافز على الانحراف يكون منخفضًا بسبب ارتفاع كلفته، ممّا يعني أنّ هذه القاعدة مؤيدة لاستدامة التواطؤ. لذلك يتوجّب اعتماد قاعدة السعر الأدنى بديلًا عن ذلك لإرساء المناقصة حيث يكون الحافز على الانحراف مرتفعًا نظرًا لارتفاع المكاسب الناجمة عنه.

- على الشاري العام التشدد في الحالات التي يُمكن فيها تقديم عروض مشتركة أو التعاقد من الباطن وذلك بهدف الحد من استغلالها لدعم التواطؤ، بحيث يقتصر اللجوء إلى هذه العلاقات التعاقدية فقط إذا كانت تنطوي على شركات لا تستطيع المشاركة في المناقصة بشكل منفرد لعدم توافر شروط الأهلية أو القدرات الاقتصادية لديها، أو إذا كانت هذه العلاقات التعاقدية تُؤدي إلى تعزيز كفاءة المشاركين وتمكينهم من منافسة الشركات الكبيرة.

- بما أنّ التواطؤ بين الشركات من شأنه إلحاق الأذى بالمال العام، فهو يُشكل بالتالي جريمة تستوجب معاقبة مرتكبيها. لذلك، وكما في العديد من البلدان، لابد من وجود قانون منافسة Competition Law يسمح بمعاقبة الشركات التي يثبت ارتكابها جرم التواطؤ بحيث لا يتم الاكتفاء بفرض غرامة مالية فقط، بل لابد من وضعها على اللائحة السوداء، ومنعها من المشاركة في أي صفقة عامة وصولًا إلى الحكم بإقفالها إذا اقتضى الأمر.

- أخيرًا، وبعيدًا من التواطؤ، لا بد من المرور على المادة 150 من قانون المحاسبة العمومية المتعلقة بصفقات الخدمات التقنية، والتي نجد أنّها أصبحت شائعة التطبيق في العديد من الوزارات، وتُسبب هدرًا بالمال العام لا يُستهان به. وبالعودة إلى نص هذه المادة، نجد: "يمكن التعاقد بالتراضي على صفقات الخدمات التقنية (دروس ووضع دفاتر شروط ومراقبة تنفيذ أشغال ومشاريع إلخ..) مهما بلغت قيمتها إذا كانت تجاوز إمكانيات الإدارة".

وعلى الرغم من أنّ تلك الوزارات تضم في ملاكاتها عددًا من المهندسين المتخصصين من أصحاب الخبرات والكفاءات العالية، نجد أنه لا تتم الاستعانة بهم لتنفيذ مثل هذه الصفقات بحجة افتقارهم إلى الخبرة اللازمة، أو لغياب التجهيزات الضرورية لتنفيذ مثل هذه الصفقات في تلك الوزارات، ومن ثم يتم تنظيم عقود اتفاقات بالتراضي مع شركات هندسية بمبالغ خيالية في كثير من الأحيان. 

وهنا لا بد تأكيد وجود الخبرات اللازمة لدى تلك الوزارات، إضافة إلى إمكانية تأمين التجهيزات الضرورية التي تحتاجها، وبالتالي الحد من استنزاف الخزينة والمال العام.

 

المصادر والمراجع

أولًا: النصوص القانونية والتقارير والمجلات

- نظام المناقصات (المرسوم رقم 2866 تاريخ 16/12/1959).

- قانون المحاسبة العمومية الصادر بالمرسوم رقم 14969 تاريخ 30/12/1963.

- التقارير الخاصة والسنوية الصادرة عن ديوان المحاسبة.

- مجموعة آراء ديوان المحاسبة الاستشارية والاجتهادات الصادرة عنه.

- تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، Government at a Glance، اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لكبار العاملين في الشراء الحكومي، GOV/PGC/ETH2، 23 كانون الثاني 2013.

- السادسة، مجلة دراسات المال العام وبناء الدولة، معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي في بيروت،«الشراء الحكومي: الصفقات العامة وإصلاح إدارة المال العام»، العدد 2، آذار/مارس 2012.

 

ثانيًا: الكتب والمجلات والتقارير الأجنبية

- Albano G.L., and G. Spagnolo (2010), «Asymmetry and Collusion in Sequential Procurement: A “Large Lot Last” Policy»,The B.E. Journal of Theoretical Economics.

- Albano G.L., G. Spagnolo, and M. Zanza (2009), «Regulating Joint Bidding in Public Procurement», Journal of Competition Law & Economics, Volume 5, Issue2, 1 June 2009, Pages 335-360.

- Albano G.L., and G. Spagnolo (2005), «The Collusive Drawbacks of Sequential Auctions», University College London.

- Antitrust Division, Fiscal Year (1999), «Annual Report», United States Department of Justice.

- Blume A. and P. Heidhuses (2004), «Private Monitoring in Auctions», No SP II2003-14, CIC, Working Papers, Wissenschaftszentrum Berlin.

- Dimitri N., G. Piga, and G. Spagnolo (2006), «Handbook of Procurement», Cambridge University Press.

- Ellis, C., W. Wilson (2002),«Cartels, Price-Fixing, and Corporate Leniency Policy: What Doesn’t Kill Us Makes Us Stronger», University of Oregon.

- Graham, D., and R. Marshall (1987), «Collusive Bidder Behavior at Single-Object Second-Price and English Auctions», Journal of Political Economy.

- Harrington J. (2006), «Corporate Leniency Programs and the Role of the Antitrust Authority in Detecting Collusion», Johns Hopkins University.

- Jonathan B. Baker (2002), «Mavericks, Mergers, and Exclusion: Proving Coordinated Competitive Effects under the Antitrust Laws», HeinOnline, N.Y.U.

- Klemperer, P. (2004), «Auctions: Theory and Practice», Princeton University Press.

- Ivaldi M., Jullien B., Rey P., Seabright P., and Tirole J. (2003), «the Economics of Tacit Collusion», Final Report for DG Competition, European Commission.

- Michon J. (2012), «Les Marchés Publics en 100 Questions», Le Moniteur.

- Milgrom P. (2004), «Putting Auction Theory to Work», Cambridge University Press.

- Motta, M., y M. Polo (2003), «Leniency Programs and Cartel Prosecution», International Journal of Industrial Organization 21, pp. 347-379.

- Pesendorfer M. (2000), «A Study of Collusion in First–Price Auctions», Review of Economic Studies n. 67, pg. 381 –411.

- Ribot C. (2007), «La Passation des Marchés Publics», Le Moniteur.

- Robinson M. (1985), «Collusion and the Choice of Auction», Rand Journal of Economics.

- Stuart Emmett & Paul Wright (2011), «Excellence in Public Sector Procurement», Cambridge Academic.

- Spagnolo G. (2006), «Leniency and Whistleblowers in Antitrust», Edited by Buccirossi P., Handbook of Antitrust Economics, MIT Press, Cambridge, MA.

- Spagnolo G. (2005),«Managerial Incentives and Collusion Behavior», European Economic Review, Volume 49, Issue 6, August 2005, Pages 1501-1523.

- Stigler G. J., (1964), «A theory of Oligopoly», Journal of Political Economy.

- The World Bank, «Public Financial Management Reform in the Middle East and North Africa: Overview of Regional Experience», Part I, June 2010, (5506-MNA).

- The Times Newspaper (2 December 2005)

 

ثالثًا: الإنترنت

− http://www.oecd.org/ (تم الاطلاع بتاريخ 8/6/2017)

− http://www.uncitral.org/uncitral/en/index.html (تم الاطلاع بتاريخ 15/6/2017)

− http://globalcompetitionreview.com/insight/the-european-middle-eastern-and-african-antitrust-france-cartel-regulation (تم الاطلاع بتاريخ 15/6/2017)

− https://www.roschier.com/external/-iframe?dest=www.anpdm.com/article/49415F427343475B4279454A5B43) (تم الاطلاع بتاريخ 20/6/2017)

− https://www.wto.org/english/tratop_e/gproc_e/gp_gpa_e.htm(تم الاطلاع بتاريخ 5/7/2017)

− http://www.oft.gov.uk/News/Press+release/2005/126-05.htm(تم الاطلاع بتاريخ 10/5/2017)

− https://en.wikipedia.org/wiki/Vickrey_auction (تم الاطلاع بتاريخ 30/6/2017)

 

[1]-  أو ما يعرف بالشراء الحكومي أو التوريدات العامة أو الصفقات العامة: هي عبارة عن عقود إدارية يلتزم فيها الشخص المتعاقد معه بتأمين حاجة المصلحة المتعاقدة (إحدى هيئات الدولة) من اللوازم أو الأشغال أوالخدمات وفق ما نص عليه دفتر الشروط.

[2]-  العارض الأكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية هو العارض ذو كلفة الانتاج الأدنى بين العارضين.

[3]- Oligopolistic Markets: عندما يسيطر على السوق عدد قليل من الشركات.

[4]- ورد في المجلد السادس من "لسان العرب" لابن منظور ما يلي: يُقال وطئ الشيء أي داسه بقدميه، وواطأه على الأمر مواطأة أي وافقه عليه موافقة، ومنه التواطؤ الذي يعني التوافق على شيء واحد محدَد.

[5]- الكارتل مصطلح اقتصادي يعني اتفاقًا مؤقتًا بين مجموعة من المؤسسات أو المنتجين أو الموردين، يرمي إلى الحد من المنافسة وتقسيم السوق.

[6]- Stigler G. J. (1964), A theory of Oligopoly, Journal of Political Economy, page 48

[7]- http://www.oft.gov.uk/News/Press+release/2005/126-05.htm

[8]- http://www.oecd.org/competition/cartels/42594486.pdf

[9]- http://globalcompetitionreview.com/insight/the-european-middle-eastern-and-african-antitrust-france-cartel-regulation

[10]- https://www.oecd.org/competition/cartels/35863307.pdf

[11]-.(The Times (2 December 2005

[12]- https://www.roschier.com/external-iframe?dest=www.anpdm.com/article/49415F427343475B4279454A5B43

[13]- http://www.oecd.org/competition/cartels/46235884.pdf

[14]- تجدر الإشارة إلى أن التواطؤ في الصفقات العمومية يتم بين الشركات حصرًا دون أية مشاركة من الشاري العام، حيث أن مشاركة هذا الأخير تُحول الوضع من تواطؤ إلى فساد.

[15]- يُعتبر دفتر الشروط أساس تكوين الصفقة حيث يُحدد بموجبه وبالتفصيل كل ما له علاقة بكيفية إبرام الصفقات وتنفيذها في إطار الأحكام التنظيمية، من: طبيعة اللوازم أو الخدمات أو الأشغال المطلوبة، مكان التنفيذ أو التسليم، المواصفات الفنية، واجبات المتعاقد، مبلغ الكفالة، التعويضات، العقوبات، شروط فسخ العقد، كيفية تسديد مبلغ الصفقة...

[16]-.Dimitri, Piga and Spagnolo (2006), Handbook of Procurement, part V

[17]-.Albano and Spagnolo (2005) ,The Collusive Drawbacks of Sequential Auctions

[18]-.Blume and Heidhuses (2004), Private Monitoring in Auctions, No SP II2003-14, Working Papers

[19]-.Klemperer (2004), Auctions: Theory and Practice, Princeton University Press

[20]-Sealed Bid أي العطاء المختوم أو الظرف المختوم وهو النظام المعتمد حاليًا في لبنان وفق أحكام قانون المحاسبة العمومية.

[21]-السعر الاحتياطي هو أعلى سعر يكون الشاري العام على استعداد لدفعه من أجل شراء اللوازم أو الأشغال أو الخدمات، وعادةً ما يكون مساويًا لسعر السوق. في العديد من الدول يتوجب على الشاري العام أن يضع السعر الاحتياطي وأن يجعله مُعلنًا.

[22]-.https://en.wikipedia.org/wiki/Vickrey_auction

[23]-.Graham and Marshall (1987), Collusive Bidder Behavior at Single-Object Second-Price and English Auctions

[24]-Albano and Spagnolo (2005), The Collusive Drawbacks of Sequential Auctions

[25]-JonathanBaker (2002), Mavericks, Mergers, and Exclusion: Proving Coordinated Competitive Effects under.the Antitrust Laws, HeinOnline

[26]-.Dimitri, Piga and Spagnolo (2006), Handbook of Procurement

[27]-Dimitri, Piga and Spagnolo (2006), Handbook of Procurement

Preventing collusion in Public procurement

This report looks at the best practices meant to prevent collusion in public procurement in order to hinder the active cartels, and then maximize the buyer’s savings. The economic analysis of a tender as a bidding process, and of a cartel’s internal logic, helps understand the impact of collusive behavior in public procurement.

His first section investigates how structural factors of the public procurement market affect the sustainability of collusion. It puts forward some arguments developed by the economic analysis of the market, and then discusses their specific application to public procurement.

His second section investigates how the buyer’s appropriate choice of the tendering format, awarding rules, and the admissibility of consortium bidding and subcontracting may reduce the risk of collusion.

Finally, and drawing on best practices, this report suggests the necessary recommendations and meansto prevent collusion with improvements to the public procurement framework.

Prévenir la collusion dans les marchés publics

Le présent rapport s’intéresse aux meilleures pratiques visant à prévenir la collusion dans les marchés publics afin d’entraver les cartels actifs, et ensuite maximiser les économies de l’acheteur. L’analyse économique de l’adjudication comme forme d’enchère, et du fonctionnement d’un cartel, permet aussi de mieux comprendre l’impact de la collusion dans les marchés publics.

Sa première section examine comment les facteurs structurels des marchés publics affectent la durabilité de la collusion. Il présente certains arguments développés par l’analyse économique du marché, et discute ensuite leur application spécifique aux marchés publics.

Sa deuxième section examine comment le choix approprié de l’acheteur concernant le format de l’adjudication, les règles d’attribution, la recevabilité du consortium de soumissionnaires et de la sous-traitance peut réduire le risque de collusion.

Ce rapport propose finalement, à partir d’un ensemble de pratiques reconnues, les recommandations et les moyens nécessaires pour prévenir la collusion avec des pistes d’action à mettre en place dans le cadre des marchés publics.