الحرب على الارهاب و القانون الدولي الانساني

الحرب على الارهاب و القانون الدولي الانساني
إعداد: د. عصام سليمان
استاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية

مقدمة

الارهاب كعمل عنفي يولّد الخوف والهلع والرعب، ويودي احياناً بحياة الناس، وهو ظاهرة قديمة عرفت منذ فجر التاريخ، غير انه شكّل عاملاً مؤثراً في العلاقات الدولية في القرن العشرين، وبخاصة في الحرب العالمية الثانية وما رافقها من مجازر ذهب ضحيتها ملايين الابرياء، وكان من نتائج ذلك وضع اتفاقيات جنيف للعام 1949 التي تشكل، مع البروتوكولات الملحقة بها والاتفاقيات بشأن حقوق الانسان في النزاعات المسلحة، ما يسمّى بالقانون الدولي الانساني. وقد عادت الاعمال الارهابية للظهور على المسرح الدولي في أواخر الستينات من القرن الماضي، ما دفع بالكثيرين لوضع دراسات وأبحاث حول الارهاب والارهاب المضاد، وأحصي الآلاف من هذه الدراسات والأبحاث، وترافق ذلك مع اهتمام كبير من قبل الامم المتحدة بمكافحة ظاهرة الارهاب الدولي، فتم وضع العديد من الاتفاقيات الدولية بهذا الشأن، وذلك منذ مطلع السبعينات. غير ان الاعمال الارهابية كانت تخفت حيناً لتعود بقوة على المسرح الدولي، حتى بلغت اوجها في 11 ايلول من العام 2001، وبطرق مبتكرة لم تخطر بالبال، حين استخدمت الطائرات المدنية التي تم الاستيلاء عليها، لتدمير البرجين العملاقين في نيويورك وأحد مباني وزارة الدفاع الاميركية، وقتل الآلاف المدنيين اضافة الى بعض العسكريين. وأدى ذلك الى اعلان الولايات المتحدة الحرب على الارهاب بمختلف اشكاله، فشنّت الحرب على نظام طالبان في افغانستان حيث يوجد تنظيم القاعدة الذي اعتبر مسؤولاً عن عملية 11 ايلول ،كما شنّت في ما بعد الحرب على نظام صدام حسين في العراق، متهمة اياه بامتلاك سلاح الدمار الشامل، وبارتكاب اعمال ارهابية ضد فريق من شعبه وضد شعوب دول المنطقة.

يشكل الارهاب دون ادنى شك انتهاكاً لحقوق الانسان، ويتسبب بعدم استقرار على الصعد كافة، من هنا ضرورة مكافحته ومعالجة اسبابه. فالقضاء على ظاهرة الارهاب من دون معالجة الاسباب الكامنة وراءها، لا يشكل ضمانة لعدم بروز الارهاب من جديد عندما تصبح الظروف ملائمة. ومكافحة الارهاب بحد ذاتها يمكن ان يعتريها الكثير من الشوائب الناجمة عن عدم التمييز بشكل واضح ودقيق بين ما هو عمل إرهابي وما هو عمل غير إرهابي، من ناحية، وعن عدم التقيّد بالأصول والقواعد والضوابط  المفترض التقيّد بها في اطار الاعمال الأمنية والعسكرية المعتمدة في محاربة الارهاب. وهذا يطرح إشكالية العلاقة بين الإرهاب والحرب على  الارهاب، لأن الحرب على الارهاب اذا لم يجر ضبطها تتحول الى إرهاب، فتدخل البشرية في دوامة الارهاب والارهاب المضاد.

مرّت مكافحة الارهاب بمرحلتين من حيث الوسائل المستخدمة والانعكاسات المباشرة لاستخدام هذه الوسائل. ففي مرحلة ما قبل 11 ايلول من العام 2001، جرت مكافحة الارهاب عن طريق اتفاقيات دولية عهد بتنفيذها للدول الموقّعة عليها، اما بعد 11 ايلول، فقد اخذت مكافحة الارهاب شكل التدخل العسكري المباشر من قبل الولايات المتحدة الاميركية والدول المتحالفة معها في هذا المجال، وخرجت العمليات العسكرية احياناً عن إطار الشرعية الدولية، بحيث انها لم تأت نتيجة قرارات صادرة عن الامم المتحدة وتحت اشرافها. وهذا ما استدعى المطالبة بالالتزام بقواعد القانون الدولي الانساني في محاربة الارهاب.

 

أولاً­ الارهاب وحقوق الانسان

ما يبرر الحرب على الارهاب هو ما يؤدي اليه الارهاب من انتهاك لحقوق الانسان؛ فالاعمال الارهابية تحرم الانسان من التمتع بمختلف الحقوق التي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية الراعية لهذه الحقوق، وقد يصل ذلك الى حد حرمان الانسان من حقه في الحياة وهو اكثر الحقوق التصاقاً بالانسان.

 

1- اتفاقية جنيف لمنع الارهاب للعام 1937

تحت تأثير الاعمال الارهابية التي طالت المسؤولين في بعض الدول جرت مساعٍ دولية، منذ الثلاثينات من القرن المنصرم، لوضع اتفاقيات دولية لمنع الارهاب والمعاقبة عليه. ففي العام 1934 اغتيل الكسندر الاول ملك يوغسلافيا، ورئيس وزارء فرنسا لويس بارتو Louis barthou في مرسيليا اثناء زيارة رسمية كان يقوم بها الأول لفرنسا. وأثار الحادث ردود فعل عنيفة في اوروبا ، وقدمت الحكومة اليوغسلافية احتجاجاً الى عصبة الامم مطالبة بإجراء تحقيق عاجل، كما تقدمت الحكومة الفرنسية بمذكرة الى العصبة ايضاً تتضمن المبادئ التي يمكن ان تشكل الأساس لاتفاقية دولية لقمع الجرائم التي ترتكب بهدف تحقيق اغراض سياسية، او لمجرد الارهاب. وقد عقد في جنيف مؤتمر دولي في العام 1937 تمّ التوصل فيه الى اتفاقية دولية لمكافحة الارهاب الدولي. وقد حثت ديباجة الاتفاقية الاطراف المتعاقدة على اتخاذ اجراءات فعّالة لمنع ومعاقبة جرائم الارهاب ذات الطابع الدولي. وفي المادة الاولى تعهدت الدول الاطراف بالامتناع عن كل فعل من شأنه تشجيع الأنشطة الارهابية، ومنع الاعمال الارهابية الموجهة الى اية دولة اخرى ومعاقبة مرتكبيها، وان يكون هناك تعاون في ما بينها في سبيل تحقيق ذلك. وفي الفقرة الثانية من المادة نفسها حددت الاتفاقية المقصود بأعمال الارهاب بانها الاعمال الاجرامية الموجهة ضد دولة ما  وتستهدف او يقصد بها خلق حالة رعب في اذهان اشخاص معنيين او مجموعة من الاشخاص او عامة الجمهور.

يتضح مما تقدم انه من الضروري، طبقاً لأحكام الاتفاقية، توافر عدة شروط في العمل الارهابي، لكي تنطبق عليه الاحكام الواردة في اتفاقية جنيف. ومن هذه الشروط ان يكون العمل الارهابي من النوع الذي يدخل ضمن الافعال الاجرامية الواردة في الاتفاقية والتشريعات العقابية الوطنية، وان يوجه الفعل بطريقة مباشرة او غير مباشرة الى الدولة؛ فالأفعال الموجهة ضد الافراد لا تدخل في نطاق تطبيق الاتفاقية. وتتناول الاتفاقية في مادتها الثانية أمثلة لبعض الافعال التي تعدّ من الاعمال الارهابية ذات الطابع الدولي، وهي أيّ فعل عمدي يتسبب في موت او إحداث اصابة جسدية جسيمة او فقدان حرية اي من. رؤساء الدول والقائمين بأعمالهم او ورثتهم او خلفائهم، وزوجات وأزواج اي من الفئات السابقة، والأشخاص الذين يتولون مسؤوليات عامة اذا وجهت هذه الافعال اليهم بصفتهم هذه ([1]).

 

2- الاتفاقية الاوروبية لقمع الارهاب

في العام 1977 وضعت الاتفاقية الاوروبية لقمع الارهاب بهدف القضاء على ظاهرة الارهاب الدولي التي اجتاحت اوروبا في اوائل السبعينات، وتهدف الى المساهمة في قمع افعال الارهاب عندما تشكل اعتداء على الحقوق والحريات الاساسية للاشخاص. وقد نصت الاتفاقية على ان جريمة الارهاب هي من الجرائم التي وردت في اتفاقية قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات الموقعة في لاهاي سنة 1970، والجرائم التي وردت في اتفاقية قمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني الموقعة في مونريال سنة 1971، والجرائم الخطيرة التي تمثل اعتداء على الحياة او السلامة الجسدية او حرية الاشخاص ذوي الحماية الدولية، بما في ذلك المبعوثين الديبلوماسيين، والجرائم التي تتضمن الخطف وأخذ الرهائن او الاحتجاز غير المشروع للافراد، والجرائم التي تتضمن استخدام القذائف والقنابل اليدوية والصواريخ والاسلحة النارية او الخطابات او الطرود الخداعية.

وأكدت الاتفاقية الاروروبية بصفة خاصة على اهمية مبدأ تسليم مرتكبي الاعمال الارهابية كأحد العناصر الاساسية لضمان فعالية الاتفاقية وتحقيقها للنتائج والاهداف المرجوة. وتجدر الاشارة الى ان الاتفاقية لا تمنح الدول حرية الاختيار بين التسليم والمحاكمة، فالأولوية هي دائماً للتسليم، ولا ينعقد الاختصاص القضائي لمحاكم الدولة المعنية الا في الحالات التي يستحيل فيها تسليم المتهم الى الدولة التي ارتكب العمل الارهابي في اقليمها. فالاتفاقية تحبذ محاكمة مرتكبي الافعال الارهابية امام قضاء الدولة التي ارتكبت الجريمة في اقليمها باعتبار انه صاحب الاختصاص الطبيعي للنظر فـي مثل هذه الجرائم ([2]).

 

3- المواثيق الخاصة بمنع اعمال الارهاب الموجهة ضد الافراد والاشخاص المتمتعين بحماية دولية ومعاقبة مرتكبي هذه الاعمال.

لم تقف الاعمال الارهابية عند حدود الاعمال الموجهة ضد الدول، بل امتدت لتشمل خطف الابرياء واحتجازهم كرهائن طلباً لفدية او للضغط على الحكومات تحقيقاً لمطلب سياسي. كما تفشت ظاهرة خطف الممثلين الديبلوماسيين والاعتداء عليهم واعدامهم اذا لم تقم الحكومة الموفدة او المضيفة بتنفيذ مطالب الخاطفين. ومن البديهي ان القانون الدولي يقرر حصانة وحماية خاصة للمبعوثين الديبلوماسيين، كما ان الاعمال التي توجه ضدهم تعد جرائم يعاقب عليها القانون الوطني في كل الدول.

وقد شهدت السبعينات من القرن المنصرم جهداً دولياً بهدف مكافحة هذه الجرائم وتشديد العقاب على مرتكبيها، وتم التوقيع على ثلاث اتفاقيات دولية بهذا الشأن وهي:

أ ­ اتفاقية منع اعمال الارهاب التي تأخذ شكل الجرائم ضد الأشخاص، وأعمال الابتزاز المرتبطة بها ذات الاهمية الدولية، ومعاقبة مرتكبي هذه الاعمال، وقد وقّعت فـي واشنطن بتاريخ 2 شباط من العام 1971.

وجاء في هذه الاتفاقية ان الدول المتعاقدة تلتزم بالتعاون في ما بينها واتخاذ الاجراءات الفعالة التي تراها مناسبة طبقاً لقوانينها وتشريعاتها الجنائية، مع إيلاء اهمية خاصة لتلك الواردة في الاتفاقية لمنع الاعمال الارهابية ومعاقبة مرتكبيها، وخصوصاً الخطف والقتل والاعتداءات الاخرى الموجهة ضد حياة وسلامة اشخاص تلتزم الدولة، طبقاً للقانون الدولي، بتوفير حماية خاصة لهم، وكذلك ضد اعمال الابتزاز المرتبطة بهذه الجرائم. كما تلتزم الدول المتعاقدة بادراج هذه الجرائم في تشريعاتها العقابية ([3]).

ب ­ اتفاقية منع الجرائم الموجهة ضد الاشخاص المتمتعين بحماية دولية، بما في ذلك المبعوثين الديبلوماسيين، ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم، وقد وقّعت في نيويورك بتاريخ 14 كانون الاول من العام .1973 فمع ازدياد اعمال العنف ضد اعضاء البعثات الديبلوماسية وتعرضهم للكثير من الاعمال الارهابية، تقدمت بعض الدول الاعضاء في الامم المتحدة باقتراحات تهدف الى تكثيف وزيادة التزامات الدول في مجال حماية المبعوثين الديبلوماسيين. وكلفت الجمعية العامة للامم المتحدة لجنة القانون الدولي التابعة لها باعداد مشروع اتفاقية بشأن تعزيز سبل الوقاية والدفاع عن الاشخاص المتمتعين بحماية خاصة طبقاً للقانون الدولي. وفي الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العامة للامم المتحدة تمت الموافقة على المشروع الذي اعدته لجنة القانون الدولي بعد ادخال بعض التعديلات عليه ([4]).

 

وقد حددت الاتفاقية ما المقصود بالشخص المتمتع بالحماية الدولية على النحو الآتي:

         ­ كل رئيس دولة وكل رئيس حكومة ووزير خارجية اجنبي واعضاء اسرهم الذين يكونون في صحبتهم.

        ­  كل ممثل او موظف او شخصية رسمية لدولة وأي شخص آخر يمثل منظمة حكومية.

            وحددت المادة الثانية من الاتفاقية الاعتداءات التي تنطبق عليها احكام الاتفاقية ، وهي الاعتداءات العمدية التي تشكل جرائم طبقا للتشريع الداخلي للدولة المتعاقدة، وتشمل:

         ­ قتل شخص يتمتع بحماية دولية، أو خطفه أو أي اعتداء آخر على شخصه أو على حريته.

         ­ أي اعتداء عنيف على مقر العمل الرسمي لشخص يتمتع بحماية دولية أو على محل إقامته أو على وسائل نقله يكون من شأنه تعريض شخصه أو حريته للخطر.

         ­ التهديد بارتكاب أي اعتداء من هذا النوع .

         ­ محاولة ارتكاب أي اعتداء من هذا النوع.

        ­  أي عمل يشكل اشتراكا في اعتداء من هذا النوع.

وقد ألزمت الاتفاقية الدول المتعاقدة باتخاذ الاجراءات المناسبة لمنع ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية في الاقليم الخاضع لاختصاصها، مع تعاونها في مكافحة هذه الجرائم من خلال تبادل المعلومات المتعلقة بالعمليات الارهابية ومرتكبيها، وتنسيق التدابير التشريعية والادارية والفنية لمنعها.

ج ­ الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن والموقعة في نيويورك في 17/12/1979.

إن جريمة خطف واحتجاز الرهائن تعد من الاعمال الارهابية التي تقع تحت طائلة العقاب في جميع التشريعات النافذة، كما أنها تدخل في نطاق معظم الاتفاقيات الدولية المعنية بمنع ومعاقبة جريمة الارهاب الدولي. وبعد ان انتشرت ظاهرة خطف واحتجاز الرهائن، وعلى اثر احتلال مجموعة من منظمة "هولجر مينز" (Holger Meins Commando) للسفارة الالمانية في ستكهولم في24/4/1975، تقدمت الحكومة الالمانية بطلب صياغة اتفاقية لمناهضة أخذ الرهائن، على جدول اعمال الأمم المتحدة في دورتها الحادية والثلاثين عام 1976. وقد وافقت الجمعية العامة للامم المتحدة على تشكيل لجنة خاصة لوضع مشروع اتفاقية دولية لمناهضة أخذ الرهائن. ووافقت الجمعية العامة على مشروع الاتفاقية في 17/12/1979.

وعرّفت الاتفاقية جريمة أخذ الرهائن بأنها قيام شخص بالقبض على شخص آخر واحتجازه والتهديد بقتله أو إيذائه، أو الاستمرار في احتجازه من أجل  إكراه طرف ثالث، سواء كان دولة أو منظمة دولية حكومية، أو شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، أو مجموعة من الاشخاص، على القيام بفعل معين كشرط صريح أو ضمني للإفراج عن الرهينة.

تلتزم الدول المتعاقدة بادراج الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، ضمن تشريعاتها الوطنية، والعقاب عليها بعقوبات تتناسب وخطورة تلك الجرائم.

ولا تنطبق أحكام الاتفاقية إلا على جريمة أخذ الرهائن ذات الطابع الدولي ، أي التي تتضمن عنصراً خارجياً أو دولياً.

 

4- الاتفاقيات المتعلقة بقمع التدخل غير المشروع في شؤون الطيران المدني الدولي

تصاعدت أعمال خطف الطائرات خلال العقدين الأخيرين ([5])، ما أدى إلى اتخاذ اجراءات على المستوى الدولي لمنع تفاقم هذه الظاهرة ومحاربتها، وقمع مختلف الاعمال الموجهة ضد سلامة الطيران المدني الدولي ([6]). وقد وضعت في هذا المجال الاتفاقيات الدولية الآتية:

أ ­     اتفاقية الجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات، والموقعة في طوكيو في 14/9/1963، والتي أصبحت سارية المفعول اعتباراً من 4/12/1969.

        تنطبق اتفاقية طوكيو على ما يلي:

        ­ الجرائم الخاضعة لأحكام قانون العقوبات.

        ­ الأفعال التي تعدّ جرائم أو لا تعدّ كذلك والتي من شأنها أن تعرض (أو يحتمل أن تعرض) للخطر سلامة الطائرة أو الاشخاص أو الأموال الموجودة فيها أو تعرض للخطر حسن النظام والضبط على متنها.

        ­ الجرائم التي ترتكب أو الافعال التي يقوم بها أي شخص على متن أي طائرة مسجلة في دولة متعاقدة، أثناء وجود هذه الطائرة في حالة طيران أو فوق سطح أعالي البحار أو فوق أي منطقة أخرى خارج اقليم أي دولة.

وتنص الاتفاقية على أنه بغض النظر عن جنسية المشتبه فيهم، تختص دولة تسجيل الطائرة بمباشرة اختصاصها القضائي في ما يتعلق بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن هذه الطائرة، وانه على كل دولة متعاقدة، باعتبارها دولة التسجيل، أن تقوم باتخاذ الاجراءات التي قد تكون ضرورية ولازمة لتأسيس اختصاصها بالنسبة للجرائم التي ترتكب على متن الطائرة المسجلة فيها. وفي جميع الأحوال لا تستبعد الاتفاقية أي اختصاص جنائي تجري مباشرته طبقا لأحكام القانون الوطني.

ب ­ اتفاقية قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، الموقعة في لاهاي في هولندا في 16/12/1971.

وبسبب تفاقم حوادث خطف الطائرات واتساع نطاقها، وعجز اتفاقية طوكيو عن تقديم حلول فعالة لمواجهة المشكلة، اهتمت المنظمة الدولية للطيران المدني باعداد اتفاقية جديدة لقمع الاستيلاء على الطائرات. وقد دعت المنظمة الى مؤتمر ديبلوماسي، عقد في لاهاي في كانون الأول من العام 1970، وأسفر عن عقد اتفاقية لاهاي لقمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات. ويعد مرتكباً لجريمة الاستيلاء غير المشروع على الطائرة، بموجب هذه الاتفاقية، أي شخص على متن الطائرة وهي في حالة طيران:

        ­  يقدم على نحو غير مشروع، بالقوة أو بالتهديد باستعمالها أو استعمال أي شكل من أشكال الاكراه، بالاستيلاء على الطائرة أو ممارسة سيطرته عليها، أو يشرع في ارتكاب أيّ من هذه الافعال.

        ­  يشترك مع أي شخص يقوم أو يشرع في ارتكاب أي من هذه الأفعال. وقد تعهدت كل دولة متعاقدة بمعاقبة أي من هذه الجرائم بعقوبات مشددة.

ج­ اتفاقية قمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني، الموقعة في مونريال في 32/9/1971.

دعت منظمة الطيران المدني إلى عقد مؤتمر ديبلوماسي في مونريال في كندا، من أجل معالجة الثغرات في اتفاقية لاهاي لسنة 1970 والتي لم يشمل نطاق تطبيقها الأفعال غير المشروعة التي توجه إلى الطائرات أثناء وجودها في ارض المطار أو أثناء تحليقها في الجو.

وتنطبق اتفاقية مونريال على أي شخص :

        ­  يقوم بأحد أعمال العنف ضد شخص على متن طائرة في حالة طيران إذا كان من المحتمل أن يعرض هذا العمل سلامة الطائرة للخطر.

        ­  يدمر طائرة في الخدمة، أو يتسبب في اضرار لمثل هذه الطائرة تشكل خطورة على سلامتها أثناء الطيران.

        ­  يضع أو يتسبب في وضع جهاز أو مادة في طائرة في الخدمة بأية وسيلة كانت، بحيث من المحتمل أن تدمر هذه الطائرة أو تصيبها بالضرر الذي يجعلها غير صالحة للطيران، أو يتسبب في حدوث أضرار لها من المحتمل أن تشكل خطورة على سلامتها اثناء الطيران.

        ­  يدمر أو يتلف معدات تسهيلات ملاحة جوية، أو يتدخل في عملياتها إذا كان أي من هذه الأفعال يعرّض للخطر سلامة طائرة في حالة طيران.

        ­  يبلغ معلومات يعرف أنها غير صحيحة من شأنها أن تعرض سلامة طائرة في حالة طيران للخطر.

ويعد أيضاً مرتكباً لجريمة، أي شخص يشرع في ارتكاب أي من الافعال السابقة أو يشترك مع شخص يرتكب أو يشرع في ارتكاب أي من تلك الأفعال.

إضافة إلى هذه الاتفاقيات الدولية هناك اتفاقيات اخرى تحرّم الارهاب في مختلف المجالات.

 

ثانياً­ مشكلة تحديد مفهوم الارهاب

1- غياب مفهوم موحد للارهاب

لقد جرى وصف الأعمال الارهابية في الاتفاقيات الدولية بشأن الارهاب، غير انه لم يجر حتى الان التوصل الى تحديد مفهوم واضح وموحد لظاهرة الارهاب. وقد طرح البعض ضرورة عقد مؤتمر دولي بهدف التوصل الى وضع تعريف دولي للارهاب، يلزم الدول بالتقيّد به، بحيث لا يكون لكل دولة، او لكل جهة مفهومها الخاص بشأن الارهاب ، ولكن هذا الطرح لم يلقَ آذاناً صاغية لدى معظم الدول المؤثرة في القرارات الدولية. لذلك بقي هذا المصطلح محل تفسيرات مختلفة، وكل جهة تعطي هذا المصطلح المعنى الذي يتفق ومصالحها؛ فما هو إرهاب في نظر البعض ليس ارهاباً في نظر البعض الآخر. هذا في حين ان التصدي لظاهرة الارهاب يتطلب بالدرجة الاولى تحديد مفهوم واضح لهذه الظاهرة، يعمل به في كل زمان ومكان.

لقد حاول بعض الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية والقانون الدولي كما حاولت بعض المؤسسات البحثية، إيجاد تعريف واضح للارهاب. والدكتور محمد شريف بسيوني، وهو واحد من رواد علم القانون في حقل الارهاب ، يقول ان الاشارة الى الارهاب من دون فهم واضح لمعنى المصطلح ونطاقه هو أمر مضلل. ويقدم لنا بسيوني تعريفاَ حديثاً، وَضع في الاصل من قبله، لكنه قُبل ، في ما بعد، في اجتماعات الخبراء الاقليميين في فيينا التي نظمتها الامم المتحدة خلال الفترة الممتدة بين 14 و18 آذار من 1988. وجاء في هذا التعريف ان "الارهاب هو استراتيجية عنف محرّم دولياً، تحفزها بواعث عقائدية. ايديولوجية.، وتتوخى احداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين لتحقيق الوصول الى السلطة أو للقيام بدعاية لمطلب او لمظلمة بغض النظر عما اذا كان مقترفو العنف يعملون من اجل انفسهم ونيابة عنها ام نيابة عن دولة من الدول" ([7]).

وقد حددت "لجنة الارهاب الدولي" التابعة لجمعية القانون الدولي، مشروع اتفاقية موحدة بشأن الرقابة القانونية للارهاب الدولي في عام 1980، حددت الارهاب كما يلي:

"جريمة الارهاب الدولي هي اي عمل عنف خطير، او التهديد به، يصدر عن فرد، سواء كان يعمل بمفرده او بالاشتراك مع افراد آخرين، ويوجه ضد الاشخاص او المنظمات او الأمكنة وانظمة النقل او المواصلات، او ضد افراد الجمهور العام بقصد تهديد فعاليات هذه المنظمات الدولية ، او التسبب في الحاق الخسارة او الضرر، او بهدف تقويض علاقات الصداقة بين الدول، او بين مواطني الدول المختلفة، او ابتزاز تنازلات من الدول . كما ان التآمر على ارتكاب او محاولة ارتكاب، او الاشتراك في ارتكاب، او التحريض العام على ارتكاب الجرائم يشكل جريمة ارهاب دولي"([8]).

وفي اطار الجهود التي بذلتها لجنة الارهاب الدولي، وضعت في الاجتماع الذي عقدته في باريس في عام ,1984 قائمة تتضمن بيانات مبادئ مع مذكرات ايضاحية على الشكل التالي:

"افعال معينة تستحق الشجب لدرجة انها موضع اهتمام المجتمع الدولي، سواء ارتكبت زمن السلم ام زمن الحرب، بغض النظر عن عدالة القضية التي يؤمن بها مرتكبوها، وبغض النظر عن الباعث السياسي. جميع هذه الافعال يجب قمعها ..."([9]).

واذا عدنا الى التعريف الذي جاء به الدكتور بسيوني نرى انه تضمن البواعث الكامنة وراء ظاهرة الارهاب، وهي بواعث سياسية حصراً، كما تضمن النطاق الذي تجري في اطاره الاعمال الارهابية وهو النطاق الدولي، وشمل من ناحية اخرى الارهاب الذي يمارسه فرد والارهاب الذي تمارسه الدولة. وعلّق الدكتور محمد عزيز شكري على هذا التعريف فقال "إن التوصيف السابق قد لا يسرّ دولاً معنية وجوقتها من رجال القانون. ولكن التعريف الذي اقتبسناه للتو جدير بالدراسة بكل تأكيد، ويستحق التفكير فيه بصورة ايجابية كمعيار مقترح للحكم على ظاهرة الارهاب هذه التي جرى تضخيمها الى أبعد الحدود"([10]).

أما التوصيف الذي جاءت به "لجنة الارهاب الدولي" التابعة لجمعية القانون الدولي، فاقتصر على الارهاب الذي يمارسه الافراد ضد فئات معينة من البشر والشخصيات المحمية دولياً، وفئات معينة من الأمكنة والمباني: البعثات الديبلوماسية او القنصلية او الخاصة والمراكز الرئيسية للمنظمات الدولية، وأماكن عقد المؤتمرات الدولية، ومرافق النقل والمواصلات. وفصل هذا التوصيف ظاهرة الارهاب عن البواعث التي تحركها وعن عدالة قضية من يمارس الاعمال الارهابية. وهذا يعني ان التوصيف استبعد الارهاب الذي تقوم به الدول، من طريق الاحتلال وإذلال الشعوب وتدمير ممتلكاتها وقتل ابنائها وتشريدهم والتنكيل بهم، عن كونه ارهاباً كالارهاب الذي يمارسه الافراد.

 

2- الارهاب والكفاح المسلح من اجل تقرير المصير

هذا الالتباس في تحديد مفهوم واضح للارهاب ومتفق عليه دولياً، اثار الجدل حول العلاقات بين الارهاب والكفاح المسلح المرتبط بحق تقرير المصير. وقد اكد ميثاق الامم المتحدة في مادته الاولى على حق تقرير المصير، فجاء في الفقرة الثانية منها مـا يلي: "انماء العلاقات الودية بين الامم على اساس تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الاخرى الملائمة لتعزيز السلم العام" . ومن ثم عاد واكد ميثاق الامم المتحدة على حق تقرير المصير في المادة 55 منه. وتم توضيح مفهوم هذا الحق في شكل مفصل في عدد كبير من قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة منذ العام 1950، وفي الاتفاقيتين الدوليتين بشأن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الصادرتين عام 1966. وقد تم الاعتراف به كمبدأ قانوني لانزاع فيه لدى محكمة العدل الدولية، ولجنة القانون الدولي، وتم تأكيده ايضاً في قرار الجمعية العمومية 1970 ، تحت عنوان اعلان مبادئ القانون الدولي الخاص بعلاقات الصداقة والتعاون بين الدول وفق ميثاق الامم المتحدة.

ولم تؤكد قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة على حق تقرير المصير فحسب، وانما اكدت ايضاً على الحق في النضال من اجل بلوغه، فجاء في قرار الجمعية العمومية الرقم 3314 الصادر عام 1974 حول تعريف العدوان انه "ليس في هذا التعريف شيء يمكن ان يمس بحق تلك الشعوب في النضال من اجل تحقيق تلك الغاية، وان تنشد الدعم وتتلقاه بموجب الميثاق، وطبقاُ للاعلان المذكور اعلاه".

إن حق تقرير المصير يطرح مشروعية استخدام القوة كوسيلة لوضع هذا الحق موضع التنفيذ. فحق تقرير المصير اصبح حقاً قانونياً دولياً يستند الى ميثاق الام المتحدة والمواثيق الدولية، ما يعني ان لصاحبه الحق في استخدام الوسائل السلمية للحصول على هذا الحق، واذا عجزت الوسائل السلمية عن تمكين الشعوب الخاضعة للاحتلال من التمتع بحق تقرير المصير ، يصبح الكفاح المسلح السبيل الوحيد لبلوغ هذا الحق. وقد جرت مناقشة مشروعية استخدام القوة كأحد وسائل وضع حق التقرير المصير موضع التنفيذ، وذلك في اطار نظرية حروب التحرير الوطنية. فمن حق اي شعب استعادة اقليمه المغتصب بكافة الوسائل المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح من خلال حركات التحرر الوطني. فاذا عجز المجتمع الدولي، وتحديداً الامم المتحدة، عن ضمان احترام حق كل شعب في تقرير مصيره ، يصبح من الطبيعي التسليم للشعوب التي تعاني من الاحتلال، باستخدام الكفاح المسلح من اجل ممارسة حقها في تقرير المصير. وهكذا اصبحت حروب التحرير، في نظر الغالبية الساحقة، مشروعة دولياً. وقد اكدت الجمعية العامة للامم المتحدة هذا المفهوم في العديد من القرارات الصادرة عنها منذ العام 1945. ولعل اهم هذه القرارات ذلك الذي صدر في العام 1974 متضمناً التعريف بالعدوان،  حيث حرص واضعو التعريف على ان يضمّنوا المادة السابعة منه تحفظاً في صالح حركات التحرير الوطني على درجة كبيرة من الاهمية. فقد نصت هذه المادة على انه ليس في هذا التعريف، وعلى الاخص ما ورد في المادة الثالثة منه ­ التي تضمنت أمثلة بعض حالات العدوان ­ ما يجحف  بحق الشعوب التي تخضع لنظم الحكم الاستعمارية او العنصرية، او اية اشكال اخرى من السيطرة الاجنبية،  في الكفاح من اجل تقرير المصير والحرية والاستقلال كما اقرها ميثاق الامم المتحدة. وقد تأكد هذا المعنى في قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 3103 الصادر في 12/12/1978، بشأن "المبادئ الاساسية في المركز القانوني للمحاربين الذين يكافحون السيطرة الاستعمارية والاجنبية والنظم العنصرية".

من ناحية اخرى ، أولى مؤتمر تطوير القانون الدولي الانساني اهتماماً كبيراً بالوضع القانوني لحروب التحرير الوطني. ولقد انتهى ذلك المؤتمر الى إقرار بروتوكولي جنيف الأول والثاني للعام 1977 وألحقا باتفاقيات جنيف للعام 1949 وقد اعتبر البروتوكول الاول ان حروب التحرير حروب دولية، فنصّت الفقرة الرابعة من المادة الاولى من هذا البروتوكول على ان تعد من قبل الحروب الدولية "المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الاجنبي وضد الانظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير ، كما كرسه ميثاق الامم المتحدة والاعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الامم المتحدة". وقد ساهمت منظمات التحرير الوطني التي شاركت في المؤتمر مساهمة فعالة في ادخال حروب التحرير الوطني في اطار الحروب الدولية، ووقعت على البيان الختامي، وكان تمثيلها قد تعدى دور المراقب في المؤتمر ليصبح على نفس مستوى الاطراف السامية المتعاقدة. وما يؤكد ذلك ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 96 من البروتوكول الأول: "يجوز للسلطة الممثلة لشعب مشتبك مع طرف سام متعاقد في نزاع مسلح من الطابع المشار اليه في الفقرة الرابعة من المادة الاولى، ان تتعهد بتطبيق الاتفاقيات وهذا الملحق (البروتوكول) في ما يتعلق بذلك النزاع، وذلك عن طريق توجيه اعلان انفرادي الى امانة ايداع الاتفاقيات . ويكون لمثل هذا الاعلان اثر تسلم امانة الايداع له ، الآثار التالية في ما يتعلق بذلك النزاع:

أ ­ تدخل الاتفاقيات وهذا الملحق (البروتوكول) حيز التنفيذ بالنسبة للسلطة المذكورة بوصفها طرفاً في النزاع وذلك باثر فوري.

ب ­ تمارس السلطة المذكورة الحقوق ذاتها وتتحمل الالتزامات عينها التي لطرف سام متعاقد في الاتفاقيات وهذا الملحق (البروتوكول).

ج ­ تلزم الاتفاقيات وهذا البروتوكول اطراف النزاع جميعاً على حد سواء.

هذه الامور جميعها تؤكد على مشروعية استخدام القوة في اطار حق تقرير المصير. من هنا ضرورة التمييز بين الارهاب والمقاومة المسلحة للاحتلال كحق مشروع ومعترف في المواثيق الدولية. وضرورة الاتفاق على تعريف موحد للارهاب، والالتزام بتطبيق قواعد القانون الدولي الانساني على حروب التحرير الوطني وبالتالي على حركات التحرير التي تخوض هذه الحروب.

 

ثالثاً ­ الحرب على الارهاب وحقوق الانسان بعد 11 أيلول

ان التحول الجذري الذي حدث بعد 11 ايلول من العام 2001، من مواجهة الارهاب في اطار الاتفاقيات الدولية والاجراءات الامنية الآيلة الى وضع هذه الاتفاقيات موضع التنفيذ، الى عمليات عسكرية تأخذ طابع الحرب الشاملة على الارهاب، وتقوم بها الولايات المتحدة والدولة المتحالفة معها في الحرب على الارهاب، من جهة، وعدم التوصل الى اتفاق دولي موحد لمفهوم الارهاب، والالتباس الحاصل بين الارهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال، من جهة اخرى ، كل هذه الامور طرحت قضية الحرب على الارهاب وحقوق الانسان، بعد ان طرح الارهاب بحد ذاته العلاقة بينه وبين هذه الحقوق. فاذا كان من المؤكد ان الارهاب يشكل انتهاكاً لحقوق الانسان، فإن الحرب على الارهاب، اذا لم تلتزم بقواعد محددة، تصبح خطراً على حقوق الانسان ايضاً. وهذا يشمل الاجراءات الامنية المتخذة داخل الدول، كما يشمل العمليات العسكرية التي تجري في الخارج.

ان الحرب على الارهاب وعلاقتها بحقوق الانسان تندرج في اطار العلاقة الجدلية بين حقوق الانسان والنظام العام. فالنظام العام بما يعنيه من تحقيق الانضباط العام في المجتمع، على مستوى العلاقة بين الافراد، وبينهم وبين السلطة وبين مؤسسات الدولة وأجهزتها، من خلال ضبط الامن وتسيير المرافق العامة، نقول إن النظام العام بهذا المعنى هو وسيلة وليس غاية بذاته، وسيلة لتحقيق غاية أبعد منه. والغاية هي الانسان بما له من حقوق وحريات ملازمة لطبيعته الانسانية، ولا يجوز، بأي شكل من الاشكال ان يتحول النظام العام الى غاية قائمة بذاتها، ويخرج عن كونه وسيلة لما هو اسمى منه، لأن ذلك يؤدي الى التفريط بحقوق الانسان وحرياته الاساسية، فيصبح وسيلة لخدمة النظام العام بدلاً من ان يكون النظام العام في خدمته ([11]).

لكي يبقى النظام العام على مستوى الوسيلة، والانسان على مستوى الغاية، يجب ان تراعي الاجراءات المتخذة، في اطار مكافحة الارهاب، الاتفاقيات والمواثيق الدولية الراعية لحقوق الانسان، والضمانات الدستورية التي نصّت عليها دساتير الدول الديمقراطية، والمبادئ ذات القيمة الدستورية التي تشكل بدورها ضمانة لحقوق الانسان وحرياته الاساسية. واذا كان هناك حالات استثنائية، كالحالة التي تمر بها بعض الدول بعد ما جرى في نيويورك وواشنطن في 11 ايلول، واذا كانت هذه الحالة تستدعي اتخاذ اجراءات استثنائية لمكافحة الارهاب، ينبغي ان تراعي الاجراءات الشروط التي ارتبطت بنظرية الظروف الاستثنائية على الصعيد الداخلي، والاتفاقات الدولية في شأن الظروف الاستثنائية على الصعيد الدولي([12]).

 

1-  الحرب على الارهاب واتفاقيات جنيف للعام 1949

تشكل اتفاقيات جنيف للعام 1949 والبروتوكولان الملحقان في العام 1977 بهذه الاتفاقيات مايسمى بالقانون الدولي الانساني([13]). وقد اضيفت اليها في ما بعد اتفاقيات  دولية وبروتوكولات تتعلق بحقوق الانسان في حالة النزاعات المسلحة. وبعد ان اتخذت مكافحة الارهاب، بعد 11 ايلول، منحى الحرب بمفهومها التقليدي ضد الاطراف والدول المتهمة بممارسة الارهاب الدولي ودعمه، اصبح من الضروري التمييز بين نوعين من العنف يمارسان في اطار العمليات العسكرية الهادفة الى القضاء على الارهاب، "العنف المشروع" في النزاعات المسلحة التي تحكمها قوانين الحرب،  "والعنف غير المشروع" الذي يتضمن الارهاب. فما هي المعايير التي يرتكز عليها التمييز؟

المعيار الاول يتعلق بوضع الشخص الذي يرتكب العنف، فأفراد القوات المسلحة التابعة لطرف في نزاع مسلح لهم الحق في بالاشتراك في الاعمال العدائية. وهذا الحق غير مكفول لأي اشخاص آخرين، واذا لجأ هؤلاء الى العنف فانهم ينتهكون القانون ، ويجوز ان تعتبر افعالهم اعمالاً ارهابية.

القاعدة واضحة، ومن غير المحتمل ان تثير اية مشاكل ذات شأن في النزاعات المسلحة الدولية. فالصعوبات تنشأ في حالات النزاعات المسلحة غير الدولية وحروب التحرر الوطني([14])، غير ان البروتوكول الاول الملحق باتفاقيات جنيف للعام 1949 اعتبر ان حروب التحرير هي حروب دولية، ما يعني ان جميع القوانين الدولية الانسانية المدوّنة تصبح واجبة النفاذ، مع كل ما يترتب عليها من حقوق والتزامات. فجميع الاعمال المحظورة بموجب القانون الدولي في اطار النزعات المسلحة ، والمعتبرة اعمالاً ارهابية، هي محظورة ايضاً في حروب التحرير.

اما المعيار الثاني فمستمد من القواعد المنظمة لحماية فئات محددة من الاشخاص، والقواعد المتعلقة بأساليب ووسائل الحرب في النزاعات المسلحة. فلكي يكون استخدام العنف في الحرب، مشروعاً لا بد من ان يتم الالتزام بالقيود التي يفرضها قانون الحرب، وبالتالي فان افراد القوات المسلحة، الذين يحق لهم قانوناً ان يستخدموا العنف، قد يصبحون هم انفسهم ارهابيين اذا انتهكوا قوانين الحرب ([15]). فالحرب ليست وسيلة للقتل انما هي وسيلة لتدمير قوة العدو العسكرية او اضعافها من اجل فرض الحلول المناسبة عليه. فالنزاعات المسلحة الدولية تخضع للقانون الدولي الانساني. ومنذ العام 1977، وبموجب البروتوكـول الاول الملحـق باتفاقيات جنيـف للعام 1949، يشمل "النزاع المسلح الدولي" ايضاً النزاعات التي تناضل فيها الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الاجنبي وضد الانظمة العنصرية، في اطار ممارستها لحقها في تقرير المصير(البروتوكول الاول ، المادة 1، الفقرة 4).

والقانون الدولي الانساني يشمل قواعد الحظر المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية الانسانية ، وهي تقسم الى فئتين:

        ­  القواعد المقيّدة لأساليب ووسائل الحرب.

        ­  قواعد حماية الاشخاص الموجودين تحت سيطرة عدو، من الاعمال التعسفية والعنف.

وفي ما يتعلق بالمجموعة الاولى من القواعد، التي يشار اليها عادة بـ "قانوني لاهاي"، فان الجديد الذي اتت به الفقرة 2 من المادة 51 من البروتوكول الاول يستحق التنويه. فبعد التذكير بالالتزام بحماية السكان المدنيين ضد الاخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، نصّت على انه "لايجوز ان يكون السكان المدنيون بصفتهم هذه وكذا الاشخاص المدنيون محلاً للهجوم . وتحظر اعمال العنف او التهديد به الرامية اساساً الى بث الذعر بين السكان المدنيين". ويؤكد هذا النص ان الارهاب ليس وسيلة مرخصاً بها من وسائل الحرب . كما يؤكد المبدأ القانوني القديم العهد أن "حق اطراف النزاع في اختيار اساليب ووسائل القتال ليس حقاً لا تحده قيود" ، وتبعاً لذلك حظر البروتوكول الاول في المادة 35 "استخدام الاسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها احداث اصابات او آلام لا مبرر لها". وتتضمن التطبيقات العملية لهذا المبدأ، على سبيل المثال ، حظر استخدام الغازات السامة، وحظر الغدر (المادة 37)، وحظر الأمر بعدم ابقاء احد على قيد الحياة (المادة 40). فالتهديد بالقتل الجماعي سمة من سمات الارهاب. وفي النزاعات المسلحة لا يجوز تهديد حتى افراد القوات المسلحة بهذه الطريقة.

هذه الامور تؤكد على ضرورة وضع ضوابط للعمليات العسكرية الجارية في اطار الحرب على الارهاب، انطلاقاً من القواعد والضوابط التي نص عليها القانون الدولي الانساني، وبخاصة اتفاقيات جنيف الاربع للعام 1949 والبروتوكولين الملحقين بها ([16]).

 

­  حماية المدنيين في الحرب على الارهاب

من المفيد العودة الى المادة الثالثة التي وردت في النص نفسه في اتفاقيات جنيف الاربع والتي جاء فيها: "في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في اراضي احد الاطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد ادنى الاحكام التالية:

1­ الاشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الاعمال العدائية، بمن فيهم افراد القوات المسلحة الذين القوا عنهم اسلحتهم، والاشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض او الجرح او الاحتجاز او لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الاحوال معاملة انسانية، دون اي تمييز ضار يقوم على العنصر او اللون او المعتقد او الجنس او المولد او الثروة او اي معيار مماثل آخر.

        أ ­ الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع اشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.

        ب ­ اخذ الرهائن.

        ج ­ الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الاخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.

        د ­ اصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون اجراء محاكمة سابقة امام محكمة مشكّلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

2­     يجمع الجرحى والمرضى ويعتنى بهم.

        ويجوز لهيئة انسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الاحمر، ان تعرض خدماتها على اطراف النزاع.

        وعلى اطراف النزاع ان تعمل فوق ذلك عن طريق اتفاقيات خاصة، على تنفيذ كل الاحكام الاخرى من هذه الاتفاقية او بعضها.

        وليس في تطبيق الاحكام المتقدمة ما يؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع".

كما ان المادة 51 من البروتوكول الاول تنص على حظر الهجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه وضد الاشخاص المدنيين، وهذا الحظر واضح وقاطع وهو يشمل جميع الاعمال الارهابية، والمادة نفسها تحظر اعمال العنف الرامية اساساً الى بث الذعر بين السكان المدنيين، ويجب ألاّ تكون هذه الاعمال موجهة ضد المدنيين. فالامر المهم هو نية بث الذعر بين السكان المدنيين. لذلك يحظر حتى التهديد الرامي الى بث الذعر.

ان اللجوء، تحت اية ذريعة، الى الاساليب الارهابية للحرب غير مسموح به على الاطلاق في النزاع المسلح الدولي، وفي النزاعات المسلحة غير الدولية ايضاً. ولا يجوز التحايل بحجة الانتقام للتحلل من المحظورات المنصوص عليها في المادة 51 فالهجمات الارهابية ضد المدنيين، التي تسبب الوفاة او الاصابات الخطيرة، تشكل ضمناً انتهاكات جسيمة بمقتضى المادة 58 من البروتوكول الأول، ويجب اعتبارها من جرائم الحرب.

 

­ التعامل مع المقاتلين في الحرب على الارهاب

المقاتل في نظر الجهات التي تشن حرباً على الارهاب هو ارهابي، ينبغي القضاء عليه من اجل القضاء على النشاطات الارهابية. ولكن اذا عدنا للمبدأ الاساسي الذي يقوم عليه القانون الدولي الانساني، والذي يعتبر ان الحرب ليست وسيلة قتل، انما هي وسيلة لتدمير قوة العدو او اضعافها من اجل فرض الاستسلام عليه، وبالتالي فرض الشروط التي تؤدي الى السلم، اذا عدنا الى هذا المبدأ الاساسي نرى ان في الحرب على الارهاب كما في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، ليس للقوات المسلحة وللمقاتلين ولجميع الذين يحملون السلاح ويقومون بنشاطات عسكرية، ليس لهم الحماية نفسها التي يتمتع بها المدنيون، وهذا امر طبيعي، فالارهاب، ضمن حدود معترف بها، سلاح يجوز استخدامه في القتال ضد القوات المسلحة التابعة للطرف المعادي. غير ان قانون الحرب وضع قيوداً معينة في هذا الصدد، فالمبدأ القانوني القديم العهد، وقد سبق ذكره، يقضي بان .حق اطراف النزاع في اختيار اساليب ووسائل القتال ليس حقاً لا تحده قيود.. وهذا يعني انه لا يجوز في التعامل مع العدو، ان كان دولة او قوة مسلحة او افراداً، استخدام الوسائل القاتلة والمدمرة التي لا مبرر لها، والتي ينجم عن استخدامها اضرار واصابات وآلام لا لزوم لها.

وبمقتضى اتفاقيات جنيف الاولى والثانية والثالثة للعام 1949 ينبغي احترام وحماية افراد القوات المسلحة التابعة للطرف المعادي بمجرد ان يسلموا انفسهم او يتم التغلب على مقاومتهم. ويحظر حظراً باتاً اي اعتداء على حياتهم او استعمال العنف معهم ، ويجب حمايتهم ضد اعمال العنف او التهديد.

 

­ التعامل مع الاسرى في الحرب على الارهاب

نصّت اتفاقية جنيف الثالثة على حماية اسرى الحرب، فجاء في المادة 13 من هذه الاتفاقية ما يلي: "يجب معاملة اسرى الحرب معاملة انسانية في جميع الاوقات. ويحظر ان تقترف الدولة الحاجزة اي فعل او اهمال غير مشروع يسبب موت اسير في عهدتها، ويعتبر ذلك انتهاكاً جسيماً لهذه الاتفاقية. وعلى الاخص، لا يجوز تعريض اي اسير حرب للتشويه البدني او التجارب الطبية او العلمية من اي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للاسير المعني او لا يكون في مصلحته. وبالمثل يجب حماية اسرى الحرب في جميع الاوقات، وعلى الاخص ضد جميع اعمال العنف او التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير. وتحظر تدابير الاقتصاص من اسرى الحرب. وجاء في المادة 14 ما يلي: "لأسرى الحرب حق في احترام اشخاصهم وشرفهم في جميع الاحوال".

والسؤال الذي يطرح نفسه في مجال الحرب على الارهاب هو الآتي:

هل ان المعتقلين في العمليات العسكرية الموجهة ضد مراكز الارهاب يعتبرون اسرى حرب، وبالتالي تطبق عليهم اتفاقية جنيف الثالثة، او لا يعتبرون اسرى حرب وبالتالي لا تشملهم احكام هذه الاتفاقية؟

لقد حددت اتفاقية جنيف الثالثة في المادة 4 منها مفهوم اسير الحرب ووضعت شروطاً يجب ان تتوفر في الاسير لكي يعتبر اسير حرب ، غير ان البروتوكول الاول الملحق باتفاقيات جنيف في العام 1977 توسع في المادة 43 منه في تعريف المقاتل كما توسعت المادة 44 تبعاً لذلك في منح صفة اسير حرب. ويتجه القانون الدولي الانساني في تفسير النصوص بشأن اسرى الحرب وجهة التوسع في منح صفة اسير حرب لكي تشمل سائر المعتقلين الذين شاركوا في القتال اثناء النزاعات الدولية والنزاعات غير الدولية، وذلك لكي يتمكنوا من الاستفادة من الضمانات التي نصت عليها اتفاقية جنيف الثالثة، لأن غاية القانون الدولي الانساني حماية حقوق الانسان اثناء الحروب والنزاعات المسلحة، ومن ضمنها حماية الاشخاص الذين اصبحوا خارج المعارك، وغير مشاركين في القتال ومن بينهم الاسرى، لأن الحرب، وفق منطق القانون الدولي الانساني، ليست وسيلة ارهاب او قتل. فالاسرى الذين وقعوا في قبضة الجيش الاميركي في افغانستان في اطار الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الاميركية على حكم طالبان وتنظيم القاعدة، هؤلاء الاسرى الذين اقتيدوا الى قاعدة غوانتانمو في كوبا، لم يمنحوا في الاساس صفة اسرى حرب وبالتالي لم يعاملوا كاسرى لهم حقوق بموجب اتفاقية جنيف الثالثة. وبعد تدخل اللجنة الدولية للصليب الاحمر وممارسة ضغوط من جانب الهيئات الانسانية في مختلف الدول، تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها باتجاه معاملة هؤلاء الاسرى كأسرى حرب.

 

2­ الحرب على الارهاب وحماية الاعيان الثقافية

منع الارهاب في النزاعات المسلحة يشمل الممتلكات الثقافية التي قد تتعرض للاعتداء، ما يطرح قضية حماية الاعيان الثقافية في المعاهدات الدولية والقانون الدولي الانساني.

لقد تناولت الاتفاقات الدولية منذ مائة سنة قضية حماية الممتلكات الثقافية في اثناء النزاعات المسلحة، فنصّت اتفاقية لاهاي الثانية للعام 1899، واتفاقية لاهاي الرابعة للعام 1907، واتفاقية لاهاي التاسعة على بعض الاحكام المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في زمن النزاع المسلح. وجاء في المادة 16 من البروتوكول الثاني الملحق باتفاقيات جنيف للعام 1949، ما يلي: "يحظر ارتكاب اية اعمال عدائية موجهة ضد آلاثار التاريخية، او الاعمال الفنية واماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي او الروحي للشعوب، واستخدامها في دعم المجهود الحربي، وذلك دون الاخلال باحكام اتفاقية لاهاي بحماية الاعيان الثقافية في حال النزاع المسلح والمعقودة في 14 ايار 1954".

وبموجب اتفاقية لاهاي للعام 1954 تتعهد الدول الاطراف في زمن السلم بحماية الممتلكات الثقافية في اراضيها من الاضرار التي قد تنجم عن نزاع مسلح. ولكن هذه الاتفاقية لا تحدد نوع التدابير الواجب اتخاذها وتترك ذلك للدول الاطراف. ويعد التعهد باحترام الممتلكات الثقافية ملزماً للدول الاطراف، سواء بالنسبة للممتلكات الكائنة في اراضيها او في اراضي الدول الاطراف الاخرى. ولا تنص الاتفاقية على الممتلكات الثقافية ذاتها فحسب، وانما تنص ايضاً على الاماكن المجاورة لها مباشرة، والوسائل المخصصة لحمايتها. اما التعهد الثاني للدول الأطراف فيتمثل في الامتناع عن اي عمل عدائي موجه ضد هذه الممتلكات، كما تشمل الاتفاقية تعهد هذه الدول الاطراف بتحريم ومنع ووقف اية سرقة او نهب او تبديد للمتلكات الثقافية مهما كانت اساليبها، وبالمثل تحريم اي عمل تخريبي موجه ضد هذه الممتلكات، علاوة على حظر اي تدابير انتقامية موجهة ضد الممتلكات الثقافية. غير ان اتفاقية لاهاي للعام 1954 تطرح في الفقرة 2 من المادة 4 التخلي عن احترام الممتلكات الثقافية في الحالات التي تستلزمها الضرورات الحربية القهرية. وتجدر الاشارة الى ان عدم احتواء الاتفاقية او ايـة معاهدة اخرى او قاعـدة علـى تعريـف لمفهـوم "الضرورات الحربية القهرية"، ومن ثم مفهوم الاستثناء الجوهري لاحترام الممتلكات الثقافية، انما يمثل ضعفاً في الاتفاقية.

ولقد نص البروتوكول الاول الملحق باتفاقية لاهاي على احكام تفصيلية بشأن منع تصدير الممتلكات الثقافية من الاراضي الواقعة تحت الاحتلال، وبشأن حراسة وعودة اية ممتلكات ثقافية تمّ تصديرها، كما نص على ضرورة اعادة الممتلكات الثقافية التي تم ايداعها لدى الدول الاخرى لحمايتها من اخطار نزاع مسلح.

اما البروتوكول الثاني الملحق باتفاقية لاهاي، والذي أقرّ في العام 1999، فقد وافقت الدول الاطراف فيه على عدم التذرع بالضرورات العسكرية القهرية للتخلي عن الالتزامات المتعلقة بالممتلكات الثقافية، بينما اوضحت في الوقت نفسه ان هذا التخلي وارد فقط اذا لم يوجد ، وما دام لم يوجد، خيار ممكن بين ذلك الاستخدام للمتلكات الثقافية وأسلوب آخر يمكن اعتماده لتحقيق ميزة عسكرية مماثلة.

تعتبر اتفاقية لاهاي للعام 1954 والبروتوكولان الملحقان بها تحسيناً مهماً وتطويراً جديداً للقانون الدولي الانساني. فقد سدت هذه الاتفاقية والبروتوكولان الملحقان بها ثغرة كانت قد تركتها اتفاقيات جنيف للعام 1949. فالممتلكات الثقافية تمثل جزءاً لا يتجزأ من الوجود البشري، لذلك تعد حماية هذه الممتلكات الثقافية اثناء النزاعات المسلحة حماية للبشر().

وقد طُرحت قضية حماية الممتلكات الثقافية حديثاً اثناء الصراعات العسكرية في يوغسلافيا السابقة حيث تم تدمير المساجد والمواقع التاريخية والتراث الثقافي في كرواتيا والبوسنة والهرسك. كما طرحت مجدداً اثر احتلال القوات الاميركية للعراق، حيث نُهب المتحف الوطني العراقي على مرأى من هذه القوات، وطاولت عمليات النهب والتخريب العديد من الممتلكات الثقافية. فالحرب على الارهاب يجب ان تلتزم بالقواعد التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية ، ويجب على القوات المسلحة ان تطبق هذه القواعد.

 

3­ الالتزام باحكام القانون الدولي الانساني

إن الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية تلزم الأطراف بتطبيق بنود هذه الاتفاقيات، غير أن لجنة القانون الدولي أكدت أن قواعد أو بعض قواعد اتفاقية ما تصبح ملزمة مباشرة للدول غير الأطراف لسبب بسيط وهو أنها تدون قواعد عرفية سابقة، فالدول غير الأطراف لا تلتزم بالاتفاقية نفسها بل بقواعد القانون الدولي العرفي التي تكرسها الاتفاقية؛ كما أكدت محكمة "نورانبرغ" ان شرط "مارتنز" يبقى مطبقا. وذهب الفقه في ما بعد إلى اعتبار أن هذا الشرط يظل نافذاً بصرف النظر عن المشاركة في المعاهدات التي تحتوي عليه، أي ان مبادىء قانون الأمم تطبق في أي نزاع مسلح، وينص شرط "مارتنز" على أن يظل المدنيون والمقاتلون، في الحالات غير المنصوص عليها في الاتفاقيات، تحت حماية وسلطات مبادىء قانون الشعوب، المنبثقة عن التقاليد والمبادىء الانسانية وما يمليه الضمير العام، ما يعني إن القانون الدولي الانساني يعتبر أن الدولة الموقعة أو غير الموقعة على الاتفاقيات الدولية ذات الطابع الانساني ملزمة باحترام قواعد القانون الدولي العرفي التي تتضمنها. وهي تتحمل مسؤولية عدم الالتزام، ولكن من المفترض أن تصادق كل الدول على الاتفاقيات المتعلقة بالقانون الدولي الانساني للخروج من دائرة الشك ومن اجل البشرية جمعاء. كما انه على حركات التحرر الوطني التي تقاوم الاستعمار والاحتلال والتمييز العنصري ان تلتزم قواعد القانون الدولي الانساني كي لا يتحول نضالها المسلح الى أعمال ارهابية.

وبعد ان تم التحول في مكافحة الارهاب، من الاجراءات الامنية التي تتخذها الدول في اطار التزامها بالاتفاقات الدولية بشأن مكافحة الارهاب، إلى حرب تشن على الدول المتهمة بالارهاب ، اصبح من الواجب التقيّد بالقواعد التي ينص عليها القانون الدولي الانساني بشكل صارم، كي لا تتحول الاعمال العسكرية ضد الارهابيين الى أعمال ارهابية، وكي لا يدخل العالم في دوامة الارهاب والارهاب المضاد.

 

[1] لمزيد من المعلومات راجع. احمد محمد رفعت ود. صالح بكر الطيار، الارهاب الدولي، مركز الدراسات العربي ­ الاوروبي، باريس ، 1988 ص 59­66.

[2] د. عبد العزيز مخيمر عبد الهادي ، الارهاب الدولي، دار النهضة العربية، 1986،  ص 176.

[3] وقع على هذه الاتفاقية كل من : كولومبيا ، كوستاريكا ، جمهورية الدومينيكان، جامايكا، هندوراس، نيكاراغوا، بنما، السلفادور، ترينداد وتوباجو، الولايات المتحدة الاميركية، اوروغواي ، فنزويلا، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في 8/3/1971

[4] تمت الموافقة على هذه الاتفاقية في 14/12/1973، ودخلت حيز النفاذ في 20/2/1977

[5] تم خطف 121 طائرة ركاب ونقل مدنية ما بين كانون الثاني من العام 1948 وايلول من العام 1969، وتم تعطيل حركة الطيران المدني في 47 دولة، وقتل 97 شخصاً واصابة 23 اثناء هذه العمليات. وتشير الاحصاءات ان اعلى رقم لخطف الطائرات كان في الفترة ما بين العام 1968 والعام 1970.

[6] انظر عبد العزيز العجيزي، خطف الطائرات بين المنطق الثوري والامن الدولي، مجلة السياسة الدولية، القاهرة العدد 22 اكتوبر 1970 ، ص 140­146.

[7] راجع الدكتور محمد عزيز شكري، الارهاب الدولي، دراسة قانونية ناقدة، دار العلم للملايين ، بيروت 1991، ص48.

[8] المرجع السابق، ص  69.

[9] المرجع السابق، ص 70.

[10] المرجع السابق، ص48.

[11] راجع الدكتور عصام سليمان ، مكافحة الارهاب والحريات العامة والخاصة ، مقال نشر في صحيفة النهار، بيروت، 12/12/2001.

[12] المرجع السابق.

[13] اتفاقيات جنيف للعام 1949 هي اتفاقية جنيف الاولى لتحسين حال الجرحى والمرضى في القوات المسلحة في الميدان ، واتفاقية جنيف الثانية لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار ، واتفاقية،جنيف الثالثة بشأن معاملة اسرى الحرب ، واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب.

[14] هانز ­ بيتر غاسر، حظر الاعمال الارهابية في القانون الدولي الانساني، المجلة الدولية للصليب الاحمر ، عدد يوليو ­ اغسطس 1986.

[15] المرجع السابق

        اما البروتوكولين الملحقين باتفاقيات جنيف للعام 1949 بهذه الاتفاقيات هما.

        ­ البرتوكول الاول المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة.

        ­ البروتوكول الثاني المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.

[16] لمزيد من المعلومات راجع د. عصام سليمان ، حماية الممتلكات الثقافية اثناء النزاعات المسلحة،  مقال ، نشر في صحيفة الخليج، الشارقة، في 8 أيار/مايو2003.

The war on terrorism and human international law
The researcher thinks that terrorism constituted an effective factor in the international relations during the past century. The agreements of Geneva in 1949 after the end of the Second World War and the attached protocols constituted the care of the international and humanitarian law. After the accident of September 11, 2001 in the United States of America, the issue of terrorism was raised again and considered as an outrageous violation of the human rights. However, the war launched by Washington against terrorism in Afghanistan and the nature of the military actions and the consequences which were diffused by the media created a new series of inquiries on terrorism and the concept of fighting it in compliance with the rules and restrictions in the military and security actions.
The fight against terrorism has recently witnessed 2 stages in terms of the adopted methods: by means of the international agreements especially the Geneva agreements after the Second World War and by means of direct military operations such as what happened after the incident of 11 September in the U.S.A. since the fight against terrorism became a vital necessity.
The researcher then considers the means adopted by the “International Terrorism Committee” emanating from the general assembly of the international law in order to determine a unified draft agreement concerning the legal observation on the fight against terrorism while he stresses on the problematic of terrorism from one side and the struggle for self-determination from the other side, he justifies the claim to use power to implement the right of self-determination.
And in his point of view regarding the war against international terrorism after September 11, 2001, he considers that in an effort to keep the general order on the means level and to keep the people on the purpose level, it is essential, in the field of fighting terrorism, to abide with the agreements and legal and international conventions of the human rights in addition to the legal and constitutional guarantees in the constitutions of the different democratic countries. While he differentiates between what he calls legitimate violence and illegitimate violence which is terrorism, he stresses on the importance of taking care of the civilians in the war against terrorism.
The researcher elaborates the manner of conduct with the prisoners and the protection of cultural centers and concludes that it is essential to comply with the regulations of the international and humanitarian law during the fight against terrorism in order to keep the world out of the labyrinth of terrorism and counter terrorism.

La guerre contre le terrorisme et la loi internationale humaine
Le chercheur suppose que le terrorisme constitua un facteur efficace affectant les relations internationales lors du siècle dernier. Les accords de Genève en 1949 signés suite à la fin de la 2ème guerre mondiale et les Protocoles qui leur sont annexés constituent l’entité fondamentale de la loi internationale humaine.
Après les événements du 11 septembre 2001 aux Etats-Unis, le terrorisme fut considéré encore une fois une violation atroce des droits de l’homme. Or la guerre menée par Washington contre le terrorisme en Afghanistan et la nature des opérations militaires et ses conséquences généralisées à travers les médias ont donné naissance à une nouvelle suite de questions concernant le terrorisme et le concept de la lutte contre le terrorisme à l’ombre du respect des règles et des normes des opérations militaires et sécuritaires.
La lutte contre le terrorisme a passé récemment par deux phases, au niveau des moyens adoptés:
A travers les accords internationaux en premier lieu, notamment les accords de Genève après la 2ème guerre mondiale, et la lutte à travers les opérations militaires directes, tel était le cas après les événements du 11 Septembre 2001 aux Etats-Unis. Et comme la lutte contre le terrorisme à travers les opérations militaires pourrait parfois sortir du cadre de la légitimité internationale (tel était le cas en effet pour plusieurs fois), la réclamation de s’engager aux règles de la loi internationale et humaine lors de la lutte contre le terrorisme tout en discutant le concept du terrorisme évoqué dans ces accords. Il expose ensuite au fait à ce que le “comité du terrorisme internationale” provenant de l’Assemblée Générale de la loi internationale, a parvenu à définir un projet d’accord uni concernant la surveillance juridique de la lutte contre le terrorisme.
Alors que le chercheur insiste sur la problématique du terrorisme d’un côté, et sur la lutte pour l’autodétermination d’un autre côté, il justifie le droit d’utiliser la force afin de mettre le droit de l’autodétermination en exécution.
Concernant son opinion vis à vis la guerre contre le terrorisme international après le 11 Septembre 2001, le chercheur considère que pour que l’Ordre Public reste à la hauteur du moyen et que l’être humain reste à la hauteur de la fin, il faut dans le cadre de la lutte contre le terrorisme, prendre en considération les accords et chartes internationaux légitimes des droits de l’homme ainsi que les garanties juridiques et constitutionnelles des Constitutions des différents Etats Démocratiques.
Alors que le chercheur distingue entre ce qu’il a nommé la violence légitime et la violence illégitime, donc le terrorisme, il croit en la nécessité de se soucier à protéger les civils lors de la guerre contre le terrorisme. Il développe son idée concernant les conditions de traitement des prisonniers et de préservation des centres culturels et conclut la nécessité de s’engager à la loi internationale humaine lors de la lutte contre le terrorisme pour que le monde entier ne rentre pas dans la labyrinthe du terrorisme et du contre-terrorisme.