قضايا إقليمية

الحـرب الالكترونيـة بيـــــــن اسرائيل وايران
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الاسرائيلية

تعتبر الحرب الإلكترونية من أبرز ثمار ثورة تكنولوجيا المعلومات والإنترنت. فالفضاء الالكتروني (Cyberspace) مصطلح حديث، ظهر في العقود الأخيرة نتيجة ثورة تكنولوجيا المعلومات. وهو يشمل في ما يشمل، جميع الحواسيب والمعلومات التي في داخلها والأنظمة والبرامج والشبكات المفتوحة لاستعمال الجمهور العام أو تلك الشبكات التي صممت لاستعمال فئة محددة من المستعملين ومنفصلة عن شبكة الإنترنت العامة.
وفي سياق تأكيده أهمية الموضوع، كتب الكاتب الاسرائيلي عوفر شيلاح في «معاريف» ما يلي:
«هناك مشكلتان: الاولى هي ان الحديث لا يدور عن مجال عسكري صرف، بل عن منظومات وطنية بحجم هائل، من الصعب تحديد سلم الاولويات فيها، وشبكة الكهرباء والمنظومة البنكية والبورصة والطيران هي مجرد أمثلة على منظومات، يمكن المسّ بإحداها أن يلحق ضررًا هائلًا. فكلها تقريبًا تعتمد على الاتصال المتواصل مع الخارج، الامر الذي يزيد من صعوبة حمايتها.
والمشكلة الثانية: هي الميل الاسرائيلي المعروف إلى تفضيل الهجوم على الدفاع. ونحن لدينا تاريخ معروف من التسلل الى منظومات «العدو» وتشويشها. لكن الدفاع الالكتروني يرتبط ايضًا بالسلوك المنضبط والمرتب للأفراد والمنظمات، الأمر الذي صعب على الاسرائيليين ان يتميزوا به حتى اليوم».
ويشير الجنرال يتسحاق بن يسرائيل، رئيس «المجلس الوطني للبحث والتطوير»، إلى وجود فجوة في إسرائيل بين الاحتياطات الدفاعية عن البنى التحتية الأمنية، وبين الدفاع عن بنى تحتية مدنية حساسة ومهمة ضد هجمات في الفضاء الالكتروني. ويضيف أن الهجمات في الفضاء الالكتروني تحدث يوميًا وأنها ليست جزءًا من الخيال العلمي بل هي حقيقة واقعة. و«جزء من هذه الهجمات يسبب ازعاجًا، بينما قد يلحق الجزء الآخر منها أضرارًا جسيمة. فهناك الكثير من البرامج والأنظمة المتطورة التي يمكن استعمالها في الفضاء الالكتروني، قد تشل عمل مرافق الدولة الأساسية وتعطله».
ويقول بن يسرائيل إن أحد أهداف إقامة «هيئة السايبر الوطنية» في إسرائيل، التي أعلن عن تأسيسها في أيار  2011، هو إنشاء «الحاسوب المتطور» في إحدى الجامعات بإسرائيل، إذ لا تملك إسرائيل مثل هذا الحاسوب، ويحظر بيعه إليها، لعدم توقيعها على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية. وفي سياق هذا الاهتمام الإسرائيلي بحرب الفضاء الالكتروني صدر باللغة العبرية، في حزيران  2011، عن معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، كتاب «حرب الفضاء الالكتروني: اتجاهات وتأثيرات على إسرائيل»، للباحثين شموئيل ايفن ودافيد بن سيمان - طوف، العاملين في معهد أبحاث الأمن القومي، حيث يشيرالمؤلفان إلى أن الفضاء الالكتروني بات مجال قتال جديد، وانضم بذلك إلى مجالات القتال الأخرى، في اليابسة والبحر والجو والفضاء. فالدول المتطورة وجيوشها تزيد من نشاطاتها وأبحاثها في الفضاء الالكتروني الذي أصبح يشكل بالنسبة إليها مصدر قوة عظيمة، ولكنه في الوقت نفسه يكشف خاصرتها الضعيفة، لأن البنى التحتية التي تقوم عليها الدول الحديثة مثل الكهرباء والمياه والمواصلات والاتصالات والبورصة والبنوك، تعتمد في عملها على الفضاء الالكتروني. وكذلك شبكات القيادة والسيطرة والتحكم العسكرية ومختلف أنواع التكنولوجيا المتطورة في ساحات القتال؛ مثل: أنظمة جمع المعلومات، واستعمال الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار في الحرب، والميزات التي يتمتع بها الفضاء الالكتروني تجعله جذابًا للاستعمال في القتال خلال الحرب، إلى جانب الأسلحة التقليدية، مثل الهجوم الذي تعرض له المفاعل النووي الإيراني العام 2009، حيث اعتبر المؤلفان أن هذا الهجوم كان حدثًا تأسيسيًا في مجال حرب الفضاء الالكتروني، وشكل مرحلة جديدة في تطور استعمال الفضاء الالكتروني في مجال القتال.
وينقل بن كاسبيت، كبير المعلقين في صحيفة «معاريف» عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها أن لإيران مصلحة واضحة في شن حرب إلكترونية مضادة ذات أبعاد استراتيجية ضد إسرائيل، وذلك ردًا على الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها، واتهمت إسرائيل بالوقوف خلفها، وتحديدًا توظيف فيروس Stuxnet في تعطيل أجهزة الطرد المركزي الايرانية التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم، علاوة على شن عدد من الهجمات التي استهدفت مخازن صواريخ في أنحاء متفرقة من إيران.
ويضيف بن كاسبيت: « لقد اختارت إسرائيل أن تشن حربًا إلكترونية على إيران، وعليها أن تواجه الحرب نفسها وألا تلوم سوى نفسها».
وتُجمع كل الجهات ذات العلاقة بقضايا الأمن القومي الإسرائيلي، على أن أي حرب إلكترونية تشن على إسرائيل يمكن أن تحدث أضرارًا استراتيجية أخطر بكثير من مجرد المس ببطاقات الائتمان.
ويقول متان فلنائي، وزير الجبهة الداخلية الإسرائيلي إنه نظرًا الى أن المؤسسات المدنية والعسكرية في إسرائيل توظف أكثر التقنيات الحديثة تقدمًا، فإن منظوماتها تكون أكثر عرضة للاختراق من قبل الأطراف المعادية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا تعتبر إيران في نظر الإسرائيليين الطرف المرشح لتأدية الدور الأساسي في الحرب الإلكترونية ضد الدولة العبرية، وهل قدرات إيران تسمح بتنفيذ هجمات إلكترونية ذات بعد استراتيجي على إسرائيل؟ إليكس فيشمان، كبير المعلقين العسكريين في صحيفة «يديعوت أحرنوت»، يجيب بقوله إن التجربة قد دلّت على أن لدى الإيرانيين القدرة على تنفيذ هجمات إلكترونية بالغة الخطورة، ويتساءل: «إن كانت إيران قد تمكنت مؤخرًا من السيطرة على أهم وأكثر الطائرات الأميركية بدون طيار سرية وأعظمها كلفة عبر توظيف تقنيات متقدمة، فهل من المستهجن أن يتمكن الإيرانيون من اختراق بطاقات الائتمان لعشرات الآلاف من الإسرائيليين؟». ويشير فيشمان إلى أن الإيرانيين يملكون سجلاً من الانجازات في مجال الحرب الإلكترونية، حيث تمكنوا من تحقيق انجاز «مذهل»، تمثل في إبطال عمل هيئة القيادة التي تتحكم في تشغيل وتوجيهها الطائرات بدون طيار الأميركية العاملة في العراق، مع العلم أن مقر هذه الهيئة موجود في قاعدة عسكرية داخل الولايات المتحدة.
وأوضح فيشمان أن الإيرانيين تمكنوا في أواخر ثمانينيات القرن الماضي من فك شيفرة طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي كانت تستخدم في عمليات الرصد والتصوير في سماء لبنان، وتمكنوا من خلالها، من مد مقاتلي «حزب اللـه» بالمعلومات التي أسهمت في تعقب أنشطة الوحدات الخاصة الإسرائيلية التي كانت تعمل في جنوب لبنان الخاضع في حينه للاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي أسفر عن استدراج وحدة النخبة من «المستعربين» في سلاح البحرية الإسرائيلية، المعروفة بـ«شييطيت13»، الى فخ مميت اودى بحياة  12 شخصًا من عناصرها ولم ينج منهم سوى عامل اللاسلكي الذي كان فــي المؤخـــرة.