وجهة نظر

الحقيبة الدبلوماسيّة «لستم وحدكم»
إعداد: جورج علم

يشرف النادي الدبلوماسي في لبنان على مفارق، وتقاطعات طرق، واتصالات ومواصلات متعددة الجنسيات (عربيّة، إقليميّة، ودوليّة)، وهي نشطة، حساسة، وعلى مستوى عالٍ من الدقة. فبيروت لا تزال عاصمة رصد الحدث، ومستودع الأسرار والأخبار، وملفى «الأنتليجنسيا المعلوماتيّة»، حيث حنين وشغف لا يضاهى عند «أصحاب السعادة»، حملة الحقائب الجلديّة الفخمة، والمهمات الممهورة بخاتم «سرّي جدًا». وعلى الطاولة المستديرة عند تلك الشرفة المطلّة على أحوال الوطن والناس، «تفلفش» الأصابع الناعمة أوراق ملفات ثلاثة هي محور اهتمام البعثات هذه الأيام، كونها تفرض نفسها على أرض الواقع:
• كيفية المساعدة على مكافحة الإرهاب.

• تسليح الجيش.
• الحرص على الحدّ الأدنى من الاستقرار، وحماية السلم الأهلي.

 

«لستم وحدكم» فرنسية
يختصر هذا الاهتمام الفائض، بعبارة «دارجة» هذه الأيام: «لستم وحدكم.. نحن إلى جانبكم»... قالها وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دوريان، في المطار، وهو يشرف على تسليم الدفعة الأولى من السلاح الفرنسي للجيش اللبناني.
ويعتبر الوزير الفرنسي، من كبار الملمّين بثقافات الشرق الأوسط. شخصيّة مثقفة، متابعة لأدق التفاصيل في العالم العربي، له خبرة واسعة في الملفات الساخنة، والمتفاعلة، وصل إلى مكتبه في وزارة الدفاع متجاوزًا بوابتين: خلفيته الدبلوماسيّة – الأكاديميّة، وثقافته الواسعة بأحوال المنطقة. لم تكن زيارته إلى بيروت بروتوكوليّة، لقد صنّفت تحت عنوان آخر: «إنها الحلقة المتينة في مسلسل التواصل والتعاون». قبله كان الدبلوماسي جان فرنسوا جيرو. وتبقى الأبواب بعده مفتوحة أمام المزيد من الوفود، والمزيد من الزيارات التي تقتضيها المصالح اللبنانية – الفرنسيّة المشتركة.
قال كلمته الشهيرة «لستم وحدكم». أراد أن يضفي بارقة أمل على الجهود التي تبذل هنا، وهناك، وهنالك، لتمكين السفينة من بلوغ شاطىء الأمان وسط الأنواء والأعاصير التي تحاصرها من كلّ حدب وصوب، و«مساندة المؤسسة العسكريّة الضامنة والمؤتمنة كي تستمر في الدفاع، والتضحية للذود عن سيادة الوطن ووحدة ترابه».
 

... ودعم أميركي
«لستم وحدكم»... قالتها أيضًا الولايات المتحدة على لسان سفيرها لدى لبنان ديفيد هيل. لا يترك هذا الدبلوماسي النشط مناسبة، إلاّ ويؤكد فيها دعم بلاده لسياسة «النأي بالنفس»، والحدّ من التداعيات الخارجيّة على الأوضاع الداخليّة. يشدد على دور لبنان في مكافحة الإرهاب، ويثني على الجهود التي تضطلع بها المؤسسة العسكريّة لحماية السيادة، والسلم الأهلي.
ويذكّر هيل دائمًا بالعناوين الكبرى للسياسة الأميركيّة تجاه لبنان في هذه المرحلة: دعم دور لبنان في الجهود العالميّة لمواجهة التطرف العنيف. والحرص على أن يبقى مثال التعايش الذي يقدّمه، والذي يشكّل النقيض لثقافة التطرف والمتطرفين، ومواجهة هذا التطرف حتى تدميره بالكامل.
ولأن التحدّي معقّد، ومتعدّد الأوجه، فهو يرى أنه إلى جانب الجهد العسكري، هناك جهد عالمي لوقف تدفّق المقاتلين الأجانب إلى دول المنطقة، وقطع التمويل عن المتطرفين، وتوفير الإغاثة الإنسانية، والدعم لضحايا الإرهاب، ومواجهة الدعاية المتطرّفة، والتعاون بين الدول لإنجاح استراتيجيّة المواجهة.
ويعتبر السفير الأميركي أن تمدّد الإرهاب والتطرّف لم ينته بعد، ومن المهم جدّا التشديد على أن لدى لبنان نقاط قوّة كثيرة لمواجهة التحديات الأمنيّة، يحددها بالآتي:
• لدى الجيش، والأجهزة الأمنية، الإرادة والإلتزام للدفاع عن لبنان، وهم يفعلون ذلك بشجاعة وتصميم.
• إن جهود اللبنانيين موحّدة وراء جهود مواجهة التطرف العنيف.
• لستم وحدكم، يمكنكم الإعتماد على الدعم المستمر والهادف من الولايات المتحدة، وغيرها، لضمان بأن لديكم الوسائل للدفاع.
• إن قيمنا المشتركة تميّزنا عن هؤلاء المتطرفين، هذه القيم المشتركة هي أقوى من أي جاذبيّة كاذبة من المتطرفين، لذا سوف ننتصر.
• أخيرًا، ربما كان للمجتمع الدولي خلافات في أماكن أخرى في المنطقة، ولكننا متحدون في رغبتنا في مساعدة لبنان بعزل نفسه عن هذه التهديدات والصراعات الخارجيّة.
 

نكهة إسبانية
«لستم وحدكم»، قالها كذلك ملك إسبانيا فيليب السادس خلال زيارته بيروت، وتفقّده الكتيبة الإسبانيّة العاملة في إطار القوات الدوليّة في الجنوب. كانت له لقاءات مع كبار المسؤولين، واعتبر أن مشاركة إسبانيا في «اليونيفيل» دليل قاطع على وقوفها إلى جانب لبنان، وحرصها على سيادته، وسلمه الأهلي، ودعم المؤسسات الرسمية كي تضطلع بواجباتها على أكمل وجه.
ذكّر بدور إسبانيا في إطار الإتحاد الأوروبـي، ومساهـمـاتــهــا الإنـسـانيــة للتخفيف من وطأة المعاناة، والخطوات العملية التي تقوم بها لمواجهة الإرهاب، والحدّ من إنتشار «ثقافة التوحش، واستهداف الآخر أيًّا كانت جنسيته، وبشرته، ودينه، ومذهبه».
 

تعاون عملاني
«لستم وحدكم»، قالتها مجموعة من قضاة النيابات العامة، في ختام دورة تدريبية في بيروت، مع ضبّاط من الجيش، وقوى الأمن الداخلي، تميّزت باحتراف عالٍ في تحليل مسرح الجريمة، وتحديد نوع العبوات غير النظاميّة، وعملها، وتقنية معالجتها، وتفكيكها.
منذ أربع سنوات، توجّهت بعض الدول الغربيّة المتمكنة إلى زيادة دعم المؤسسات الأمنية والقضائية في لبنان، وحصل تنسيق بين مكتب التحقيقات الفدراليّة في الولايات المتحدة، والجيش اللبناني، ومجلس القضاء الأعلى لتدريب ضبّاط، وقضاة في النيابات العامة، ودوائر التحقيق، وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وفي هذا الإطار اتفق وزير العدل، ومدّعي عام التمييز الأميركييّن على تأهيل «مجموعات عمل مشتركة» من الجيش اللبناني، والقضاء، وقوى الأمن الداخلي لمكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، ومواجهة الأخطار الناجمة عن توسّع عمليات تهريب المخدرات، وتهريب الأسلحة الحربيّة. وعقدت دورات عمل مكثّفة عديدة بين لبنان، والولايات المتحدة خلال العامين 2014 – 2015.
 

... ودعم إلماني
«لستم وحدكم»، قالها وزير التعاون والتنمية الاقتصاديّة الألماني غيرهالد مولر أثناء زيارته إلى بيروت أخيرًا، حيث أعلن عن وقوف بلاده إلى جانب لبنان في تعامله مع المشاكل الكبيرة الناتجة عن مسألة النازحين واللاجئين، وأعلن عن تقديم مبلغ يعادل 55 مليون يورو، يصار إلى استخدامه في مجال البنية التحتيّة، مثل مياه الشفة، والصرف الصحيّ، والنفايات، وبعض النواحي الأخرى. وقال: «هذا يخدم اللاجئين، ولكن نريده أيضًا أن يخدم الشعب اللبناني».
 

... وفنلندي أيضًا
أعلنت فنلندا عن دعم مالي لوكالة «الأونروا» بقيمة 4.8 ملايين دولار سنويًّا حتى العام 2018. وكانت مديرة «الأونروا» في بيروت هيلي أوزيكيلا قد ناقشت مع المسؤولين المختصين ملف تعليم التلامذة الفلسطينييّن في مدارسها (الأونروا).
... وتبقى الشرفة الدبلوماسيّة في بيروت مطلّة على المفارق، والتقاطعات الدبلوماسيّة في المنطقة، وتبقى بيروت عاصمة الحيوية الدبلوماسية بامتياز.. في الشرق الأوسط!.