تسلّح وتكنولوجيا

الحـرب الرقمية ومنظومــة السيطرة الكاملة
إعداد: كمال مساعد

حولت أنظمة الإتصال السريع المعلوماتية مسرح المعارك الى ميدان رقمي, وبات التحكم بسيرها يتم بواسطة الشاشة اللمسية الرقمية انطلاقاً من غرفة القيادة الصغيرة على متن الدبابات والمدرعات. وتشكل هذه الثورة المعلوماتية في صفوف الجيش الأميركي عاملاً حاسماً على صعيد الأداء والفعالية مقارنة بما كانت عليه في حرب الخليج الثانية عام 1991. وقد انفقت وزارة الدفاع الأميركية خلال 12 عاماً بلايين الدولارات كي تصبح أنظمة الاتصالات المعلوماتية السريعة جداً, مفتاح قدرتها الأساسي في المناورة وإصابة
الأهداف بدقة.
والمعركة الرقمية مؤلفة من منظومات الأقمار الصناعية ومراكز الإتصال والقيادة والسيطرة الرقمية, والأسلحة دقيقة التوجيه, والإجراءات الإلكترونية وغيرها الكثير... فمقاتل اليوم أصبح يقاتل بواسطة شاشات رقمية توفر له سرعة الاستجابة, اذ لم تعد البوصلات والخرائط كافية لتحديد مواقع القوات المعادية خلال المعارك, وبالتالي لم يعد البطء في رد الفعل والمبادرة الى إطلاق النار صفة من صفات صنوف المدفعية والدبابات كافة, فمع إدخال التكنولوجيا الحديثة أصبحت الأسلحة الفتاكة للقوات البرية والبحرية والجوية تعتمد على ما يسمى التكنولوجيا الرقمية, وبالتالي أصبحت الحرب حرباً رقمية.

 

مفهوم الحرب الرقمية

يشمل مفهوم هذا التطوّر التكنولوجي الذي أدخل الى أنواع الأسلحة كافة صفة التفوّق, صور السواتل ونظارات الرؤية الليلية والأجهزة التي تعمل بالأشعة ما دون الحمراء, وهي الوسائل الحديثة لرصد العدو وتحركات قواته. حيث أصبح كل جندي في سلاحي المشاة والبحرية الأميركيين مجهزاً بنظارة للرؤية الليلية, تمكنه من كشف حقل المعركة فيما عدوه قابع في الظلمة إذا لم يكن مجهزاً بنظارات مشابهة.
وفي الدبابات الحديثة لم يعد إدخال المعلومات على أسلحتها ومدافعها يدوياً, فقد باتت الدبابات من طراز "برادلي" مثلاً قادرة على كشف أهدافها من خلال تصويب أشعة ما دون الحمراء إليها, فتحدد مواقعها بدقة ثم تحوّل هذه المعلومات الى جهاز كمبيوتر ينقلها بدوره الى ضباط إدارة الرمي, الذين يفتحون النار خلال دقيقتين من تحديد الهدف ويحققون إصابات أكيدة بالأهداف على مسافة 30 كلم.
وفضلاً عن أجهزة الرؤية الليلية, جهّز جنود المشاة أيضاً بنظام التموضع العام (GPS - Global Positioning Systems) يستطيع تحديد مواقع المقاتلين وأسلحتهم الخفيفة والثقيلة على السواء. وإضافة الى ذلك, أدخلت وزارة الدفاع الأميركية تعديلات الكترونية رقمية مهمة على دبابة ابرامز لتحمل اسم "M1A2", وهذا الطراز من الدبابات مزود بأجهزة كومبيوتر قوية جداً وبأنظمة تعرّف على الأهداف المحسنة تعمل بالليزر وتصوب بإستخدام الأشعة تحت الحمراء, وبذلك تستطيع القيام بدور فعّال في تحديد الأهداف والإستطلاع وتحويل كافة المعلومات الى غرفة القيادة الخلفية. أما مدفعها الذي يبلغ قطره 120 مليمتراً, فقادر على تدمير الأهداف من على بعد 4 كيلومترات, في حين يستطيع نظام التعرف الذي يعمل بأشعة الليزر تحديد الآليات والمباني المستهدفة بالقصف من على بعد ثمانية كيلومترات, حيث تتولى المدافع والطائرات العمودية المطاردة للدبابة العدوة مهمة تدميرها.
ويستطيع القادة الميدانيون مشاهدة وتحديد موقع الآلية على هذه الشبكة ومراقبة تحركات بقية الآليات بالوقت الحقيقي, لتحويل هذه المعلومات والمعطيات عبر الأقمار الاصطناعية الى كافة مراكز القيادة أينما وجدت.
وبدلاً من تتبع خرائط الطرق التي كان معمولاً بها في السابق, تقوم أجهزة الرصد التكتيكية بعرض صور الأقمار الاصطناعية للبيئة الطبيعية التي تتواجد فيها ساحة القتال, وتظهر الدبابات والمدرعات "الصديقة" على شكل نقطة مضيئة باللون الأزرق, كما تبدو النقاط المستهدفة التي يتم تحديدها من على بعد كيلومترات عدة, كنقاط مضيئة حمراء. فبفضل الأقمار الاصطناعية التي تقوم في الواقع بمهمة تجسسية فوق أرض المعركة, يستطيع كل طاقم رؤية خريطة رقمية لمساحات أرضية بما فيها أبعادها الثلاثة, الأمر الذي يسهل لكل قائد دراسة وافية لخططه بالمقارنة مع طبيعة أرض المعركة, وبالتالي تسهل عملية اتخاذ القرار المناسب المتعلق بطريقة تنفيذ المهمة القتالية, وتحديد أنجع أنواع الأسلحة الواجب استعمالها للحصول على النتائج المطلوبة من العملية العسكرية. فضرب تجمعات الآليات المعادية أو القضاء على مقاومة القوات, أو تدمير جسر في عمليات مختلفة يحتاج كل منها الى وسائل تدمير مختلفة.
وهكذا أصبح باستطاعة القائد المتواجد في غرفة عمليات الخطوط الخلفية, التي تبعد أميالاً عن خطوط المواجهة وأرض المعركة, أن يراقب كل آلية ويحدد موقعها ويقرر كميات الذخائر المطلوبة لتدميرها, وبالتالي أصبح بإمكان القائد وضع الخطة القتالية المناسبة قبل إصدار أوامره الى شاشة الكمبيوتر التي يتابعها الطاقم المختص.
وتتطلع الولايات المتحدة الأميركية الآن الى جيش أسرع وأخف وأكثر ذكاء من أي جيش آخر, وذلك من خلال التقنية الجديدة للحرب الرقمية. فالعمل جار لوضع هذه الشاشات الصغيرة في أنواع العربات القتالية كافة بدءاً بدبابة "ABRAMS - M1AI" ومدرعات "برادلي" وانتهاءً بالسيارات المصفحة والمدافع الذاتية الحركة.
وإذا سار كل شيء بحسب المخطط المطلوب للآليات, فإن الجيش الأميركي سيوسع دائرة استخدام الأجهزة اللاسلكية, بحيث تشمل جنود المشاة كافة كي يسهل التعرف عليهم وتمييزهم الكترونياً مع آلياتهم عن جنود العدو وآلياته. كل هذا التحديث يتجانس مع توفر الأقمار الإصطناعية وطائرات التجسس غير الآهلة التي تحلق فوق أرض المعركة وأماكن تواجد العدو.
لكن تطوير الحرب الرقمية بهذا الشكل لا بد وأن ينعكس على حجم القوات وعدد الجيوش, فهناك تغييرات دراماتيكية ستحدث في بنية الجيوش التقليدية وتؤدي الى خلل في السلسلة القيادية, فيصبح مثلاً قائد الدبابة قادراً على اتخاذ قرار صعب كان في السابق من صلاحيات القادة في أعلى المستويات, وبالتالي يصبح الإتكال على جهاز الكمبيوتر أهم من آراء القادة.

 

استخدام الأقمار الاصطناعية وأجهزة الرصد التكتيكية

بما أن نظام الإتصالات عبر الأقمار الاصطناعية يشكل عصب جهوزية وفعالية هذه الآليات والأسلحة, فقد ضاعفت وزارة الدفاع الأميركية في الأشهر الأخيرة مشترياتها لحقوق استخدام الأقمار الاصطناعية التجارية لسد النقص الذي يعاني منه أسطولها الفضائي المداري, بعدما ضاعف الجيش الأميركي من لجوئه الى الإستعانة بقدرات الأقمار الاصطناعية أكثر من عشر مرات, مقارنة بحرب الخليج الثانية, لذلك بات الجيش بحاجة الى شريط عريض جداً بغية التمكن من تحويل ونقل الكم الهائل من المعلومات والمعطيات الى القوات العاملة في ميادين القتال والطائرات والصواريخ أثناء تحليقها وطيرانها في الجو. ومن الأمثلة على ذلك, الطائرة من دون طيار التي تحمل اسم "RQ-1Predator", التي يتم التحكم فيها عن بعد, وعلى مسافة تبلغ آلاف الكيلومترات, بفضل ضبط قيادتها وتحركاتها عبر اتصالات الأقمار الاصطناعية, ويحتاج تشغيل هذا النوع من الطائرات الى أشرطة اتصالات عريضة جداً.
ولا يقتصر استخدام نظام التوجيه عن بعد على الطائرات من دون طيار, بل يتعداه الى القنابل أيضاً, فقد أكد رئيس مجلة "جينز ديفنس" المختصة بالشؤون العسكرية, أن الجيش الأميركي يعكف حالياً على تطوير أنواع عدة من الأسلحة التي تقضي على آثار الأسلحة الكيماوية والجرثومية لدى تفجيرها, ويتم التحكم بها عن بعد.
إن تطوير هذه الأسلحة يندرج في خانة الأسرار العسكرية, وربما تم استخدام البعض منها في الحرب الأميركية ­ البريطانية على العراق, خاصة في ضرب المطار. تقوم هذه القنابل بنشر مواد كيماوية حارقة تحدث احتراقاً ولهباً طويل الأمد, يتولى الحيلولة دون بعثرة المواد المتفجرة التي يحتويها الهدف الذي يتعرض للهجوم. وهناك نماذج أخرى تنشر مزيجاً من المواد الكيماوية القادرة على تحييد مفعول السلاح الكيماوي أو الجرثومي لتقليص أخطار التهديد.
ويتم القاء هذه القنابل من الطائرات على الهدف, وتترافق كل منها بأخرى موجهة بأشعة الليزر أو بنظام التموضع العام "GPS", ولدى اختراق القنبلة لمستودع الأسلحة الكيماوية أو الجرثومية تحت الأرض, تقوم صفائح النحاس بدخول المستودعات الكيماوية قبل اشتعال الشحنة القابلة للاحتراق, وتؤدي هذه العملية الى ارتفاع حاد في الحرارة ونشر غازات يمكن إبطال مفعولها بالكلور, كما يمكن لهذا النوع من الأسلحة إغلاق المستودع حتى انتهاء المعارك.


المراجع

­ خدمة USA Today ­ خاص الشرق الأوسط 15/3/2003.
­ الحياة ­ 8 /4 /2003.
­ الوسط ­ 14 /4 /2003.
­ لوس أنجلوس تايمز ­ 11 /5 /2003.
­ الدفاعية ­ عدد نيسان / أيار 2003.
­ النهار ­ 22 /2 /2003.
­ مجلة جينز ديفنس ­ ترجمة الوسط, 14 نيسان 2003.