تسلح وتكنولوجيا

الحرب الافتراضية وسيناريوهات محاكاة الواقع

يعتبر مصطلح «الحرب التخيلية» (virtual reality) أو «الحرب الافتراضية» واحداً من المصطلحات المتفرعة من مصطلح «الواقع التخيلي» أو «الافتراضي» الذي كثر الحديث عنه خلال الفترة الأخيرة، ويقصد به البيئة الاصطناعية التي تنشأ عبر الكومبيوتر وأجهزة تكنولوجيا المعلومات الأخرى وأدواتها. تمارس في «الحرب الافتراضية» الأفعال والسلوكيات والخبرات بصورة أقرب ما تكون إلى ما يجري على أرض الواقع، مثل البيئات الافتراضية، التي تستخدم في التدريب على الطيران، أو الملاحة البحرية، وغيرها من السيناريوهات.

 

نظرية الحرب الافتراضية

ليس «للحرب الافتراضية» وجود مادي ملموس على أرض الواقع، لكنها تحاكي هذا الواقع تماماً، وهي حرب بلا دماء لكونها صراعاً بين الموجات والالكترونيات والبرمجيات فقط، وجنودها يعملون من لوحات المفاتيح وأزرار الكومبيوتر. وميادين القتال فيها هي الأسلاك والفضاء الالكتروني، وربما الهواء، وأسلحتها فيروسات الكمبيوتر، والنبضات الالكترونية، أو إشارات الليزر، وطلقات معلوماتية معدة بشكل يمكن أن تحدث تدميراً جوهرياً في بعض مظاهر البنية الأساسية للعدو. بدأت الدول المتقدمة التركيز على التدريب بالواقع الافتراضي، من خلال شبكة من المشبهات (Simulators)، تتناغم مع بعضها في مباريات حربية  (war games) تعرض على الشاشات بصورة مجسمة.

وعلى الرغم من أن معظم ميزانيات الانفاق العسكري بدأت في التقلص، إلا أن الميزانيات الخاصة بتطوير تكنولوجيات الواقع الافتراضي ما زالت في تزايد مستمر، لأنها أصبحت ذات استخدام مؤثر وفعال في مجال التدريب العسكري، والسبب الرئيس في ذلك ليس فقط إمكان التدريب الواقعي، ولكن أيضاً تنسيق التعاون بين الأسلحة المختلفة والمشتركة. أصبحت السيناريوهات المحتملة للعمل العسكري مختلفة، وأخذت بالاعتبار، أكثر من أي وقت مضى، عامل المفاجأة والتصدي لأوضاع غير مقررة، مثل أحداث أفغانستان والعراق، والاستعدادات الاميركية القائمة لضرب ايران... فالنزاعات لم تعد كما كانت خلال الحرب الباردة، مع عدو واحد محدد الهوية، وبالتالي فإن احتمالات المواجهات المتعددة انعكست على تعددية في أوجه التدريب وأساليب المحاكاة الممكنة للأوضاع القتالية المفترضة، وأصبح التدريب المتقدم يستند إلى النوع، في مجال التعويض عن الكم العددي، إضافة إلى التقنيات الأكثر تطوراً، في مجال التعويض عن التجهيز المكثف.

 

تطور تكنولوجيا الواقع الافتراضي

تعتمد تكنولوجيا الواقع الافتراضي على التطور في علوم الالكترونيات والكومبيوتر والاتصالات ونظم المعلومات والبرمجيات والذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) والنظم الخبيرة (Expert Systems)، وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا يمكن اعتبارها من تكنولوجيا مشبهات التدريب الحديثة، إلا أن الفكرة الأولية لها بدأت منذ أكثر من نصف قرن. فبواسطة تكنولوجيا الواقع الافتراضي يستطيع المقاتل المتدرب أن يدخل إلى موقع الأحداث في أي منطقة محلية أو دولية من المنتظر أن تكون مسرحاً لإحدى العمليات العسكرية، وعلى الفور يبدأ الحوار بين المتدرب والكومبيوتر حول كيفية التصرف في الموقف، الذي تم تحديده بواسطة البرامج، ومعالجة ما يدور من أحداث، واتخاذ القرارات التي يرى أنها مناسبة للموقف، واستنباط النتائج، والقيام بتحليلها، واكتساب الخبرة العملية التفاعلية (interactive).

ويمكن الاستفادة من هذه التكنولوجيا المتقدمة باستخدام شبكة من المعلومات والبرامج المختلفة، لتدريب الأفراد على المهام القتالية شتى مثل تدريب طواقم الطائرات والقطع البحرية والمدرعات والقوات البرية، ووحدات التأمين الفني، وتنسيق التعاون بينهم، فمراكز المعلومات تقوم باستقبال البيانات الخاصة بالظروف القتالية بسرعة، حيث تظهر جميع القوات الصديقة والمعادية في مواقعها، مع ما تمتلكه من أنواع مختلفة من الأسلحة، وما يقدم لها من معونات جوية أو بحرية على شاشة العرض، ويقوم المتدرب بدراسة الموقف التكتيكي، ومن خلال ذلك يتخذ القرار الذي يراه مناسباً، وتجرى بعد ذلك تحليلات النتائج التي ترتبت على هذا القرار. ويكمن طموح العديد من القوات المسلحة، خصوصاً في الدول المتقدمة في ربط مراكز القيادة الجديدة بنظم تديرها آلات الكومبيوتر في الدبابات الحديثة والطائرات والسفن، كي تتيح إرسال المعلومات حول «الانترنت التكتيكية» (Tactical Internet). ومع تحقيق هذا الطموح، أصبحت هناك حاجة إلى نظم تدريب حديثة للاستفادة من هذه التكنولوجيا الجديدة، ما يجعل التفريق بين التدريب والعمليات الحقيقية عملاً صعب التحديد بصورة متزايدة.

 

التكنولوجيا وثورة المعلومات

يشير الخبراء إلى أنه مع الزيادة في سرعة العمليات الحربية المستقبلية وتعقيدها، وأجوائها المتباينة، فإن الجهاز العصبي المركزي للفرد يصبح أقل تكيفاً للتعامل مع معطياتها، في الوقت المناسب، من حيث دراسة وتفهم المهمة، ودراسة الأرض والمناخ، واتخاذ القرار، وتنسيق التعاون، وما إلى ذلك من إجراءات تنظيم المعارك، ولذلك فإن التجارب الفعلية أظهرت أن العنصر البشري أصبح ضعيفاً في مواجهة متطلبات حروب القرن الحالي وسماتها، إلا إذا تم تدعيمه بتكنولوجيا حديثة، غاية في الذكاء، للتعامل مع الأسلحة الذكية، ونظم التسليح المتطورة، التي تستدعي التعامل معها بنظم أكثر تطوراً وتقدماً. وقد تم إعطاء أهمية متزايدة لهذه المسألة، وبالتالي أخذت الموازنات المخصصة لأغراض التدريب على الواقع الافتراضي تتزايد بصورة ملحوظة على الرغم من التراجع العام في الموازنات الدفاعية، وقد أدى ذلك أيضاً إلى تطوير أجهزة محاكاة بالغة الفعالية. وإذ يشير الخبراء الى أهمية أجهزة الكمبيوتر العملاقة التي تضيف قدرات جديدة إلى منظومات الأسلحة، فإن ثورة المعلومات تؤدي أيضاً دوراً أساسياً في تصميم هذه الأسلحة وفي تدريب الجنود والقادة، فتكنولوجيا المحاكاة تقوم بإحداث ثورة في الطريقة التي يقوم بها المهندسون بتصميم الأسلحة الجديدة واختبارها.
وتكنولوجيا المحاكاة هذه نفسها يمكن أن تستخدم على نطاق يزداد اتساعاً على المنظومات العسكرية، وهذه المحاكاة تقلل من تكاليف التطوير ووقته، وتضمن أن يكون أول نموذج يتم تصنيعه أقرب إلى التصميم النهائي.

تسعى القوات المسلحة إلى محاكاة الواقع الفعلي من خلال تدريبات ومناورات ميدانية، وهي تقضي معظم وقتها في التخطيط للعمليات وليس في تنفيذها، وثمة عنصر أساسي في نجاحها في القتال، هو مدى الواقعية التي تستطيع بها أن تتدرب في وقت السلم، علماً أن المحاكاة الكمبيوترية لا تستطيع أبداً أن تحل محل التدريب الميداني، أو أن تبدد ضباب الحرب بصورة كاملة.

 

أميركا وواقع الحرب الافتراضية

انطلاقاً من المتغيرات الدولية، والتي تنامت كثيراً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في الولايات المتحدة الأميركية وإعلان الحرب على الإرهاب، برزت أهمية تكنولوجيا التدريب بالواقع الافتراضي بهدف تحقيق أعلى درجات الاستعداد القتالي للقوات المسلحة الأميركية، والوصول بها إلى مستويات متقدمة في الأداء، وتنفيذ المهام العسكرية على مسارح عمليات لم يتم التعامل معها من قبل، لتحقيق الأهداف المخطط لها. فرضت تكنولوجيا «الواقع الافتراضي» نفسها في القوات المسلحة الأميركية، ورصد الكونغرس الأميركي ميزانيات ضخمة لتطويرها وتحديثها بصفة مستمرة، خصوصاً عندما وجدت أميركا نفسها مضطرة إلى إيفاد قواتها المسلحة إلى خارج أراضيها في مهام قتالية، لتحقق أهدافاً محددة، في ظروف مختلفة، وفي دول لم يتدرب جنودها من قبل، مع ما يعنيه ذلك من تباين في الأحداث والمناخ وطبيعة البشر وعاداتهم وسلوكهم وثقافاتهم. لذلك أجرت القوات المسلحة الأميركية خلال العامين الأخيرين، واحدة من أوسع وأكثر التدريبات العسكرية تعقيداً من نوعها، فقد كان هناك آلاف من الجنود الأميركيين، بعضهم مسلح بأجهزة كومبيوتر يدوية وهم يحاربون في معارك وهمية في أنحاء البلاد، في محاولتهم لتقليد ومحاكاة العمليات العسكرية الرئيسة التي يمكن أن تحدث في المستقبل القريب.

وفي نظرة خاطفة على الكيفية التي ستكون فيها العمليات العسكرية، قام القادة العسكريون بتنسيق معارك وهمية من خلال الكومبيوتر المحمول، الذي تم توصيله بالقيادات الاقليمية الأخرى في 26 منطقة، وذلك عبر شبكة النظام الفضائي السري على الانترنت، وتقديم صورة عامة للعملية العسكرية. ولهذا الكومبيوتر القدرة على استقبال معلومات النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS) المتصل بالأقمار الصناعية، وفي هذه الأثناء يقوم مظليون مع الوحدة 82 المنقولة جواً بالهبوط ليلاً، مجهزين بأدوات وأجهزة يدوية رقمية دقيقة، لا تحدد مكانهم بالضبط وحسب، بل أيضاً تساعدهم على تبادل المعلومات مع القيادة العامة، التي تبعد مئات الأميال حيث يستخدم فيها جنود المشاة التكنولوجيا الجديدة، ويستطيع القائد العسكري مشاهدة الجنود اضافة الى مواقع الأعداء وأهدافهم، في الوقت الحقيقي، كما تظهر الأشعة التي ترسلها طائرات التجسس من دون طيار فوق ميدان المعركة، وبامكانه أيضاً مشاهدة الصور والمعلومات نفسها على جهازه المحمول. هدف هذه التمارين تجربة التكنولوجيا والاجراءات الجديدة، التي ستسمح للقادة بوضع الخطط وأخذ مبادرات العمليات العسكرية الهامة بسرعة.

ولهذا عمدت الشركات المصنعة الى تطوير نظم الحرب التخيلية، ابتداءً بالكمبيوتر، وانتهاءً بنظم المشبهات، لأن «المهنية» المتزايدة للقوات المسلحة تتطلب إعداداً مناسباً ومتقدماً لأغراض التدريب، مع الاستفادة من أحدث التقنيات المتوافرة في هذا المجال، ولذلك تتوافر حالياً المشبهات في كل مجالات النشاط العسكري، فمنها مشبهات التدريب على المهارات الأساسية للمقاتلين، ومشبهات التدريب في قمرة الطائرة، وكذلك مشبهات التدريب على قيادة الدبابة، والتدريب على متن السفينة وغرف المحركات، وعلى الأسلحة الثقيلة والأسلحة الخفيفة، وعلى إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات أو المضادة للطائرات، بما يسمح للجنود بالمحافظة على القدرات ورفع مستويات مهاراتهم وخبراتهم، لأن جميع هذه الأنظمة جعلت من الصورة والخيال واقعاً حياً، حيث ان متطلبات التدريب اتخذت خطوات اكثر واقعية من خلال مشبهات تمثل نظم أسلحة شبه واقعية تشكل ميادين أو أجواء قتالية افتراضية كبيرة، اضافة الى مستشعرات ليزرية لتحديد الهوية والتمييز بين الصديق والعدو.

 

المراجع:
- مجلة الكلية العسكرية، القاهرة خريف 2005.
- مجلة «جند عمان» أيلول 2005.
- الدفاع الوقائي والأمن الجديد - الاستراتيجية الاميركية، دراسة وليم بيري، الواشنطن بوست 9/11/2005.