الحرب الأفغانية حلقة في سلسلة الصراع الدولي على البتـرول في الشـرق الأوسط

الحرب الأفغانية حلقة في سلسلة الصراع الدولي على البتـرول في الشـرق الأوسط
إعداد: د.جان شرّو
استاذ في الجامعة اللبنانية

الحادي عشر من أيلول سنة 2001 كان فاتحة مأساوية لبداية الألفية الثالثة, وفصلاً من مفاصل التاريخ, ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية, ولكن بالنسبة للعالم قاطبة. وهو لا يقلّ في خطورته وأبعاده ودلالاته عن أحداث بيرل هاربر, التي كانت السبب المباشر في دخول أميركا الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء؛ والتي نعرف كما يعرف الجميع بأنه لولاها لما كان العالم كما هو عليه الآن. ولكانت قصّة التاريخ العالمي المعاصر قد كتبت بشكل مخالف تماماً عما كتبت عليه حالياً. ولقد قال عنها فريد هاليداي في كتابه: “ساعتان هزّتا العالم” ما يلي:
“ان أحداث 11 أيلول - سبتمبر 2001 وعواقبها عالمية بكل المعايير.. والآثار الابعد مدى هي تلك العالمية التي تطاول الأمن العسكري, وأمن الأفراد اليومي في بيوتهم ومواقع عملهم وسفرهم والاقتصاد العالمي وعلى الأخص العلاقات بين الشعوب والثقافات والأديان. فقد فجّرت أحداث 11 ايلول أزمة عالمية ستتطلب, إذا كنّا محظوظين مئة عام لحلّها”. )[1] (
بالفعل ان ضرب مركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاغون في واشنطن هو محاولة لضرب الولايات المتحدة الأميركية والنيل من هيبتها في مجالين ترتكز عليهما عظمة الأمبراطورية الاميركية: الأول وهو اقتصادي وإطاره النظام العالمي الجديد ورمزه مركز التجارة العالمي. والثاني عسكري ورمزه البنتاغون. ولو تيسّر للطائرات الأخرى أن تنفجر وتحطّم رموزاً أخرى وخاصة البيت الأبيض لكانت قد تمّت فصول هذه الكارثة التي حلّت بهذا البلد[2]. إنّ المخططين لهذه الضربة كانوا يهدفون بالدرجة الأولى القضاء على وحدانية القوّة الأميركية, وهيمنتها الاقتصادية والسياسية في العالم, والحلول مكان الاتحاد السوفياتي الذي أفلس على الصعيدين المادي والعقائدي. هذا المشروع وفي المطلق لا تستطيع ان تنفذه أية منظمة فردية مهما عظمت قوّتها إن لم تكن لديها الدوافع الايديولوجية او الدينية على الصعيد العالمي, وتمتلك القدرات المالية الفائقة, والتنظيم الدقيق بالإضافة الى الخبرات الفنيّة والعلمية اللازمة لتنفيذ هكذا مشروع في إطار من المحافظة على السرّية التامة عند التخطيط والتنفيذ, وفي ظل أنشطة أجهزة الإستخبارات للدول العظمى وعلى رأسها, السي آي أي الاميركية. ان هذه الشروط مجتمعة لا يمكن أن تتوفر إلا في ظاهرة الأصولية الإسلامية وعلى رأسها أسامة بن لادن. فهذه الظاهرة الأصولية تعتبر أكثر خطورة وأشد فتكاً بالنسبة للوضع العالمي السائد؛ ذلك انها لا تعتمد “أقلّه في الظاهر حتى الآن” على اعتبارات استراتيجيّة, ومصالح آنية, وايديولوجيات زمنية؛ بل تستند على الايمان بالله والاستشهاد في سبيله. ولقد بيّنت التجارب بأنّ الاستشهاد هو سلاح لا مثيل له على الإطلاق ولم تستطع أعظم التكنولوجيات الحربية تقدماُ التغلب عليه, وهو في الوقت عينه لا يراهن في حساباته على الربح والخسارة, ولا يأخذ بعين الاعتبار القوى التي تعاكسه مهما عظمت واستكبرت, وخير دليل على ذلك العمليات الاستشهادية التي تقوم بها المقاومة الفلسطينيّة في الأراضي المحتلّة ضد الجيش الاسرائيلي. لقد كان لينين يوصي اتباعه في حربه ضدّ العالم الرأسمالي بأن يهاجموا ويتقدموا اذا جوبهوا بالفخار وان يتراجعوا اذا جوبهوا بالحديد:
”Sondez avec des baîonettes. Si vous rencontrez de l'acier retirez-vous. Si vous rencontrez de la vase continuez” بينما العقيدة الأصولية لا تؤمن الا بالهجوم والتقدّم مهما كانت انواع ووسائل المجابهة.

لا بدَّ لقارئ هذه السطور ان يتساءل عن علاقة هذه المسألة أي الأصولية والحرب على أفغانستان بموضوع البترول والصراع الدولي في الشرق الأوسط... في تفسيره لأسباب المشاكل والخلافات كان نابوليون بونابارت يقول: فتّش عن المرأة, وفي اعتقادنا )وسنبرهن عن ذلك( بأنه ولتفسير الأحداث التي عصفت بالعالم خلال القرن العشرين, والتي لا زالت تعصف خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وفي سياقها الحرب الافغانيّة, لا بدَّ من التفتيش عن البترول. ذلك ان المواد الأوليّة ذات الطابع الاستراتيجي كانت عبر التاريخ ولا زالت هي التي تتمحور حولها العلاقات الدوليّة[3]. ولكن لم تستطع أية مادة من المواد الأولية ان تكتب تاريخ أية منطقة في العالم مثلما استطاع البترول ان يكتب ولا يزال تاريخ الشرق الأوسط, خصوصاً منذ بداية المنتصف الثاني للقرن العشرين حيث احتدم الصراع على المنطقة بين الجبّارين اللذين تمخّضت عنهما الحرب العالمية الثانية, الا وهما الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي. لذلك فانه لا يمكن تفسير الأحداث التي عصفت بهذه المنطقة الا من زاوية الصراع الدولي على البترول في الشرق الأوسط[4]والحرب الأفغانية التي تدور رحاها حالياً لا تخرج عن هذا الإطار ولا يمكن تفسيرها بمعزل عن هذه الزاوية.
ان البترول الذي أصبح عصب الحياة والدماء التي تجري في عروق الحضارة الصناعية, لم يعد فقط مادةً تستعمل للتدفئة وتسيير الآليات على مختلف أنواعها, بل أصبح المادة الأوليّة لعدد لا حصر له من الصناعات التي تتفرّع عنه؛ حتى ان الصحافي والكاتب الفرنسي الشهير جان جاك سرفان شرايبر كان قد أحصى في أوائل الثمانينات ما لا يقل عن ثمانين الف سلعة صناعية تتفرّع عن البترول, وما أدرانا إلى أين وصل هذا العدد في يومنا هذا[5]. ونظراً لهذه الأهميّة فلا يمكن للعالم الصناعي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية, ان يسمح لأي كان بأن يهدّد منابع النفط وسيلانه نحو العالم الصناعي وخاصة الغربي منه. ولقد برهنت واشنطن ذلك في صراعها مع الاتحاد السوفياتي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى سقوط هذا الأخير, وذلك بانشاء المشاريع والاحلاف للدفاع عن المنطقة, والتدخّل بشكل مباشر في كثير من الحروب, منها على سبيل المثال حرب الأيام الستة سنة 1967, والحرب بين المقاومة الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشميّة في أيلول 1970, والتي وصلت من أجلها حدّة المجابهة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية الى الاستنفار النووي من قبل هذه الأخيرة. كذلك حرب سنة 1973 بين العرب واسرائيل. ومن اجل المحافظة على البترول فقد أنشأ الرئيس كارتر قوّة التدخّل السريع وقوامها نصف مليون جندي مهمتها المحافظة على البترول في الشرق الأوسط, والتي برهنت عن فعاليتها في حرب الخليج الثانية ضد العراق.
كذلك فإن الاتحاد السوفياتي ومنذ عهد ستالين, كان قد طلب من هيئة اركانه إعداد خطّة عسكريّة لاحتلال منابع النفط في الخليج. ولقد أعدّت هذه الخطّة فعلياً وتأمن لها خمسون فيلقاً عسكرياً, ونامت في الجوارير حتى جاء بريجنيف وأيقظها, واستعملها بصورة معدّلة طبعاً في احتلاله لأفغانستان سنة 1979, نظراً للموقع الاستراتيجي الهام لهذا البلد )كما سوف نرى فيما بعد[6] (.
إنّ التحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة الأميركية بزعامتها لمحاربة حكومة طالبان حامية أسامة بن لادن, المزعوم بأنه وراء تدمير مركز التجارة العالمي )ذلك انه لم يثبت حتى تاريخه وبشكل قانوني قاطع أنه وراء هذه المحاولة [7](, ولكن حتى لو سلّمنا جدلا بأنّ الأصولية الإسلامية وعلى رأسها أسامة بن لادن هي وراء هذه الكارثة, أفليس له علاقة بموضوع البترول...؟ إنّ الناظر والمتفحّص لخريطة أفغانستان وموقعها في قلب آسيا حيث لا تبعد سوى بضعة مئات من الكيلومترات من منابع البترول في الشرق الأوسط, الذي لا يزال يهيمن على ثلثي المخزون العالمي من هذه المادة. ومثل هذه المسافة من المنطقة الأخرى الواقعة في الطرف الشمالي حول بحر قزوين والجمهوريات المسلمة المحاذية والمولودة من مخاض انهيار الاتحاد السوفياتي, هذه الخريطة التي تدل بأنّ من يتربّع على عرش أفغانستان التي كان يسميها اللورد كيرزون “سطح العالم”[8] ربّع في الوقت ذاته على عرش البترول في العالم.
ومما لا شكّ فيه أيضاً ان الدول المحاذية لأفغانستان او القريبة منه خصوصاً في المنطقتين, الجنوبية حيث تقع دول الخليج, والشمالية حيث تقع الجمهوريّات الاسلاميّة المنبثقة عن انهيار الاتحاد السوفياتي. كل هذه الدول هي دول اسلاميّة معرّضة للسقوط في أيدي التيارات الاسلامية الأصولية المشابهة لحركة أسامة بن لادن وحكومة طالبان والتي لها علاقة وثيقة به ان لم تكن امتداداً لحركته. وإذا استطاعت مثل هذه التيّارات ان تهيمن على هذه الدول, فهذا يعني بأنها أمسكت بخناق العالم الصناعي وخصوصاً الغربي منه وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية. هذا ما لا يمكن ان يقبل به العالم الصناعي بشكل عام والغربي بشكل خاص, وفي مقدمتها جميعاً الولايات المتحدة الأميركية. وهذا كان السبب الرئيسي في إنشاء التحالف الدولي وإعلان الحرب على الأصولية والإرهاب الدولي وعلى رأسهما حكومة طالبان وأسامة بن لادن.


هذا ما سنحاول البحث عنه وإظهاره في هذا البحث وذلك في إطار ثلاثة عناوين رئيسيّة:
الأول: تعاظم دور البترول في الحضارة الصناعية
الثاني: البترول والصراع الدولي في الشرق الأوسط
الثالث: الحرب الأفغانية وعلاقتها بالهيمنة على مصادر النفط.

أولاً: تعاظم دور البترول في الحضارة الصناعية
لقد قلنا سابقاً بأنّ المواد الأوليّة الاستراتيجيّة كانت ولا زالت سبباً من الأسباب الرئيسيّة ان لم تكن أهمها على الإطلاق في نشوب النزاعات بين الدول والأمم. ونظراً لأهميتها القصوى فإنّ هذه المواد الأوليّة تصبح عنصراً من العناصر الرئيسيّة التي يرتكز عليها الفكر الاستراتيجي, وبالتالي تنعكس هذه الأهمية على المناطق الجغرافيّة التي تتواجد فيها, وبالنتيجة فإنها تصبح أيضاً سلاحاً استراتيجياً يمثل دوراً في غاية الأهميّة والخطورة في موازين القوى العالمية, ويستحوذ بالتالي على اهتمام القادة العسكريين والمخططين الاستراتيجيين, بالقدر الذي يستحوذ فيه على اهتمام رجال السياسة وعلماء الاقتصاد. وحيث ان البترول أصبح المادة الاستراتيجية الدولية الأولى منذ منتصف القرن العشرين وسيبقى إلى أجلٍ غير مسمّى, فلا بدَّ لنا إذاً ان نستوضح الأسباب وكيفيّة دخوله من الباب العريض في سياق الاستراتيجية الدولية. ومن اجل ذلك, لا بدَّ لنا من من التعرّض بايجاز لتطوّر الفكر الاستراتيجي الذي استند دائماً وأبداً على المواد الأولية, كقاعدة اساسيّة لبناء نظرياته والدفاع عنها[9].


أ-  لمواد الأوليّة ودورها في تطوّر الفكر الاستراتيجي
سيطر العامل الجغرافي حقبة طويلة من الزمن على عقول المخطَّطين الاستراتيجيين واعتبروه العامل الأساسي لتحقيق السيطرة على العالم. ويعني هذا العامل, في جملة ما يعنيه, السيطرة على الموارد الطبيعية.. فهذا المارشال دوفوبان, منذ القرن السابع عشر, يضع الموارد الطبيعية في المرتبة الاولى بالنظر إلى غنى اية دولة من الدول أو قوّتها[10]. وفي أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, ظهرت وفي وقت واحد تقريباً, اربع مدارس فكرية ينتمي كل منها الى دولة من الدول الأربع التي كانت تتزعّم الفكر السياسي للعالم الغربي في ذلك الحين, وهي إنكلترا والمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية. وقد مثّل ماكندر الدولة الأولى, وراتزل الثانية, وفيدال لا بلاش الثالثة, وديفس والأميرال ماهان الرابعة. وكانت كل من هذه النظريات تنطبق تمام الانطباق على منهجية التفكير السائد ومطامح كل دولة من هذه الدول. فماكندر كان يعتبر أن هنالك بقعة كبيرة ووحيدة موجودة على الكرة الأرضية, وهذه البقعة تضمّ أوروبا وأفريقيا وآسيا, وقد سمّاها World island, أي الجزيرة العالمية, ومركزها هو Heartland أو القلب, وهو ما ينطبق على الاتحاد السوفياتي. ويستنتج ان من يسيطر على الجزيرة العالمية يسيطر على العالم. أما راتزل فيبني نظريته على عنصرين أساسيين تقدّمهما الجغرافيا للسياسة, وهما المجال والموقع الجغرافي, اللذان تجسّدا في ما بعد على يد النازيين في نظرية المجال الحيوي للشعب الألماني. أما فيدال لا بلاش فإنه, بالرغم من أخذه العامل الجغرافي في الاعتبار, يعتبر هذا الأخير معطىً جامداً, ويشدد على نشاط الإنسان, ويبرز أهميّة العلاقات والتبادل والإتصال في حياة الأقاليم والبلدان. أما في الولايات المتحدة فقد أخذ المفكرون, خاصة سبيكمان, بنظرية ماكندر, لكنهم اعتبروا العالم الجديد )أي القارة الأميركية( قلب العالم. إلاّ أنّ الفكر الأميركي تطوّر في ما بعد, وأخذ في الاعتبار المجال الجوي على أثر التطور والانجازات العلمية على هذا الصعيد. كذلك أدخل المجال البحري بعد الاكتشافات البحرية وإمكان استغلال الموارد الكافية في البحار والمحيطات. ولقد اتخذت هذه البلاد موقفاً محدداً في هذا الحقل, على لسان رئيسها ترومان, بإضفاء الطابع الوطني على الجَرْف القارّي. اما المناطق الصحراوية التي كانت مهملة في السابق فقد احتلّت مكانها المرموق على صعيد الفكر الاستراتيجي, بموقعها وغناها, واتخذت لها مكاناً بارزاً في اهتمامات السياسة الدولية[11].
يتبين لنا إذاً أن هذه النظريات, بالرغم من تلوّنها بألوان التفكير والمصالح القومية لكل أمّة, ركّزت على العامل الجغرافي واعتبرته أساساً للاستراتيجية العالمية. والعامل الجغرافي في حدّ ذاته, كما سبق ان ذكرنا, يعني في الدرجة الأولى الموارد الطبيعية الكامنة فيه. لكن المورد الطبيعي كما هو معلوم لا يعني شيئاً في ذاته, إذا لم يتوافر الإنسان القادر بكفاءته العلمية والتكنولوجية على استغلاله وتسويقه وجعله مادة استهلاكية عالمية. فالبرازيل مثلاً, التي تمتلك مساحات جغرافية هائلة وموارد طبيعية ضخمة, بإمكانها إعالة مليار من الأنفس, لم تسطع حتى الآن القضاء على الفقر والمجاعة فوق أرضها. كذلك فإن الاتحاد السوفياتي, وبالرغم من كونه إحدى الدولتين الجبّارتين, لم يستطع حتى الآن استغلال موارده الطبيعية, بخاصة البترولية منها الكامنة في سيبيريا, نظراً إلى عدم حصوله على التقنيات والمعارف الضروريّة لاستغلال هذه الموارد, كما سنرى في ما بعد. ومما يجدر ذكره أيضاً انه لولا الموارد الطبيعيّة المستغلة جيداً, والتي وضعتها الولايات المتحدة في تصرّف آلتها العسكرية, لما استطاعت الانتصار على اليابان ولما تغلّب الحلفاء على بلدان المحور. فلو قُدّر لرومل الوصول الى منابع النفط في الشرق الأوسط, لكانت تغيّرت موازين القوى واتخذت الحرب منحى آخر وأفضت إلى نتائج مختلفة.


ب-  دخول البترول مسرح السياسة الدولية
إذا كان استغلال البترول حديث العهد لا يرجع تاريخه إلى أبعد من أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, فهذا لا يعني أنّ الإنسان لم يعرفه منذ أقدم العصور ويستعمله في نطاق محدود. ففي كركوك بالعراق شاهد الإنسان لهيبه منذ وطأت قدماه هذه الأرض, كما عبده الأشوريون. كذلك كانت القبائل البدوية في الكويت والصحراء العربية تستعمل ما ينضح منه دواء لمعالجة الجرب لدى الإنسان والحيوان. وفي تكساس كان يطفو على سطح الأرض منذ مدة لا يستطيع التاريخ تحديدها. لكن بالرغم من ذلك, وحتى في التاريخ المتأخر, لم يتخط استعماله الإنارة وتشحيم عجلات العربات. وكان لا بدّ من معرفة أوجه استعماله خارج هذا النطاق, وبالتالي اتخاذ القرار السياسي لاعتماده مصدراً للطاقة حتى تنطلق مسيرة حضارة البترول. فمن المعروف انه منذ اكتشاف “واط” الآلة البخارية سنة 1764 حتى مطلع القرن العشرين بقي الفحم الحجري, المتوافر بكثرة في أوروبا والولايات المتحدة, المصدر الأهم, إن لم يكن الوحيد, لتوفير الطاقة وتشغيل الآلات الصناعية وتحريك مراجل القطارات والبواخر الماخرة عُباب اليمّ. لكن حضارة الفحم الحجري, التي تميزت بها القارة الأوروبية طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ومطلع القرن العشرين, كانت حضارة سوداء لم تثمر إلاّ البؤس والشقاء للأغلبية الساحقة من السكان, ولاسيما الطبقات العمّالية التي استُغلّت أبشع استغلال على أيدي أقلية ضئيلة من الرأسماليين. كما ان شروط استغلال هذا المصدر من الطاقة ونقله وتسويقه كانت تتطلّب جهداً بشرياً شاقاً ومنهكاً, فكان للبترول الفضل في تحرير الإنسان من عبوديته.
لكن بالرغم من هذه الشروط القاسية التي فرضتها حضارة الفحم على الإنسان, لم يكن من السهل التّخلي عنه واعتماد البترول بديلاً منه, ذلك ان البنية التحتية للصناعة في القرنين الماضيين كانت تعتمد على الفحم الحجري. وبالتالي لم يكن من السهل قلب هذه البنية بين ليلة وضحاها واعتماد بنية جديدة ترتكز على البترول. بالإضافة الى ذلك, فإن رؤوس الأموال المثمّرة في الصناعة وفي قطاع انتاج الفحم وتسويقه كانت هي المسيطرة على الحياة السياسية في ذلك العصر, وبالتالي فاعتماد البترول كان يعني القضاء على مصالح قطاعات عريضة كان من مصلحتها ان تقف موقفاً عدائياً من البترول. الا ان الأسعار التنافسية هي التي تسيطر على السوق , بخاصة في بلدان الأنظمة الرأسمالية. وبما ان البترول أخذ يتدفق في بادئ الأمر بأسعار أدنى من أسعار الفحم الحجري, كان لا بدّ له من أن يشقّ طريقه وأن يزيح الفحم الحجري شيئاً فشيئاً عن عرشه. ثم جاء القرار السياسي كي يفتح الباب امام هذه المادة الجديدة ويثبت شرعيتها. وخلاصة ذلك انه ابتداء من سنة 1899 كان ماركوس صموئيل, مؤسس شركة شلّ, يقوم بحملات دعائيّة لإقناع المسؤولين عن الأسطول الحربي البريطاني باستخدام البترول وقوداً, بدلاً من الفحم الحجري, واستطاع ان يكسب صداقة الأميرال فيشر وتأييده؛ وعندما أصبح صديق هذا الأخير, ونستون تشرشل, اميراً أول لأميرالية البحر, أي وزيراً للبحرية, اتخذ القرار المذكور وأخذ البترول طريقه وقوداً لتسيير سفن الأسطول[12]. أما الخطوة الثانية والجبّارة التي زادت في أهمية البترول فقد تمثّلت في صناعة السيارات على مختلف أنواعها, والتي تطوّرت بسرعة فاقت الخيال وكل التقديرات, فحتّم هذا التطور نجاحاً متصاعداً لدور البترول, ليس فقط كمسيّر للمحركات والآلات, بل باستعماله في التدفئة أيضاً. ومع التطوّر [13]الهائل أصبح مادةً أساسية لكثير من الصناعات.

 

ج-  على صعيـد الطاقـة
أصبح البترول, مع تثبيت خطواته الصاعدة, مادة أو مصدراً تنافسياً مع المصادر المنتجة, كالفحم الحجري والقوّة الكهربائيّة والطاقة النووية وغيرها من مصادر الطاقة البدائية. ولإيضاح مدى تلك الزيادة في استعمال البترول مادةً لإنتاج الطاقة, نورد الإحصاءات التالية, المستقاة من مصادر الأمم المتحدّة:
لقد استهلك العالم, في سنة 1920, من البترول ما يعادل 10% فقط من الطاقة المستهلكة آنذاك. وارتفعت هذه النسبة إلى 20% سنة 1935, ثمّ إلى 30% سنة 1950, و40% سنة 1970, و52% في سنة 1980, وبالمقارنة مع الفحم, المادة الأساسيّة المنافسة للبترول, أخذت نسبته تنخفض انخفاضاً ذريعاً. ففي سنة 1920, كان هذا المصدر يشكّل 88% من مصادر الطاقة. وانخفضت هذه النسبة لتصل إلى أقل من 46% في سنة 1980, وسوف تزداد حاجة العالم إلى استهلاك البترول حتى تصل إلى أربعة مليارات وثلاثماية مليون طن سنة 2000[14], وبالرغم من منافسة المصادر الأخرى للطاقة, ولاسيّما المستحدثة منها, كالطاقة الذرّية والكهربائيّة, فإن البترول لن يفقد أهميته في انتاج مواد التشحيم التي هي ضرورية كل الضرورة لجميع انواع الآلات والمعدّات, بخاصة تلك التي تتعلّق بمجال المواصلات, كالسيّارات والطائرات التي تزداد أعدادها سنة بعد سنة. فعلى سبيل المثال لا الحصر, تنتج الولايات المتحدة الأميركية وحدها ما لا يقلّ عن 11 مليون سيّارة سنويّاً, ولقد قاربت اليابان هذا العدد أيضاً. كما ان عدد ما يسير من السيارات على طرقات الولايات المتحدة الأميركية يقارب مئتي مليون سيارة في وقتنا الحاضر. هذا بالإضافة الى زيادة انتاج السيارات واستعمالها في أوروبا وبلدان المعسكر الاشتراكي واليابان وبقية انحاء العالم[15]. ونظراً الى الارتفاع الهائل الذي حصل في أسعار البترول في السنوات القليلة الماضية قياساً إلى أسعاره السابقة, كان لا بد للمعنيين بالأمر من التفكير جدّياً في اتباع سياسة التوفير في استهلاك هذه المادة, وبالتالي كان لا بدّ من استنباط تقنيّات جديدة على صعيد وسائط النقل, خصوصاً في حقلي السيارات والطائرات, واعتماد محركات جديدة تستهلك كمّيات أقل من الوقود, كذلك في تصغير حجم السيارات ووزنها, تحقيقاً لهذه الغاية. ولقد انعكس ذلك سلباً, خصوصاً على صناعة السيارات الأميركية, ذلك ان عصر السيارات الكبيرة قد ولّى وحلّ محلّه عصر السيارات الصغيرة والاقتصادية. وهذا التطوّر الهائل, الذي حصل على صعيد صناعة السيارات, كان لا بدّ له من أن ينعكس سلباً ويخلق مزاحمة بين القطارات والسيارات, اذ ان حجم القطارات تقلّص الى حدّ بعيد, ولا سيّما في الولايات المتحدة الأميركية, وبالتالي فإنّ شق الطرقات أو الأوتوسترادات, الذي نمَا نموّاً هائلاً, يعود الفضل فيه إلى البترول[16].
 

د-­  البتـرول والصناعـة
إضافةً الى صناعة وسائط النقل من سيارات وسفن حربية وتجارية, هنالك صناعات أخرى كثيرة أصبح البترول يشكّل, بالنسبة اليها, المادة الخام. ان 35% من كل موارد النفط تُستهلك في محركّات السيارات والطائرات والبواخر والصواريخ. ويمتلك العالم اليوم ما لا يقل عن 450 مليون سيارة وشاحنة, منها 300 مليون في أميركا وأوروبا وحدهما؛ وهكذا فإنّ هذه المحركات تستهلك ثلث انتاج البترول, اما الثلث الثاني فهو مخصص لتشغيل الصناعة نفسها وما يرتبط بها من تشغيل ملايين الأيدي العاملة. ولقد تطوّرت هذا الصناعة تطوراً جنونيّاً في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة, حيث أفضت الى انتاج مجموعة لا تصدق من الجزئيّات التي صُنعت منها أصناف متعددة من البلاستيك والألياف والمطّاط الصناعي والمبيدات للحشرات والأسمدة والدهون والأدوية والملوّنات والمطهّرات والمواد اللاصقة والحبر, الخ. ويُقدّر الآن عدد المنتجات المتفرّعة من صناعة النفط بأكثر من ثمانين ألف صنف: انها بداية المعجزة السوداء, البداية فقط كما يقول جان جاك سرفان شرايبر[17].
وهذه الصناعات تبتدئ بصناعة تكرير البترول في حد ذاته, لتحويل المادة الخام إلى مشتقّات قابلة للإستهلاك ­ وعملية التكرير هذه قي تطوّر مستمر, ولقد تشعّبت وتعقّدت عملياتها في الوقت الحاضر ­ ولا يقتصر دور معامل التكرير على توفير الحاجات من أنواع الوقود المختلفة, بل ينتج كذلك المواد الكيميائيّة التي تدخل في الصناعات البتروكيميائية. وهذه الصناعة الفنيّة والمعقدة والمتطوّرة تكنولوجيّاً تحتاج الى رؤوس أموال ضخمة, لكنها تدرّ أرباحاً خياليّة, فالدول المتطوّرة اقتصاديّاً تعمل جاهدةً على توسيعها لضمان تطور اقتصادها ومجتمعاتها, بالإضافة إلى توفير احتياجاتها المختلفة الأبعاد والأشكال. وتحصل الدول المستهلكة من هذه الصناعة على أرباحٍ تزيد على ثلاثة أضعاف الثمن الذي تتقضاه الدول المنتجة للبترول الخام والمصدّرة له.[18] أمّا الصناعات البتروكيميائيّة فتحتل مركز الصدارة في عالم الصناعة في وقتنا الحاضر, لما هناك من علاقة وطيدة بين التقدّم التكنولوجي وحاجة المجتمعات الحديثة إلى منتجاتها, نظراً الى دخول البترول والغاز الطبيعي كمواد خام لانتاج الآلاف من المواد المستهلكة, كما سبق ان ذكرنا. كذلك تحتاج هذه الصناعة الى رؤوس أموال ضخمة والى اسواق كبيرة لاستيعابها, والى مهارات فنيّة وتكنولوجية عالية. ولهذا السبب فإن هذه الصناعة تتركز في غرب أوروبا والولايات المتحدة واليابان, وهي أكثر الدول المستهلكة للبترول, والتي تستفيد في الدرجة الأولى من هذه الصناعة. ان الدول الصناعية تستغل المنتجات البترولية استغلالاً اقتصاديّاً, وهي بذلك تدعم اقتصادها القومي كما تدعم الهيكلية الصناعية المتكاملة لديها, بالإضافة الى انها تتيح الفرص لتشغيل الأيدي العاملة, وترفع من مستوى الخدمات والاستهلاك لدى المواطنين... وبشكل عام فإن الدول الصناعيّة المستورِدَة للنفط الخام تحقق, على الصعيد الاقتصادي, فوائد هائلة, تعادل أكثر من عشرة أضعاف الفوائد الاقتصادية التي تعود على الدول المنتجة[19]. وتتميز هذه الصناعة عن كل ما عداها من الصناعات بالتنوّع الكبير في منتجاتها, سواء أكانت في شكل موارد أساسيّة لصناعات أخرى, او في شكل منتجات نهائيّة للاستعمال المباشر. ولقد بيّن تقرير الأمم المتحدة الأهميّة الاستراتيجية للمنتجات البتروكيميائية, حيث ذُكر انها تمثّل 25% من جميع المنتجات المتداولة في التجارة الدوليّة[20].
ان التأثير المتعاظم للنفط على نمّو الاقتصاديات الصناعية لا يقتصر فقط على التعجيل في نمو هذه الاقتصاديات, وتغيير مستوى نمو الانتاج بالنسبة الى نمو الطاقة, بل في تزايد إمكان تراكم رأس المال والقدرات أيضاً[21]. فالرساميل المتراكمة عن البترول والآتية عن طريق المرابح المباشرة, أو عن طريق تدوير عائدات البترول التي تثمَّر في بلدان أخرى من العالم, تؤدي أيضاً الى أرباح إضافية للدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية, التي سوف يشكّل انتاجها الداخلي والخارجي, العائد من تثمير رساميلها, مجموع الانتاج لدول السوق الأوروبية المشتركة وأوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق سنة 1999[22]. ويتمثّل الدور الحقيقي للنفط في تطوّر الاقتصاديات الصناعية بهذه المعادلة, وهي انه عندما يتحول النفط الى كهرباء فانه يؤمّن امكان انتاج يعادل اربعين ضعفاً من قيمته المجرّدة. ولانتاج ما قيمته سبعة دولارات من السلع يحتاج الغرب الى ما قيمته دولار واحد من النفط...
من كلّ ذلك يتبيّن لنا أنّ النفط تجاوز كونه مادة لتوليد الطاقة, أو حتى مادة أوليّة للصناعة, الى كونه مادة أساسيّة في الصناعة. ذلك أن أهميّة أية مادة أولية تتوقف على مدى مساهمتها في الانتاج واستخدامها في مختلف القطاعات الصناعية وغير الصناعية. ولقد سبق أن ذكرنا ان المنتجات المتفرّعة عن البترول بلغ عددها نحو ثمانين ألفاً, وهذه ليست سوى البداية. ومما يزيد قي أهميّة الصناعات البتروكيميائيّة هي مردودها الذي يبلغ ضعف مردود القطاع الصناعي التقليدي. فبينما كان نمو القطاع الصناعي في حقبة الستينات قد وصل الى 10% تقريبا في الغرب, فإنّ نمو الصناعة البتروكيميائية وصل الى 17% في السنوات المذكورة[23], حتى ان شاه ايران كان يقول ان البترول هو مادة نبيلة ومن المؤسف تبذيرها بهذا الشكل, خاصة في إطار الوقود, وكان يعرف الدور الذي يؤديه البترول على صعيد الصناعة, لذلك كان من أوائل المتحمّسين والمندفعين لرفع أسعار البترول حتى يحدّ من هذا التبذير, ويدفع الدول المستهلكة الى التفتيش عن مصادر أخرى للطاقة. وفي حديث أجراه معه أنطوني سامبسون, مؤلف كتاب “الشقيقات السبع”, أي الشركات العالمية السبع المسيطرة على البترول, قال:
“في الحقيقة, من المتوقع ان يصبح الغرب ضعيفاً قليل التبصّر, ولن يتمكن من مساعدة العالم كمجموع: ذلك لأنكم ­ موجّهاً قوله للمؤلف­ سوف تبدأون بالعودة من جديد إلى شعور كاذب بالخفة والنشاط من جرّاء رخص البترول, وسوف تتغاضون عن استقطار فحمكم والبحث عن مصادر جديدة للطاقة. ويتوقع ان يكون هذا الخطأ أكبر خطأ يمكن أن يرتكب بحق مدنيتنا ولست مستعهداً للمشاركة في هذه الخطأ”[24].

­ البتـرول والزراعـة
إنّ منافع البترول وبركاته لم تقتصر على قطاعي الصناعة والتجارة, بل شمل القطاع الزراعي أيضاً, إذ بفضله تبدّل كلّ شيء في مجال تحديث هذا القطاع ورفع انتاجه, وذلك بفضل استخدام معدّات الاستغلال الحديثة والجرّارات ذات المحاريث المتعددة والنصف آلية والحاصدات ­ الدارسات والمحشّات ومضخّات الريّ, ومناخل الحبوب ومعاصر الزيت, الخ. ففي نهاية السبعينات كان قيد الاستعمال 18 مليون جرّار زراعي, ربعها في الولايات المتحدّة الاميركيّة التي أصبحت, بفضل ذلك, المصدر الأكبر للمنتجات الغذائيّة. ولا يُخفى أيضاً ما للبترول من دور في استعماله مع الغاز مادة أساسيّة لصناعة المخصّبات, والتي لولاها لأصبحت الأرض, بخاصّة المستغّلة منذ القديم, عاقرَ لا تعطي شيئاً. كذلك الأمر في صناعة المبيدات ضد الحشرات والآفات الزراعية التي تفتك بالمحاصيل, وصناعة الأدوية لمكافحة الأعشاب الطفيليّة والضارة, التي تنهك النبتة الصالحة وتقلل من قدرتها الانتاجية. ومن الجدير بالذكر ان الصناعة البتروزراعيّة لم تتوقف عند هذا الحدّ, إذ تنشط في ميدان التحويل الصناعي لبعض المنتجات الهيدروليكيّة الى بروتينات غذائيّة, توفر لقطعان الماشية والطيور غذاءً أساسيّاً, اقتصادياً وفعّالاً, ينتج اللحوم والبيض على نحو غير مباشر وبمقادير وافرة[25]. كل هذه الأمور زادت في مقادير الانتاج الزراعي والحيواني وأمّنت الغذاء لملايين البشر والتي لولاها, أمام تزايد عدد السكان على الكرة الأرضيّة, لما استطاعت الوسائل الزراعية التقليدية والطاقة الانتاجيّة التقليدية للتربة تقديم الغذاء الى ستة مليارات من الأنفس؛ وبإمكاننا تصوّر هول الكارثة لولا وجود البترول. كذلك لا يُخفى ما للبترول من فضل نتيجة لاستعماله كوقود في محرّكات المعدّات الزراعية, نظراً الى ما يتطلّبه هذا العمل من جهود مضنية ومراقبة متواصلة.[26]
انّ هذا العرض السريع لأوجه استعمال البترول يبيّن لنا مدى أهميّة هذه المادة والدور الذي أخذت تؤدّيه في مصير إنسان القرن العشرين, حتى انها أصبحت الدم الذي يجري في عروق حضارة هذا القرن. هذه الأهميّة استطاع جان كلود بلاسيانو ­وهو احد الخبراء الفرنسيين الذين يراقبون ويقيسون سنة بعد سنة ضغط النفط الذي لا يقاوم على وسائل مجتمعاتنا, ومن العاملين في معهد النفط الفرنسي­ ان يرسمَ الصورة التالية لهذه الأهميّة:
“ما هو مجتمع الاستهلاك, ان لم يكن مجتمع النفط عند الطلب؟ لنتصوّر لحظةً فرنسا محرومة من الهيدروكربونات:
لا شيء يسير على الطرقات, على أية حال لم يبق ثمّة طرقات, لأن ليس ثمّة قطران وزفت. ولم يعد هناك أي توزيع. والتجّار, بدءاً بالبقّال الى المتجر الكبير مروراً بأسواق الخضار والمسالخ, ملزمون بإقفال محالِّهم لا جرارات في الحقول, ولا طائرات في السماء, أمّا البواخر فمحكوم عليها أن تظلّ عند الرصيف, باستثناء بعض السفن المساحلة القديمة العاملة بالفحم, وبعض السفن الشراعيّة للنزهة. لا تدفئة بالمازوت, أي ان أكثر من نصف المكاتب والمدارس والمستشفيات محكوم عليها بالبرد. والصناعة مشلولة والزراعة تعود قرناً الى الوراء.
جميع المواد البلاستيكيّة تقريباً والألياف الصناعيّة تختفي, فلا نايلون ولا أقلام حبر ناشف, ولا قمصان ولا ثياب مشمّعة, ولا أصواف مقاومة للعث, ولا اسطوانات. في المكتب الحديث كل شيء مصنوع من النفط, من الموكيت إلى آلة الهاتف الى ورق الجدران الى المفروشات المعدنيّة المدهونة الى السلال والمروحة.[27]
هذه الصورة هي كافيّة ليتبين لنا مدى أهميّة الذهب الأسود وأي سلاح استراتيجي تشكّل هذه المادة. ولم يكن من الضروري الانتظار حتى اليوم كي يتبيّن للإنسان أهمية النفط.فهذا جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا, يقول في خطبة ألقاها على أثر وقف إطلاق النار ونهاية الحرب العالمية الأولى, وفيها عرض لائحة لكل العوامل التي اسهمت في تضافر المنجزات البشرية وتنظيم المنتجات المادية التي أوصلت الحلفاء الى النصر, وفيها أطلق العبارة المشهورة التالية:
“من الآن فصاعداً ستكون نقطة النفط لدة الأمم والشعوب بثمن نقطة الدم.[28]
 

­ البتـرول والتجـارة
لا نغالي إذا قلنا بأن البترول يشكّل العمود الفقري للتجارة, على المستوين الخارجي )الدولي( او الداخلي, على مستوى كل دولة من دول العالم. فبالإضافة الى كونه كمادة مستقلّة خام وفيول ومازوت وبنزين وإلى ما هنالك, هناك أيضاً الصناعات البتروكيمائية وعشرات الآلاف من السلع المشتقّة عنه, وهي سلع تجارية بالدرجة الأولى؛ وهناك ايضاً وبفضل البترول تجارة السيارات والطائرات والبواخر والمحرّكات على مختلف أنواعها. ولنتصوّر المشهد: لو توقف البترول!! فهذا يعني الرجوع قرناً كاملاً الى الوراء. فعلى صعيد النقل البرّي سنعود الى عربات الخيول والدرّاجات الهوائيّة. وعلى صعيد النقل الجوّي سيتوقف كلّياً, اما النقل البحري فسيبقى في مركز الصدارة برجوعه الى البواخر الشراعيّة وفي أحسن الأحوال البواخر البخاريّة.
أمّا على صعيد الزراعة التي تستفيد من البترول بالأسمدة الكيميائيّة والأدوية المكافحة للحشرات والأعشاب الضارة, فإذا استغنت الزراعة عن هذه الأمور, فلن يكون بقدرة الكرة الأرضية تأمين الغذاء إلاّ لِ 20% فقط من السكان, أي في أحسن الأحوال لمليار ومئتين وخمسين مليون إنسان بدلاً من ستة مليارات.
أما الصناعة فستتوقف بحدود 80% وسوف يقضى على أكبر مورد لمداخيل خزائن الدول. ففي فرنسا تتقاضى الدولة 75% من ثمن كل ليتر بنزين يباع في المحطّات, وحتى في لبنان فإنّ البترول أصبح المورد الأساسي لخزينة الدولة حيث تتقاضى هذه الأخيرة ثلثي ثمن صفيحة البنزين المباعة في محطّات الوقود. انه بالفعل لمشهد مرعب لا يمكن النظر اليه للحظات محدودة.

ثانياً: البتـرول والصراع الدولي في الشرق الأوسط
سبق وذكرنا بأنه لم يتسن, عبر التاريخ, لأية مادة أوليّة استراتيجيّة, ان تكتب تاريخ منطقة, مثلما تسنّى للبترول أن يكتب تاريخ الشرق الأوسط منذ مطلع القرن العشرين ولا يزال. في الحقيقة ان القارئ المتفحّص والمدقق والمحلّل لتاريخ الشرق الأوسط, لا بدّ ان يكتشف ويشمّ رائحة البترول في كل الأحداث والحروب والإتفاقات التي حصلت بين القوى العظمى, منذ عملية التفكير باقتسام تركة الرجل المريض أي الأمبراطوريّة العثمانيّة, والتي تجسّدت بالإتفاقات التي واكبت وتلت الحرب العالمية الأولى بين القوى الاستعمارية التقليدية في حينه, مروراً بالحرب العالمية الثانية, وما نتج عنها من ظهور الجبارين )وهما الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي(, وما قاما به في إطار صراعهما على منطقة الشرق الأوسط من إنشاء تحالفات وتكتلات وخوضهما حروباً سواء كان بالواسطة او بشكل مباشر, حتى سقوط الإتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينات, ومن حينه تربّع الولايات المتحدة على عرش العالم.

إنّ معالجة هذا الموضوع بشكل عام وبتشعباته وتفاصيله يتطلّب مجلّدات, لذلك لا يمكننا في هذا البحث, وتحت هذا العنوان بالذّات “البترول والصراع الدولي في الشرق الأوسط” إلا ان نتناوله باختصار مركّزين في بادئ الأمر على الصراع الذي كان قائماً بين الشركات المستغلّة للنقط, واستعانتها أحياناً بدولها عندما تتأزم الأمور للحفاظ على امتيازاتها وحقوقها, او تعديل الوضع القائم لتحقيق مكاسبَ جديدةً وإضافيّة. هذا الصراع بين الشركات ومن ورائها دولها والذي امتدّ منذ أوائل القرن العشرين حتة سنة 1960, يتميز بالهيمنة الكلّية للشركات على مقدّرات البترول والتغييب الكلّي للدول المالكة اسمياً لها. وبعد هذا التاريخ, جاء دور المشاركة لهذه الدول في الإدارة والتحكّم بثرواتها النفطيّة لذلك نتناول هذا الموضوع تحت اثنين من العناوين:
أ- ­ الصراع بين الشركات
ب- ­ الصراع بين القوى العظمى وموقف الدول العربية منه


أ- ­ الصراع بين الشركـات
منذ أن تمّ اكتشاف البترول في الشرق الأوسط ­ ولأول مرّة في بئر مسجد سليمان في إيران, بتاريخ نيسان 1909­[29], حتى انعقاد مؤتمر أوبيك الأول سنة 1960, أي خلال مدّة تزيد عن نصف قرن, كان أخطبوط الإحتكار العالمي المتمثّل بما يُسمّى “الشقيقات السبع”[30], يسيطر سيطرةً تامّة على البترول في الشرق الأوسط. وعندما نقول سيطرة تامّة نعني بذلك ان هذه السيطرة كانت تبتدئ بعملية استخراج البترول ثمّ تكريره في مصافيها ونقله ببواخرها أو انابيبها, فتسويقه وبيعه في المحطات التي تمتلكها, بالإضافة إلى سيطرتها على الصناعات المتفرّعة عنه, أي الصناعات البتروكيمائية. لقد كانت هذه الشركات تشكّل عالماً مستقّلاً ودولاً داخل الدول, حتى دولها الأم. ولقد استطاع هذا الكارتل­ الذي لم يُشَكَّل إلاّ بعد صراع مرير في سبيل السيطرة على حقوق الأمتياز لاستخراج البترول في بادئ الأمر­ ان يهيمن هيمنة كلّية على هذا المورد, وبالتالي أن يتحكّم بالأسواق الإستهلاكيّة في العالم بأجمعه[31], لكن الصراع بين الشركات لم يكن في الحقيقة إلاّ واجهة للصراع الأساسي, الدائر في الشرق الأوسط بين الدول الأم لهذه الشركات, أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا, والإتحاد السوفياتي فيما بعد. ولفد كانت كل هذه الدول تحاول أن تُثبّت أقدامها وتنال حصّة الأسد من الثروات الكامنة في بلدان المنطقة, خصوصاً الثروات البتروليّة التي كانت السبب الرئيسي للصراع الدولي في الشرق الأوسط وما زالت, ابتداءً من الحرب العالمية الأولى حتى يومنا هذا. هذه الشركات, كما قلنا, كانت تعمل مستقلّة عن دولها الأم, ولم تكن تلجأ اليها إلا عندما كانت تُقابَل بمزاحمة قوية من شركة أخرى تنتمي الى دولة أخرى, كما حصل خصوصاً بين الأميركيين والبريطانيين في المملكة العربية السعودية والكويت[32], أما في ما يتعلّق بالدول صاحبة الثروات فلم يكن لها أي كلمة تقولها أو أي دور تقوم به على صعيد العمليات البترولية, بعد إعطائها الأمتياز لهذه أو لتلك من الشركات. فمن المعروف ان كلّ هذه الدول, عندما أعطت حقوق الامتيازات, سواء كانت إيران أو العراق أو السعودية أو الكويت والإمارات وغيرها, كانت دولاً أو مشيخات فقيرة عل كل الصعد المالية والتقنيّة والعلمية والحقوقيّة... أي انها لم تكن أهلاً, على الإطلاق, لاستغلال هذه الثروة التي تجلس عليها ولا كانت أهلاً للتعاقد. أما تلك التي كان لديها بعض الدراية السطحيّة وحاولت أن تحافظ على ثروتها ضمن شروط أفضل, فقد تدخلّت القوة “لترتيب الأمور” فيها, كما حصل في العراق مع بريطانيا, التي أصرّت على ان يوافق المجلس النيابي ويوقع على امتياز النفط قبل اعلان الدستور, وهذا ما حصل بتاريخ آذار سنة 1925[33]. وعندما قام الدكتور مصدّق بحركته في إيران مؤمماً البترول استطاعت الشركة ­ بمساعدة دولتها وحتى الولايات المتحدة, وان بعد جهد ­ أن تقضي على الحركة[34]. وكانت قمّة استهتار الشركات وعدم احترامها لحقوق الدول المنتجة ووجودها عندما أقدمت, صيف سنة 1960, على تخفيض سعر البترول 14 سنتاً للبرميل الواحد, من غير أن تستشير المسؤولين في هذه الدول أو تعلمهم بذلك[35].
هذا القرار بتخفيض سعر البترول كان بمثابة بداية النهاية, بالنسبة الى السيطرة الكلية للشركات على موارد البترول. ولقد وحّد بلاد الشرق الأوسط المنتجة للنفط كما لم يوحدها شيء من قبل, كما يقول جواد العطّار في كتابه “تاريخ البترول في الشرق الأوسط”[36]. فحتى شاه إيران الذي رجع الى عرشه بفضل الأميركيين بعد ثورة مصدق, اندفع قائلاً:
“حتى لو كانت هذه المبادرة تبدو في نظر الشركات مسوّغة, طبقاً لحالة السوق, فانها غير مقبولة على الإطلاق قي نظرنا, اذ إنها اتُّخذت من دون استشارتنا أو موافقتنا”[37].
ووافق ساخطاً على الاجتماع في بغداد بلا مقدمّات, مع أعدائه العراقيين, ليتحدوا معاً في خوض حرب على الشركات الغربية. وبالفعل تمّ عقد المؤتمر في 9 أيلول 1960, وسط تجاهل العواصم الغربية, واقترح عبد الله الطريقي, وزير البترول السعودي والداعية المبكر لتأميم شركات البترول, على المندوبين ان ينشئوا أداة مشتركة هي “منظمة البلاد المصدّرة للنفط” التي عرفت ب “أوبيك”, وقد صدر عن المؤتمر بيانه الأول وفيه يقول المؤتمرون:
“ان أعضاء المنظمّة لا يستطيعون, بعد الآن, المكوث مكتوفي الأيدي حيال موقف الشركات, وسيطالبون في المستقبل بالمحافظة على الأسعار, وسيجهدون اولاً, بكل الوسائط, لإعادة الأسعار الى ما كانت عليه قبل الخفض الأخير”.[38]
وبإنشاء هذه المنظمة صنع عبد الله الطريقي سلاح الازمنة الحديثة. لقد رفضت الشركات الاعتراف بوجود أوبيك, وأوضحت انها ستستمر في مفاوضة البلاد المنتجة منفردة. واعتقدت الشركات ان تجاهل وجود هذه المنظمة سيؤدي إلى انفراطها, كما انفرط من قبل عقد المنظمّات العربية الأخرى. وفي 20 تشرين الأول سنة 1960 عُقد في بيروت مؤتمر البترول العربي, لسماع محاضرة أعدّها عبد الله الطريقي قي تسعير البترول الخام والمنتجات المكررة ومناقشتها, حضرها وزراء البترول ورؤساء الشركات وجمع من خبراء البترول. وبعد أن كشف الطريقي عمليات الغش التي تقوم بها الشركات, خرج منتصراً من هذا الاجتماع, وترسّخت بذلك أقدام أوبيك[39].
فهذه المنظّمة, التي تأسست بخمسة أعضاء هم العراق وإيران وفنزويلا والكويت والمملكة العربية السعودية, ما لبثت مع مرّ الزمن ان جذبت اليها عمليّاً كل الدول المنتجة للبترول في العالم. وبما ان هذه الدول اتفقت في الأساس في ما بينها على أن تظل متحدة في كل الظروف, وان يرفض كل عضوٍ فيها أي إغراء يأتيه من ناحية الشركات لحمله على الانفصال عن بقية الأعضاء, فقد احترمت الدول الأعضاء هذا الميثاق بالرغم من تباين الآراء أحياناً, خصوصاً في ما يتعلّق بسياسة تسعير البترول. ولم تستطع لا الشركات ولا دولها فرط المنظمّة الجديدة, كما كانت قد صمّمت وتوقعت في بادئ الأمر. وكما كانت الحال بالنسبة الى الشركات طوال نصف قرن, أي استقلاليتها في استخراج البترول وتسويقه وتسعيره, كذلك فإنّ أوبيك ­ ومع شعوره بالصمود والاستقلال­ أخذت المبادرة من الشركات باتخاذ القرار بشكل منفرد.
صحيح انها اتبعت طريق التفاوض مع أصحاب الشركات في بادئ الأمر, وانها لم تمس سلطتها خلال السنوات العشر الأولى من نشأتها, وانها لم تستطع رفع الأسعار, ما خلا بعض التحسينات في ما يتعلق باقتسام عائدات البترول[40]وكان لا بدّ من وقوع حدث مهمّ, أو الإقدام على خطوة جبّارة, حتى تتجرأ أوبيك على انتهاج سياسة جديدة, على الأقل على صعيد الأسعار. ولقد أقدم العقيد القذّافي على هذه الخطوة عندما استطاع إخراج الاميركيين والبريطانيين مو قواعدهم في ليبيا, كما استطاع في 14 ايلول 1970 ان يفرض زيادة الأسعار على كل النظام النفطي في العالم الغربي, وبهذا العمل فُتحت الطريق أمام أوبيك. اما على الصعيد الأقليمي العربي, فقد تمكّنت كل من ليبيا والكويت والمملكة العربية السعودية من انشاء منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول )اوابيك( في 9 كانون الثاني سنة 1968. وفي 24 أيار سنة 1970 , انضمّ اليها كل من الجزائر وأبو ظبي وقطر والبحرين, ثم ما لبث مجلس وزراء المنظمّة ان عدّل , في 9 كانون الأول سنة 1971, نصّ المادة السابعة من الاتفاقية, المتعلقة بشروط الانضمام اليها, بحيث أصبح في الامكان انضمام أي دولة عربية مصدّرة للبترول, أو يكون البترول مصدراً مهمّاً من مصادر دخلها القومي, بعد أن كان النص السابق يشترط ان يكون البترول المصدر الرئيسي للدخل القومي. ونتيجة لذلك تتألف المنظمة, في وقتنا الحاضر, من احدى عشرة دولة, بعد ان انضمت اليها تونس أخيراً, وهذه الدول هي الإمارات العربية المتحدة, البحرين, الجزائر, المملكة العربية السعودية, سوريا, العراق, قطر, الكويت, ليبيا, مصر, تونس[41]. وسيكون لهذه المنظمة دورها في خدمة القضايا العربية.
طوال سبعين عاماً لم تسجّل أسعار البترول أيّ تطوّر ملحوظ, بل تقهقرت, اذا أخذنا في الاعتبار تطوّر أسعار المواد الاستهلاكيّة على مختلف أنواعها وارتفاع مستويات المعيشة. فبين سنة 1900 و1950 انتقل السعر من 1.20 دولار الى 1.70 دولار للبرميل الواحد. وبين سنة 1950 و1970, اي خلال سنوات النمو الشديد في الاستهلاك, بقي السعر عند 1.80 دولار. أما خلال السنوات الأخيرة, ونتيجة لانشاء منظمة الأوبيك وتعاظم نفوذها, فقد تضاعف هذه السعر ما لا يقل عن ثماني عشرة مرّة, بحيث أصبح السعر في حدود ال 34 دولاراً للبرميل الواحد[42]. وهذا يدلنا على ان الأوبيك أصبحت الطرف الوحيد الذي يقرر سياسة الأسعار وتحديدها ومدى الدور الذي سيكون لها في مستقبل العالم وإدارة شؤون البشرية. واستناداً الى ذلك فإنّ الفونسو بيريز, مندوب فنزويلا وأحد مؤسسي أوبيك, لم يكن كثير الادعاء عندما قال:
“لقد أنشأنا نادياً يتشدد, الى حدّ بعيد, في مسألة الإجازة لأعضاء جدد بالانضمام اليه... ونحن نشترك بالسيطرة على تسعين بالمئة من صادرات البترول الخام الى الأسواق العالمية, ونحن الآن متحدون ونصنع التاريخ”.[43]
في الحقيقة ان السيطرة على هذا المورد ستصنع التاريخ من الآن فصاعداً, كما ساهمت في رسم مساره سابقاً, خصوصاً منذ الحرب العالمية الأولى. وكان تشرشل وكليمانصو من الأوائل اللذين عرفوا هذه الحقيقة وتنبأوا بمستقبلها. ففي عام 1919 أعلن رئيس الوزراء البريطاني تشرشل في مجلس العموم ان:
“ليس ثمّة شكّ في ان الحلفاء لم يستطيعوا الابحار الى شاطئ النصر إلاّ على أمواج النفط المتلاحقة”[44].


ب- ­ الصراع بين القوى العظمى وموقف الدول العربية منه
مما لا شكّ فيه انّ دور منطقة الشرق الأوسط ولاسيما الدول العربية أخذ يتعاظم منذ ظهور البترول فيها, وبخاصة عندما استطاعت هذه الدول أن تنال استقلالها السياسي. وهذا الدور المتعاظم يرتبط بطبيعة الحال بالبترول, سواء على الصعيد الانتاج أو المخزون الذي يشكّل ما لا يقلّ عن 65% من احتياطي العالم المعروف في يومنا هذا. فالمملكة العربية السعودية وحدها تمتلك 45% من الاحتياطي العالمي[45]. كذلك لا يخفى انه بفضل البترول كانت تسيطر الدول العربية المنتجة والمصدّرة له على 25% من السيولة النقدية الموجودة في العالم. لكن بالرغم من كل هذه الامور ليس بامكاننا القول ان الدول المنتجة للبترول, وبخاصة الدول العربية, تسيطر سيطرةً تامة على ثرواتها البتروليّة. صحيح ان هذه الدول, من خلال منظمّة أوبيك, أصبح في مقدورها تحديد الأسعار وفرضها على العالم, لكن هذه الناحية ليست ألف باء ملحمة البترول, اذ هناك الاستخراج والنقل والتسويق والتصنيع, الى ما هنالك من أمور. صحيح كذلك ان الدول العربية المنتجة للبترول أصبحت تمتلك بعض الكفاءات العلمية والقانونية وبعض الأُطُر الإدارية القادرة على التعامل مع الشركات. لكن هؤلاء لا يشكّلون بنية متكاملة من الفنّيين والإداريين والعلميين والعمّال المتخصّصين وغيرهم, القادرين على القيام بهذه الأعباء والمسؤوليات الجسام... ونتيجة لذلك, فهي لا تستطيع أن تستعمل سلاح البترول بحرّية, ولو نسبية, لخدمة قضاياها القومية.
صحيح ان الدول العربية استعملت هذا السلاح على نطاق محدود, للتخفيف من وطأة بعض الأحداث التي عصفت بها كأزمة السويس سنة 1956, وحرب الأيام الستة قي حزيران 1967, وحرب الغفران أو رمضان, في تشرين الأول 1973. فبالنسبة الى الحدث الاول نُسفت خطوط الأنابيب في العراق وسوريا وقامت الاضطرابات في حقول البترول ومُنع تصديره الى أوروبا, بخاصة بريطانيا وفرنسا, التي لن تنسَ ما عانته. لكن هذه الحركة كانت عفوية وغير منظمّة. واذا كانت الدول المستهلكة قد عانت, فإن الدول المنتجة عانت أيضاً بالمقدار نفسه. وعندما اندلعت حرب الأيام الستة في حزيران 1967, أعلنت الحكومة العراقية في 4 حزيران السيطرة على عمليات شركة النفط واغلاق كل الآبار, وأسرع وزراء خارجية دول البترول الى بغداد للتداول في الأمر, وقرروا انهم سيفعلون ما فعلته العراق, أي وقف تدفق البترول. لكن هذا التوقيف أصاب اقتصادياتهم بضربة موجعة, إذ اكتشفوا جميعا, خلال أيام من وقف الضّخ, انهم لا يملكون الاحتياطي المالي الذي يمكّنهم من الاستمرار في المقاطعة. وكانت السعودية أول من شعر بذلك, وأعادت الضخّ في 13 حزيران ثم تبعتها الكويت, وانتظر العراق حتى نهاية شهر تموز من سنة 1967, وعندما اجتمعت الدول العربية المنتجة للبترول في الخرطوم, في 29 آب 1967, للبحث في الوضع الاقتصادي الناتج عن المقاطعة, وجدت ان سياسة الحظر قد فشلت, وان أسباب هذا الفشل تعود في الدرجة الأولى الى عدم وجود احتياطي مالي, كما ذكرنا, وثانياً ان بقية الدول الأعضاء في منظمة أوبيك لم تتضامن مع المقاطعة؛ فإيران وفنزويلا زادتا في انتاجهما, وليبيا الملك ادريس, التي قاطعت بريطانيا, زادت في الكميات المصدّرة الى المانيا التي كانت تحوّل الزيادة الى بريطانيا[46], واستغلّ الاتحاد السوفياتي الظرف كي يدلّل على بضاعته في أوروبا.
لكن اذا كانت تجربتا 1956 و 1967 لم تؤتيا ثمارهما, نتيجة لعدم الاستعداد الكافي من قبل الدول العربية المنتجة للبترول, فان هذا الاخفاق لم يمنع المسؤولين في هذه الدول من التفكير جدّياً باستعمال هذا السلاح والضغط بواسطته على الدول الغربية, كي تجبر اسرائيل على الإنسحاب من الأراضي العربية المحتلّة. ففي ايار 1971, طرح الدكتور نديم الباججي العراقي, الذي كان سبق له ان عمل سكرتيراً للأوبيك, اقتراحاً سياسياً جديداً فحواه تجميد تزويد الغرب بحاجته من البترول كي يتمّ فرض انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية المحتلّة. وفي أواخر آب سنة 1973, قام الرئيس أنور السادات بزيارة سرّية للملك فيصل, وقد وعد فيصل السادات يومئذ بان يحصر زيادة انتاج البترول ب 10% سنوياً. وبعد ذلك بفترة قصيرة أجتمع عشرة وزراء خارجية ممثلين لجميع الدول العربية المنتجة للبترول, لبحث امكان استخدام البترول سلاحاً لتغيير السياسة الأميركية, وبعد اسبوعين من هذا الاجتماع حذّر الشيخ أحمد زكي اليماني الولايات المتحدة رسمياً بانه من المحتمل أن يجري تخفيض في انتاج البترول في المملكة العربية السعودية. لكن الولايات المتحدة لم تحمل هذه التلميحات والتحذيرات على محمل الجدّ. وعندما اندلعت حرب تشرين الأول 1973, اتضح عندها لمن يهمه الامر لماذا كانت تحذيرات الملك فيصل قد صدرت بشكل حازم. وفي 17 تشرين الأول 1973, سلّم وزير خارجية المملكة العربية السعودية, السيد عمر السقّاف, رسالة من الملك فيصل الى الرئيس نيكسون, ينذر فيها بأنه اذا لم توقف الولايات المتحدة امدادتها الى اسرائيل خلال يومين فسوف يتمّ فرض الحظر. وفي التاسع عشر من الشهر ذاته التقى الأعضاء العرب لأوبيك في الكويت وأجروا تخفيضاً سريعاً لانتاج البترول قدره 5%, وحذّروا في بلاغهم بأن النسبة المئوية نفسها سوف تزاد كل شهر, حتى يتم سحب القوات الاسرائيلية من كل الاراضي العربية المحتلة وتجري إعادة الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني. وبعد ثلاثة أيام رجع السقّاف من أميركا وأعلنت السعودية تخفيضاً قدره 10%, بالإضافة الى فرض حظر على البترول بجميع أنواعه, الى الولايات المتحدة وهولندا. وفي اليوم التالي خفض السعوديون الانتاج بمقدار يزيد عن 20%, ولمّح السعوديون أن هذه الخطوة, اذا لم تتمكن من تغيير السياسة الأميركية المنحازة الى إسرائيل, فان الخطوة المقبلة ستكون التأميم بعينه[47], كما اراد السعوديون أن تفهم حكومة واشنطن ان القيود المفروضة على البترول لن تتمّ الموافقة على رفعها إلا إذا جرى حسم للصراع السياسي الدائر في الشرق الأوسط بطريقة ترضي العرب. كان لهذا القرار أثره الصاعق على العالم الصناعي, الذي أقبل على وضع سياسة التقنين في استهلاك البترول, سواء في الولايات المتحدة الاميركية أو في اليابان أو في أوروبا الغربية بشكل خاص. ففي 15 تشرين الثاني 1973, التقى رؤساء الدول وحكومات البلدان التسع في السوق الأوروبية المشتركة في كوبنهاغن, في اجتماع غير عادي, وقدّم خبراؤهم بياناً يظهر خطورة التضخّم والعجز, والبطالة المرتقبة نتيجة للمقاطعة. وفي أقل من ساعتين قرّر التسعة إعلان هوية أوروبية, فيما يتعلق بمسألة الشرق الأوسط, ودعوا الى حوار مباشر بين أوروبا والبلاد العربية. وبعد ثلاثة أيام استقبل وزراء خارجية الدول الأوروبية مبعوثي الدول العربية, واستنتج هؤلاء أن أوروبا حائرة, وسمعوا منها انها لا تستطيع ان تفعل شيئاً في الشرق الأوسط. واذا كان المقصود بالمقاطعة ضرب أميركا, فإن هذه الأخيرة لم تتأثر, ولم يصبها السهم بل اصاب أوروبا. وفوجئ الوزراء العرب برؤية مفاوضيهم وقد أصبحوا فجأة متواضعين وضعفاء. كذلك أذعنت اليابان تحت تأثير الرسالة التي بعث بها الملك فيصل للمسؤولين اليابانيين, وفيها يقول ان بلادهم ستُحرم من أية امدادات للنفط اذا لم تعلن هي أيضاً تضامنها مع العرب في مدى اسبوع وقبل اجتماع أوبيك المقبل... وهكذا أيضاً تحققت الأغراض الأولى للمقاطعة, ألا وهي اجتذاب أوروبا واليابان الى مساندة الحق العربي.[48]
بقيت الولايات المتحدة الأميركية وحدها قي حلبة الصراع, فأوفد إاليها الملك فيصل أحمد زكي اليماني ليخاطبها علناً من نادي الصحافة الوطني في واشنطن. ومما قاله:

“ان التغييرات أخذت تحدث بدءاً من النفط, وستكون لها نتائج في جميع الميادين: الصناعة والاقتصاد والمال والسياسة. وهي تغييرات لن تتوقف... هذي التغييرات أساسيّة... لقد تبدّل ميزان القوى في العالم على نحو جذري. ان سلطة القرار في ميدان الطاقة, وهي سلطة ظلّت طويلاً في أيدي الشركات الغربية أصبحت الآن تماماً في أيدي البلاد المنتجة. وبالإصافة الى النفط سيبدأ انتقال القوّة المالية... واختتم قائلاً: ان توازن السلطات في العالم لن يبقى أبداً على ما كان”.[49]
لكن هذا الموقف السعودي المتشدّد, الذي كان يتزعمه الملك فيصل والذي أراد استعمال سلاح البترول للضغط على الولايات المتحدة كي تجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلّة وبخاصة القدس الشرقية, اذ كانت الأمنيّة الأغلى للملك ان يصلّي في مسجدها الأقصى قبل مماته. هذه السياسة زلّت في ما بعد على قشرة الموز التي رماها كيسنجر, وزير خارجية الولايات المتحدة يومئذٍ, الذي أدخل الى الشرق الأوسط سياسة الخطوة بعد الخطوة وقام بتنقلاته المكوكية, فاستطاع ان يجزّئ المشكلة الأساسية وهي المشكلة الفلسطينيّة. كما استطاع كيسنجر اقناع الملك فيصل برفع الحظر عن تصدير البترول وبتدوير قسم كبير من عائداته, أي تثميرها في مشاريع مختلفة خاصة في الولايات المتحدة الأميركية. ثم ما كان من أمر اغتيال الملك فيصل وغيابه عن مسرح الأحداث.
على كل حال, يتبين لنا من خلال هذا العرض لمحاولات استعمال البترول من قبل الدول العربية المنتجة, ان هذه المحاولات وان تكن بدأت عفوية وفوضوية فانها كانت تزداد تحسناً ودقّة وتأثيراً ومفعولاً, ملقية الهلع في قلوب الدول الصناعية, ليس فقط في اليابان ولا في أوروبا التي تستورد 60% من حاجتها النفطية من الدول العربية, بل في الولايات المتحدة الأميركية ايضاً, التي أصبحت كمية البترول التي تستوردها من الخارج تشكل ما لا يقلّ عن نصف حاجتها الاستهلاكية, وهي تعتمد على البلدان العربية في نصف كميتها المستوردة.
هذا التطوّر في الحاجة الى بترول الشرق الأوسط جعل الدول الصناعية الغربية ­ وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ­ تفكّر جدّياً في حماية مصادره, واذا اقتضى الأمر احتلالها. وما انشاء قوة التدخل السريع إلا ترجمة لهذه الأفكار. كذلك أخذ الاتحاد السوفياتي ­ نظراً لتناقص موارده البترولية ولاسيما انه كان المسؤول عن تأمين احتياجات أوروبا الشرقية ­ يمدّ النظر الى ثروات الشرق الأوسط. وما احتلاله لأفغانستان ووجوده في أثيوبيا وعدن إلاّ محاولات حقيقية للإقتراب من منابع النفط والتحكّم في معابره في ذلك الحين.
صحيح أنّ سيبيريا تحتوي على مخزون كبير من البترول, أكّد وجوده خبراء وقدّروه ب 620 مليار برميل. لكن هذه المصادر تقع في أعماق لا تستطيع التكنولوجيا السوفياتية الحالية استثمارها[50], فلحفر بئر عمقها خمسة الآف متر يحتاج السوفيات الى خمس سنوات, بينما لا تحتاج الشركات الأميركية الى أكثر من خمسة أشهر. كذلك فإن امكاناتهم التكنولوجية لا تستطيع أن تحفر الى أعمق من ذلك, بينما في استطاعة الشركات الأميركية الوصول الى عمق خمسة وعشرين كيلومتراً. وبما أنّ المصادر السيبيرية يقع أغلبها في أعماق تتعدى الخمسة آلاف متر, فإنّ موقف السوفيات من هذه القضية كان يفرض إما الحصول على التكنولوجيا الغربية لاستغلال موارده الخاصة, والأميركيون يحجمون عن إمداده بها, خوفاً من استعملها واستغلالها لقضايا عسكرية, واما التقدم من منابع البترول في الشرق الأوسط, لتأمين احتياجاته المستقبلية وتهديد الغرب عند الضرورة. وما وجوده في المناطق التي ذكرناها سابقاً سوى التأكيد لذلك.
ولقد لمس الأميركيون الشأن الذي تكتسبه الجزيرة العربية, وتوصّل خبراء البنتاغون الى الاقتناع والقول بأن من يمسك بهذا الموقع ستكون له ميزة هائلة, ومضوا حتى القول ان من يكون سيد الجزيرة العربية والشرق الأوسط بعد عشر سنوات يكون في الواقع سيد القارة الأوروبية كلّها. وما محاولات السياسة الأميركية, التي بدأها كيسنجر في إبعاد الاتحاد السوفياتي عن النزاع العربي­ الاسرئيلي, إلا تأكيداً لهذه الأقوال والنوايا. فالولايات المتحدة كانت تعمل جاهدة لإبعاد السوفيات وحتى أوروبا الغربية عن المفاوضات كي تبقى السيد الوحيد في الشرق الأوسط. ولقد سبق أن أعلن ما سُمِّي بمبدأ كارتر وفيه يقول:
“ليفهم الجميع موقفنا بوضوح: ان كل محاولة تقوم بها قوات خارجية للسيطرة على البترول ستُعدُّ موجّهة الى المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية. ومثل هذا التهديد ينبغي أن يُستبعد بجميع الوسائل, بما فيها القوّة العسكرية”[51].
أما التطلعات السوفياتية نحو الشرق الأوسط فلم تكن جديدة على الإطلاق. ففي آذار من سنة 1941, عندما ذهب مولوتوف لمقابلة هتلر وعقد اتفاقاً معه, كان أحد الشروط الموضوعة لعقد تحالف الماني ­ سوفياتي هو إطلاق يد السوفيات في إيران والعراق واقتطاع جزء كبير من العربية السعودية ليضمن السوفيات السيطرة على الخليج العربي وخليج عدن. وفي المؤتمر الثاني الذي عقدته هيئة الأركان السوفياتية والمكتب السياسي في تشرين الثاني عام 1948, عُرضت على ستالين خطة عمليات واسعة تتضمن هجوماً صاعقاً على الخليج العربي, يشنّه جيش مدرّع مؤلف من خمسين فرقة[52].
هذا القدر من الاقوال والمواقف يوضح لنا أن البترول أصبح في رأس قائمة الأسلحة الاستراتيجية في العالم, وان الشرق الأوسط أصبح محطّ انظار العالم بأجمعه, ولاسيما الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة. واذا كانت هذه المنطقة, وبوجه خاص شبه الجزيرة العربية, لم تقع تحت الاحتلال المباشر حتى يومنا هذا, فذلك لا يعود لفضل القوة العسكرية لدولها بقدر ما يعود الى مسألة توازن القوى في العالم, ولاسيما بين الجبّارين. فمنطقة الخليج هي بمثابة نعجة تسير بين ذئبين لا يستطيع أحدهما الانقضاض عليها خوفاً من الآخر.
من هنا تبدو الملامح واضحةً لما يترتب على الدول العربية, وخصوصاً الدول البترولية, من مهام لحماية ثرواتها. ولقد أدركت دول الخليج نوعاً ما, في المدة الأخيرة, هذه المخاطر فكانت اجتماعاتها لإنشاء تكتل سياسي وعسكري لهذا الغرض, فأنشأت في ما بينها مجلساً للتعاون قرّر بدوره بناء القوّة العسكرية الخليجيّة الموحدة, للإعتماد عليها وتأمين الدفاع عن نفسه[53].


لكن هل الطاقة البشرية والعسكرية والعلمية والتقنية لدول الخليج كافية للقيام بهذه المسؤولية؟ الجواب معروف بطبيعة الحال. لقد ارتعدت فرائصها عندما تغيّرت موازين القوى, على أثر معركة دزفول بين العراق وإيران, فكيف اذا تعلق الأمر بالقوى العظمى؟ ان عدد جيوش الدول الخليجية مجتمعة لا يتعدى المئة ألف جندي في أحسن الظروف, في حين ان الولايات المتحدة الأميركية خصصت نصف مليون جندي للدفاع عن الشرق الأوسط, ومجابهة السوفيات فيه في تلك الاثناء.[54]
ولا ننسى بطبيعة الحال القوة الاسرائيلية, التي تعتبرها السعودية الخطر الذي لا حدود له, الماثل في كل لحظة. ان انشاء مجلس التعاون الخليجي هو خطوة أساسية في الاتجاه الصحيح. ولو كانت خطوة متواضعة, لا تفي بالغرض ولا بالمطلوب, فالمطلوب ­ إضافة إلى القوة العسكرية الضرورية لتوفير الأمن السياسي ­ هو الأمن الغذائي, أي الاستقلال الغذائي. ذلك أن القوة العسكرية ليست كافية, عندما تكون بحاجة لاستيراد المواد الغذائية من الخارج. والواقع يبيّن ان كل الدول العربية أصبحت مستوردة لقسم كبير من غذائها من الخارج, وعلى الأخص دول الخليج. ان الثروة البترولية الموجودة في الخليج لا تتناسب على الإطلاق مع الحجم البشري للدول المنتجة, بل تتخطاها الى أبعد من ذلك بكثير وهي بحجم الدول العربية كافة. هذه الدول في إمكانها اذا وضعت الثروة البترولية لخدمة مشاريعها الانمائية والاقتصادية من زراعية وصناعية وغيرها, ان تؤمن لنفسها ليس الاستقلال السياسي والاقتصادي والعسكري فحسب, بل ان تعطي نفسها هوية خاصة بها, تمكنها من الخروج من تحت المظلة الأميركية, وبالتالي ان تصبح القوة الثالثة أو الرابعة في العالم, التي باستطاعتها استعمال البترول سلاحاً لخدمة قضاياها, وان تكون لها كلمتها ودورها في إدارة شؤون عالم المستقبل[55]. لكن هذا الأمر هو من المستحيلات, بالنسبة الى الدول العربية, نظراً للفروق القائمة بينها على الصعد البشرية والايديولوجية والمذهبية والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية... كما ان الدول العظمى ­ وعلى رأسها الولايات المتحدة ­ ليست مستعدة لتسهيل المهمة للدول العربية لتحقيق هذا الهدف. بل هي مصممة على امتصاص عائدات البترول بمختلف الوسائل والأساليب. ولا تندرج حرب الخليج الأولى بين العرق وإيران[56]إلا في هذا الإطار في كثير من جوانبها وفي اسباب اندلاعها او التشجيع على وقوعها. فالعرب بشكل عام والخليجيون بشكل خاص, وعلى أثر الارتفاع الهائل لأسعار البترول نتيجة للحرب العربية الاسرائيلية سنة 1973 أصبحوا يمتلكون 25% من السيولة النقدية, وهذا يعني في حسابات العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة إن هذا الوفر المالي سيمكن العرب من إملاء سياسة بترولية على العالم ومحاولة التحكم بهذا السلاح الرهيب كما حصل في حرب رمضان, لذلك كان لا بد للعالم الغربي وخصوصاً أميركا أن يباشر بمشاريع تؤدي إلى إفراغ جيوب وخزائن الدولة البترولية كما هو حاصل الآن, وذلك بفضل حربي الخليج الأولى بين العراق وإيران, والثانية بين العراق والكويت؛ والتي على أثرها شكّلت الولايات المتحدة الأميركية تحالفًا دولياً لطرد العراق من الكويت؛ وكانت الغاية الأساسية للولايات المتحدة الأميركية من خلال تشكيلها تحالفاً دوليًا وبشرعية دولية ومباركة عربية, أن يكون لقوات تدخلها السريع التي قامت من أجل الحفاظ على البترول في الخليج, مبرراً لوجودها, واختباراً لفعاليتها وقوتها من أجل الهيمنة الكلّية على بترول الخليج في عقر داره. ولقد برهنت هذه القوة بالفعل عن مدى فعاليتها وقوّتها ليس على صعيد المجابهة مع الجيش العراقي )والنتيجة كانت محسومة مسبقاً(, ولكن من الناحية اللوجيستية, حيث تمّ نقل نصف مليون عسكري أميركي ما لا يقلّ عن خمسة عشر الف كيلومتر ذهاباً وإياباً, ولم يحصل حادث واحد ولم يمت جندي واحد خلال هذه العملية, وهذا يعد بالفعل من أهم الانجازات اللوجيستية التي شهدها التاريخ العسكري في العالم. على كل حال ان كل المشاريع التي قامت او تقوم بها او تخطط لها الولايات المتحدة الأميركية والتي تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ترتبط بالبترول في الدرجة الأولى, والحرب الافغانية لا تخرج عن هذا الإطار.

ثالثاً: الحرب الافغانية وعلاقتها بالهيمنة على مصادر البترول
سبق وقلنا ان الحرب الافغانية تحت ستار مكافحة الارهاب ورأس حربته الاصولية الاسلامية التي اصبح عنوانها بن لادن وقاعدته وطالبان وحكومتها, ما هي في الحقيقة سوى محاولة تهدف الى السيطرة على البترول في أماكن تواجده بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. وما الأحداث الجارية في أفغانستان حالياً الا حلقة في هذه السلسلة المتواصلة, واستناداً الى انه من خلال الماضي نستطيع ان نفهم الحاضر ونتصور ملامح المستقبل, نرى ان الحاضر والمستقبل في المنطقة سيبقيان امتداداً للماضي, طالما بقي البترول المادة الاستراتيجية الأولى والقلب النابض للحضارة الصناعية. انطلاقاً من ذلك لا بد لنا كي نتمكن من احاطة هذا الموضوع من ان نتناوله تحت ثلاثة عناوين رئيسية الا وهي:
أ- ­ الموقع الجغرافي لأفغانستان وأهميته بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ب- ­ الولايات المتحدة وعلاقتها بالاصولية الاسلامية وقاعدة بن لادن.
ج- ­ الحرب على الارهاب وعلاقته بالمحافظة على مصادر البترول.


ذلك ان هذه العناوين وان جاءت من دروب مختلفة ومتباعدة, فانها تلتقي في النهاية وتجتمع لتسير في درب واحدة لتصل )كما يقال في العربي الدارج بأن كل الدروب تؤدي( الى الطاحون, وفي الغرب كل الدروب تؤدي الى روما.
أ- ­ الموقع الجغرافي لأفغانستان وأهميته الاستراتيجية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى
تقع أفغانستان في القارة الأسيوية او بالأحرى في قلب هذه القارة, تحدّها غرباً الجمهورية الاسلامية الإيرانية, وشمالاً كل من تركمانستان, اوزباكستان وطاجيكستان, وجمهورية الصين الشعبية من الشمال الشرقي, وجمهورية باكستان الاسلامية من الشرق والجنوب, يفصلها ما يقارب الاربعماية كيلومتر عن المحيط الهندي, كما تشترك مع جامو وكشمير بحدود يبلغ طولها 152 كيلومتراً[57]. تبلغ مساحتها 452225 كلم مربعاً. أي ما يقارب مساحة العراق أو أكثر بقليل وهي بلاد جبلية عاصية تخترقها قمم شاهقة تصل احياناً الى ثمانية الآف متر وتسمى سلسلة جبال هندوكوش, تمتد من الشمال الشرقي الى الجنوب الغربي.اما سكانها فهم يتكونون من عرقيات متعدّدة يأتي على رأسها العرق الباشتوني في الجنوب ويشكل 55% من سكان البلاد, والعرق الطاجيكي في الشمال ويشكل 35%, اما البقية وهي 15% فيتوزّعون على الهزارة والتركمان والأوزبك. الباشتون والطاجيك والأوزبك والتركمان هم سنّة, اما الهزارة في وسط البلاد فهم من الشيعة. ولقد افتتحها العرب سنة 639 ميلادية بقيادة حنف بن قيس اليمني ودانت بالاسلام منذ حينه[58].
كانت افغانستان كما يقول الصحفي والكاتب المصري محمد حسنين هيكل في كتابه “الزمن الأمريكي من نيويورك الى كابول”[59], جسراً غريباً, لكنه جسر مرصوف ومهيّأ لكي تمشي عليه الفتن وتتحرك المؤامرات... ثم يضيف:
وموقع البلد وسط آسيا, تماما في قلبها كما كان يقول اللورد كيرزون نائب الملك في الهند مع بدايات القرن العشرين, ثم ان الموقع هضبة مرتفعة تطل على شبه القارة الهنديّة, وعلى القوقاز وعلى الصين وعلى إيران حتى ان ماركو بولو الرحالة الإيطالي الاسطوري وصف افغانستان بسقف العالم.
ولقد عاشت افغانستان تاريخها الحديث وسط صراع الامبراطوريات التي تسابقت الى التوسع في آسيا طوال القرن التاسع عشر, خصوصاً بين الامبراطورية البريطانية التي كانت تحاول تدعيم مواقعها حول الهند درّة التاج البريطاني, وبين روسيا القيصرية التي كانت تضغط جنوباً آملة الوصول الى المياه الدافئة في المحيط الهندي, بعد ان اكملت توسعها شرقاً وأطلت على المحيط الهادي, ثم وأخيراً فرنسا في الهند الصينية التي كانت تحاول ان تقفز فوق الجبال نحو الموقع الأعلى لتراقب ما تفعله بريطانيا وروسيا. والطبيعة الأفغانية عاصية من حيث التضاريس وقاسية مناخياً الى درجة جعلت اللورد كيرزون السابق ذكره يلخص منطق الامبراطورية البريطانية بقوله “لا داعي لاحتلال افغانستان, الأرخص ان نشتريها”[60].
لقد كان اللورد كيرزون يعرف ما يقول لسببين رئيسيين, الأول يعود للطبيعة الجغرافية للبلاد القاسية والعاصية, والى تطبّع ساكنيها بهذه الصفات, ما جعل من البلاد عامة مقبرة للفاتحين, والبريطانيون ادرى من غيرهم بذلك عندما ذاقوا المرارة والذل على يد الافغانيين الذين قضوا سنة 1821 على جيش بريطاني مؤلف من واحد وعشرين الف جندي لم ينجُ منهم الا الطبيب المرافق فقط. لذلك فإن شراء أفغانستان كان أكثر سهولة وامكانية في الوقت ذاته, لان طبيعة الشعب الافغاني وتركيبته العرقية والقبلية والطائفية, تحمل توجهات الناس المتضاربة, وولاءات القبائل تقدّم لمن يهب أكثر مالا وسلاحاً. وهناك قول افغاني مأثور يعبّر تعبيراً صادقاً عن هذا الواقع البشري والطبيعي مؤداه:
“ان الله حين خلق الطبيعة والناس, وزّع اجناس الأرض على أقاليمها, وجد عنده بقايا من كل شيء: بقايا طبيعية وبقايا انسانية, وقد أخذ كل هذه البقايا وطوّح بها وسقطت كلها كومة واحدة على كوكب الأرض في مكان أصبح اسمه افغانستان”.[61]
بالفعل, ان ولاءات القبائل في أفغانستان كانت ولا زالت لمن يدفع أكثر مالاً وسلاحاً, وهو شبيه تماما بولاءات القبائل اليمنية اثناء الصراع الذي احتدم بين النظام الجمهوري الذي اقامه عبد الله السلال في حينه ومن ورائه الجيوش المصرية في عهد عبد الناصر والدعم السوفياتي, وبين الموالين للنظام الملكي ومن ورائهم الدعم السعودي والأميركي. فهذه القبائل اليمنية ومن كثرة تقلبها بين الطرفين المتصارعين كان يقال عنها انها جمهورية في النهار وملكية في الليل)67(, والولايات المتحدة الأميركية وبعد الحادي عشر من أيلول, عندما بدأت في انشاء التحالف الدولي لمحاربة الارهاب, فان وزير خارجيتها كولن باول لم يستطع ان يقنع زعماء القبائل الأفغانية بالمشاركة في التحالف ضد القاعدة وطالبان باستناده في محاولة اقناعهم على هول الكارثة, وقضائها على ما يقارب الخمسماية مسلم وعلى حقوق الانسان وشعائر الحرية وما الى هنالك. فما كان من المسؤول عن الاستخبارات المركزية الأميركية في المنطقة الا ان تولّى الامر بمساعدة حقائب مملوءة بالدولارات وقد سمّي الدولار في حينه “بالملاّ دولار”.


ب- ­ الولايات المتحدة وعلاقتها بالاصولية الاسلامية وقاعدة بن لادن
الاصولية الاسلامية قديمة قدم الاسلام[62], ولكن الحديثة منها وخاصة منذ المنتصف الثاني للقرن العشرين, احتضنتها وأرضعتها الولايات المتحدة الأميركية لاستعمالها في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي. فلقد رأت أميركا ان الزحف الشيوعي “الملحد” لم يكن ولا يمكن إيقافه خاصة في الدول الاسلامية, وليس من وسيلة الى ذلك الا بتغذية الشعور الديني وتقويته. فخلال سبع سنوات فقط ومنذ سنة 1954 حتى سنة 1961, ساعدت وكالة المخابرات المركزية الأميركية على بناء عشرين الف جامع في تركيا. وحتى في إيران التي كان لها حدود طويلة مع الاتحاد السوفياتي وجمهورياته الاسلامية في حينه, فعندما شعرت الولايات المتحدة ان نظام الشاه أصبح مزعزعاً, بعد الفترة الطويلة التي لعب فيها الشاه دور دركي الخليج للحفاظ على تدفق البترول الى العالم الغربي, خاصة في الفترة التي كانت الولايات المتحدة منشغلة بحربها الفيتنامية منذ 1965 حتى 1975, طوال هذه الفترة كان الشاه الحليف القوي للغرب ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية. وعندما أحسّت هذه الأخيرة بضعفه, نقلت البندقية كما يقال من كتف الى كتف, وساعدت على إيصال آية الله الخميني )المطرود من العراق( على الوصول الى فرنسا, ووضع العالم الغربي كل وسائله الاعلامية تحت تصرفه. فكان لخطاباته وتسجيلاته التي كانت تسمع في طول إيران وعرضها قوّة السحر في تحريك الجماهير بالملايين في شوارع طهران والمدن الأخرى والمطالبة باسقاط نظام الشاه, فكان ما كان وسقط هذا النظام سنة 1979 اي السنة التي دخل فيها الاتحاد السوفياتي الى أفغانستان.

لقد كانت الولايات المتحدة الأميركية تتوقع من الثورة الاسلاميّة في إيران ليس فقط ان تكون حليفاً جديداً وسدّاً منيعاً امام الزحف الشيوعي, ولكن كانت تتوقع منها وفي حساباتها ان تنقل ثورة آية الله الخميني الى داخل الجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي, فتربك هذا الأخير في ساحته الداخلية وتضعف من شأنه على الساحة الدولية. ولكن وكما يقال فإن حسابات حقل الولايات المتحدة لم تتفق مع حسابات بيدرها, وانقلب السحر على الساحر, فبدلا من أن توجه الثورة الإيرانية سهامها الى الاتحاد السوفياتي, فانها تطلّعت الى الولايات المتحدة كعدو اساسي وأصبح في عينها الطاغوت والشيطان بحد ذاته, وبلغت حدّة العداء حدّ احتجاز الرهائن الأميركية في السفارة وعددهم أربعماية لمدة سنتين تقريباً, ولم تُحلّ قضيتهم إلا بعد ان قدّمت الولايات المتحدة وبطرق ملتوية السلاح وقطع الغيار لإيران في حربها مع العراق. وقد فُضحت هذه العملية في الولايات المتحدة وسمّيت في حينه بإيران غيت.
أما قصّة الولايات المتحدة مع الاصولية الاسلامية في أفغانستان فقد كانت أكثر تشعّباً وعرفت ما لا يصدّقه انسان عاقل. والقصة بدأت بشكل جدّي ورسمي بعد اجتياح الاتحاد السوفياتي لأفغانستان سنة 1979, ولم تتعظ الولايات المتحدة من امثولتها بالتعامل مع الثورة الاسلامية في ايران, بل عملت ومن جديد على تغذية وتقوية اصولية اسلامية سنّية هذه المرّة وكان في نيتها ان تضرب بحجر واحد ليس عصفورين فقط بل ثلاثة عصافير:
الاول: إغراق الاتحاد السوفياتي في الرمال المتحركة الافغانية.
الثاني: الانتقام منه اذ ساعد الفيتكونغ وفيتنام الشمالية التي, بشكل أو بآخر, انتصرت وأذلّت الولايات المتحدة وقضت على عدد من زهرة شبابها.
الثالث: منع الاتحاد السوفياتي من التقدّم باتجاه الخليج, وتهديد الثروة البترولية, حتى انه يقال بأن الولايات المتحدة كانت جد سعيدة بوقوع الاتحاد السوفياتي في الفخ الأفغاني)69(, لعلّه, في اعتقادها وحساباتها, يكون فاتحة لانهيار هذه الامبراطورية. وبالفعل, فإنّ انسحاب الجيوش السوفياتية من أفغانستان نقل معه جرثومة الانهيار ليس الى الاتحاد السوفياتي فقط بل الى كل الانظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية. ولقد كان انهيار جدار برلين بداية لهذا السياق.


على كل حال, ما ان دخل السوفيات الى أفغانستان عشيّة عيد الميلاد لسنة 1979حتى بدأ الأميركيون صدّهم كي لا يهددوا منابع النفط, وكان الرئيس نيكسون قد أشار الى ذلك في كتابه “الحرب الحقيقية”, قائلاً ما ترجمته:
“لقد سُحق المجاهدون الأفغان بالضربات الحديدة للاتحاد السوفياتي, وتقدّم هذا الأخير خطوة نحو أهدافه, وأصبح هذا الهدف في متناول يده, والمتمثل بميناء أكيد في بحر عمان الدافئ من خلاله السيطرة على بترول الخليج الفارسي”[63].
لذلك لم تتأخر الآلة الاميركية على العمل لمجابهة هذا الوضع المستجدّ, وكان بريجنسكي مستشار الامن القومي للرئيس كارتر, قد أخطر هذا الأخير عند الساعة الثانية صباحاً من 27 كانون الأول سنة 1979 بالحدث واتفقا على اللقاء في البيت الأبيض عند الساعة السادسة والنصف صباحاً. وعندما انعقدت الجلسة بكامل أعضاء مجلس الأمن القومي وعلى رأسه كارتر, سأل هذا الأخير بريجنسكي عن تقديره لنوايا السوفيات من خلال هذه العملية, فأجابه ما حرفيته:
سيادة الرئيس, نحن امام جيش سوفياتي يزحف جنوباً في أفغانستان. وأفغانستان هي أقرب طريق للسوفيات الى المحيط والخليج, ونحن لا نستطيع على الإطلاق ان نجزم بأنهم لن يذهبوا الى أبعد من أفغانستان, وحتى من أفغانستان فانهم اقتربوا أكثر مما ينبغي من المياه الدافئة للمحيط الهندي ومن منابع النفط في الخليج, وذلك يدعونا الى التصرّف وتصرفنا يكون له هدفان:
الهدف الأول وقف السوفيات وجعلهم لا يتقدمون أبعد من أفغانستان.
الهدف الثاني, إرغامهم على التراجع والخروج من أفغانستان.
ثم يضيف, وبصراحة, فانني قلت للرئيس ايضاً: سيادة الرئيس, ان الروس وقعوا في فخّ, وتلك فرصتنا لكي نرد لهم جميل فيتنام, ولذلك يتعين علينا ان نعمل على سدّ الطرق امامهم بحيث تتحوّل افغانستان الى مصيدة لا يخرجون منها الا بفضيحة تهزّ هيبة الدولة السوفياتية وتكسر شوكتها[64].
وعلى أثر هذا الاجتماع استقرّ الرأي على العديد من الخطوط الرئيسية الواجب العمل بها للتصدّي للتدخّل السوفياتي, ومن جملة هذه الخطوط وأهمها إعلان جهاد اسلامي مقدّس يرتكز على مربع قوامه الدعم المالي السعودي الاميركي والسلاح المصري السوفياتي والاستخباراتي العسكري الباكستاني والاميركي. وكانت مداولات مجلس الأمن القومي قد انتهت بإرادة رئاسية تقضي بأن يتوجه بريجنسكي الى منطقة الشرق الأوسط, وخاصة الى دول المثلث المذكور للعمل على تنفيذ المشروع الا وهو مشروع الجهاد الاسلامي في أفغانستان خاصة وانه هو بالذات الذي صمّمه وهندسه وبدأ تنفيذه. ولقد نجح في ذلك الى أبعد حدّ, وحقّق توقعاته التي احتوتها مذكرته الى الرئيس كارتر والتي يقول فيها:
ان امامنا الفرصة الآن لكي نجعل الاتحاد السوفيتي يذوق مرارة الكأس التي شربناها في فيتنام. ثم يضيف فيما بعد قائلاً عن صحّة توقعاته من خلال المشروع الذي أعد.. والحقيقة اننا ولمدّة عشر سنوات جعلنا الروس ينزفون دماً, ولا يستنزفون جهداً فقط, فهم حين دخلوا أضرّوا باقتصادهم وأرهقوا سلاحهم, وأضعفوا معنويات جنودهم, وأضروا بهيبتهم, وذلك أدّى في النهاية الى تمزّق الامبراطورية السوفياتية[65].
وبنتيجة هذا الاجتماع أيضاً ولمجابهة السوفيات وحماية مصادر البترول, اتخذ الرئيس كارتر قراراً بانشاء قوّة التدخّل السريع وقوامها نصف مليون جندي.
مهما يكن, فلقد أصبح من المؤكد بأن استعمال سلاح الاصولية الاسلامية والجهاد المقدّس, كانت ثابتة من ثوابت السياسة الأميركية في صراعها مع الاتحاد السوفياتي طوال حقبة الحرب الباردة التي تلت الحرب العالمية الثانية والتي امتدت على ما يقارب النصف قرن وانتهت بتفكك الاتحاد السوفياتي. لقد صنع منها زبيغنيو بريجنسكي مشروعاً متكاملا, انتقل بعد الرئيس كارتر الى عهد الرئيس ريغان الذي اعتمده بحرفيته, حتى انه للحفاظ عليه ومن أجل تمويله وتسديد حصّة الولايات المتحدة وهي 50% والخمسين الأخرى للمملكة العربية السعودية, لم يتورّع عند الشح في مصادر التمويل أن يأخذ بنصيحة رئيس الاستخبارات الفرنسية الكونت ألكسندر دو مارانش ببيع المحجوزات من المخدرات في الولايات المتحدة في الأسواق العالمية لتأمين مصادر التمويل للجهاد في أفغانستان. حتى انهم ذهبوا, إلى ابعد من ذلك بتشجيع زراعة الأفيون في أفغانستان وتسهيل عمليات انتقاله وبيعه, لتسديد الحصّة الأميركية في عملية الجهاد ضد السوفيات في هذا البلد[66].
على كل حال, بقيت الأصولية الإسلامية والجهاد ضد الإلحاد السوفياتي حصان المعركة الأميركية ضد الاتحاد السوفياتي طوال حقبة الحرب الباردة وذلك في كل الدول الإسلامية خاصةً تلك الموجودة في الشرق الأوسط. ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفياتي, لم يعد هنالك من حاجة لهذا الحليف وكان لا بدَ من الاستغناء عنه والتنكر له وحتى محاربته تحت ستار مكافحة الإرهاب؛ فما الذي حصل, ولماذا حصل الطلاق بين الولايات المتحدة الأميركية والحركات الأصولية الإسلامية. وما هي الأسباب التي أدّت إلى الحرب المكشوفة بينهما خصوصاً على أثر أحداث الحادي عشر من أيلول سنة 2001 ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في العنوان التالي وهو الحرب على الإرهاب وعلاقته بمصادر البترول أو الهيمنة عليه.


ج- ­ الحرب على الإرهاب و علاقته بالهيمنة على مصادر البترول.
كانت الأصولية الإسلامية كما سبق وذكرنا ثابتة من ثوابت السياسة الأميركية في علاقاتها مع البلدان العربية[67]. وكانت في شقيها الشيعي في إيران والسني في أفغانستان قد رضعت من الحليب الأميركي وترعرعت في أحضانه, ونمت بفضل دولاراته. وإذ فجأةً ينقلب السحر على الساحر ويصبح الإرهاب مثلاً يجسّده بن لأدن شبيهاً بأسطورة الوحش الذي صنعه الدكتور فرانكشتين في الرواية الشهيرة لماري شيلي. وكان قصد الدكتور فرانكشتين في الأساس أن يثبت قدرة العلم على معجزة الخلق لكن القصد خاب لأن الحياة ليست كياناً يتحرك وانما هي في الوقت نفسه روح تنبض, ووقع فعلاً في الرواية أن الحياة المصنوعة هددت صانعها, و اضطر العالم كما يقول محمد حسنين هيكل[68]إلى درء خطر معجزته عن نفسه, وقام بتدمير الوحش الذي صنعه. هذا ما تم بالفعل مع الولايات المتحدة الأميركية والوحش الذي صنعته أو على الأقل ساهمت في صنعه. فحين انقلب عليها كان لا بد لها أن تعمل على تخريبه والقضاء عليه. وإذ بجورج بوش يعلن بعد الحادي عشر من أيلول بأن هذا الحدث هو إعلان حرب على الولايات المتحدة, وأخذ بالإستعداد لتجميع الحلفاء وتهيئة الآلة العسكرية الأميركية الحديثة لاستعمالها وتجربتها على هذا الوحش في أرض أفغانستان وضد حكومة طالبان وقاعدة بن لادن.
في الحقيقة ان انقلابات هذا الوحش على الولايات المتحدة الأميركية لم تبدأ بضربة الحادي عشر من أيلول سنة 2001 بل كانت لها سوابق بدأت في أوائل الثمانينات بضرب السفارة الأميركية وقوات المارينز في بيروت, كذلك في تفجير السفارات الأميركية خصوصاً في تانزانيا وكينيا وفي قاعدة الخُبَر في المملكة العربية السعودية, وفي حادثة إعطاب البارجة “كول” في ميناء عدن وهي مفخرة الأساطيل الحربية الأميركية, وبواسطة رجلين وزورق من المطاط لا يتعدى ثمنه المئتي دولار محشو بالمواد الشديدة الانفجار والقوة, والتي أعطبت هذه السفينة وجعلتها تسير الى قاعدة تصليحها كالبطة المكسورة الجناح. ولقد تأكدّ للولايات المتحدة الأميركية بأن أسامة بن لادن كان وراء التفجير في قاعدة الخبر كذلك في حادثتي تفجير السفارتين الأميركيتين في كل من تانزانيا وكينيا ومهاجمة البارجة “كول”؛ وتوّجت هذه الأحداث بتدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك. وكانت هذه الحادثة بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير والتي لم يعد مسموحاً السكوت عنها, لأن الارهاب ورأس حربته بن لادن أصبح يوجع الولايات المتحدة الأميركية ويهدد مصالحها في العالم, ويقلل من وزنها وهيبتها. لقد اعتقدت الولايات المتحدة ولفترة قصيرة من الزمن بعد انتصارها وانهيار العالم الشيوعي بأن الساحة العالمية قد فرغت لها وستصول وتجول فيها كما يحلو لها الى ما شاء الله. ولكن في الوقت ذاته كانت هنالك قوة جديدة تتشكّل لكي تحل محل الاتحاد السوفياتي, ممثلة بالاصولية الاسلامية ذات الطابع العالمي, والتي أخذت تعمل بنشاط على تأكيد هويتها, وطرح الاسلام كثورة جديدة حاملة راية المستضعفين, وداعية الى الجهاد المقدّس ضد الكفّار وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية, وعاملة على انشاء الدولة الاسلامية في كل البقاع الاسلامية التي تستطيع ان تنتصر فيها على غرار ما حصل في أفغانستان على يد حركة طالبان. وهذا يعني بأن الاصولية الاسلامية تحمل مشروع دولة في جميع مرتكزاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبطبيعة الحال, وبما ان البترول هو أعظم مورد اقتصادي في كثير من البلدان الاسلامية في الشرق الأوسط ووسط آسيا, فليس من المعقول الاّ يكون بن لادن قد جعل للبترول مركز الصدارة في مشروعه.
وحيث ان الولايات المتحدة الأميركية وكما درجت العادة, لن تسمح لأية قوة ان تهيمن أو تهدد مصادر الطاقة, لذلك كان لا بد للمجابهة ان تقع بين هذه الحركات الاصولية وعلى رأسها أسامة بن لادن وبين الولايات المتحدة الأميركية. ولقد بدأت الاشارات تتوضح أكثر فأكثر على الرابط القائم بين البترول والحرب على الارهاب في أفغانستان, اذ انه, نتيجة للموقع الاستراتيجي الممتاز لهذه الدولة في قلب آسيا, وفي وسط منابع النفط شمالاً وجنوباً وغرباً, فلا يعقل ان تترك الولايات المتحدة حركة طالبان وأسامة بن لادن يسرحان ويخططان للمشاريع في هذه المنطقة. كما لا يعقل الاّ يكون أسامة بن لادن )وهو صاحب المشاريع الاقتصادية الضخمة( قد اتخذ من البترول هدفاً رئيسياً وعاملاً من أشدّ العوامل فعالية في سبيل تنفيذ مشاريعه وبث دعوته. ولقد أشار الى هذه العلاقة السيد أحمد رشيد وهو عميد الصحافيين في باكستان في كتابه “طالبان: الاسلام والنفط والصراع الكبير في وسط آسيا” حيث نُشر في لندن للمرة الأولى سنة 2000, ثم أُعيد طبعه ونشره ثلاث مرّات سنة 2001[69]. فآسيا الوسطى أصبحت في يومنا هذا المنتج الثاني للبترول في العالم. بانتاجها سبعة ملايين ومئة الف برميل في اليوم الواحد كما انها أصبحت المصدّر الثالث لهذه المادة في العالم. يضاف الى ذلك بطبيعة الحال ثروات الغاز ومشاريع الأنابيب التي يراد اقامتها لإيصال مصادر الطاقة الى الاسواق العالمية وخصوصاً الأوروبية منها والتي ستمر حتماً في أفغانستان[70].
وفي فرنسا أيضاً, صدر مؤخراً كتابٌ بعنوان “ابن لادن, الحقيقة المحظورة للصحافيين الفرنسيين”, كتبه جان كلود بيرزار, وهو يعمل حالياً كمستشار لسيناتور أميركي ومسؤول عن التقصيات الاقتصادية في مجموعة مالية عالمية, وغيوم داسكييه, وهو صحافي متخصص في علوم الاستقصاء الاقتصادي. ويكشف الكاتبان في هذه الكتاب, بالوثائق والأسماء كل الملابسات التي أدّت الى ضرب أفغانستان واختلاط السياسة برائحة النفط ودوي الاسلحة؛ وهما يشددان على أسماء مهمة تحتل مواقع رئيسية في الادارة الأميركية وخاصة الفريق المقرّب من الرئيس جورج بوش, وجلّهم من القادمين من قطاع الصناعة النفطية, كنائب الرئيس ديك تشيني الذي ترأس طويلاً إدارة هاليبرتون وهي الشركة العالمية الرائدة في مجال خدمات الصناعة النفطية, وغوندوليزا رايس مديرة مجلس الأمن القومي التي عملت تسع سنوات مع شفرون وتولّت إدارة هذه الشركة النفطية الضخمة من سنة 1991 حتى 2000 والتي تدخّلت باستمرار في الملفات المتعلقة بآسيا الوسطى, لاسيما كازاخستان, حيث تكثر استثمارات شفرون, هذا بالاضافة الى أسماء أخرى لامعة. وبالنتيجة لا يمكن لأحد أن يقدّر الدور الذي لعبته الاعتبارات النفطية في إدارة الملف الأفغاني[71].
خلاصة القول ان الاميركيين الذين ساندوا طالبان في بادئ الأمر, وأعطوها الكثير من الدعم المادي, أملوا من ورائها إحلال حكم مستقر في افغانستان, يسهل العمل على إقامة المشاريع, خاصة تمرير أنابيب الغاز والنفط في هذا البلد. ولكنهم انقلبوا عليها عندما لم يتوصلوا الى اتفاق نهائي مع الحركة, خصوصاً وانه صرف على الحرب في هذا البلد مبالغ لا يتصورها عقل, وقدّرها أحمد رشيد في كتابه, الذي سبق ذكره, بِـ 45 مليار دولار, ويذهب محمد حسنين هيكل ايضا في تحليله في هذا الاتجاه بقوله:
“وجاءت نجدة المقادير لدولة المتطهرين, حين أقبلت بعض شركات البترول الأميركية المعنية بموارد وسط آسيا الغنية, وهي المنطقة المرشحة لان تكون إضافة مهمّة توازن نفط الخليج العربي, تبحث مع حكومة طالبان مشروع خطوط أنابيب تنقل النفط وسط الجبال والوديان التي تسيطر عليها دولة المتطهرين[72].
وفي الخلاصة النهائية فان البترول سوف يبقى متربعاً عل عرش الاهتمامات الدولية, خاصة الدول الكبرى, وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية. وان هذه الأخيرة ستبقى طالما سمحت لها قوتها والى أجل غير مسمّى المهيمنة على مقدرات الطاقة في العالم, ولن تسمح لأي كان, ولن تتورّع عن استعمال شتّى الأساليب والوسائل للدفاع عن مصالحها في العالم, وخاصة البترولية منها. وما حربها الأخيرة على طالبان وقاعدة بن لادن الا مظهراً من مظاهر الهيمنة, خصوصاً انه وبعد نصف قرن من الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي, لن تسمح بولادة قوّة جديدة تحل محلّها, خاصة الأصولية الاسلامية, التي أصبحت تظهرها على لسان كتّابها وعلى رأسهم صموئيل هنتنغتون في كتابه “صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي الجديد” على ان الاسلام اصبح في وقتنا الحاضر الخطر الأكبر الذي يهدد الحضارات وخاصة الغربية منها[73].
ومن الواضح أيضاً بأن الولايات المتحدة الأميركية, لن تسمح كما لم تسمح سابقاً بقيام اي قوّة تهدّد مصادر الطاقة او تحاول استعمالها كسلاح كما حصل ولكن بنسبة محدودة في حرب أوكتوبر سنة 1973. ففي حينه كان العرب يمتلكون فائضاً مالياً يقدّر بربع السيولة النقدية في العالم, ووجود احتياط من هذا النوع يمكّن, نظرياً, أصحاب منابع النفط استعماله كسلاح لفترة محدودة, ولكن الولايات المتحدة استطاعت ان تمتص هذا الفائض من البترول بفضل حربي الخليج الأولى والثانية التي أفرغت خزائن الدول المنتجة للبترول وجعلتها تستبعد حتى التفكير باستعمال هذا السلاح. ولقد كان الأمير سعود الفيصل حريصاً بهذا الخصوص عندما تكاثرت الأصوات مطالبة باستعمال سلاح النفط في نصرة القضية الفلسطينية في مواجهتها الحالية لاسرائيل, حيث قال بأن قطع البترول يشبه توجيه الانسان الرصاصة الى نفسه[74].
مما لا شكّ فيه, ان الساسة الأميركيين على اطلاع واسع بما كتبه بول كندي عن ولادة وانحدار القوى العظمى[75], وهم يعرفون تماماً بأن نشوة النصر وأحادية القيادة العالمية لن تدوما الى ما شاء الله, ذلك ان علامات الشيخوخة بدأت تظهر في جسم الاقتصاد الأميركي, لذلك فهم يفتشون ويحاولون السيطرة على الاكسير الذي يطيل الحياة وهو البترول, الذي ظهر ايضاً وبكميات هائلة في آسيا الوسطى. وللهيمنة عليه ماذا أفضل من السيطرة على أفغانستان وهي قلب آسيا وسطح العالم؟

 
- حرب الخليج الأولى هي التي اندلعت بين العراق وايران التي امتدّت منذ سنة 1980 حتى سنة 1988.


[1] فريد هاليداي “ساعتان هزّتا العالم: 11 أيلول 2001, الأسباب والنتائج”, دار الساقي, الطبعة الأولى, بيروت 2002, ص. 10­11.

[2] راجع دكتور جان شرّو “استراتيجية البترول في موازين القوى العالمية”, مجلة حاليات, العدد 35, صيف 1984, ص. 25 وما بعدها.

[3] Richard NIXON.. Ibid, p. 22 et suits-.

[4] جان جاك سرفان شرايبر “التحدّي العالمي”, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت 1980, ص. 51 وما بعدها.

[5] راجع بهذا الخصوص مسعود الخوند “الاستراتيجية السوفياتية في الخليج العربي” مجاّة حاليات, العدد 30, سنة 1983, ص. 23 وما بعدها.

[6]   راجع محمد حسنين هيكل “الزمن الاميركي من نيو يورك الى كابول” مرجع سبق ذكره ص. 129 وما بعده.
راجع ايضاً Richard NIXON "La vraie guerre Ibid" حيث يقول:
“L'afghanistan a été depuis longtemps une aréne d'intrigues internationals

pour la même raison qu'on l'appelait autrefois la "plaque tournantes de l'Asie”.

[7] راجع جان شرّو “استراتيجية البترول في موازين القوى العالمية”, مرجع سبق ذكره ص. 25 وما بعدها.

[8] راجع Pierre CELERIER, "Geopolitique et géostratégie, Ed. PUF, collection Que sais-je, Pris 1961 p. 9

[9] المرجع السابق ص. 12 وما بعدها.

[10] راجع أنطوني سامبسون “الشقيقات السبع والعالم الذي صنعته, ترجمة سامي هاشم وأسعد رزق, الطبعة الأولى بيروت 1976, ص. 78 وما بعدها.

[11]   راجع Leonel TACCOEN, "La guerre de l'énergie est commencée", ed.

Flamarion, Paris 978, p. 262 et suits

[12] راجع الدكتور عبد المنعم الوهّاب, مرجع سبق ذكره, ص. 179.

[13] جان جاك سرفان شرايبر, مرجع سبق ذكره ص. 51 وما بعدها.

[14] المرجع السابق ذكره, ص. 275 وما بعدها.

[15] الدكتور عبد المنعم الوهّاب, مرجع سبق ذكره, ص. 261 وما بعدها.

[16] المرجع السابق ذكره, ص. 175 وما بعدها.

[17] راجع عبد العزيز الوتاري, “مستقبل الصناعات البتروكيميائية في بلدان منظمة الأقطار المصدّرة للبترول والأهداف والآثار المحتملة لهذه الصناعة”, مجلة النفط والتعاون العربي, العدد الأول, السنة الأولى صيف 1975, ص. 17 وما بعدها.

[18] أبو الحسن بن صدر, “النفط والسيطرة”, دار الكلمة للنشر, الطبعة الأولى, بيروت 1980, ص. 90.

[19] المرجع السابق ذكره, ص. 90

[20] المرجع السابق ذكره, ص. 108

[21] أنطوني سامبسون, مرجع سبق ذكره ص. 420

[22] جان جاك سرفان شرايبر, مرجع سبق ذكره, ص. 54.

[23] Lionel TACCOEN Ibid, p. 21 et suits

[24] جان جاك سرفان شرايبر, مرجع سبق ذكره, ص. 55.

[25] المرجع السابق ص. 56.

[26] راجع Marc ULMANN, "4 ans pour changer le monde", Paris, ed. Laffont, p. 99 et suits.

[27] راجع أنطوني سامبسون, مرجع سبق ذكره ص. 44 وما بعدها.

[28] جواد العطّار, “تاريخ البترول في الشرق الأوسط 901­1972, الأهلية للنشر والتوزيع, بيروت 1977, ص. 15 وما بعدها.

[29] راجع Léonard MOSLEY, "La guerre du Pétrole", ed. Presse de la cite, Paris 1974, p. 81 et suits.

[30]   المرجع السابق ص. 89 وما بعدها و 129 وما بعدها.

[31] د. جان شرّو, “البترول والصراع الدولي في الشرق الأوسط” دراسة غير منشورة مؤلفة من 430 صفحة.

[32] راجع جورج لنشوفسكي, “الشرق الأوسط في الشؤون العالمية”, منشورات دار الكشاف فرع العراق­ بغداد 1956, الجزء الأول, ص. 369
­ كذلك جواد العطّارمرجع سبق ذكره, ص. 97 وما بعدها.
­ كذلك Léonard MOSLEY Ibid, p. 289 et suits
- كذلك أنطوني سامبسون, مرجع سبق ذكره ص. 169.

[33] راجع جواد العطّار, المرجع السابق, ص. 132 وما بعدها.
­ كذلك جان جاك سرفان شرايبر, المرجع السابق ص. 15 وما بعدها.
­ كذلك Léonard MOSLEY I hid, p. 421et suits.

[34] راجع جواد العطّار, المرجع السابق ص. 132.

[35] راجع جان جاك سرفان شرايبر, المرجع السابق ص. 23 وما بعدها.

[36] راجع أنطوني سامبسون, المرجع السابق ص. 236 وما بعدها.

[37] راجع جواد العطّار, المرجع السابق ص. 124 وما بعدها.

[38] راجع جان جاك سرفان شرايبر, المرجع السابق ص. 57.

[39] راجع عبد العزيز التركي رسالة المنظّمة في النفط والتعاون العربي, العدد الأول 1975 ص. 12.

[40] راجع جان جاك سرفان شرايبر, المرجع السابق ص.

[41] راجع أنطوني سامبسون, المرجع السابق ص. 229 .
46­-  23.

[42] راجع جان جاك سرفان شرايبر, المرجع السابق ص.

[43] راجع جواد العطّار, المرجع السابق ص. 115 وما بعدها.
­ جان جاك سرفان شرايبر, المرجع السابق, ص. 166.
­ كذلك Léonard MOSLEY Ibid, p. 375 et suits

[44] راجع جواد العطّار, المرجع السابق ص. 154 وما بعدها.
­ كذلك Léonard MOSLEY Ibid, p. 499 et suits

[45] راجع أنطوني سامبسون, المرجع السابق ص. 357 وما بعدها .

[46] جان جاك سرفان شرايبر, المرجع السابق, ص.73 وما بعدها.

[47] المرجع السابق, ص. 86 وما بعدها.

[48] المرجع السابق, ص. 96.

[49] المرجع السابق, ص. 98.

[50] المرجع السابق, ص. 97.

[51] راجع عادل مالك "مجلس التعاون يقرر بناء القوّة العسكرية الواحدة" في مجلة الحوادث, العدد 1307, 20 تشرين الثاني 1981, ص. 30.

[52] راجع عبد الكريم ابو النصر, "كيف نتعامل مع ريغان" في المجلة , العدد 49, 17 كانون الثاني1981 ص. 113 وما بعدها.

[53] راجع عادل مالك المرجع السابقة, ص. 97.

[54] نقلاً عن عبدالله انس "ولادة الأفغان العرب" منشورات دار الساقي, الطبعة الأولى, بيروت سنة 2002, ص. 151.

[55] الرجع السابق ص. 152.

[56] محمد حسنين هيكل, “من نيويورك الى كابول”, مرجع سابق ص. 226 وما بعدها.

[57] المرجع السابق ص. 227.

[58] المرجع السابق ص. 228.

[59] المرجع السابق ص. 228.

[60] راجع بهذا الخصوص د. جان شرّو, “البترول والصراع الدولي في الشرق الأوسط”, مرجع سبق ذكره, ص. 333 وما بعدها.

[61] لأخذ فكرة عن هذا الموضوع, راجع سلسلة مقالات بسام سعد “امام الأصولية الجديدة بات على الحداثة ان تجدّد نفسها” في جريدة الديار ابتداءً من 23 نيسان 2002.

[62] راجع بهذا الخصوص محمد حسنين هيكل, “من نيويورك الى كابول”, مرجع سابق ص. 231 وما بعدها.

[63] راجع Richard NIXON, "La vraie guerre" Ibid, p. 28.

[64] راجع محمد حسنين هيكل, المرجع السابق ص. 235

[65] المرجع السابق ص. 243.

[66] المرجع السابق ص. 246 وما بعدها.

[67] للحصول على فكرة وافية عن العلاقات الاميركية العربية, راجع نظام شرابي “أميركا والعرب: السياسة الأميركية في الوطن العربي في القرن العشرين”, مطبوعات رياض الريّس للكتب والنشر, لندن 1990, ص. 31 وما بعدها.

[68] راجع محمد حسنين هيكل, “ الزمن الأميركي..” مرجع سبق ذكره ص. 132 .

[69] أحمد رشيد, “طالبان: الاسلام والنفط والصراع الكبير في وسط آسيا, لندن 2000.

[70] راجع  Jana TAMER, "Guere 1/2 Qui espére gagner quoi?"in

Le commerce du levant, novembre 2001, pp 94-96.

[71] راجع مجلة الكشكول, تقرير حول “ التفاصيل السرّية لدور شركات النفط الأميركية في ضرب أفغانستان للسيطرة على مصادر الطاقة في آسيا الوسطى”, العدد الرابع عشر, نيسان 2002, ص. 24 اى 32.

[72] راجع محمد حسنين هيكل, المرجع السابق ص. 292.

[73] راجع صاموئيل هنتنغتون “صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي الجديد”, ترجمة د. مالك عبيد ابو شهيرة والدكتور محمود محمد خلف, الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان, الطبعة الأولى سنة 1999.

[74] راجع جريدة الديار, تاريخ 21 نيسان 2002 ص. 6

[75] راجعPaul KENNEDY "Naissance et déclin des grandes puissances", ed. Payot, Paris 1991, p. 570 et suits.