الخصخصـة : أطــرها القانونية وآثــارهـا الإقتصــادية

الخصخصـة : أطــرها القانونية وآثــارهـا الإقتصــادية
إعداد: دلال بسما
باحثة.

تدخلت الدولة في البلاد المتقدّمة بشكل واسع في المجال الإقتصادي, في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية, من أجل إعادة البناء السريع لإقتصاداتها التي دمرتها الحرب. واتخذ هذا التدخل بشكل خاص تأميم المشروعات الإقتصادية الخاصة. أما في البلاد المستَعمَرة سابقاً, فقد اتسع نطاق تدخل الدولة في إدارة الإقتصاد الوطني خلال عقدي الستينات والسبعينات في العديد من الدول النامية بصفة عامة. وكرد فعل للدور الإستعماري, وسعياً في الحصول على الإستقلال الإقتصادي, إمتد وإتسع تدخل حكومات تلك الدول, وزادت نسبة مشاركتها في النشاط الإقتصادي من خلال تقييد وتنظيم أنشطة القطاع الخاص بصفة عامة والأجنبي منه بصفة خاصة.
إن تلك الإجراءات لم تنل من اهتمام الدول المتقدمة والنامية, على السواء, في توزيع مواردها بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص إلاّ في السنوات الأخيرة. وقد نجم عن ذلك أن تضخم حجم القطاع العام, وعجز عن أن يحقق ما كان مستهدفاً ــ بعد أن كان ينظر إليه على أنه وسيلة جيدة وفعّالة لتحقيق التنمية الإقتصادية ــ أصبح عالة عليها.
وازاء هذه المظاهر السلبية لإنخفاض الكفاءة الإنتاجية والتخصيصيةSpécialisation)) في وحدات القطاع العام, ساد الإعتقاد لدى حكومات العديد من الدول النامية, بأن القطاع العام بات أكبر مما ينبغي, وأن تكلفة الإحتفاظ به أصبحت مرتفعة على إقتصاداتها, وتطلّعت حكومات تلك الدول إلى التطبيق الجاد لبرامج الإصلاح الإقتصادي في ظل معونات مالية وفنية من البنك الدولي وصندوق البنك الدولي([1]). واتخذ الإصلاح الإقتصادي مسارات واتجاهات عديدة برز من بينها مـا عرف في الأدب الإقتصادي بالخصخصة أو التخصيص La privatisation)). وأصبحت الخصخصة منهجاً وأسلوباً اعتمد عليه العديد من الدول النامية والمتقدمة للتخلص من الحجم الزائد للقطاع العام وتحقيق الكفاءة الإقتصادية بصفة عامة والكفاءة الإنتاجية في وحدات القطاع العام بصفة خاصة.
وبإستقراء نتائج العديد من تجارب الخصخصة يتضح أن بعضها حقق نجاحاً رائداً (إنكلترا وكولومبيا البريطانية) ونجاحاً مقبولاً (تشيلي, تركيا وجاميكا) والبعض الآخر تعثرت برامجه وحققت نتائج عكسية (الفليبين والمكسيك). ومن هنا يتبين أن الخصخصة في حد ذاتها لم تحل كافة المشاكل التي استدعت تطبيقها.
وقد تعددت مفاهيم الخصخصة سواء في مجال الكتابات النظرية أو في نطاق البرامج التطبيقية حيث تراوحت بين مفهوم ضيق (عبارة عن مجموعة من الوسائل والأساليب يتم من خلالها نقل ملكية المشروعات العامة إلى القطاع الخاص) ومفهوم واسع (عبارة عن مجموعة من الوسائل والأساليب يمكن من خلالها إدارة أصول وموارد القطاع العام وفقاً لنفس الأسس والمبادىء السائدة في القطاع الخاص). ويمكن أن نذكر الأشكال التي تأخذها الخصخصة في الإقتصاد المعاصر, بالشكل التالي:
1- ­ عملية النقل الكامل أو الجزئي لأصول وموارد القطاع العام إلى القطاع الخاص.
2- ­ السماح للقطاع الخاص بإدارة أصول وممتلكات القطاع العام من خلال عقود الإدارة

Management Contracting)) مع إستمرار الملكية لها.
3- ­ السماح للقطاع الخاص بإدارة أصول وممتلكات القطاع العام من خلال عقود التأجير

Leasing Contracting)) وعقود الإمتياز.
4- ­ عملية التخلص من جميع القيود والعقبات (القانونية والإدارية) التي تحد من قدرة الإدارة على تشغيل الأصول المتاحة بفاعلية استناداً الى الإعتبارات الإقتصادية وبعيداً عن الإعتبارات السياسية.
وسوف نتناول في بحثنا هذا موضوع الخصخصة التي تشهد اهتمام العديد من الدول المتقدمة والنامية على السواء, مع الإشارة إلى ان الخصخصة تعمل على تقليص دور الدولة في النشاطات الإقتصادية وتعطي السوق الحر الدور الأكبر في عملية التنمية بغرض تحسين الأداء الإقتصادي.
وتقع المعالجة في قسمين :
الأول, نتناول فيه الإطار القانوني العام للخصخصة, ونركز فيه على مفهوم وأنواع والدوافع للخصخصة دون أن نهمل إحدى التجارب التي يمكن أن تهم الحكام الإقتصاديين اللبنانيين, وهي التجربة الفرنسية في الخصخصة.
ثم نعالج في القسم الثاني من دراستنا, الآثار المحتملة لخصخصة المنشآت الإنتاجية, إن كان على مستوى الإقتصاد الجزئيMicroeconomic Impacts)) أو الآثار المتوقعة على مستوى الإقتصاد الكلي Macroeconomic Impacts)) .
ونستخلص في فقرة أخيرة التوصيات التي لا بد منها من أجل إنجاح عملية الخصخصة وتحقيق أهدافها الإقتصادية المرجوة.

القسم الأول: خصخصة المرافق العامة وإطارها القانوني العام
1- ­ مفهوم الـخصخصة وأطرها
يقصد بالخصخصة([2]), بالمعنى الدقيق للكلمة, اتفاقية يتم بمقتضاها نقل ملكية المشروعات من القطاع العام إلى القطاع الخاص. من هذا التعريف يتضح أن الخصخصة تعني أولاً نقل ملكية المشروعات العامة, كما تتميز بأنها اتفاقية مع القطاع الخاص, وأخيراً, تتم الخصخصة وفقاً لأساليب متنوعة.

حالات نقل الملكية
إن الخصخصة تعني نقل ملكية المشروعات العامة إلى القطاع الخاص. ويتحقق ذلك في الحالتين الآتيتين:
الحالة الأولى: أن تفقد “الأشخاص المعنوية” العامة, وفي مقدمتها الدولة, أو أي أشخاص تابعة للقطاع العام, أغلبية رأس مال إحدى الشركات, ومن تطبيقات هذه الحالة ما تضمنه قانون الخصخصة الفرنسي الصادر في 6 آب 1986 من إمكانية زيادة رأس مال المشروع العام, مع تخلي الدولة عن الإكتتاب في هذه الزيادة وترك الإكتتاب فيها للأفراد, وهو أمر يؤدي إلى أن تفقد الدولة أغلبية رأس المال في المشروع.
الحالة الثانية: التنازل إلى القطاع الخاص عن مجموع الأصول التي تملكها الدولة, يمكن أن تكون حلاً لإستغلال مستقل([3]). ومن تطبيقات هذه الحالة بيع أصول المشروع بالإتفاق المباشر.
ولا يجوز الخلط بين الحالتين السابقتين. فالحالة الأولى تتعلّق برأس المال, أما الحالة الثانية فتتعلق بالأصول, ومن المعلوم أن رأس المال هو مجرد قيمة في الجانب المدين للميزانية. أما الأصول فهي مجموع الأموال والقيم التي تتكون منها الذمة المالية للمشروع.
إن أية عملية لا تتضمن نقل الملكية بالمعنى المتقدم لا تعتبر من قبيل الخصخصة, ويتحقق ذلك في بعض الحالات التي نذكر منها : تحوّل الشكل القانوني للمشروع العام, ومشاركة المشروع العام في رأس مال الشركات الخاصة, وتصفية المشروع العام, وبيع أصول غير صالحة لإستغلال مستقل.

تحوّل الشكل القانوني للمشروع العام
إنّ تحوّل مشروع عام من شكل مؤسسة أو هيئة عامة إلى شكل شركة مساهمة, على سبيل المثال, لا يعتبر من قبيل الخصخصة, طالما أن الحقوق والإلتزامات الخاصة بالأولى انتقلت إلى الثانية, وأن أغلبية رأس مال الأخيرة ما زال مملوكاً للدولة أو لمؤسسة عامة تابعة للدولة أو لهيئة عامة.
وبناءً على ذلك فإن تحوّل “الصندوق الوطني لعقود الدولة” الفرنسية, من مؤسسة عامة إلى شركة يطلق عليها “إئتمان تجهيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة”, لا يعتبر من قبيل التحول من القطاع العام إلى القطاع الخاص, نظراً لأن حقوق والتزامات وأموال الأول إنتقلت إلى الثانية, وأن أغلبية رأس مالها يظل مملوكاً للدولة أو لمؤسسة عامة أو هيئة عامة أو مشروع عام. ومن التطبيقات أيضاً في مصر, ما تضمنه القانون رقم 19 لسنة 1998 من تحويل الهيئة القومية للإتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مساهمة, تؤول إليها جميع الحقوق العينية والشخصية للهيئة السابقة كما تتحمل إلتزاماتها (مادة 1). وقد أجاز القانون أن تطرح للبيع أسهم بقيمة جزء من رأس مال الشركة للإكتتاب العام, على أن تظل الأغلبية في رأس المال للدولة (مادة 3).
وقد أعطى المجلس الدستوري في فرنسا تكريساً لفكرة التمييز بين “الخصخصة” وتغيير “الشكل القانوني للمشروع”. فقد قرر المجلس أنه لا يعتبر من قبيل الخصخصة, ما تضمنه القانون رقم 660 لسنة 1996 من تحويل المؤسسة الفرنسية للإتصالات Télécom) France) من شخص معنوي عام إلى شركة مساهمة, تملك الدولة فيها مباشرة أكثر من نصف رأس المال, وذلك رغبة في الإستجابة لمقتضيات المنافسة في قطاع الإتصالات([4]).

مشاركة المشروع العام في رأس مال الشركات الخاصة
إنّ المشاركة المالية لمؤسسة عامة, أو أي شخص عام, في شركة خاصة لا يعتبر من قبيل الخصخصة, إذا كانت هذه المساهمة لا تقترن بنقل الأصول التي يمكن أن تشكل بذاتها مشروعاً([5]).
وبالمقابل أيضاً إن مساهمة القطاع الخاص في رأس مال المشروع العام لا يعتبر من قبيل الخصخصة ما دامت الدولة أو أي شخص عام لا يزال مالكاً لأغلبية رأس المال. وبناء على ذلك, فإن تنازل مشروع عام, هو مشروع الأبحاث والأنشطة البترولية E.R.A.P.) ) , للقطاع الخاص, عن مساهمته في رأس مال مشروع عام آخر, هو الشركة الوطنية Elf-Aquitaine))

, لا يمثل خصخصة لهذا الأخير طالما أنه لا يؤثر على الأغلبية([6]).

التمييز بين الخصخصة وتصفية المشروع العام
إنّ الخصخصة لا ترد إلا على مشروع بمعنى شركة Entreprise)) . ويقصد بذلك مجموع يتضمن نشاطاً وتنظيماً وأموالاً, أيّاً كان الشكل القانوني للمشروع([7]), وهذا التعريف يؤدي إلى نتيجة مهمة, ألا وهي أن نقل الأصول التي تؤدي إلى استغلال مستقل لا يعتبر نقلاً لمشروع من القطاع العام إلى القطاع الخاص([8]). وهذا التحديد يثير التساؤل الآتي: هل تعتبر تصفية المشروع وسيلة من وسائل الخصخصة, وتخضع للإجراءات والقيود الدستورية للخصخصة؟
لقد رأى المجلس الدستوري في فرنسا أن النص الذي يقرر تصفية “الشركة الوطنية للمشروعات الفولاذية” ليست له طبيعة لائحية (إدارية), خلافاً لطلب رئيس الوزراء, وذلك لأن من شأن هذا النص نقل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص؛ وبالتالي فإنه يدخل في مجال التشريع, وفقاً للمادة 34 من الدستور, التي تقرر أن القانون يحدد القواعد المتعلقة بنقل ملكية المشروعات من القطاع العام إلى القطاع الخاص([9]).
غير أن موقف المجلس الدستوري من مفهوم “تصفية المشروع” على هذا النحو لا يخلو من العيوب. فالخصخصة والتصفية يشتركان فقط في نقطة إلتقاء واحدة, وهي أن كلاً منهما أسلوب لإنهاء ملكية الدولة للمشروع العام, أما فيما عدا ذلك فإنهما يختلفان اختلافاً كبيراً, فالتصفية لا تعني إعادة التأهيل أو إعادة التنظيم للمشروع, إنما تعني خروج المشروع من مجال الأعمال, وأنه بتصفية أصول المشروع يمكن إعادة النظر في إمكانية استخدامها مرّة أخرى ؛ والتصفية تعني عدم وجود مشترين يقبلون شراء “المشروع”, ولذلك تعرض الدولة “أصول المشروع” للبيع. أما انتقال المشروع من القطاع العام إلى القطاع الخاص فإنه يعني استمرار هذا المشروع, وإلا فإن الأمر يعني توقُّف المشروع أو إلغاءه, والتصفية هي وسيلة لإلغاء المشروع.
بإختصار إن إلغاء المشروع والخصخصة لا يختلطان بالضرورة, كما أن تصفية المشروع لا تعني سوى إلغاء المشروع, وهو أمر يترتب عليه انقضاء الشخصية المعنوية للمشروع, وأن انتقال “موجودات” المشروع بعد التصفية هو أحد آثار التصفية, وليس نقلاً للمشروع ذاته, وبالتالي, فإن تصفية المشروع تدخل في إختصاص السلطة اللائحة وليس السلطة التشريعية([10]).

الخصخصة وبيع أصول غير صالحة لإستغلال مستقل
إنّ بيع أصول غير صالحة لإستغلال مستقل لا يعتبر من قبيل الخصخصة, ويخضع للقواعد العامة في بيع أموال الدولة. وقد وضعت محكمة النقض في فرنسا قاعدة مؤداها أن القاعدة التي تقضي بتدخل المشرع وفقاً للمادة 34 من الدستور يمكن أن تطبق بخصوص التنازل عن أصول يمكن أن تمثل نقلاً لمشروع من القطاع العام إلى القطاع الخاص, وفقاً لطبيعتها أو أهميتها أو تخصيصها. وإستناداً إلى ذلك, نقضت المحكمة حكم محكمة الإستئناف, لأنه لم يبحث عما إذا كان التنازل عن بعض الأصول والذي تقرر مباشرة من شركة “كهرباء فرنسا” E.D.F.)) , يشكل نقلاً لمشروع من القطاع العام إلى القطاع الخاص(11).
وفي خصوص هذه الحالة يرى الفقه أن التنازل المشار إليه كان يمكن أن يتقرر مباشرة من جانب المشروع دون التقيد بالخضوع للقيود المالية للشركة E.D.F.)) , إلا أن هذه الأصول لا تشكل مجموعاً قابلاً للإستغلال المستقل, كما أنها أيضاً لم تكن مخصصة لنشاط الشركة المذكورة, بل إنها لم تكن مستخدمة منذ سنوات طويلة, وبالتالي فإن هذه الأموال والحقوق لم تكن تمثل أية فائدة لضمان سير المشروع العام في إنتاج الطاقة الكهربائية(12).

2- ­ الخصخصة عملية تعاقدية بين الدولة والقطاع الخاص
إنّ نقل المشروع من القطاع العام إلى القطاع الخاص لا يتم إلا بالإتفاق. فالخصخصة هي عملية تعاقدية تبدأ بالإيجاب من جانب الدولة, وبالتالي فهي تختلف عن التأميم الذي يتضمن نقلاً جبرياً للمشروع من الملكية الخاصة إلى الملكية العامة وليس له صفة تعاقدية.
وقد أكّد المجلس الدستوري الفرنسي هذا الفارق بين الخصخصة والتأمين, مقرراً أن التأميم, وفقاً للمادة 34 من الدستور, يتضمن نقل ملكية مشروع بقرار من السلطة العامة, يخضع له المالك أو الملاّك ؛ أما المساهمة في رأس مال المشروع, فهي ليست تأميماً بالنظر إلى الطبيعة التعاقدية للعملية(13).
وبمقتضى ذلك, أن القانون الذي يقرر تأميم مشروعات ما, يمكن أن يترتب عليه أن تؤول ملكية هذه المشروعات للدولة بمجرد إصداره, أما قانون الخصخصة, فلا يمكنه أن يعين تاريخاً محدداً لنقل ملكية المشروعات من القطاع العام إلى القطاع الخاص, لأن نقل الملكية لن يتم إلا من اليوم الذي يقبل فيه المشترون عرض الدولة بيع المشروع, أي من الوقت الذي يتم فيه إبرام الإتفاق, بل إنه من الممكن ألا يحدث نقل الملكية, على الرغم من قانون الخصخصة, نظراً لعدم وجود من يقبل شراء المشروع بالثمن الذي تحدده السلطة العامة(14).

أطراف وموضوع عملية الخصخصة
إنّ نقل الملكية في عملية الخصخصة لا يتمّ إلاّ إلى القطاع الخاص, ويقصد بالقطاع الخاص أي شخص أو جهة, بخلاف القطاع العام, سواء داخل البلاد أو خارجها, وسواء كان وطنياً أو أجنبياً.
وبناء على ذلك فإنه لا يخضع للقيود المتعلقة بالخصخصة إلغاء مشروع عام, ونقل جميع حقوقه وإلتزاماته إلى شركة مساهمة تملك الدولة منها غالبية رأس المال, بالتالي فإن المراسيم التي تضمنت تنظيم الإطار القانوني لهذه العملية, تكون سليمة قانوناً؛ لأن الأمر يتعلق بنقل المشروعات من القطاع العام نفسه وإليه, وليس بين القطاع العام والقطاع الخاص. ويتم الإتفاق على نقل الملكية مع الدولة, وبالتحديد مع السلطة الإدارية المسؤولة عن عمليات الخصخصة(15).
ولا ترد الخصخصة إلاّ على مشروع عام, ولا يكون المشروع عاماً إلا إذا كانت الدولة, أو أي شخص عام, يملك على الأقل أغلبية رأس المال, ويترتب على ذلك أنه لا يخضع لنظـام الخصخصة انتقـال الأسهم المملوكة في الشركات الخاصة التي لا تكون للدولة, أو لأي شخص عام مالك فيها لأغلبية الأسهم, ويتم تقرير هذا الإنتقال بحرية من جانب السلطة الإدارية(16), ويصدق ذلك في فرنسا بشكل خاص على الشركات التابعة Les Filiales)) للمشروعات العامة, والتي يتم تكوينها في هيئة مشروع اقتصاد مختلط d'Economie Mixte) Entreprise) .
وقد يكون المشروع العام, مملوكاً للدولة, أو لأي شخص عام, إبتداءً, بمعنى أن تكون الدولة أو الشخص العام قد أنشأه إنشاءاً مبتدأً, من ذلك خصخصة القناة الأولى للتلفزيون الفرنسي T F 1)) . وقد يكون المشروع العام قد آل إلى الدولة جبراً عن المالك بواسطة التأميم, وتعني الخصخصة هنا إلغـاء التأميم Dénationalisation)) , وهذا ما حدث في فرنسا عام 1986, حيث تقرر خصخصة جميع المشروعات الصناعية والمالية التي تم تأميمها عام 1946, وأخيراً يمكن أن يكون المشروع العام قد آل إلى الدولة عن طريق الإتفـاق الودي l'amiable) à) (17).
 

3- ­ أساليب الخصخصة
توجد أساليب متعددة للخصخصة, ومع ذلك يمكن تقسيمها إلى مجموعتين رئيسيتين: أساليب مالية داخل سوق الأوراق المالية, واساليب مالية خارج سوق الأوراق المالية.
1- ­ الأساليب المالية للخصخصة داخل سوق الأوراق المالية
هذه الأساليب متنوعة, ومن أهمها : العرض العام للأسهم, العرض العام للتبادل, وزيادة رأس المال.
أ- ­ الإكتتاب العام أو العرض العام للأسهم Publique de Vente) L'Offre)


تستهدف هذه الطريقة توسيع نطاق المشاركة الشعبية في ملكية المشروعات الإقتصادية, وتستلتزم تعيين سعر محدد للسهم, ويتميز هذا الأسلوب ببساطتة وشفافيته. وقد يكون العرض العام للأسهم “إسمياً” Nominative)) أي لفئات معينة, أو عادياً Ordinaire) ) . وقد اتبعت بريطانيا هذه الطريقة جزئياً في عملية خصخصة شركـة الإتصالات .British Telecom)) .


ب- ­ العرض العام للتبادل L'Offre Publique d'Echange))

مؤدى هذه الطريقة قبول تبادل أنواع من الأوراق المالية, مثل شهادات الإستثمار أو سندات القرض مقابل أسهم الشركات المراد تخصيصها. إن هذه الطريقة تبدو كالمقايضة والهدف منها تيسير الوفاء في دفع قيمة أسهم المشروعات. وقد إتبعت فرنسا هذه الطريقة في خصخصة الشركة المالية “باريس والأراضي المنخفضة” Paribas)) , وبعض الشركات الأخرى مثل “سان غوبان” Saint Gobin)) .

ج- ­ زيادة رأس المال L'augmentation de capital))

مقتضى هذا الأسلوب زيادة رأس مال المشروع, مع تخلي الدولة عن الإكتتاب في هذه الزيادة, وترك الإكتتاب فيها للأفراد, وهذا أمر يؤدي إلى تخفيض رأس مال الدولة. وقد إتبعت فرنسا هذه الطريقة لخصخصة الشركة العامة للكهرباء.

2- ­ الأساليب المالية خارج سوق الأوراق المالية
توجد طريقان للخصخصة خارج سوق الأوراق المالية Hors marché)) , وهما: بيع المشروع بالتعاقد المباشر وشراء العمال للمشروع.
أ ­ بيع المشروع العام بعقد بيع مباشر
مؤدّى هذه الطريقة بيع أصول وأسهم أحد المشروعات العامة لأحد المشترين الذي يتم اختياره بالتعاقد المباشر gré) à gré), وتهدف هذه الطريقة إلى تكوين نواة للمساهمة الدائمة والمستقرة لرأس مال المشروع. وقد اتبعت فرنسا هذه الطريقة في خصخصة القناة الأولى للتلفزيون الفرنسي F 1) T) والبنك الصناعي Banque Industrielle)) , ووكالة الإعلان هافاس Havas)) .

ب- ­ شراء العمال للمشروع l'entreprise par les salariés) La reprise de).
تقوم بعض الدول بتشجيع العمال على شراء أسهم شركاتهم, وذلك في حدود نسبة معينة من أسهم الشركة, مع ضرورة توافر شروط معينة في العمال الراغبين في الشراء, وعادة ما يقرر المشرع إعفاءات ضريبية للعمال تشجيعاً لهم على الشراء.
وليس هناك ما يمنع الدولة من أن تلجأ إلى أكثر من أسلوب لخصخصة أحد المشروعات العامة. وهي تتميز عن طرق إدارة المرافق العامة الإقتصادية, ولا يدخل فيها عقود إدارة المرافق العامة Management Contracting)) .

4- ­ السلطات العامة والخصخصة
إن دساتير الدول لا تقف عند حد تنظيم السلطات العامة, وإنما تتضمّن أيضاً عدداً من المبادىء الإقتصادية والإجتماعية(18), وفي هذا الشأن يجب ألا تصطدم الخصخصة بالمبادىء الواردة في الدستور.
غير أن الدساتير لا تقف موقفاً واحداً من فكرة الخصخصة, ويمكن أن نرصد اتجاهين, فقد يجيز الدستور صراحة خصخصة المشروعات العامة, وهذا هو شأن الدستور الفرنسي, وقد لا يتضمن الدستور صراحة هذا النص لكنه مع ذلك لا يرفض أيضاً الخصخصة, وهذا هو شأن كل من الدستورين الكويتي والمصري, على سبيل المثال.

موقف الدستور الفرنسي من الخصخصة
يجيز الدستور الفرنسي صراحةً الخصخصة, فقد نصت المادة 34/9 من دستور عام 1958, على أنه: “يحدد القانون القواعد المتعلقة بتأميم المشروعات, ونقل ملكية المشروعات من القطاع العام إلى القطاع الخاص”. ومن الواضح أن الدستور الفرنسي أجاز صراحة تأميم وتخصيص المشروعات على حد سواء. وبناء على ذلك, قرر المجلس الدستوري في عام 1982 دستورية قانون التأميم, وإن كان الحكم قد إقترن بتحفظات لم تنل من مبدأ التأميم نفسه. كما قرر أيضاً في عام 1986 دستورية قانون الخصخصة, وهو القانون الذي مهد لعودة المشروعات التي سبق تأميمها قبل أربع سنوات إلى القطاع الخاص(19).
وهكذا, فإن المجلس الدستوري في فرنسا أجاز في خلال أربعة أعوام قانونين متعارضين: قانون التأميم وقانون الخصخصة, وهو ما يبرهن على أن المجلس لم يشأ أن يفرض سياسة خاصة به ضد إرادة نواب الأمة(20).

السلطة المختصة بتقرير الخصخصة
إنّ تدخّل المشرّع في مجال الخصخصة يعتبر أمراً ضرورياً, ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:
فمن ناحية, إذا كان المشرّع يختص بالتأميم فإنه يختص بالخصخصة, إن الخصخصة هي العملية العكسية للتأميم, وهي على غرار التأميم يجب أن تتم بقانون أو بناء على قانون. ومن الملاحظ, أن الدستور الفرنسي نص في المادة 34 على إختصاص المشرّع بالتأميم والخصخصة على حد سواء. ومن ناحية أخرى, أصبح من المسلّم به في بلاد كمصر والكويت, أن المشرّع هو صاحب الإختصاص العام في التشريع, وأن إختصاص السلطة التنفيذية في مجال التشريع هو إختصاص إستثنائي, مقصور على حالتي التفويض والضرورة, وهو اختصاص لا يسوِّغ تدخل السلطة التنفيذية في مجال الخصخصة إلا لمجرد تنفيذ القانون. ومن ناحية أخيرة, فإن أموال المشروعات العامة هي أموال عامة, وإذا كان للملكية العامة حرمة فإن النتيجة هي أن التصرف بها, يكون إما بقانون أو بناء على قانون, خصوصاً أن المشروعات العامة ليست فقط مجرد أموال, إنها أيضاً تنظيم ونشاط إقتصادي, وبالتالي يجب أن يكون تنظيم الخصخصة بقانون.
وبالنتيجة, إن القانون يجب أن يتدخل في مجال إنتقال الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص, سواء لتقرير انتقال الملكية أو لتحديد الهيئات المختصة بنقل الملكية في إطار القواعد التي يقررها. إن نقل الملكية يجب أن يتم إما بقانون أو بناء على قانون.

السلطة المختصة بتقرير الخصخصة في فرنسا
فكما ذكرنا, تضمن الدستور الفرنسي النص على أنه: “... يحدد القانون القواعد المتعلقة بنقل ملكية المشروعات من القطاع العام إلى القطاع الخاص”. فالقاعدة إذن هي أن تدخل المشرّع يعتبر ضرورياً في مجال تخصيص المشروعات العامة, وبناء على ذلك قرر المجلس الدستوري في فرنسا, أن تخلي الدولة عن أغلبية رأس المال في شركة “فرنسا للإتصالات”

 Télécom) France) , وهي إحدى المشروعات العامة, لا يمكن أن يتمّ إلاّ بقانون لاحق.
مضمون اختصاص المشرّع في فرنسا بنقل ملكية المشروعات العامة
ولكن ماذا يعني اختصاص المشرع بتحديد القواعد المتعلّقة بنقل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص ؟
يجيب المجلس الدستوري الفرنسي عن هذا السؤال, بأن “هذا النص لا يفرض أن تتقرر كل عملية تتضمن نقل ملكية المشروعات من القطاع العام إلى القطاع الخاص مباشرة من المشرع, وإنما يعني فقط أنه يجوز للمشرع, فيما يتعلق بهذه العمليات, أن يضع القواعد التي يقع أمر تطبيقها على السلطات والهيئات التي يحددها”(21).
والمبدأ الوارد في المادة 34/9 من الدستور بخصوص الخصخصة, يماثل المبدأ الوارد في المادة نفسها في ما يتعلق بالتأميم, فالمشرع يمكن أن يحدد بنفسه المشروعات التي يجب نقل ملكيتها, ولكن يجوز له أيضاً أن يحدد الإجراءات التي تسمح للهيئات الأخرى بأن تقرر نقل ملكية بعض المشروعات. فالمجلس الدستوري يقرر دستورية اللجوء إلى هذين الأسلوبين, بمعنى أنه إذا كانت المادة 34 من الدستور لا تفرض أن يتم تقرير كل عملية خصخصة مباشرة من جانب المشرّع؛ فإنها أيضاً لا تمنع المشرّع من القيام بذلك(22). وتطبيقاً لذلك, فقد تضمنت قوانين 2 تموز 1986 و6 آب 1986 مجموعتين من الأحكام 23:
1- ­ المجموعة الأولى: تضع نظام تخصيص المشروعات التي أوردت قائمة بها, وقد تم بالفعل خصخصة بعضها في 86/1987. أما البعض الآخر, فكان من المفروض أن تتم عملية خصخصته في أول مارس 1991, لكنها توقفت بسبب تغيير الأغلبية السياسية في عام 1988, بعودة الإشتراكيين إلى السلطة.
2- ­ المجموعة الثانية: تضع بصورة دائمة نظام خصخصة المشروعات من القطاع العام إلى القطاع الخاص وفقاً للشروط الآتية:
­ يجب أن تتم الخصخصة بقانون بالنسبة للمشروعات التي تملك الدولة فيها مباشرة أكثر من نصف رأس المال, وكذلك أيضاً المشروعات التي أدخلت في القطاع العام تطبيقاً للتشريع.
­ يكتفي بقرار إداري بالنسبة لسائر المشروعات, ووفقاً لأهمية المشروع, فإنه يجب استصدار تصريح بمرسوم أو إخطار سابق إلى وزير الإقتصاد الذي يكون له حق الإعتراض.
كما نظمت قوانين خاصة بعض عمليات الخصخصة : مثل خصخصة القناة الأولى للتلفزيون الفرنسي بقانون 30 أيلول 1986؛ والصندوق الوطني للإئتمان الزراعي بقانون 18 آذار 1988. وأخيراً فإنه يكفي صدور مرسوم للإذن بمساهمة القطاع الخاص في رأس مال المشروعات التي تملك الدولة فيها أكثر من نصف رأس المال, طالما أن هذه المساهمة تظل أقلية, ومع ذلك, فإنه بالنسبة لبعض المشروعات العامة اقتضى الأمر صدور قانون. من ذلك قانون 4 تموز 1990 بشأن تحويل “ريجي رينو للسيارات” Renault))

إلى شركة مساهمة بما يسمح بفتح رأس المال, في حدود 25% لأشخاص فرنسيين أو أجانب, وهو ما ينطبق عملاً على شركة فولفو للسيارات Volvo))(24). وإذا وضع المشرّع نظاماً للخصخصة, فإنه لا يجوز له أن يعهد لأجهزة الشركات الوطنية سلطة تقديرية واسعة تخرج عن أية رقابة, وإلا فإن النص التشريعي يكون مخالفاً للدستور(25).

السلطة الإدارية المسؤولة عن الخصخصة
تتميز السلطة المسؤولة عن الخصخصة بالثنائية, إذ توجد سلطة التقرير وهي وزير المالية, وسلطة استشارية وهي لجنة الخصخصة.
بالنسبة لوزير المالية فإن السلطات في مجال الخصخصة تتركز بين يديه, فهو الذي يحدد ثمن التنازل, وله أن يقرر اختيار المشتري خارج السوق المالي, وله أن يقرر منع أي شخص طبيعي أو معنوي من شراء أكثر من 5% من الأسهم, ويحدد وزير المالية أيضاً إجراءات البيع العام, ومكاتب الخبراء التي تقوم بتطبيق هذه الإجراءات على المشروعات العامة, ويحدد أيضاً حصة الأجانب, ومن هذا يتضح أن القانون أعطى السلطة السياسية جميع الوسائل للرقابة على مجموع عملية الخصخصة(26).
أما لجنة الخصخصة (La Commission de la Privatisation) , فقد حرص القانون على أن يجعل منها هيئة مستقلة واستشارية في آن واحد. فمن ناحية, فهي تُشكَّل من أعضاء يتم إختيارهم وفقاً لكفاءتهم, ويتم تعيينهم بمرسوم, لمدة خمس سنوات, ويخضع أعضاء اللجنة لواجب احترام السر المهني, وفرض المشرّع على أعضاء اللجنة عدم جواز الجمع بين عضوية اللجنة وبين عضوية مجلس إدارة أو رقابة إحدى الشركات التجارية أو ممارسة أي نشاط يرتبط بخدمة الشركة بما من شأنه أن يجعلهم تابعين للمشترين المحتملين, ويسري هذا الحضر أيضاً خلال مدة خمس السنوات التالية لإنتهاء وظائفهم في اللجنة. ومن ناحية أخرى فإن وظيفة اللجنة استشارية محضة, إنها تصدر آراء, وليس قرارات ــ وبالتالي لا تخضع اللجنة في إصدار الآراء للقيود التي يفرضها المشرع على القرارات ــ بمناسبة ممارسة اختصاصها الأساسي, ألا وهو تقويم المشروعات العامة, وتقوم اللجنة بتحديد سعر أدنى, بحيث لا يجوز لوزير المالية أن يحدد سعراً أعلى, ومع أن وظيفة اللجنة استشارية, فإن استشارتها إلزامية(27).

القسم الثاني:
الآثار الإقتصادية المحتملة لخصخصة المنشآت الإنتاجية


يمكن تقسيم الآثار الإقتصادية “البحتة” المتوقعة من تنفيذ عمليات الخصخصة إلى مجموعتين من الآثار:
أوّلاً: الآثار المحتملة في إطار المنشأة ذاتها التي يتم تخصيصها. وهذه الآثار تدرس من زاوية الإقتصاد الجزئي Impacts) Microeconomic) .
ثانياً: الآثار المتوقعة على مجمعات Aggregates)) ومتغيرات الإقتصاد الوطني ككل, أو الإقتصاد الكلي Macroeconomic Impacts) ) .

1- ­ الآثار المتوقعة في إطار المنشأة ذاتها
إن الغرض الرئيسي والمباشر من خصخصة المؤسسة الإنتاجية هو زيادة الكفاءة الإقتصادية للمنشأة. وفي العادة فإن مفهوم الربح هو المؤشر المعتمد لمدى تحقيق تلك الكفاءة, على الأقل من وجهة النظر المالية والمحاسبية.
لكن مؤشر الربح ليس هو المعيار الأساسي المعتمد من وجهة نظر التحليل الإقتصادي. فمن الممكن جداً أن تتحقق أرباح لأسباب أخرى لا علاقة لها بتخفيض تكاليف الإنتاج المباشرة وغير المباشرة ولا بزيادة إنتاجية العامل (المستخدم أو الموظف) أو الآلات والماكينات, وهي الإعتبارات الأساسية التي نحكم من خلالها على كفاءة المنشأة.
فقد يتحقق الربح أو يرتفع بعد الخصخصة لأسباب زيادات طارئة في المبيعات المحلية أو الخارجية أو, وهو الأهم, لأن المنشأة التي جرت خصخصتها تبقى بعد مرورها إلى القطاع الخاص تتمتع “بقوة إحتكارية” Power Monopoly)) تمكنها من الإنفراد إلى حد ما بتحديد السعر, الأمر الذي لا يخدم مصلحة المستهلك والإقتصاد الوطني. وبعبارة أخرى, فإنه ليس من مصلحة المستهلك أولاً وليس من مصلحة المنتج ثانياً (خاصة على المدى الطويل) تنفيذ عمليّة الخصخصة إن لم يتم التحقق من كفاءة المنشأة من حيث التكاليف والإنتاجية. وإن كانت ظروف المنافسة ــ إن وجدت ــ في سوق المنشأة التي يتم خصخصتها تضمن تحقيق الحد الأقصى الممكن ــ من الناحية الواقعية والعملية وليس النظرية, فحسب ــ من الكفاءة, إلا أن عناصر المنافسة قد لا تتوفر في العديد من الدول النامية والدول الإشتراكية السابقة في أوروبا الشرقية والوسطى والتي تمر, حالياً, بما في ذلك روسيا نفسها, بمرحلة انتقالية لإقتصاديات السوق. وعليه, فإن تأسيس “هيئة رقابية” حكومية (وقد يشارك في عضويتها القطاع الخاص) هو أمر في منتهى الأهمية إذا ما أريد تحقيق الكفاءة الإقتصادية وهو الهدف الرئيسي المفترض لعملية الخصخصة.
وقد يتصور البعض أن الخصخصة سوف تؤدي إلى نمو المنشأة Sa croissance)). إلا أن ذلك ليس صحيحاً بالمطلق. إذ أن نمو المنشأة بعد الخصخصة سيعتمد على مجموعة من العوامل منها مدى توفر عناصر المنافسة في سوق المنتجات التي تنتجها المنشأة, ودرجة استخدام الطاقة الإنتاجية المتوفرة ومستوى التقنية المستخدمة والإمكانات الإنتاجية لإنتاج سلع جديدة لها أسواق.
وأخيراً يمكن القول بأنه تحت ظروف المنافسة, فإن عملية “الخصخصة” سوف تؤدي لإستخدام تقنيات انتاجية حديثة تخفض التكاليف وترفع الإنتاجية وذلك بالقدر الذي يسمح به حجم السوق.
بناءً على ما تقدم, فإن الآثار المتوقعة على المنشأة ذاتها والتي تنجم عن عملية الخصخصة قد تصل إلى كل أو بعض عناصر الربح والسعر وكمية الإنتاج والكلفة والإنتاجية والتقنية المستخدمة وحجم المنشأة. ولعل هيكلية السوق الذي تعمل فيه المنشأة من حيث درجة المنافسة المتوفرة أو عدمها ومدى الكفاءة المحققة في المنشأة نفسها هي أهم العوامل التي تحدد أي من تلك العناصر سوف تتأثر وبأي قدر. وتجدر الإشارة إلى أن ذلك ينطبق على تحويل ملكية المنشأة للقطاع الخاص وعلى أسس تجارية مع إبقاء ملكيتها مع الحكومة على حد سواء.

2- ­ الآثار المحتملة على صعيد الإقتصاد الكلي
إن درجة التأثير على المؤشرات الإقتصادية التي سيرد تفصيلها سوف تعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة المشروعات التي ستتم خصخصتها وبالدرجة الثانية على حجم الإستثمار الحكومي في المنشأة الإنتاجية والمشروعات الصناعية المختلفة قياساً بحجم الإقتصاد الكلي وعلى حجم برنامج الخصخصة الذي يتم تنفيذه. فمن الواضح أنه كلما انخفضت تلك النسبة وكلما انخفض حجم برنامج الخصخصة كلما قلّت أهمية تلك الآثار. وكذلك فإن سلسلة التأثيرات التي تترتب على عمليات الخصخصة قد لا تظهر إلا في المدى المتوسط والمدى البعيد وتختلف من مؤشر إلى آخر, بإستثناء التأثير المباشر على العمالة في المدى القصير. وان كان من الممكن قياس الآثار بإستخدام أساليب الإقتصاد القياسيL'Econométrie)) والأساليب الإحصائية المعروفة, إلا أنه من الضروري الإنتباه إلى أن التغير الذي يتم تحديده بإستخدام تلك الأساليب يجب ان يدرس من حيث:
أ ­ توفر علاقة السببية Lien de causalité)) بين الخصخصة والتغير في المؤشر الذي يتم قياسه.

ب- ­ درجة أو مقدار التغير في المؤشر الذي يتم قياسه والذي ينجم عن عملية الخصخصة ذاتها. ذلك أن التغير في المؤشر قد ينجم عن عدد من المسببات, ولدراسة آثار إحداث عملية الخصخصة بالتحديد على ذلك المؤشر لا بد من فصل الأسباب بعضها عن بعض إحصائياً وذلك بقياس تأثير معامل Coefficient)) كل منهما على حدة بقدر الإمكان.
وأخيراً, فإن التغيرات المتوقعة على الإقتصاد الكلي نتيجة تنفيذ برنامج خصخصة حجم ملموس ومؤثر من المنشآت الإنتاجية والمشروعات الصناعية وغيرها تختلف من حيث احتمالية وقوعها ومن حيث حدتها بإختلاف أسلوب الخصخصة وبمدى تحقق نقل الملكية للقطاع الخاص أو الإكتفاء بتغيير الشكل القانوني للمنشأة بغرض إدارتها على أسس تجارية.

1- ­ التأثير على توزيع الدخل الوطني
إن المجموعات التي تتأثر مداخيلها الحقيقية من عمليات خصخصة المنشآت الإنتاجية هي مجموعة دافعي الضرائب, مجموعة المستثمرين في المنشآت التي تتم خصخصتها, مجموعة المستهلكين للسلع التي تنتجها هذه المنشآت, ومجموعة العمال والمستخدمين في المنشآت “المخصخصة”.
إن دراسة أثر عمليات الخصخصة على توزيع الدخل الوطني تعني بالتحديد دراسة التغيرات المقارنة في المداخيل الحقيقية لتلك المجموعات كنتيجة لعمليات الخصخصة, والتي تؤدي إلى تغيير في درجة المساواة والتفاوت في توزيع الدخل الوطني في المجتمع.
فمن المعلوم, أنه في الإقتصاد المعاصر, هناك معياران أساسيان لمجمل السياسات الإقتصادية في كل دولة. الأول هو معيار “الكفاءة” الإقتصادية والثاني هو معيار “العدالة” في توزيع الدخل الوطني. وإذا كان معيار “الكفاءة” هو الهدف المعلن في كل برامج الخصخصة في العالم, وهو هدف يخص بالتحديد المنشآت الإنتاجية التي يتم خصخصتها, وعليه فهـو:

Internal to the entreprise being commercialized)) , على أن معيار “العدالة” الإقتصادية, قلّما يتم الإعلان عنه كونه يتعلّق بقضية تعتبر خارجية External)) عن نطاق المنشآت ذاتها, هذا على الأقل. وقد أجمع خبراء المنظمات الدولية(28), على أن برامج إعادة الهيكلة والتصحيح الإقتصادي التي تنفذها بعض الدول مثل سريلانكا وبنغلادش والفليبين قد سارعت في عمليات الخصخصة لتحقيق معيار “الكفاءة” الإقتصادية على حساب مزيد من التفاوت في توزيع الدخل والثروات في مجتمعات تتسم أصلاً بالفقر والبطالة في غالبية المجموعات السكانية.
إن برامج الخصخصة تلك تعنى بإعتبارات الكفاءة الإقتصادية أولاً وقبل كل شىء, وتحدد بالتالي مجالات الخصخصة وأولوياتها لضمان سرعة تحقيق “الكفاءة” على إعتبار أن تحقيق “الكفاءة” سوف يؤدي على المدى البعيد إلى التخفيف من الفقر والبطالة. ويبقى التساؤل قائماً حول مدى تمكن عمليات “الخصخصة” تلك, من تنشيط الإقتصاد الوطني ونموه, وحول طول الفترة الزمنية “الطويلة المدى” التي تتحقق بعدها الآثار الإيجابية المتوقعة على مستويات التشغيل.
إن آثار عمليات خصخصة المنشآت الإنتاجية تختلف جذرياً في حالة تحويل ملكية المنشآت للقطاع الخاص عنها في حالة تغيير الشكل القانوني للمنشآت بحيث تدار على أسس تجارية مع إبقاء الملكية للدولة.

أ- ­ الآثار في حال نقل الملكية للقطاع الخاص
عندما يتم نقل ملكية منشأة صناعية أو غيرها إلى القطاع الخاص, وإذا كانت تلك المنشأة تحقق أرباحاً ــ وبغض النظر عن معايير الكفاءة في الإنتاجية والتكلفة ــ فمن الواضح أن الأرباح التي كانت تحصلها الحكومة تصبح, بعد الخصخصة, من “نصيب” أولئك المستثمرين الذين تملكوا المنشأة. وعليه فإن هناك تغير في توزيع الدخل الوطني لصالح مجموعة المستثمرين وعلى حساب مجموعة دافعي الضرائب. وتخف حدة هذا التغيير غير المرغوب فيه من وجهة نظر “العدالة في توزيع الدخل والثروات” كلما اتسعت قاعدة المستثمرين المحليين. وان كانت الحكومة سوف تقوم بتحصيل ايرادات إضافية بعد الخصخصة بسبب ارتفاع مداخيل مجموعة المستثمرين بمقدار الأرباح إلا أن تلك الإيرادات الإضافية هي جزء من تلك الأرباح, ويوازي في هذه الحالة ضريبة الدخل, وهي ضئيلة عادةً, وخصوصاً في هذه الحالة, تكون متدنية, كخيار حكومي, لدفع وتشجيع للمستثمرين لشراء المنشأة المخصخصة.
وبالتأكيد, فإنه كلما كان متوسط مداخيل المستثمرين أعلى من متوسط مداخيل دافعي الضرائب بوجه عام, وهو الأمر السائد في الدول النامية والتي تقوم بعمليات الخصخصة, كلما ازدادت حدة التفاوت في توزيع الدخل الوطني بسبب الخصخصة. من الضروري التنبيه إلى أن ذلك الأثر غير المرغوب فيه ليس سبباً بحد ذاته للعدول عن عملية الخصخصة, ذلك أن سياسات الحكومة المالية تستطيع دائماً أن تخفف من حدته على دافعي الضرائب. ومن الممكن أيضاً استخدام الأموال التي تحصلها الحكومة من بيع المنشآت الإنتاجية في توسيع الخدمات الإجتماعية والتعليمية وفي تحسين مستويات معيشة ذوي المداخيل المحدودة.
أكثر من ذلك, فإن الاسلوب الذي يُتبع في عمليات الخصخصة يؤثر على مدى حدوث ذلك التغيير في توزيع الدخل الوطني. فعلى سبيل المثال إذا ما تم بيع المنشأة بسعر أقل من قيمتها, فإن الأثر لصالح المستثمرين يتزايد, والعكس صحيح. وبالتأكيد فإن الحكومة تستطيع أن تعطي بعض الفئات كالعاملين في المنشأة أسعاراً وشروطاً تفضيلية للتخفيف من حدة التغيير في توزيع الدخل. على أنه من المتوقع أن يقوم العاملين الذين حصلوا على حصص بسعر تفضيلي ببيع حصصهم بمجرد تمكنهم من تحقيق ربح رأسمالي. ولتجنب ذلك قامت بريطانيا بمنح العاملين حصصاً إضافية لأولئك العمال الذين يحتفظون بملكية حصصهم لفترات طويلة من الزمن. واستخدمت ألمانيا أسلوباً آخر وهو السماح لإدارات المنشآت التي يتم خصخصتها في ألمانيا الشرقية بتملك حصة من المنشأة Management Buy-Outs)) وذلك للحيلولة دون تملك الألمان الغربيون لجميع منشآت ألمانيا الشرقية. ويبدو هذا الاسلوب غير مستخدم في الدول النامية بإستثناء ماليزيا, وعلى نطاق ضيق.
وسواء تم بيع بعض الحصص للعاملين أو للإدارة بغرض تخفيف درجة تمركز الملكية, لا بد من الإنتباه لآثار ذلك على معيار الكفاءة وخصوصاً على سعر المنتج. فقد يترتب على ذلك ــ خاصة في حالة بقاء الإدارة نفسها بعد الخصخصة ــ ميلاً بعدم تخفيض الأسعار الأمر الذي يؤدي إلى تمييز في توزيع الدخول على حساب مجموعة المستهلكين. إن مجموعة دافعي الضرائب هم المستفيدون في حالة كون المنشأة التي يتم خصخصتها تتكبّد خسائر. ذلك إن تلك الخسائر كانت عبئاً على خزينة الدولة ويترتب على عملية نقل الملكية للمستثمرين إلغاء ذلك العبء عن دافعي الضرائب.
ولعل من أهم الإعتبارات هو ذلك المتعلق بمدى مساهمة رأس المال الأجنبي في المنشأة التي تحقق أرباحاً والتي يتم خصخصتها. ومن الضروري عدم التسرع في إصدار الحكم بأن في ذلك تغييراً لصالح المستثمر الأجنبي على حساب دافعي الضرائب, ذلك أنه في معظم الحالات وخاصة تلك التي يتم اختيار ما يسمى الشريك الاستراتيجي ــ وهو في الغالب ليس محلياً ــ, فإن هناك منافع محتملة من مشاركة المستثمر الأجنبي يجب أخذها بعين الإعتبار. فقد يترتب على تلك المشاركة الأجنبية تحديث تقني يؤدي لتخفيض التكاليف وزيادة الإنتاجية وفتح أسواق تصديرية جديدة. وقد يترتب على ذلك تخفيض في الأسعار لصالح المستهلكين وزيادة في التشغيل وتحسين في وضع الميزان التجاري.
ومع ذلك, فإن تأثير بيع المنشأة لمستثمرين أجانب على توزيع الدخل القومي سوف يتأثر بأية مزايا ضريبية أو مزايا في سعر المنشأة يحصل عليها المشتري ضمن عقد البيع. وبغياب عناصر المنافسة في السوق, لا بد من مراقبة وتحديد الأسعار ونسب الربح, وبخلاف ذلك فإن مجموعة المستهلكين هي المتضرر الأكبر. وبالقدر الذي يتم فيه بيع المنشأة بقيمتها العادلة, وهو أمر فيه بعض الإجتهاد سواء تم تقييم الموجودات أو تم تقدير القدرة على تحقيق الربح, فإن دافعي الضرائب هم المتضررون. وكذلك, فإنه بالقدر الذي يتم فيه الإستغناء عن عمال ومستخدمين بعد عملية نقل الملكية للقطاع الخاص وبالقدر الذي لا يتم فيه استيعابهم في نشاطات استثمارية جديدة, يتم تغيير في توزيع الدخل الوطني لصالح المستثمرين والمستهلكين وعلى حساب العمال.
وأخيراً, وبوجه عام, فإن تجارب الدول المختلفة في عمليات تخصيص المنشآت الإنتاجية قد ترتب عليها زيادة في درجة تركيز الملكية الخاصة في المنشآت الصناعية والتعدينية. ولعل السرعة في التخصيص وغياب الأسواق المالية الذي يعتمد أما على التفاوض أو على بيع شرائح كبيرة لا يمكن صغار المدخرين من تمويلها.

ب- ­ التأثير في حالة عدم نقل الملكية
من الواضح إن جميع التغيرات المحتملة على توزيع الدخل الوطني التي تنشأ بالتحديد عن نقل الملكية كما سبق بحثها أعلاه, لا تنطبق عندما تبقى الملكية للدولة ويتم تغيير الشكل القانوني للمنشأة الإنتاجية بحيث تتم إدارتها على أسس تجارية.
إلا أنه حتى في هذه الحالة هناك تغيرات في توزيع الدخل الوطني تنتج عن تطبيق الأساليب التجارية في إدارة وفي تشغيل المنشأة. فالتغيرات المتوقعة في الأسعار تؤثر على المداخيل الحقيقية للمستهلكين والتغيرات في الأجور تؤثر كذلك على المداخيل الحقيقية لمجموعة العمال والمستخدمين. وينطبق ذلك في كل حالات الإستغناء عن خدمات عدد من العمال والمستخدمين بعد تغيير الإدارات. ويترتب على تخفيض الخسائر أو تحقيق الأرباح في المنشأة بعد إدارتها تجارياً تغييراً في توزيع الدخل الوطني لصالح دافعي الضرائب. ومما لا شك فيه بأن تحسين نوعية المنتجات تأتي في صالح مجموعة المستهلكين.
ومن المناسب الإشارة إلى ان إمكانية تحقق تلك الآثار يعتمد إلى حد كبير على مدى تدخل الحكومة لإعتبارات سياسية في إدارة وتنظيم المنشأة التي بقيت ملكيتها مع الحكومة وإن كانت قد بدأت إدارتها على أسس تجارية. ولعل من أهم المتغيرات التي تستحق المراقبة والمتابعة هو سعر المنتج بعد الخصخصة. وان كان أي إرتفاع في السعر يكون على حساب المستهلكين, إلا أنه من الممكن جداً ان تتزامن الخصخصة مع وجود تضخم مالي, أو مع ارتفاعات في التكاليف بما في ذلك تكاليف المواد الأولية وخاصة المستوردة أو في أسعار الفائدة, الأمر الذي يؤدي إلى رفع أسعار المنتج ولكن لأسباب قد لا تكون الخصخصة أحدها.

2- ­ التأثير على العمالة ومستويات التشغيل
إن تأثير عمليات الخصخصة على العمالة هو أول الإعتبارات التي تثير اهتمام الحكومات والعاملين أنفسهم والرأي العام. ذلك أن هناك انطباعاً عاماً مفاده أن الإستغناء عن عدد العاملين يلازم كل عمليات الخصخصة. وفي ذلك اعتراف ضمني بأن المنشآت الإنتاجية التي تمتلكها وتديرها الحكومات تدار وفق أساليب ليست إقتصادية بالمعنى الدقيق لإعتبارات الكفاءة, وإنما وفق أساليب تأخذ الإعتبارات السياسية والإجتماعية بعين الإعتبار. ويؤكد ذلك إن جميع النقابات العمالية في كل دول العالم تعارض معظم عمليات التخصيص بشكل أو بآخر, وتضغط لضمان استمرارية مزايا العاملين وأعدادهم قبل وبعد عمليات الخصخصة.
ومن وجهة نظر الكفاءة الإقتصادية على مستوى المنشأة, فإن المسألة ببساطة تتلخص في ان دالة الإنتـاج La fonction de production) ) التي تحقق الكفاءة الإقتصادية للمنشأة الإنتاجية التي تتم خصخصتها, غير مطابقة لتلك المستخلصة من واقع كميات وتكاليف عناصر الإنتاج في تلك المنشأة عند خصخصتها. فإذا ما كان عنصر العمل مبالغ فيه أي يسجل فائضاً عن الإحتياجـات الحقيقية كما تشير إليها دالة الإنتاج التي تحقق الكفاءة الإقتصادية, وحيث ان الغرض من الخصخصة أساساً هو تحقيق تلك الكفاءة, يصبح من الضروري الإستغنـاء عن ذلك الفـائض من العمـالة في تلك المنشأة بعد نقل ملكيتها و/أو إدارتهـا على أسس تجـارية. وإعترافـاً من الحكومة البريطانية بذلك, قامت (مسبقاً وقبل خصخصة) مصانع الحديد والصلب British Steel))

بالإستغناء عن اعداد من العاملين في تلك المنشأة.
بالإضافة إلى ذلك, وحتى على إفتراض عدم وجود فائض في عدد العاملين في المنشأة, فقد يتم الإستغناء عن عدد من العاملين في المنشأة الإنتاجية بعد خصخصتها لأحد أو لكلا السببين التاليين:

أ- ­ تغيير دالـــة الإنتاج
تغيير دالة الإنتاج بتغيير التقنية واستخدام أسلوب إنتاج يعتمد أكثر على المكننة ويعتمد أقل على العمال. فقد يرتأي أصحاب المؤسسة الجدد أو إدارتها أن تحقيق الأرباح أو زيادتها على المدى البعيد مرهون بإستخدام تقنية في الإنتاج أكثر استخداماً للآلات منها للعمال

Capital Intensive)).

ب- ­ التقليل من الكمية المنتجـــة سنـــويـــاً
يؤدي التقليل من كمية الإنتاج السنوي إلى تخفيض عدد العاملين في المنشأة. فإذا ما ارتأى أصحاب المنشأة الجدد أو إدارتها بأن في تخفيض كميات الإنتاج زيادة في الربح, فمن المتوقع ان يستخدموا عدداً أقل من العمال, وتبرز أهمية هذه الحالة عند توافر قوة احتكارية للمنشأة في سوق منتجات تلك المنشأة. فمن المعلوم أنه في سوق الإحتكار وبغياب الرقابة فإن الكميات المنتجة أقل والسعر أعلى مما يكون عليه الحال في سوق المنافسة.
إنّ أثر ما تقدم على نسب البطالة في الإقتصاد الكلي يعتمد إلى حد كبير على درجة النمو الإقتصادي وعلى مدى توفر فرص عمل أخرى وخلال فترة معقولة لأولئك العمال الذين تم الإستغناء عن خدماتهم في المنشآت التي تم تخصيصها. لقد بينت تجارب بعض الدول أنه تم إستيعاب معظم العمال الذين تم الإستغناء عن خدماتهم نتيجة الخصخصة في مواقع أخرى في القطاع الخاص الماليزي لأن فرص الإستثمار والعمل ونمو الإقتصاد الماليزي بنسب عالية ومستمرة قد سمح بذلك, بينما لم يتحقق في الفيليبين وسريلانكا ونيجيريا. ولقد حاولت بعض الدول التخفيف من أثر الخصخصة على نسب البطالة بإشتراط عدم الإستغناء عن العاملين بأعداد كبيرة نسبياً لفترة معينة من الزمن. ولقد تم تطبيق ذلك في سريلانكا وفي الباكستان وفي ماليزيا نفسها.
إلا أنه من الممكن وجود حالة أو أكثر تتسم بوجود طاقات إنتاجية فائضة ويكون فيها حجم الإنتاج أقل من الطلب لأسباب تتعلق بعدم توفر السيولة الكافية لدى المنشأة أثناء إدارتها من قبل موظفي الحكومة. وعلى الأغلب فإنه عند تخصيصها يتم إنتاج كميات أكبر بإستخدام الطاقات الصناعية والمتوفرة ذاتها على افتراض معالجة مشكلة السيولة, الأمر الذي يترتب عليه عدم الإستغناء عن أي من العمال وربما استخدام أعداد أخرى منهم. ويزداد إحتمال تحقق ذلك في حالة قيام مستثمرين أجانب بإمتلاك المنشأة لقناعتهم إما بإنخفاض كلفة فاتورة الأجور والرواتب نسبياً ــ وخصوصاً في الدول النامية ــ أو لقدرتهم على تسويق المنتجات في أسواق خارجية جديدة.
وأخيراً, فإن الإستغناء عن أعداد من العاملين في المنشآت التي تتم خصخصتها لا يكون بدون تكلفة على الشركة المالكة الجديدة. ففي الحالات التي تتطلب فيها اعتبارات الكفاءة الإقتصادية وتحقيق الربح وإعادة الهيكلة للمنشأة ذاتها, تجدر المقارنة بين تكلفة إعادة الهيكلة وتكلفة الإستغناء عن اعداد كبيرة من العمال.

3- ­ التأثير على الموازنة العامة للحكومة
على الرغم من الإنطباع العام بأن الهدف من عمليات الخصخصة هو تحسين وضع خزينة الدولة, إلا أن صالح الحكومة يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسة :
أ- ­ هل تحقق المنشأة التي تتم خصخصتها أرباحاً أم انها تخسر؟
ب- ­ هل يعادل سعر البيع حجم الإستثمار الذي دفعته الحكومة أم هو أقل أو أكثر؟
ج- ­ كيف تستخدم الحكومة حصيلة بيع المنشأة ؟
ولتوضيح ذلك, فإذا ما تمّت خصخصة منشأة تحقق خسائر ويتوقع ان تستمر كذلك, وإذا ما تم بيعها بسعر يساوي قيمة الإستثمار فيها, وإذا ما استخدمت حصيلة البيع في تسديد قسم من الدين العام الداخلي, فلا شك بأن الخصخصة تحسن وضع الموازنة العامة للحكومة لأنها أولاً تعفي الحكومة من إستمرار دعم المنشأة الخاسرة مالياً, ولأنها ثانياً تعفي الحكومة وإلى الأبد من خدمة ذلك الجزء من الدين الداخلي المتمثل بالفائدة على سندات الخزينة. وبالطبع فإن درجة التحسن في وضع الموازنة سوف تعتمد على سعر البيع بحيث تنخفض بإنخفاض ذلك السعر عن تكلفة الإستثمار الكلية.
أما إذا كانت المنشأة تحقق أرباحاً ومن المتوقع أن تستمر في تحقيق الأرباح, فإن مزايا إعفاء الحكومة من جزء من خدمة الدين العام الداخلي قد تكون أقل من التدفقات النقدية السنوية التي تحصلها الخزينة والتي تمثل أرباح تلك المنشأة.
ومن الواضح أنه يمكن تحليل عدد من السيناريوهات التي تأخذ اتجاهات مختلفة للعوامل الثلاثة أعلاه. وان كانت حصيلة البيع تحسن من وضع الخزينة, إلا أن استخـدام تلك الحصيلة مثـلاً لتغطية العجز في النفقـات الجاريـة لا يعفي الحكومـة على المدى الأبعد من الإستمرار في تحمل عبء خدمـة ذلك الـدين الذي استخدم لتمويل الإستثمار في المنشأة أصلاً. من المحتمل وفي حالات إستثنائية ان تكون عملية خصخصة منشأة إنتاجية أو بيع مساهمة الحكومة في شركة تمتلك فيها الحكومة معظم الأسهم سبباً في إلغاء استثمار منافس كان أصلاً سيتحقق في القطاع الخاص لإنتاج نفس السلعة التي تنتجها المنشأة أو الشركة التي تتم خصخصتها. وبعبارة أدق, فمن المحتمل من الناحية النظرية ان يتحقق مــا نسميه بـ “أثر الإبعاد” Crowding-Out effect))(29) لإستثمار مخطط له في القطاع الخاص بسبب عملية الخصخصة ذاتها.
وعلى أي حال, يبقى صحيحاً إن عمليات الخصخصة تعفي الحكومة في المستقبل من الإستثمارات الإضافية التي قد تتطلبها ظروف السوق أو ظروف تغيير التقنية أو إستهلاك الأصول الثابته, الأمر الذي يقلل من احتمالات زيادات الدين العام الداخلي, والذي يقلل من منافسة الحكومة للقطاع الخاص على الإقتراض ومن ارتفاعات في أسعار الفائدة قد تترتب على ذلك في المستقبل وأثر ذلك على الإستثمار بوجه عام. ويبقى صحيحاً أيضاً أنه إذا ما ترتبت على عمليات الخصخصة زيادة في النشاط الإقتصادي والإستثماري بوجه عام, فإن الزيادات المتوقعة في الدخول وفي العمليات التجارية ترتفع من حصيلة الضرائب التي تحصلها الحكومة.

وأخيراً فإن عمليات الخصخصة ذاتها لها تكلفة عالية على خزينة الدولة. فهناك تكلفة مباشرة تتحقق على استكمال عملية البيع وتشتمل على تكاليف الدراسات والإستشارات والتقييم وتكاليف الطرح العام L'Appel d'Offre)) وعمولات الإصدار والتغطية وإستدراج العروض والتفاوض. وهناك تكاليف أخرى تتعلق بقيمة التنازلات التي تقبلها الحكومة لتحقيق عملية الخصخصة وقد تشتمل على إلغاء دين مال الحكومة, وقد تشتمل على منح أسعار تفضيلية أو تعويضات للعمال والمستخدمين. بالإضافة إلى ذلك فقد تستحيل الخصخصة قبل “إعادة هيكلة” المنشأة مالياً وإدارياً الأمر الذي قد يرتب كلفة عالية على خزينة الدولة.

إســتنتـاجات و توصيات
من أجل نجاح عملية الخصخصة لا بد من توفر عدد من العوامل التي توفر الحماية والقناعة لدى المستثمرين الأجانب والمحليين لتشجيعهم في إستثماراتهم لتحقيق الأهداف الأخرى للخصخصة. ومن هذه العوامل:
1- ­ مصداقية جهاز الدولة وقدرته على تسويق القرار محلياً وعالمياً لتوليد قناعات لدى المستثمرين والمهتمين بالموضوع.
2- ­ وجود ضمان لحرية العمل الإقتصادي ضمن إطار متفق عليه مع التشريعات اللازمة لحماية المستثمرين.
3- ­ تبني نظام ضريبي محفز وإزالة البيروقراطية ووضع تشريعات محكمة وواضحة.
4- ­ إيجاد إدارات ونظم مراقبة مستقلة تساعد الدولة على حماية المستثمر والمستهلك.
5- ­ تطوير الأسواق المالية وضمان حسن إدارتها لتمكينها من إستيعاب الأسهم الجديدة.
6- ­ البدء بخصخصة المؤسسات الناجحة لتشجيع المستثمرين وجذب رأس المال, وإصلاح المؤسسات الضعيفة قبل خصخصتها.
7- ­ التعريف المسبق للجمهور في إستخدام حصيلة مبيعات القطاع العام.
8- ­ تشجيع المنافسة وتجنب الإستعاضة عن إحتكار الدولة بإحتكار القطاع الخاص.
9- ­ توسيع الملكية عن طريق طرح الأسهم للبيع بسوق الأوراق المالية.

 

[1]  B. MARAIS, “Délégations de Service Public au service du développement: L'expérience et l'approche de la Banque Mondiale”, in Revue Française de Droit Administratif, 1997, Supplément au n° 3, p.106.

[2]  الخصخصة هي المقابل للفظ Privatisation)) في اللغة الفرنسية. وهي كلمة مستحدثة في اللغة العربية, والفعل خصخص على وزن “فعلل” مثل حصحص, مع ملاحظة أن خصخص فعل متعدي, بينما حصحص فعل لازم. وتستخدم ألفاظ أخرى مثل التخصص والتخصيص والتخصصية والأهلنة والتفريد إلى آخره... وقد رأينا استخدام لفظ خصخصة ­ نظراً لشيوع إستخدامه ­ هو الأنسب.

[3]  G. VEDEL & P. DELVOLVE, Droit administratif, Volume 2, Presses Universitaires de France, Collection Thémis, Paris, 1992, p. 645.

 

[4]  Conseil Constitutionnel, 23 Juillet 1996, N° 380. Actualité Juridique-Droit Administratif, Doct., p. 696, Commentaire O. SCHRAMECK; R. F. D. C., 1996, N° 28, p. 832, note F. MELIN -SOUC-RAMANIEN; Jurisclasseur Périodique, 1997, Doct., 4023, Chron. Const., note B. MATHIEU, M. VERPEAUX, N° 17.

[5]  Conseil Constitutionnel, 11 Octobre, 1985, Syndicat Général de la Recherche Agronomique, C.F.S.D.T., Recueil des décisions du Conseil Constitutionnel, p.278.

[6]  Conseil d'Etat, 2 Février 1987, MM. JOE & BOLLON, in Actualité Juridique - Droit Administratif, 1987, p. 350, note M. BAZEX.

[7]  François LUCHAIRE, La protection constitutionnelle des Droits et des Libertés, Economica, Paris, 1987, p.297.

 

[8]  G. VEDEL & P. DELVOLVE, Droit administratif, Volume 2, op. cit., p. 645.