صحة ووقاية

الحساسيّة مشكلة المشاكل إذا تفاقمت
إعداد: ليال صقر الفحل

تترجم ردّات فعل الجسم على المؤثرات

 

أمراض الحساسيّة عديدة وكذلك أعراضها ومسبّباتها وطرق علاجها. «الجيش» التقت الدكتور نبيل أبي فرح (مجاز في الطب الداخلي - أمراض جلديّة وحساسيّة)، الذي ألقى الضوء على مشكلة يعاني كثيرون تبعاتها.


الحساسيّة ومسبباتها
يعرّف الدكتور نبيل أبي فرح الحساسيّة على أنها ردّة فعل أعضاء الجسم وأجهزته على بعض المواد التي تؤثّر على جهاز المناعة وتؤدّي إلى خلل في الأعضاء المصابة, مما يؤدّي إلى ظهور أعراض مرضيّة تعرف بالحساسيّة. وبتعبير آخر, فإنّ الحساسيّة هي ردّة فعل الجسم على المتغيّرات الكيميائيّة التي تحـدث نتيجـة تعرُّض الجسم لمؤثرات خارجيّة أو داخليّة.
ردّة الفعل هذه بحسب الدكتور أبي فرح، قد تكون معتدلة وقد تكون قويّة.
تتّخذ الحساسيّة أشكالاً مختلفة ومتعدّدة، وتتداخل معظم هذه الأشكال بعضها ببعض لترتبط الحساسيّة الجلديّة (Allergie cutanée) بحساسيّة الجهاز الهضمي أي بالحساسيّة على الأطعمة (Allergie alimentaire) والحساسيّة على الأدوية (Allergie médicamenteuse)، بينما ترتبط حساسيّة الأنف أو الإحتقان الأنفي (Rhinite allergique) بالحساسيّة الصدريّة أو حساسيّة الجهاز التنفسي, أو ما يعرف بمرض الربو (Asthme) والتي ترتبـط بدورها بحسـاسيـّة العين...
الحساسيّة بالإجمال, وبحسب الدكتور أبي فرح, هي استقبال الجسم البشري مواداً غير ضارة (تسمّى مسبّبات الحساسيّة) على أنها خطيرة، ما يؤدّي إلى معركة داخل الجسم للتعامل معها. ففي حين يستقبل أشخاص هذه المواد على أنها خطيرة، يستقبلها آخرون من دون أيّ إنزعاج، لأنهم من غير المتحسّسين عليها.
ومن أشهر المواد التي تسبّب الحساسيّة، يذكر الدكتور أبي فرح حبوب اللقاح المتطايرة من الأزهار مع بداية فصل الربيع، الغبار والأتربة، وبر الحيوانات، بعض الأطعمة والعقاقير الطبيّة، كما يشير إلى أن دراسات عديدة أثبتت أنّ للتوتّرات النفسيّة والعصبيّة أثرًا هامًا في أمراض الحساسيّة.


مسبّبات الحساسيّة والأجسام الغريبة
الأجسام الغريبة هي مواد عادة ما تتكوّن من البروتين ويستقبلها الجسم على أنها غريبة، مما يؤدّي إلى قيامه بردّ فعل مناعي، تمامًا كما يحصل عندما يحارب الأمراض.
تعتبر المواد المسبّبة الحساسيّة أنواعًا خاصّة من الأجسام الغريبة التي تؤدّي إلى حدوث ردّ فعل مفرط للحساسيّة، وإلى تفاعل تحسُّسي.
ويرى الدكتور أبي فرح أن وجه الإختلاف بين مسببات الحساسيّة والأجسام الغريبة هو أنّ مسبّبات الحساسيّة غير ضارة لمعظم فئات البشر (عدا المتحسّسين عليها) بينما تعتبر الأجسام الغريبة ضارة للجميع.

 

حساسيّة الأنف
تظهر هذه الحساسيّة غالبًا مع بداية فصل الربيع، لأنّ مسبّباتها الأساسيّة غبار الأشجار والورود والأعشاب التي تتفتّح خلال هذا الفصل وتتطاير جزئيّاتها الصغيرة في الجوّ وتدخل إلى الجسم عبر الأنف، مما يسبّب بتحسّس. عندما يحسّ الجسم بوجود هذه الجزئيات يقوم بتكوين أجسام مضادة تقوم بدورها بالإلتصاق بالخلايا السارية (Mast Cells)، مما يؤدّي إلى إفراغ محتويات الحبيبات الموجودة داخل الخلايا وبالتالي إلى إطلاق مادة كيميائيّة هي الهيستامين (Histamine). الهيستامين يؤدّي إلى انقباض عضلات الشعب الهوائيّة في الرئتَين، مما يسهم في تضييقها. وفي الوقت عينه، توسّع هذه المادة الأوعية الدمويّة مما يسبّب انخفاضًا في ضغط الدم، الأمر الذي يزيد من الإفرازات المخاطيّة فتظهر التفاعلات على شكل زكام. الفارق بين الحساسيّة والزكام العادي هو أنّ الأخير يستمرّ نحو أسبوع، بينما تستمرّ الحساسيّة لشهور. كما أنّ سائل الأنف في حالة الزكام يكون سميكًا أصفر اللون، بينما في حالة الحساسيّة يكون رقيقًا وشفّافًا.


حساسيّة العين
يوضح الدكتور أبي فرح أنّ حساسيّة العين هي إحدى أنواع الحساسيّة التي تصيب ملتحمة العين، وهي نوع معدٍ يمكن أن يصيب الجميع من دون استثناء.
تتجلّى هذه الحساسيّة عادة من خلال حكّة في العينين (سببها إفراز مادة الهيستامين) بالإضافة إلى هبوط الأجفان العلويّة، والإحساس بجسم غريب في العين يترافق مع زيادة للدموع واحمرار، والشعور بعدم القدرة على تحمّل الضوء.
هذه الأعراض هي نفسها أعراض الرمد الربيعي والذي يؤدّي إلى رؤية ضبابيّة بحيث يشعر المصاب «ببرغلة» في العين، ويعاني تجمّع إفرازات خارجها خلال الليل. يمكن تشخيص حساسيّة العين من خلال فحص مخبري يسمح بتمييز حالة الحساسيّة عن الأمراض الأخرى ذات الأعراض المشابهة.
ينصح الدكتور أبي فرح في هذه الحالة بعدم استخدام العدسات اللاصقة التي تؤدّي إلى زيادة حدّة الأعراض والتي يمكن أن تقود المريض إلى التهاب العين الفيروسي والبكتيري. كما ينصح باستخدام النظارات الشمسيّة الطبيّة لتجنّب التعرّض للأشعّة ما فوق البنفسجيّة، إضافة إلى اعتبار المحافظة على نظافة اليدَين والعينين قاعدة ذهبيّة. كما ينصح المرضى بوضع كمادات باردة على العينين مرات عديدة في اليوم للتخفيف من وطأة الحكّة والإحمرار.

 

الحساسيّة الصدريّة أو الربو
الربو هو أحد الأنواع المتطرّفة لحساسيّة الصدر والجهاز التنفسّي، يحدث عندما تتعرّض الممرات والشعب الهوائية الأساسيّة في الرئتين للإلتهاب، مما يسبّب تقلّصًا في عضلات الجدران القصبيّة، مع إفراز كميّة كبيرة من المادة المخاطيّة قد تنساب خارج الرئتين مسبّبة «أزيز نَفَس» وصعوبة بالغة في التنفّس تصل إلى حدّ الإختناق.
تترافق هذه الأعراض مع سعال حاد وازرقاق في الشفتَين والأظافر وسرعة في النبض...
تحفّز أسباب عديدة نوبات الربو، يذكر الدكتور أبي فرح منها، عثّ الغبار، الكيميائيّات، لقاح الأزهار، العفن، الحشرات والإحتكاك المباشر بالحيوانات الأليفة (كلاب، هررة...)، وهو ينصح مرضى حساسيّة الصدر بتجنّب التغيير المفاجئ في درجة الحرارة كالتكييف، والوجود في مناطق درجات الحرارة فيها مرتفعة جدًا أو منخفضة جدًا.
يترتّب على مريض الربو بحسب الدكتور أبي فرح، اتّباع العلاجات المناسبة بصورة منتظمة، مع الإبتعاد عن مسبّبات نوبات الربو قدر المستطاع. وهو يشير في هذا الخصوص إلى أنّ هنالك علاجات وقائيّة تُعطى للمريض تلافيًا لتفاقم حالته المرضيّة.

 

حساسيّة الجلد والجهاز الهضمي
تدخل حساسيّة الأطعمة والأدوية في سياق هاتين الحساسيّتين، إذ يعتبر التحسّس تجاه بعض الأطعمة من المشاكل المنتشرة اليوم. وتفيد الإحصاءات بحسب الدكتور أبي فرح بأنّ 2% من الأميركيين يعانون حساسيّة على نوع أو أكثر من الأطعمة. و90% من حالات الحساسيّة هذه ناتجة عن البروتينات الموجودة في حليب البقر، البيض، الفول السوداني، القمح، الذرة، الصويا، السمك، العسل، الفريز، التوت البرّي، البندق والشوكولا وغيرها.
تراوح أعراض هذا التحسُّس بين:
- ألم في البطن، غثيان، تقيُّؤ.
- طفح جلدي وبقع حمراء على الجلد مصحوبة بحكّة قويّة.
- تورُّم في الشفتين، العينين، الوجه، اللسان والحلق.
ومن الممكن أن تظهر الحساسيّة على الأطعمة أحيانًا على شكل ربو.
ويعتبر تجنّب استهلاك الأطعمة التي تسبّب التحسّس الطريقة الأمثل لمنع هذا التحسّس وذلك بالتعاون مع الطبيب المعالج الذي يجري الفحوصات الضروريّة لتحديد الأصناف التي تسبّب الحساسيّة، ويصف بالتالي العلاج المناســب مع الإمتنـاع عن تناولها.
أمّا عن التحسّس على بعض الأدوية، فيؤكّد الدكتور أبي فرح أنّه يمكن لأي دواء التسبّب بتحسّسات مختلفة لدى بعض الأشخاص، وذلك بسبب المكوّنات الكيميائيّة للعقاقير الطبيّة. وتراوح أعراض هذه التحسّسات بين الخفيفة والشديدة الخطورة، إذ تستطيع هذه العقاقير تهديد حياة الإنسان في حالات معيّنة. ويظهر التحسّس على شكل طفحٍ جلدي أيضًا وحكّة قويّة (مما يفسّر اندراج حساسيّة الجلد ضمن حساسيّة الجهاز الهضمي)، احمرار في العينين والشفتين، جفاف في الحلق والفم، وقد تصل الأعراض أحيانًا إلى حدِّ التسبّب بوهنٍ جسديٍّ عام.
ويعتبر الدكتور أبي فرح أنّ المضادات الحيويّة وفي مقدّمها «البنسلين» وغيرها من العقاقير، مسؤولة عن عددٍ كبير من حالات التحسّس على الأدوية.

 

اكتشاف أسباب التحسّس
مسببات الحساسيّة كثيرة وتحديدها ليس سهلاً لكنه ليس أمرًا مستعصيًا.
ويؤكّد الدكتور أبي فرح أنّ الميل للتحسُّس أمر وراثي، إذ غالبًا ما نرى تحسسًا واحدًا أو أكثر لدى عدّة أفراد ضمن العائلة الواحدة، نتحدّث عندها عن سجلٍّ عائلي وراثي للحساسيّة، ويشير في هذا الخصوص الى أنّ الشخص لا يرث عن عائلته تحسّسًا محدّدًا بقدر ما يرث ميلاً عامًا وتربة صالحة وبالتالي استعدادًا للتحسُّس.
لذلك وعندما تكون أعراض التحسُّس على اختلاف أنواعه خفيفةً، يتمّ اللجوء إلى علاج الحساسيّة التقليدي وهو مضادات الهيستامين (Anti- Histamines).
أمّا في حالات عدم استجابة الأشخاص لهذا العلاج أي في الحالات المرضيّة المفرطة، فيلجأ الإختصاصيون إلى فحوص مخبريّة لتحديد أسباب الحساسيّة، منها: اختبار الدمّ «IGE» الذي تجرى خلاله تجارب على بعض أنواع الأطعمة والغبار... وفي حالات أخرى يتمّ اللجوء إلى اختبار الجلد أو الـ «Test Cutané».
ويعتبر جهاز «EAV» أحدث المعدّات تقنيّة في اكتشاف أسباب التحسُّس اليوم، إذ يتيح اختبارًا شاملاً لمجموعة كبيرة من المواد المسبِّبة للحساسيّة، بما فيها الفيروسات والطفيليات والبكتيريا والمواد التي تؤثّر مباشرة على الجسم سواء كان تأثيرها داخليًا أو خارجيًا.

 

نصائح للوقاية من الحساسيّة
- تجنُّب المحسّسات بشكل عام (عدم الوجود بجوار الحيوانات، عدم ارتداء الملابس التي تتكوّن من الصوف والريش والحرير).
- تجنُّب الوجود في الأماكن حيث الغبار كثيف.
- تجنّب القيام بالأعمال التي تؤدّي إلى تطاير الغبار (استعمال المكنسة الكهربائية بدلاً من المكنسة العاديّة).
- تجنّب الدخول إلى البساتين والغابات، وذلك لاحتوائها على غبار لقاح الأزهار وجزئيات تتطاير من النباتات والأشجار.
- تجنّب التدخين أو الوجود في أماكن المدخّنين، كما ينبغي الإمتناع عن النرجيلة.
- تجنّب الإنفعالات العصبيّة والتوتّر، والتعب المفرط.
- تجنُّب الأدوية التي لدينا شكوك حول تسبّبها بالتحسّس لدينا، ويشدّد الدكتور أبي فرح في هذا الخصوص على ضرورة تحذير الطبيب من وصف عقاقير طبيّة نتحسّس عليها وطلب استبدالها بأصناف مشابهة.
- تجنّب استنشاق المواد غير المألوفة: العطور، مواد التجميل، المطهِّرات والمنظّفات، الأسمدة والمبيدات، مواد البناء (الدهانات).
- تجنّب استهلاك المواد الغذائيّة الملوّنة (أي التي تحتوي على ملوّنات صناعية...).
- تجنّب الرياضات والتمارين القاسية خصوصًا التي تترافق مع طقس بارد (تزلُّج) أو حارّ...

 

النظافة اولًا وأخيرًا
يختم الدكتور أبي فرح مشدّدًا على أنّ أهمّ عامل في تخفيف التحسُّس على اختلاف أنواعه هو النظافة (الشخصيّة والعامة)، مع ما يتطلّبه ذلك من غسلٍ مستمرّ لليدين والوسائد والأغطية (التي يجب ألاّ تتمّ مشاركتها مع الآخرين)، إضافة إلى عدم مشاركة المستحضرات التجميليّة أو الطبيّة مع الآخرين أيضًا. كما شدّد على ضرورة التواصل المستمرّ مع الطبيب المختصّ، لكي يتمّ الإشراف على علاج الحساسيّة عن كثب، محذّرًا المرضى من مداواة حساسيّتهم بأنفسهم، من خلال الإستعانة بالصيدليات لشراء العقاقير والأدوية التي صُرِفَت لأشخاص آخرين يعانون الحساسيّة، إذ تنتج عن هذا الخطأ الشائع مضاعفات شديدة الخطورة يمكن أن تزيد الأمور تعقيدًا.