إقتصاد ومال

الخصخصة والغلاء والكهرباء وتصحيح الأجور...
إعداد: تريز منصور

التحديات الاقتصادية بالجملة فما هي خيارات المواجهة؟
د. شربل نحاس: هذه الحكومة قادرة على اتخاذ قرارات هامة لأن الجميع ممثلون فيها

 

تحديات كبيرة تواجه الحكومة الجديدة، لا سيما أزمة الثقة بالاقتصاد اللبناني وتراجع التوظيفات، إضافة الى أزمات عجز الكهرباء والضمان الاجتماعي...
أما أزمة الغلاء وتراجع القدرة الشرائية، المترافقة مع أزمة تراجع التقديمات الاجتماعية وتردّي الخدمات الحياتية فتبقى العنوان الأساسي.
ويكمن التحدي الأكبر في موضوع مصير عناوين الإصلاح التي توافقت عليها الحكومة السابقة مثل الخصخصة وإعادة التوازن الى المؤسسات العاجزة.
يضاف الى كل ذلك تصحيح الأجور التي يفترض أن تعيد الحكومة الجديدة النظر بها، لناحية حجم الزيادة من جهة، والمفعول الرجعي من جهة أخرى، بعد تزايد الغلاء واستمرار ارتفاع أسعار الخدمات بشكل قياسي.
مجلة «الجيش» استعرضت مع المهندس والخبير الاقتصادي الدكتور شربل نحاس مجمل التحديات الاقتصادية التي ينبغي العمل على مواجهتها.

 

اتخاذ القرارات الصعبة
• الاقتصاد متعثر كما السياسة متعثرة في لبنان، هل ترى أملاً يلوح في الأفق لحل المعضلات الاقتصادية؟

- إن مقولة أن هذه الحكومة ستكون حكومة انتخابات وحكومة انتقالية، هي مقولات خاطئة، لأن كل الحكومات انتقالية. وإنني أرى أن هذه الحكومة تملك صلاحيات استثنائية لم تتوافر لأية حكومة أخرى على الرغم من أن عمرها سيكون أقل من سنة واحدة، وبالتالي فإن هذه الحكومة قادرة على العمل وعلى اتخاذ قرارات هامة، باعتبار أن جميع الأفرقاء ممثلين فيها، حتى أنه يمكن مناقشة هذه القرارات وإقرارها في مجلس الوزراء، من دون مناقشتها مطوّلاً في مجلس النواب.
ومن أهم القرارات التي يجب أن تتخذها الحكومة برأيي هي الآتية:


• أولاً: البدء بإقرار الموازنة، ومناقشتها ودرسها مطوّلاً داخل مجلس الوزراء ضمن المهل الدستورية، كما أنها مضطرة الى ترجمة بنود «باريس - 3» بلغة مفهومة، وإدراجها ضمن الموازنة واتخاذ الإجراءات اللازمة، باعتبار أن كل ما قيل عنها هو كلام شعر وحركات إعلامية.

• ثانياً: تحديد موقعها في المفاوضات التي تجري في كواليس صندوق النقد الدولي، ما هي العروض المقدمة منه وما هي التزامات الدولة اللبنانية تجاهه. وهذه الأمور يجب أن تترجم في مواد الموازنة، وليس في الكواليس وفي الأحاديث الإعلامية السريعة وغير الواضحة.

• ثالثاً: توضيح آلية تطبيق قرار تصحيح الأجور، والذي أعطي له أكثر من تفسير، خصوصاً لناحية استفادة القطاع الخاص منه، وترجمتها ايضاً ضمن الموازنة.

• رابعاً: إدراج كلفة تجنيد عناصر من جيش وقوى أمن داخلي وغيرها، وشراء أسلحة وتجهيزات عسكرية، ضمن نصوص الموازنة، وإلا سوف تبقى هذه القضايا الهامة أحاديث تقال عبر الأثير.


• ماذا عن مؤتمر «باريس - 3»، هل يمكنه المساهمة في إنعاش الاقتصاد في ظل الانكماش الحاصل؟
- مؤتمر «باريس - 3» هو في صلب الموضوع. حكومتنا ذهبت الى باريس بغية طلب هبات، آملة أن تبلغ نحو 9 مليارات دولار، وكحد أدنى 4.5 مليارات دولار، من أجل دعم عجز الموازنة وتسديد جزء من الدين العام ولا شيء آخر.
ولكن هذا الطلب أرفق بمجموعتين من الاجراءات:


• المجموعة الأولى: تناولت بعض المقترحات الضريبية، كرفع ضريبة القيمة المضافة (TVA) وكذلك البنزين، إضافة الى تقليص عدد العاملين في القطاع العام.

• المجموعة الثانية: تضمنت مجموعة الإجراءات الإدارية والعناية ببعض الفئات الاجتماعية المقهورة، والتي كان من المفترض أن تقوم بها الدولة، من دون إعلان ذلك أمام 60 دولة.
والواقع الحالي يظهر عكس ذلك، باعتبار أنه ومنذ إعلان ورقة «باريس - 3» تمّ توظيف نحو بضعة آلاف من الموظفين في القطاع العام. إضافة الى ذلك، فإن الشق الأساسي في هذه الورقة (باريس - 3) لم يتحقق وهو الحصول على هبات وليس على قروض والتي خصصت في معظمها لتمويل تجهيزات في القطاعين العام والخاص.
ومن هنا بات ضرورياً إعادة النظر بالصورة الإجمالية لما حصل فعلياً في «باريس - 3»، وما هي التطورات التي حصلت بعده، ماذا تحقق منها وما هي الإجراءات التي اتخذت ما بعد إقرار الورقة (توظيف ودعم...) وتلك التي لم تتخذ، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار النفط عالمياً.


• كيف ترى عمليتي خصخصة الكهرباء والهاتف، هل هي مجدية في الوقت الراهن؟
- في ظل الارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار النفط عالمياً، باتت عملية خصخصة الكهرباء غير قابلة للتطبيق، وبناء على ما شدّدت عليه دراسة أعدّها البنك الدولي. أما قطاع الاتصالات، فمن الواضح للعيان أن خدمات هذا القطاع هي الأغلى في العالم، لأن احتكار الدولة بات يسمح بفرض أسعار احتكارية، هي بمنزلة ضريبة مقنّعة، أصبحت تمثل مورداً كبيراً لخزينة الدولة. والسؤال المطروح هنا، هل الدولة اللبنانية مستعدة للتخلي عن السياسة الاحتكارية وتخصيص الجزء التجاري، أم أنها تنوي تخصيص الاحتكار وضمان استمرار أسعار هذه الخدمات على مستوياته الحالية؟
أشك، في أن تعمد الحكومة الى خسارة مورد ضريبي مقنّع، تجني منه مداخيل كبيرة الى الخزينة.

 

الطفرة النفطية وسلبياتها
• كيف يمكن أن يستفيد لبنان اليوم من الطفرة النفطية الحاصلة في المنطقة، وماذا ترى في الحركة الناشطة في السوق العقاري؟

- شراء العقارات عملية لا تؤثر على سوق العمل، فهي لا تزيد فرص العمل ولا تخفّضها. وإنما القضية في ماذا يعمل البائع بالأموال. وبالتالي قد يخسر لبنان من عملية بيع العقارات، كما أنه قد يتأذى من الطفرة النفطية من خلال قضيتين:
1- ارتفاع كلفة المعيشة وقيمة الإنتاج، وازدياد العجز في الموازنة وكذلك في الميزان التجاري، بالاضافة الى الانخفاض في القدرة التنافسية للإنتاج المحلي.
2- ذهاب معظم الأموال التي تتدفق الى لبنان الى شراء الأراضي، ما يعني ارتفاع أسعارها، وبالتالي ارتفاع كلفة السكن وأسعار الأراضي الصناعية وكذلك ارتفاع كلفة الإنتاج الزراعي وإيجارات المحلات التجارية... ويتضافر هذان العاملان ليرفعا من وتيرة الهجرة.
وأضاف قائلاً: العرب يأتون الى لبنان وبشكل أساسي من أجل تمضية فصل الصيف وبالتالي يعمدون الى بناء مساكن ثانوية أو شراء شقق فخمة، تبقى فارغة طوال السنة إلا من الناطور ومن الخدم الأجانب طبعاً، ونحن ما زلنا نبحث عن فرص عمل. وأمام هذا الواقع، علينا عندما نتكلم عن الطفرة النفطية، أن نقرأ الصورة بطريقة واقعية، فسيئات هذه الظاهرة بدأت ملامحها تظهر في الأردن وسوريا، حيث لجأت هذه الدول الى رفع أسعار المحروقات من مازوت وبنزين.
• الأمن الغذائي أصبح عنواناً لقضية إنسانية عالمية، كيف سيكون تأثيره على لبنان؟
- الإنتاج المحلي اللبناني لا يغطي إلا جزءاً يسيراً (10 - 15 في المئة) من حاجات الاستهلاك الغذائي، ما يعني أن المواطن اللبناني معرّض للمزيد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وكذلك الى المزيد من الارتفاع في حجم الاستيراد والاستهلاك وكلفتهما على حد سواء.
• ماذا عن دولرة الاقتصاد، وهل تنويع سلة العملات باليورو والين والإسترليني مجدٍ؟
- نوع العملة ليس القضية السحرية، فالتاجر غيّر وجهة استيراده والسوق اللبناني مليء بالبضائع الصينية والأميركية.

 

ملفات وصعوبات
• تحدثت عن العلاقة بين لبنان وصندوق النقد الدولي، ما هي طبيعة هذه العلاقة؟

- بعد مؤتمر «باريس - 2» وردت انتقادات كثيرة من العديد من الدول، التي قدّمت قروضاً الى لبنان (منها أميركا وفرنسا وبعض الدول العربية) حول طريقة استخدام هذه الأموال وكيفية إدارتها ومراقبتها. وهكذا صدر قرار يقضي بضرورة إيجاد جهة تدرس وضع المالية العامة للدولة اللبنانية، في حال حصول مؤتمر آخر لمساعدة لبنان، وتصدر التقرير حول سير الأمور.
وعقب حرب تموز، انعقد مؤتمر «باريس - 3» وحصل لبنان على قروض قدرها 70 مليون دولار. دخل صندوق النقد الدولي من خلال برنامج المساعدات الطارئة لحالات ما بعد الحرب ليقوم بأعمال المتابعة والتدقيق لحساب الأطراف الخارجية المانحة للقروض والهبات. ولقد أنشأ صندوق النقد الدولي مكتباً له في مبنى ضريبة القيمة المضافة (TVA)، وهو يقوم حالياً بالتداول والتفاوض مع الحكومات اللبنانية، للتوصل الى إنشاء برامج، تصبح في ما بعد التزامات من قبلها وشروطاً عليها. وتكون هذه العملية ملطّفة ضمن إطار المساعدات الطارئة، لكنها تتحوّل الى عملية أكثر جدية عند انتهاء المساعدات الطارئة، إذ تتحوّل الى مرحلة التعامل والتفاوض العاديين وهذه إحدى المهمات الصعبة التي سوف تواجه الحكومة الجديدة وتكون على مائدتها.


• أمام الدولة استحقاقات مالية، فهل لتصنيف لبنان الإئتماني المتدني (-B)، أي تأثير على عملية الاكتتاب الجديدة؟
- الدولة اللبنانية تستدين من المصارف اللبنانية، وبنسبة بدأت ترتفع من بعض المؤسسات الدولية، وهذه المؤسسات عادة تعطي القروض للدول ذات التصنيف المنخفض والتي تعاني عجزاً في موازنتها، ولأهداف سياسية ايضاً.


• هل لديكم من اقتراحات وحلول للأزمة الاقتصادية في لبنان؟
- الحلول تبدأ عندما يأخذ الوطن خيارات معينة وليس خيارات بديهية. ومن هذه الخيارات مثلاً:
- رفع تعرفة الكهرباء كي تغطي كلفة إنتاجها، مع كل ما يترتب عن ذلك من ارتفاع في كلفة المعيشة، وتعثر أكثر في القطاعات الصناعية والزراعية، أو الإبقاء على التعرفة القديمة مع تحمل الخزينة للمبالغ الطائلة التي سوف تتكبدها، والبحث عن مصادر ضريبية جديدة لتغطية كلفة الخسائر.
- التعاطي في أمر الإدارة وغيرها من الأمور العالقة، يجب أن يكون جدياً، والتداول حول الطاولة يجب أن يكون صريحاً وواضحاً.
- تعميم الضمان الصحي لكي يشمل جميع شرائح المجتمع، وتأمين تمويله من الضريبة على الأرباح العقارية.
وأخيراً ختم بالقول: يجب إبطال مقولة الخيارات الصعبة، فعلى الجميع تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات الصعبة التي فيها خير لمصلحة الوطن والمواطن. ومن أجدى من حكومة الوحدة الوطنية باتخاذ هذه القرارات.