مواسم وخيرات

الحشيشة في البقاع
إعداد: الدكتور حسين حمود
أستاذ في الجامعة اللبنانية - كلية الزراعة

ظروف زراعتها وأسباب فشل الزراعات البديلة

 

مكافحة زراعة الحشيشة لا تتم فقط من خلال حملات التلف التي تقوم بها القوى الأمنية، إنما وقبل كل شيء، من خلال توفير البدائل المعقولة. فما هي هذه البدائل ولماذا لم تنجح في الحلول مكان الممنوعات حتى الآن؟

 

الوصف النباتي
تعرف نبتة الحشيش باللغة اللاتينية بإسم «Cannabis sativa»، وهي تعني الضوضاء التي تصيب متعاطيها بعد وصول المادة المخدّرة إلى ذروة تأثيرها. ويرى بعض الباحثين أن كلمة حشيش مشتقّة من الكلمة العبرية شيش وهي تعني الفرح نظرًا إلى النشوة التي يشعر بها المتعاطون، وتعرف هذه النبتة باللغة العاميّة في لبنان بإسم الحشيشة.
من الضروري الإشارة إلى أن هناك نوعين من نبات القنّب هما القنّب العادي والقنّب الهندي، حيث يصعب عادة التمييز بينهما. والقنب نبات برّي حولي معمّر، يزرع بالبذور وينمو إلى شجيرة يراوح طولها بين 1 و2.5م. أوراقه طويلة الشكل وخفيفة تتجمّع على شكل مروحة، أمّا أزهاره فهي صغيرة الحجم خضراء اللون وذات غلاف زهري. والقنّب ثنائي المسكن وهذا يعني أن هناك نباتات مذكّرة وأخرى مؤنثة. تنتج النبتة المؤنّثة البذور التي تختزن مادة راتنجيّة تتميّز بإحتوائها على أكبر نسبة من المخدّر وتسمّى «tetrahydrocannabinol»، أمّا النبتة المذكّرة فتحتوي على البذور ولكنّها لا تنتج المادة الراتنجيّة كالأنثى، لذلك فإن أجزاءها لا تحتوي إلا على نسبة قليلة من المادة المخدّرة. يزرع القنّب لأليافه القويّة التي تستخدم في صناعة الأوتار والحبال كما لإستخراج المواد المخدّرة بأشكال مختلفة.

 

شروط زراعة القنّب الهندي
تنجح زراعة الحشيشة في المناطق التي تنجح فيها زراعة القطن إجمالًا، غير أنها تتحمّل درجات الحرارة المنخفضة والصقيع، الأمر الذي يجعلها قادرة على النجاح في مناطق لا تنجح فيها زراعة القطن. ففي سوريا مثلًا تنجح زراعة الحشيشة في مختلف المناطق شمالًا وجنوبًا، وفي لبنان تتركّز بشكل خاص في مناطق البقاع التي تتميّز بمناخ قاري، جاف وبارد شتاءً وحار صيفًا، وبربيع لا يخلو من الصقيع. يزرع الحشيش عادة خلال شهري آذار ونيسان حسب إرتفاع المنطقة عن سطح البحر ويتطلّب تربة خصبة وعميقة، وتختلف كميّة البذار حسب الغرض المراد أي إنتاج الألياف أو البذور. فإنتاج البذور يتطلّب من 15 إلى 25 كلغ بذور/دونم، بينما تزيد هذه الكميّة في حال إنتاج الألياف. يتم نثر البذور خلف سكّة الفلاحة أو بإستعمال البذّارات الآليّة، أمّا خدمة المحصول بعد الزراعة فتتم عبر عمليّات الترقيع، والتفريد والعزيق والري بالإضافة إلى التسميد.

 

ظروف إنتشار زراعة الحشيشة في لبنان
يفيد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدّرات والجريمة، أن لبنان كان خلال فترة الحرب الأهلية المصدر الرئيس للمخدرات في منطقة الشرق الأوسط، وكان ينتج سنويًا ألف طن من الحشيشة وما بين 30 و50 طنًا من الأفيون المكوّن الأساسي للهيرويين.
إن أسباب لجوء أبناء منطقة البقاع وبشكل خاص البقاعين الأوسط والشمالي إلى زراعة المخدرات كثيرة، وأهمها إهمال إنماء هذه المنطقة، حيث الغياب التام لأبسط الخدمات، كالنقص في المستوصفات والمدارس والبنى التحتية، وحيث هموم المعيشة تفوق الإحتمال، والظروف الإقتصادية العامة تزداد سوءًا كل يوم. أما الوضع الزراعي فهو الأسوأ والأشد رداءة لا سيما وأن المزارع البقاعي متروك لرحمة التجار والسماسرة من جهة وقساوة الظروف المناخية من جهة أخرى، من دون أي حماية، ما يشرع الأبواب أمام إستغلاله وشراء محصوله بأدنى الأسعار، وبأقل من سعر الكلفة في أحيان كثيرة. يبلغ عدد العاملين في قطاع الزراعة في منطقة البقاع حوالى 60% من السكان، لذلك يتوارث العديد من العائلات في قرى بعلبك والبقاع زراعة الحشيش عبر الأجيال كونها الأكثر ملاءمة في ظل الظروف الإقتصادية المذكورة. فزراعة الحشيشة كانت تدرّ في الثمانينيات على منطقة بعلبك - الهرمل ما يقارب 500 مليون دولار سنويًا.
مع نهاية الحرب الأهلية في لبنان العام 1990، أطلقت الحكومة اللبنانية برنامج إستئصال المخدرات بالتعاون مع برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، وبفضل الوعود التي قدمتها برامج المساندة الحكومية والدعم المالي العالمي، توقف الفلاحون عن زراعة الحشيشة. وبحلول العام 1994 أعلن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة أن سهل البقاع خال من المخدرات، وقدر كلفة عدم العودة إلى إنتاجها بـ 300 مليون دولار أميركي. لكن القيمة التي تم تسلمها من هذا المبلغ حتى حلول العام 2001 لم تتخط الـ17 مليون دولار، لذا سرعان ما فشل البرنامج، بينما استمر البحث عن طرق جديدة لإقناع المزارعين بزراعة المحاصيل الشرعية الأخرى البديلة. ومن البدائل التي طرحت زراعة النباتات ذات الخواص الطبية والتي يمكن بيع منتجاتها لشركات الأدوية، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل في ظل غياب الدعم المالي من الدولة أو الأمم المتحدة، وفي ظل غياب إستراتيجية رسمية لزراعات بديلة تؤمن للمزارع الإستقرار الإقتصادي.
وهكذا عادت زراعة الحشيشة إلى سابق عهدها، وعادت حملات مكافحتها بحيث كانت القوى الأمنية تتلف سنويًا ما بين 1000 و6500 هكتار من الحشيشة في مجمل قرى بعلبك - الهرمل.

 

أهم الزراعات البديلة
هناك بعض النباتات التي تنتمي إلى مجموعة الحبوب مثل القمح والشعير يصلح لأن يكون زراعات بديلة للمخدّرات خصوصًا أنها محاصيل ذات أهميّة إستراتيجيّة كونها متصلة بشكل مباشر بالأمن الغذائي. كذلك نباتات المحاصيل الواسعة كالذرة ودوّار الشمس والشمندر السكّري تصلح أيضًا كزراعات بديلة. بدورها، دخلت النباتات العلفية كالصويا والفصّة والبرسيم والشمندر العلفي وغيرها، في برامج الزراعات البديلة، وأخيرًا اعتمدت النباتات الطبيّة والعطرية وفي مقدمها الزعتر وإكليل الجبل والسمّاق والمليسة والمردكوش والورد الجوري وغيرها من النباتات التي يتحدّر معظمها من هذه المنطقة أو تأقلم فيها منذ زمن طويل بحيث، أصبحت جزءًا من المركّب الجغرافي - المناخي الذي نعيش في ظلّه. كل هذه النباتات وغيرها الكثير، كالخضار في البيوت البلاستيكيّة والورود، قادرة على أن تكون زراعات بديلة ناجحة شرط أن تتوافر لها أسباب النجاح المتمثّلة بدعم الدولة لخفض كلفة الإنتاج وحماية هذا الإنتاج من المنافسة وتصريفه، والتعويض على المزارعين في حالات الكوارث الطبيعية.

 

محاولات لم تنجح
تعود حكاية دوّار الشمس كزراعة بديلة عن المخدّرات في البقاع إلى أواسط الستّينيات، عندما وعد الرئيس شارل حلو المزارعين بدعم الزراعات البديلة وفي مقدمها دوّار الشمس، وتخصيص ميزانية خاصة لشراء المحصول بأسعار تشجيعية.
نجحت زراعة دوّار الشمس وتمّ جني المحصول لكنه تكدّس في المخازن سنة وراء أخرى حتّى بات معظمه طعامًا للفئران... أما الأموال التي خصصتها الأمم المتحدة لدعم زراعات بديلة في التسعينيات فقد تبددت من دون أن تحقق الهدف الذي رصدت له.
وثمة العديد من البدائل التي يمكن أن تكون ناجحة ومربحة ومنها نبتة العصفر، وهي نبتة زيتية تتمتع بمواصفات عالية ويمكن المباشرة بزراعتها واستخراج الزيت منها بدل الإستمرار في استيراد زيت الصويا من الخارج وهذا ما يوفر على الدولة عشرات ملايين الدولارات، وفق ما يرى البروفسور محمد فرّان ( الجامعة الأميركية في بيروت). ويشير فرّان أيضًا إلى زراعات أخرى كالشعير المقاوم للجفاف والبقوليات، والقنّب الصناعي (وهو غير مخدّر) الذي يمكن تصديره للخارج حيث أن ألمانيا مثلًا تستخدم كميات كبيرة من أليافه في صناعة السيارات. عمليًا لاقت دعوات الحكومات اللبنانية المتعاقبة وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة أصداء إيجابية لدى المزارعين البقاعيين فكانت زراعة الزعفران التي وجدت طريقها إلى حقول القاع والهرمل. خليل وهبي أحد المزارعين الذين تحولوا إلى زراعة هذه النبتة يوضح أنها «لا تعطي في السنة الأولى زهرًا بشكل جيد، ولكن في السنة التالية يعطي الدونم كيلوغرامًا من الإنتاج، وهو يعتبر أن هذه الزراعة ناجحة وغير مكلفة ولا تحتاج الى أسمدة إنما للعمل، حيث يحتاج الدونم لخمسة عمال يوميًا، ويقول وهبي: «لدي كيلوغرام واحد من الزعفران من السنة الماضية لم أستطع تصريفه»، داعيًا الدولة إلى الإهتمام بهذه الزراعة.
نستخلص من كل ما ورد أعلاه أن فكرة الزراعات البديلة هي قابلة للتحقيق شرط أن تتبنى الدولة رسميًا هذه الإستراتيجية، وأن توفر كل الإمكانات والوسائل والشروط الضرورية لنجاحها.

 

إجراءات ضرورية
تتباين الآراء والنظريات حول مفهوم الزراعات البديلة، فبعضها يرى أن حل المشكلة يكمن في إحداث أنواع جديدة من النباتات تتميز بانخفاض كلفة انتاجها كالقمح والشعير المقاومين للجفاف، أو النباتات الطبّية والعطرية والتي هي أيضًا متواضعة للغاية من حيث متطلّبات نموّها ونجاحها، غير أن الجزء الأكبر من هذه النظريات والآراء يرى أن أسباب المشكلة لا تكمن في نوع النباتات التي ستزرع مكان الحشيشة بل في مدى دعم الدولة ومساهمتها في إنجاح زراعة ما. ويقول رئيس نقابة المزارعين في لبنان أنطوان الحويّك: «إن الزراعات البديلة هي شيء لا وجود له في الإقتصاد اللبناني وإن لبنان غني بزراعاته، ولكن المشكلة هي في كيفيّة جعل الإنتاج اللبناني تنافسيًا»، ويعطي مثلًا حول ذلك عن «زراعة التفّاح التي لن نستبدلها بزراعة البن مثلًا بل يجب تحسين نوعية الإنتاج وكيفية توضيبه وحمايته من التلوث بالإضافة إلى تخفيض كلفة إنتاجه، فالمشكلة الأساسيّة تكمن في عدم قدرة الإنتاج الزراعي اللبناني على المنافسة في ظل ارتفاع الكلفة قياسًا بما هي عليه في سوريا والأردن ومصر والسعودية.
أخيرًا لا بد من الإشارة إلى برامج واعدة لإنجاح الزراعات البديلة حيث قررت الحكومة الحالية في جلستها بتاريخ 29/8/2012، دعم برنامج هذه الزراعات في البقاع بمبلغ 45 مليار ليرة، منها 25 مليارًا لزراعة الشمندر السكّري و20 مليارًا لدعم وتنمية الزراعة في بعلبك - الهرمل بعد أن ألغي دعم زراعة الشمندر العام 2006 والقمح العام 2007. ويضاف إلى ما سبق عدد من المشاريع لتطوير زراعة الحبوب والأعلاف وانتاج الحليب وإقامة برك... وسوى ذلك مما تضمنته الخطة الخمسية لوزارة الزراعة.