موضوع الغلاف

الحرب على الألغام في لبنان مستمرة بدعم من الأشقاء والأصدقاء
إعداد: باسكال معوض

العسكريون يواصلون كشف الـخطر المختبئ في حنايا الأرض والقدرات المحدودة لا تثبط عزيمتهم.

الألغام والقذائف غير المنفجرة هي إحدى أبشع مخلفات الحرب. إنها حرب رديفة تزرع الرعب وتصطاد الأبرياء, وأبشع ما فيها أن أدواتها متخفية في باطن الأرض.
أعلن لبنان الحرب على الألغام منذ العام 1990 مع بدء الجيش إنتشاره في المناطق وعمله على إزالة مخلفات الحرب, وإعادة دورة الحياة الطبيعية الى البلاد.
في العام 2000 وبعد إنسحاب العدو الإسرائيلي من مناطق في الجنوب والبقاع الغربي, برزت المشكلة بشكل أكبر, إذ خلّف العدو مئات الآلاف من الألغام والقذائف غير المنفجرة في المناطق التي انسحب منها. إزاء هذا الواقع الذي أدى الى إعاقة أعمال البناء والتنمية وعودة الحياة الطبيعية, إضافة الى سقوط العديد من القتلى والجرحى, كان لا بد من برنامج شامل يضمن حلاً للمشكلة ويضع حداً لمعاناة المواطنين منها.
في 15/4/1998 أنشئ المكتب الوطني لنزع الألغام الذي تولى إدارة وتنفيذ البرنامج الوطني لنزع الألغام. وضع المكتب استراتيجية للعمل تستند على إحصاء المعلومات وتحليلها وتحدد أولويات العمل. وفي مرحلة لاحقة أنشئت مجموعة دعم دولية برئاسة وزير الدفاع, تضم دولاً وهيئات عدة تهتم بموضوع نزع الألغام. والعمل الحثيث مستمر بالتنسيق بين المكتب الوطني لنزع الألغام ومجموعة الدعم الدولية للقضاء على مشكلة الألغام في لبنان.
رئيس المكتب الوطني لنزع الألغام العميد الركن جورج مسعد تحدث بالتفصيل الى “الجيش” شارحاً آليات العمل والمراحل التي أنجزت وتلك التي هي قيد الإنجاز.

 

حملات التوعية

في بداية حديثه, قال العميد الركن مسعد أن الخطة الإستراتيجية تشمل أربعة أطر وهي: نزع الألغام, التوعية من مخاطرها, مساعدة ضحاياها, والتنمية الإقتصادية والإجتماعية في المنطقة المصابة.
أطلق المكتب حملة وطنية واسعة للتوعية من مخاطر الألغام في المناطق المحررة بمشاركة اللجنة الوطنية التي تضم مؤسسات رسمية ومنظمات وجمعيات غير حكومية محلية ودولية, لتوعية المواطنين حول مخاطر الألغام والتخفيف من الإصابات الناتجة عنها.
شملت الحملة مناطق الجنوب والبقاع الغربي, وطالت البلدات بمواطنيها ومدارسها وجامعاتها وجمعياتها.
وقد ظهرت النتائج الإيجابية للحملة بشكل واضح, ففي العام 2000 سجلت 72 إصابة, ثم تدنى العدد في العام 2001 الى 27 إصابة, والى 10 إصابات في العام الحالي.

 

مجموعة الدعم الدولية

على أثـر تفعيـل المكتب الوطني وتلمّس النتائج الإيجابية التـي حققها منذ بدء عمله, تم إنشاء مجموعة الدعم الدولية (ISG) برئاسة وزير الدفاع الأستاذ خليل الهراوي نيابة عن الحكومة, وذلك بهدف الإشراف على الأعـمال وإستقطاب المساعدات الخارجية وتنسيقـها مع الـقدرات الذاتيـة المتـوفرة, وتنسـيق العـمـل مـا بـين الدول لتنـفيذ الخطـة الوطنية الإنسانية الإستراتيجية.
وتضـمّ المجموعـة مختلـف الفرقـاء المهتمـين بمـوضوع الألغـام بدءاً مـن الأمم المتحدة وأجهزتها (اليونيسيف, منظـمة الصحة العالمـية...) والدول المانحـة والمنظـمات غيـر الحكوميـة الأجنبـية والوطنـية, كـما تشـارك في هـذه المجـموعـة 27 دولـة.
وقد انبـثق عن مجموعـة الدعم هذه أربع مجموعـات عمل تهتـم كلّ منها بالمجالات الأربعة التي تندرج في خطـة عمل المكـتب؛ وتجتمـع هذه المجموعات بشكل دوري لتنسيق العمل والتعاون واتخاذ القرارات المناسبة.

 

الدعم العربي

قدمت دول كثيرة دعمها للبنان بواسطة هذه المجموعة وهي مساعدات تقنية ولوجستية تشمل معدات وأجهزة, ووسائل وعتاداً, ومساعدات بشرية تشمل المدربين وتقنيات حديثة, الى المساعدات المالية.
في طليعة هذه الدول الجمهورية العربية السورية التي وضعت في خدمة عملية إزالة الألغام ثلاث سرايا هندسية تتمركز في النبطية وجزين والبقاع الغربي, وتعمل بالتنسيق مع سرايا وحدات الهندسة في الجيش اللبناني.
والإمارات العربية المتحدة قدّمت مساهمة بقيمة 50 مليون دولار أميركي وتولّت بنفسها إدارة وتلزيم مشروع إزالة الألغام تحت إشراف خبراء دوليين وبحضور فنيين من الأمم المتحدة, وبالتعاون مع الجيش الذي يزودها بالمعلومات الفنية.
وتقضي البادرة الإماراتية بتلزيم شركتين أجنبيتين (BACTEC وMINETECH) أعمال كشف وتنظيم حقول الألغام في مناطق محددة من الجنوب. ويدار المشروع الإماراتي تقنياً وإدارياً من قبل مركز التنسيق الفرعي في صور والمؤلف من 3 شركاء متساويين: الأمم المتحدة, الجيش اللبناني ودولة الإمارات العربية المتحدة.
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية, فثمة دراسة لمساهمة مباشرة تقدمها في عمليات نزع الألغام, إضافة لهبة قوامها 50 متحسسة ألغام و400 درع واق وتجهيزات مختلفة لعمليات النزع اليدوي.
كذلك فإن دولة الكويت قدمت مساعدة هي كناية عن مشروع لتزويد الجيش اللبناني ببعض التجهيزات الخاصة بنزع الألغام.

 

الدعم الدولي

يبدأ الدعم الدولي بمنظمة الأمم المتحدة بواسطة نظام IMSMA, وهو قاعدة بيانات لإدارة معلومات تستثمر في مجال نزع الألغام, الذي يعمل به حالياً في المكتب الوطني لنزع الألغام. كذلك فإن المسح التقني رقم 2 ­ لمناطق محددة في جنوب لبنان تم بتمويل من الأمم المتحدة والحكومة النروجية, وقامت الكتيبة الأوكرانية التابعة لقوات “حفظ السلام الدولية” في الجنوب بمسح نحو 240 حقل ألغام حدودي.
أما الولايات المتحدة الأميركية فدورها الأساسي يستند الى تقديم الدعم التقني للجيش, بحيث تتركز المساعدة على تعليم تقنيات متخصصة, وتدريب على وسائل حديثة ومتطورة وأكثر فعالية لنزع الألغام. فإضافة الى برنامج استعمال الكلاب كاشفة الألغام ووهبها 18 كلباً من هذه الفصيلة للجيش اللبناني, قدمت الدولة الأميركية 6 صحيات ميدانية وعتاداً طبياً لإسعاف مصابي الألغام, و7 آليات لنقل النقابين, و35 متحسسة ألغام ألمانية, وبزّات واقية وعتاداً خاصاً لنزع الألغام. وهي تدعم أيضاً بشكل كبير حملات التوعية بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية. وتعنى الحكومة الأميركية على وجه الخصوص بتدريب عناصر الجيش على إستعمال الآلات الحديثة وتدريبهم على التقنيات والوسائل الأسرع والأكثر فعالية في ميدان نزع الألغام في العالم.

 

الدعم الأوروبي

قدّم الإتحاد الأوروبي تمويلاً قدره مليون وستمئة ألف يورو لاستكمال مشروع “عمل إنساني لنزع الألغام HMC” في الجنوب اللبناني وتمويلاً آخر وقدره مليون و594 ألف يورو للمسح التقني.
اليونان بدورها كانت لها مساهمة بـ3.2 مليون يورو لتنفيذ مشروع HMC في الجنوب وتحديداً في النبطية.
وتقضي المساهمة النروجية بإعطاء الجيش اللبناني وسائل ميكانيكية(MINE CAT230) في آب 2003, مع مشروع قيد الدراسة لإنشاء شركة لبنانية ­ نروجية تعنى بالوسائل الميكانيكية المذكورة ليصبح لبنان مركزاً لـ31 دولة في العالم من حيث مبيعات هذه الوسائل وصيانتها والتدريب عليها.
أما الدولة الإيطالية فقد قامت بدورها بعملية نزع الألغام في “طير حرفا” في العام الماضي, وفي الخيام في العام الحالي. كما قدمت 23 متحسسة ألغام و18 بزة وقائية.
ووقّعت الحكومتان الفرنسية واللبنانية على بروتوكول يقضي بتدريب 100 عنصر من الجيش اللبناني لمدة خمس سنوات بمعدل 20 عنصراً كل سنة. كا قدّمت هبة هي عبارة عن 7 متحسسات للألغـام, وساهمـت بتدريـب مجموعـة خبـراء متفـجرات وذخائر.
وخصصت الدولة الأوسترالية مبلغ 100 ألف دولار أوسترالي لتدريب 6 ضباط لبنانيين على إدارة تأمين النوعية, وقدمت 5 متحسسات وستة أجهزة GPS كما وضعت 10 متحسسات بتصرف الجيش اللبناني.
كوريا بدورها ساهمت بهبة بقيمة مئة ألف دولار أميركي لتأمين معدات لصالح فوج الهندسة في الجيش اللبناني.
أما اليابان فهبتها بلغت 93 ألف دولار أميركي تقريباً لصالح الجيش اللبناني عن طريق اللجنة الدولية.
أيضاً أسهم المجلس الكنسي العالمي بتدريب عسكريين من الجيش اللبناني لاستعمال نظام الـIMSMA.
 وقدمت الحكومة الألمانية 20 متحسسة و12 بزة واقية مع خوذ وأدوات لنزع الألغام و100 علامة تنبيه بوجود ألغام. ويجري العمل على مشروع تقدم بموجبه10 متحسسات ألغام.
في روسيا وإسبانيا يجري تدريب 22 نقاباً على نزع الألغام, فيما قدّمت الحكومة الأوكرانية 20 متحسسة مع التحضير لبرنامج تدريب عليها. كما يجري العمل أيضاً مع الحكومة الكندية لتنفيذ مشروع برنامج الكلاب كاشفة الألغام وتقديم 3 منها كهبة للجيش. الى ذلك ثمة مشروع قيد الدراسة تساهم من خلاله باكستان في عمليات نزع الألغام.

 

تحديد الحاجات وتنسيق العمل

يحدد الجيش اللبناني حاجاته, وينسق مع الدول المانحة لتلبية هذه الحاجات, حيث يتم تقديم الهبات عينياً للجيش من دون أن يتعاطى مباشرة بشراء المعدات أو باستلام الأموال من أية جهة أتت.
ويركز الجيش بإتصالاته غير المباشرة مع الدول المانحة, على تقوية قدراته الذاتية لأن هذا من شأنه زيادة الإنتاجية وتسريع وتيرة العمل وإعطاء الأمان والثقة بالعمل المنفذ.
ووفقاً للخطة التي كان قد وضعها المكتب الوطني لنزع الألغام, كان من المفترض إنجاز تنظيف الأراضي اللبنانية من الأجسام المشبوهة خلال 5 سنوات (من 2001 حتى 2006). غير أن العملية قد تستغرق نحو 10 سنوات نظراً للمعطيات الحالية. مع ذلك فثمة أمل بتقصير المهلة التي يستلزمها العمل في ظل توقع تحسن القدرات وتطورها.
أخيراً, على الرغم من الدعم الذي توفر للبنان في مجال نزع الألغام, فإن تنفيذ العمل البالغ الصعوبة والخطورة, يظل على عاتق العسكريين الذين يعملون على الأرض ويقارعون الخطر. وقد سقط منهم نتيجة ذلك العديد من الشهداء والجرحى.
وإذ تعتبر القدرات المتوافرة للجيش في مجال نزع الألغام حتى اليوم محدودة نظراً لحجم المشكلة وتعقيداتها, فإن العناصر الذين يضطلعون بالعمل أثبتوا قدرة كبيرة على تخطي المصاعب والعقبات. ومن خلالهم أثبت الجيش مرة جديدة أن لا شيء يعيقه عن أداء واجباته.


أعمال نزع الألغام في الفصل الثاني من العام 2002

ضمن الخطة الموضوعة التي ينفذها الجيش اللبناني بالإشتراك مع مجموعات الدعم الهندسي التابعة للجيش العربي السوري الشقيق ومشروع التضامن الإماراتي ومؤسسات دولية أخرى غير حكومية, تم خلال الفصل الثاني من عام 2002 وفي مختلف المناطق اللبنانية إنجاز الأعمال الآتي ذكرها:
­ - تنظيف مساحة 656371 متراً مربعاً من البقع المشبوهة.
­ - نزع وتفجير 4609 لغماً مضاداً للأشخاص والآليات.
­ - نزع وتفجير 2651 قذيفة وصاروخاً وعبوة وجسماً مشبوهاً.
ويواصل الجيش اللبناني ­ المكتب الوطني لنزع الألغام, تنفيذ حملات الإرشاد والتوعية بالتعاون مع اللجنة الوطنية للتوعية من مخاطر الألغام عبر إقامة الندوات والمحاضرات, حيث شرع بتنفيذ المرحلة الثالثة من الخطة الموضوعة, وقد شملت حتى تاريخه توعية نحو 200 ألف طالب في 800 مدرسة ونحو 300 ألف مواطن في 250 قرية موزعة على مختلف المناطق اللبنانية, وخصوصاً في مناطق الجنوب والبقاع الغربي وراشيا.
هذا وتكرر قيادة الجيش تحذيرها المواطنين, خصوصاً في المناطق المحررة, من الإقتراب من أي جسم غريب وتدعوهم الى إبلاغ أقرب مركز عسكري عنه, كما تدعوهم الى الإستفسار من المراكز العسكرية عن المناطق التي يرغبون التجول داخلها بهدف الإستثمار الزراعي أو القيام بأي نشاط آخر, وذلك لجهة إحتمال وجود ألغام وأجسام مشبوهة فيها حفاظاً على سلامتهم.

ألغام من مخلفات الحرب العالمية الثانية

منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم, تعاني فرنسا وهي إحدى الدول الكبرى في المجتمع الدولي, من مشكلة الألغام العالقة في منطقتي الألزاس واللورين. وقد أقفل قسم من هاتين المنطقتين بسبب وجود ألغام وأجسام مشبوهة مختلفة على أرضهما. وتعمل الدولة الفرنسية بمساعدة الأمم المتحدة وبرامج نزع الألغام الدولية على التخلص من المشكلة العالقة للألغام والتي دامت لمدة طويلة, ولا تزال.
كذلك فإن مخلفات الحرب العالمية الثانية لا تزال آثارها “اللغمية” باقية في الصحراء الكبرى بين مصر وليبيا حتى زمننا الحاضر, وهنالك مساع حثيثة ودائمة لإزالة الأجسام المشبوهة الرابضة في الأراضي الصحراوية.

 

نصـف مليـون لغم في لـبنـان

أحصي في لبنان وجود نحو 2721 حقل ألغام, تمّ تنظيف نحو 500 منها حتى اليوم في المناطق كافة. كما أحصي في منطقتي الجنوب والبقاع الغربي وحدها وجود 1870 حقلاً نظّف منها 170 حقلاً تقريباً. وتحوي حقول الألغام اللبنانية قرابة الـ550 ألف لغم, قام العدو الإسرائيلي بزرع 435 ألفاً منها خلال فترة إحتلاله للمناطق الحدودية.

الوحدات العاملة على الأرض

يبلغ عديد الجيش العامل في ميدان نزع الألغام 4 سرايا قتال هندسة عملانية منتشرة في النبطية وجزين والبقاع الغربي وفي جبل لبنان والبترون, وتضم 300 نقّاب. وهنالك أيضاً سرية لخبراء الذخائر والمتفجرات (25 خبيراً), وأخرى للقيادة والخدمة.
أما العتاد فيضم 150 كاشفة ألغام مع بزّات ونظارات وخوذ واقية, ومجموعة تجهيز لذخائر ومتفجرات مع بزّات واقية, و18 كلباً كاشفاً للألغام و6 سيارات إسعاف خاصة بمصابي عمليات نزع الألغام.

حياتهم على أكفّهم وقلوبهم مع أشقائهم اللبنانيين:
عسكريون من الجيش العربي السوري الشقيق يساهمـون في عمليات نزع الألغام من الأراضي اللبنانية.

يداً بيد مع الجيش اللبناني, يقوم الجيش العربي السوري الشقيق بالمساهمة بعمليات نزع الألغام من الأراضي اللبنانية, والتي زرعها العدو الإسرائيلي أثناء احتلاله لمنطقتي الجنوب والبقاع الغربي.
ويتآزر الجيشان في هذه العملية منذ صدور القرار بذلك في الثالث والعشرين من كانون الثاني في العام 2001, حيث قسّم عديد الجيش السوري المشكّل الى فوج الهندسة الى ثلاث مجموعات متمركزة على الأرض:
المجموعـة الأولى تعمـل مع سريـة القتال الأولى لفـوج الهندسـة وقوامها ثلاثـة ضباط و35 رتيباً وفرداً سورياً, وتتمركز في منطقة النبطية في ثكنة عصام شمعون حيث بدأت عملها في الخامس من أيار العام الماضي في مختلف البلدات المحيطة والمنتشرة في قطاع عمل الثكنة.
أما المجموعة الثانية فتمركزت منذ الثالث والعشرين من نيسان العام الماضي في منطقة جزين في ثكنة كفرفالوس, حيث تعمل جنباً الى جنب مع ضباط وأفراد سرية القتال الثانية. وتضم هذه المجموعة 5 ضباط و45 عنصراً من الجيش العربي السوري.
وفي أول شباط من العام 2001, بدأت المجموعة السورية الثالثة تعمل مع سرية القتال الثالثة في منطقة راشيا وتحديداً في بلدة كوكبة أبو عرب, وضمت سبعة ضباط و98 عنصراً من الجيش العربي السوري.
أما في قيادة فوج الهندسة في الحازمية, فيؤازر الضباط اللبنانيين خمسة ضباط سوريين منذ أول شباط من العام الماضي, حيث يشرفون على عمل المجموعات الثلاث.
ولتنفيذ العمل على أكمل وجه, جرى تنظيمه على أساس الأولويات, تتعلّق الأولى منها بنزع الألغام بداية عن المحاور والطرقات الرئيسية لربط المناطق ببعضها, وتنظيف الأماكن السياحية والسكنية لإعادة المواطنين المهجرين وتسهيل أعمال البنى التحتية؛ أما الأفضلية الثانية فهي تنظيف الأماكن الزراعية, لإعادة إحياء القطاع الزراعي في المناطق المحررة. وختاماً فإن تنظيف الأراضي الجرداء والبعيدة عن المناطق المأهولة يعتبر أفضلية ثالثة.

 

فوج الهندسة

إن فوج الهندسة هو أحد القطع الأكثر حيوية ونشاطاً في الوقت الراهن, فمنذ الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي, ازدادت الحاجة إليه بشكل مضطرد لتأمين بدايات عودة الأهالي المهجرين من تلك المناطق؛ ذلك أن الألغام التي زرعت أثناء تمركز الجيش الإسرائيلي في مختلف المواقع والبلدات, دقّت ناقوس الخطر وأعلنت حالة طوارئ في المناطق المحررة كافة, ما دعا الى تسريع وتيرة عمل فوج الهندسة, وإنتشار كثيف لعناصره وآلياته للعمل على تأمين تنظيف أولي للألغام في محيط البيوت المأهولة والطرقات الرئيسية.
يعمل عناصر الفوج في مختلف المناطق اللبنانية, وحيثما تستدعي الحاجة. هذا ما أشار إليه قائد فوج الهندسة المقدم رولان أبو جودة الذي تطرق الى المشاكل التي يواجهها الفوج في عملية نزع الألغام, فحددها أولاً في كثافة حقول الألغام وتنوعها وإنتشارها على مساحات واسعة وتعدد أنواع وكميات الألغام؛ كما أنه ليس هنالك خطائط زرع لعدد لا يستهان به من حقول الألغام, فنحن نجد حتى اليوم بقعاً ملغومة غير معتلمة. كذلك, فإن طبيعة الأرض اللبنانية المتعرّجة والصخرية تجعل من عملية نزع الألغام مهمة صعبة نوعاً ما. لكن المساعدات المادية والبشرية التي تقدّم بواسطة المكتب الوطني لنزع الألغام تساعد على تسريع وتدعيم وتيرة العمل.
أما المراحل الثلاث لنزع الألغام كما حددها المقدم أبو جودة فهي:
­ أولاً: المسح على المستوى رقم 1, وهو يقضي بتحديد مكان الحقل المشبوه ووصفه وانعكاسه الإقتصادي ­ الإجتماعي (أي جهة إستعماله) وتحديد الوسائل اللازمة لتنظيفه.
­ أما المسح على المستوى رقم 2, فهو عبارة عن مسح تقني يحدد حدود الحقل بمعالم إحاطة ويتمّ تسييج الحقل ووضع لافتات حوله.
­ وهنالك مسح المستوى رقم 3, وهو يقضي بتنظيف الحقل من الألغام بالوسائل اللازمة, ثم في النهاية رفع إفادة نزع, وإجراء تحقق للتأكد من جودة النوعية؛ مع الإشارة الى أنه يتم خلال المراحل الثلاث التحقق من نوعية العمل.
ولنزع الألغام من الحقول الملغومة, يتابع المقدم أبو جودة قائلاً: هنالك ثلاث طرق, الأولى يدوية وتقضي بسبر وتحسس بواسطة النقّابين وحرباتهم ومعاولهم, والثانية ميكانيكية وتستخدم فيها كاسحة الألغام وهي تستخدم عند حصر مساحة الحقل المنوي تنظيفها أو للتأكد من جودة النوعية في النهاية أو عند بدء العمل بها. أما الطريقة الثالثة فهي استخدام الكلاب الكاشفة للألغام وهي أيضاً تعمل ضمن حقل محصور وغايتها أيضاً التأكد من جودة النوعية.
في بعض الحالات, وأثناء العمل في حقل للألغام نستخدم طريقتين على الأقل, وفي أحيان أخرى يحتاج تنظيف بعض الحقول للطرق الثلاث, وذلك بحسب ما يرتأيه المسؤول المباشر وغير المباشر عن الحقل. وختم قائد فوج الهندسة حديثه بالإشارة الى أن فوج الهندسة يعمل حالياً في مختلف المناطق اللبنانية, وهو يعمل بشكل متواصل على كشف وتنظيف حقول الألغام والبقع المشبوهة من المناطق المحررة في الجنوب والبقاع الغربي. وتتواجد ورشات عمله في الوقت الراهن في المناطق التالية: مركبا, كفررمان, الطهرة, الخيام, الطيري, دير ميماس, مرجعيون, أرنون, جزين, كفرفالوس, حرش جزين, حرش بكاسين, ايتولي, تلة الروسية, جباع, جرود العاقورة, أرز نيحا, المدفون, ينطا, حاصبيا, سوق الغرب, عيتات, النورماندي, اليموني.

 

مهمة إنسانية

تعمل المجموعات اللبنانية والسورية المشتركة في عملية نزع الألغام بعتاد مشترك هو عبارة عن 136 مسباراً أو حربة و33 متحسسة ألغام و4 كاسحات ألغام و59 بزة كاملة للنقّابين. أما وسائل النقل فتشمل 21 سيارة جيب أو بيك أب, و12 شاحنة مع 3 آليات هندسية مختلفة وثماني صحيات منتشرة على حقول العمل كافة.
وللإطلاع على تفاصيل ودقائق العملية على الأرض, توجهنا الى مقر سرية القتال الأولى في ثكنة النبطية, وهي بقيادة النقيب بيار بو مارون من فوج الهندسة الذي قام بمرافقتنا الى أحد المواقع الهامة التي يعمل فيها عناصر من الجيشين اللبناني والسوري, وهو موقع الطهرة حيث كان للعدو الإسرائيلي فيه سابقاً مركز مراقبة إستراتيجي.
وبعد أن شرح لنا النقيب بو مارون كيفية تنسيق العمل على الأرض وتوزيع المجموعات في مختلف المناطق, والأولويات المتبعة لتنفيذ عمليات نزع الألغام, وصلنا حاملين أسئلتنا الى الضابط السوري المسؤول في الموقع وهو الرائد أحمد نصر, الخبير في الإزالة والتفجير والذي حدثنا بداية عن العمل في هذا الحقل قائلاً: “إن مهمتنا اليوم هي إزالة الألغام من هذا الحقل لمساعدة إخواننا في الجيش اللبناني, وهي مهمة إنسانية أولاً وأخيراً. ويعتبر حقل الألغام هذا من أكثر الحقول تعقيداً, لأن العدو الإسرائيلي قد زرعه بالألغام بشكل عشوائي, أي خلف الصخور والممرات الإجبارية, ومن دون مراعاة المسافات, وكل ذلك بهدف الإمعان في الإيذاء. وتجدر الإشارة الى أنه لا توجد أية خريطة تدل على أمكنة الألغام في الحقل”.

جاهزون 24 على 24 ساعة

أما عن طريقة ودوام العمل, فيقـول الرائـد نصر: “نبدأ العمـل في السابعة والنصف صباحـاً وحتى الثانية من بعـد الظهر, ويتـناوب العناصر بحيـث يعمـل كل منهم لمدة تراوح بين 30 و45 دقيقة متواصلة, فيما يبقى الضابط المسؤول حاضراً من بداية العمل وحتى نهايته. كما أننا وإضافة للدوام العادي, نبقى جاهزين 24 ساعة متواصلة على غرار إخواننا في الجيش اللبناني لتلبية أي طارئ قد يحصل”.
ويتابع الرائد نصر شارحاً: “يعتبر كل شيء داخل الحقل مشبوهاً, لذا يعمل النقّابون بحذر ودقة كاملين حيث لا مكان لأي إهمال أو قلة انتباه. إن تنظيم العمل وتطبيق إجراءات الأمن والمتابعة الدائمة من قبل الضابط للنقابين في الحقل, هي شروط مهمة للغاية تتضافر لتؤمن نجاح عملية نزع الألغام”.
وعن وتـيرة العـمل, يقول الرائد نصر: “يتم في هذا الحقل يومياً تنظيف حوالى 250 الى 300 متر مربع من الأراضي المشبوهة إذا لم يتم العثور على ألغام؛ ويتغير هذا الرقم بحسب كثافة ونوعية الألغام وعدد النقابين اللبنانيين والسوريين العاملين في الحقل.
والجدير ذكره أن الألغام التي يجري العثور عليها هنا هي من نوع “4- ­أ” مضاد للأشخاص وهو لغم إسرائيلي مئة بالمئة”.

 

تنسيق كامل في العمل

أما عن خبرة العناصر, فقد شرح الضابط السوري “أن العناصر السوريين المشاركين خضعوا لدورات هندسة نزع الألغام والمتفجرات في بلادنا قبل حضورهم الى لبنان, وهم مؤهلون للعمل على أي جسم مشبوه.
إلا أنه ولتأمين عملية إندماج كاملة ارتأت القيادتان خضوعهم لدورة ميدانية في لبنان, وذلك بهدف تأمين التنسيق الكامل وتوحيد طرائق العمل واستيعاب الأوامر التي تصدر عن الضباط كافة”.
وفي النهاية, تمنّى الرائد نصر “إنجاز المرحلة بنجاح من دون حصول أية حوادث, وأن يكون الفريقان عند حسن ظن القيادتين بهما. عملنا مساعدة إنسانية لأشقائنا اللبنانيين لدرء الخطر المجهول الذي تمثله ألغام العدو المزروعة في أرض لبنان. نحن نعمل بتنسيق وإنسجام تامين دفاعاً عن أرض عزيزة, لذا فإن إنتاجيتنا أكبر وأحسن من أي شركات أو مؤسسات أخرى لأننا نعمل من القلب لحماية القلب”.

 

معنويات عالية وأعصاب حديدية

عن تجربته في ميدان نزع الألغام على الأراضي اللبنانية, تحدث العسكري السوري المجند أحمد خلف قائلاً: “إن المعنويات عالية جداً, فعملنا, إذا اتخذنا كامل الإحتياطات اللازمة, هو سهل نوعاً ما لمن يتقنه؛ ونحن سعيدون به في لبنان حيث نشعر أننا متضافرون ومتحدون ضـد عدوّنا المشتـرك: اللغـم الإسرائيلـي, وما يمثله من عدوانيـة سافرة ضد الحياة”.
أما العسكري السوري المجنّد هشام حمدي فبادر بالقول: “أعصابنا حديد, ونشعر بالأمان والثقة لأننا, لبنانيين وسوريين, جنباً الى جنب. لقد توقعنا الأصعب, لكن الصعوبات ذُلّلت أمام شعور الأخوّة والفخر لقدرتنا على مساعدة الوطن الشقيق لبنان, من اجل تنظيفه من الآثار البشعة التي خلفّتها نفوس شريرة لإيذاء الأبرياء”.