إقتصاد ومال

الحكومة الجديدة والتحديات الاقتصادية
إعداد: تريز منصور

وزني: الحلول الجوهرية غير متاحة ولا بدّ من التركيز على الشؤون الحياتية   


تتوارث الحكومات المتعاقبة منذ عدة سنوات ملفات اقتصادية شائكة، كملف الدين العام، الكهرباء، تحفيز النمو، السياسة الضريبية، غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، البطالة، تثبيت سعر صرف صفيحة البنزين... من دون أن يتمّ وضع الحلول الجذرية لها.
وبالتالي أمام  الحكومة الجديدة تحدّيات كبيرة يجب مواجهتها بصورة ملحّة، لا سيما أن 300 ألف لبناني يعيشون بأقل من دولارين ونصف الدولار في اليوم، ونحو مليون لبناني يعيشون تحت خط الفقر، علمًا أن موازنة 2010 قد لحظت مليار ليرة لبنانية فقط لصندوق الفقراء.
ماذا يقول الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني عبد الله وزني (مدير مكتب دراسات واستشارات اقتصادية، ومستشار لجنة المال والموازنة النيابية) لمجلة «الجيش» حول التحديات الاقتصادية التي تواجه عمل الحكومة الجديدة، لا سيما أن الأجواء الإقليمية مشبعة بالتوتّرات السياسية والأمنية الضاغطة.

 


التحديات الأبرز!
يرى الدكتور وزني أن الحكومة الجديدة تواجه سلسلة تحدّيات اقتصادية معروفة تتطلّب حسمًا سريعًا, خصوصًا بعد ضياع الفرصة مع الحكومة السابقة. فقد توافرت للأخيرة عناصر ذهبية للإنجاز الاقتصادي، وأبرزها كون الحكومة نفسها حكومة وفاق وطني والوفرة المالية، مما يسمح بتطبيق برنامج إصلاحي منتج.
ويضيف: أبرز هذه التحديات قضية الدين العام والعجز في المالية العامة - الذي ينبغي خفضه عبر إصلاحات ضرائبية مالية وإصلاحات إدارية - الخصخصة، الكهرباء، ملف التقديمات الاجتماعية, إقرار قانون الحماية الاجتماعية وضمان الشيخوخة، التنقيب عن النفط، الاهتمام بالبنى التحتية من أجل مواكبة التطورات التكنولوجية واحتياجات الناس - شبكة الإنترنت وغيرها, هذا بالإضافة إلى  قضية تثبيت سعر صفيحة البنزين، مكافحة الفقر والبطالة والسكن...
ويشير الدكتور وزني إلى أن «الملفات التي تواجه الحكومة كبيرة، ولكن الأهم، ما هي إمكانات هذه الحكومة في ظل الظروف الراهنة؟
إن إمكاناتها مرتبطة بعنصرين اثنين:
الأول: الأخذ بعين الاعتبار تداعيات الأزمة السورية والقرارات الدولية المتخذة بحق سوريا، وتأثيرها على الوضع الاقتصادي.
الثاني: تداعيات القرار الظني، والمواقف السياسية المختلفة حياله والتي تعقد عمل الحكومة ولا تعطيها فرصة القيام بتغييرات جوهرية أو حل المشكلات الحيوية.

 

الأولويات
أمام هذه المعطيات يتوجب على الحكومة أن تتبنى برنامجًا موضوعيًا وواقعيًا وغير طموح، يهدف في الدرجة الأولى إلى الاهتمام بشؤون الناس الحياتية ويتركز على ما يلي:
 

1- تحفيــز النمـو: وهو أمر يلزمه الاستقرار، ومساهمة الدولة عبر إقرار موازنة تتضمن مشاريع استثمارية فعـّـالة وغير فضفاضة للبنية  التحتية. كما أنه يستوجب أيضًا تعزيز عناصر نمو القطاع الخاص (الاستهلاك، الاستثمار، التصدير) من خلال سياسة تسويقية وتطويرية للقطاع السياحي، ومتابعة دعم التسليفات للقروض الاستهلاكية والقيام بالاتصالات لتأمين ممرات آمنة في سوريا للصادرات اللبنانية إلى المنطقة، إضافة إلى متابعة برنامج «إكسبورت بلوس»، وخفض كلفة التصدير وإنشاء مؤسسة لضمان الصادرات. وتحفيز النمو يتطلب أيضًا توفير مناخ آمن ومجدٍ للاستثمارات، وإقرار قانون الأسواق المالية ودعم القطاعات الإنتاجية (قروض مدعومة، خفض كلفة الطاقة والاتصالات، تطبيق قانون حماية الإنتاج الوطني)، والتشجيع على تأسيس مؤسسات صغيرة ومتوسطة (تتحمل الدولة أعباء الاشتراكات في الضمان الاجتماعي، تضمن جزءًا من رأسمال المؤسسة وتقدم إعفاءات ضرائبيـة).
وأشار في هذا المجال إلى أن النمو الاقتصادي سيتراجع العام 2011 من 7 في المئة إلى اقل من 4 في المئة، ولن تتمكن الحكومة من تعويض خسائر النصف الأول من السنة.
 

2- إصلاح الكهربــاء: تحقيقه يعتبر إنجازًا للحكومة، ولكن الخطة ستواجه صعوبات تمويلية من قبل القطاع الخاص (2.5 مليار دولار) نتيجة الانقسامات السياسية وتراجع الفوائض المالية في المصارف وتردد رجال الأعمال، كما أنها ستواجه صعوبات على مستوى المصادر التمويلية الخارجية (نحو مليار دولار) بسبب انعدام الاستقرار الداخلي والضغوط الخارجية. وكذلك ستواجه معوقات تنفيذية من قبل الأهالي (مـّـد شبكة التوتر فــي المنصوريـــــة) وإنتاجية (صعوبة استجرار الغاز من سوريا ومصر واستئجار بواخر الغاز للموسم الصيفي)، وقانونية (تعديل قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462 من ناحية التشركة وإنشاء الهيئة الناظمة).
 

3- التنقيب عن النفــط: يجب أن يعتبر من أولويات الحكومة، حيث يفترض الإسراع في اتخاذ الخطوات القانونية والدبلوماسية للحفاظ على مصالح لبنان. ومن هذه الخطوات ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية مع إسرائيل ومعالجة الخلل في الاتفاقية الموقعة بين الحكومة اللبنانية وقبرص ثم إحالتها إلى المجلس النيابي لإقرارها. وكذلك إصدار المراسيم التطبيقية لقانون التنقيب عن النفط وإنشاء الهيئة العليا المنظمة للقطاع ومعالجة مشكلة الصندوق السيادي للموارد النفطية وتحديث التشريعات الداخلية.

 

4- السياسة الضرائبيــة: اعتماد سياسة تحقق العدالة الضرائبية وتحفز النمو الاقتصادي وتساعد في إنماء المناطق وتخلق فرص عمل وتشجع على الاستثمار، سياسة لا تعتمد على الضرائب غير المباشرة (67.8% من إجمالي الضرائب) أو على ضرائب سهلة التحصيل تكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد في المستقبل (رفع الضريبة على فوائد الودائع).
تستطيع الدولة زيادة مواردها عبر تحفيز النمو الاقتصادي، ووقف الهدر، وإدراج الضريبة الموحدة على المداخيل، وفرض ضريبة على سندات الخزينة المحمولة من القطاع المصرفي، وإدراج ضريبة على التحسين العقاري، وعلى انتقال اسهم الشركــــات العقارية، وكذلك زيادة الضريبة على أرباح الشركات من 15 في المئة إلى 18 في المئة، وزيادة ضريبة القيمة المضافة على الكماليات.

 

5- السياسة الاجتماعيــة: لا بدّ من التركيز على الإصلاح الفعلي، وهو لا ينحصر في زيادة النفقات في الموازنة. يتحقق الإصلاح من خلال إصلاح النظام التقاعدي، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتوفير شبكة الأمان الاجتماعي، وتأمين الضمان الصحي لجميع اللبنانيين، وتعميم البطاقة الصحية (حقق وزير الصحة السابق خطوات إصلاحية مهمة في هذا القطاع) ووقف الهدر في القطاعات الاجتماعية، وإقرار قانون ضمان الشيخوخة، وتأسيس صندوق لإعانة العاطلين عن العمل، وزيادة موازنة مكافحة الفقر.
وأردف قائلاً: «تنتظــر الحكومة معوّقات سياسية داخلية هائلة واستحقاقات خارجية خطرة قد تعيق قدراتها وطموحاتها . لذلك فإن إنجازاتها تتحقق في أهداف متواضعة تتعلق بمعالجة الأعباء المعيشية الحيوية للمواطنين (تثبيت سعر صفيحة البنزين، تأمين تدريجي للكهرباء، الغــلاء، الطرقــات) ووضع الأسس الرئيسة لمواجهة التحديات الأخرى».
وختم بالقول: «أمام هذه الحكومة تحدّيات كبيرة يجب معالجتها بصورة ملحّة، لا سيما أن 300 ألف لبناني يعيشون بأقل من دولارين ونصف الدولار في اليوم، ونحو مليون لبناني يعيشون تحت خط الفقر، علمًا أن موازنة 2010 قد لحظت مليار ليرة لبنانية فقط لصندوق الفقراء».