هو وهي

الخيبات التي تدمّر الزواج كثيرة.......
إعداد: ريما سليم ضوميط

فهل من حلول؟
في أجواء «الهيصة» والفرح، ووسط زغاريد الأهل والأصدقاء، يدخلان القفص الذهبي، زادهما أحلام لا سقف لها وآمال ترفرف بسعادة فوق عالمهما الجديد. وإذ تمرّ السنون، يتحوّل الحلم فجأة إلى كابوس، والآمال الكبيرة إلى خيبة أمل، وتنقلب الزغاريد إلى وشوشات بين الجيران حول خلافات تجاوز صداها الجدران الأربعة، فتطوّرت إلى استحالة عيش مشترك، ومن ثم إلى طلاق! فما الذي حصل؟

 

بين الحلم والواقع
لماذا ينتهي بالانفصال زواج بدأ بحلم؟ ما الأسباب التي تدفع بالزوجين إلى اتخاذ القرار بالطلاق، بعد أن يكونا قد قطعا سابقًا عهدًا بالحب إلى الأبد؟
أسئلة تجيب عنها المستشارة في العلاقات الزوجيّة السيدة جيسي طعمة في الحوار الآتي:

 

• من الملاحظ أن نسبة الطلاق ارتفعت بشكل ملحوظ في مجتمعنا فما السبب برأيك؟
- هناك عدّة أسباب تدفع بالزوجين إلى اتخاذ قرار الانفصال، وهي ناتجة بمعظمها عن غياب التواصل بشكل صحيح. أما في لبنان تحديدًا، فقد يعود السبب إلى التغيير الذي يشهده المجتمع. فالمرأة عندنا أصبحت مستقلّة مادّيًا واقتصاديًا، لكنّها ما زالت تعاني مشكلة فقدان الهويّة الشخصيّة. فهي إما إبنة فلان أو زوجة فلان، وهي تتربّى منذ نعومة أظافرها على فكرة الزواج وبناء عائلة، فتضع هذا الهدف نصب عينيها وتسعى جاهدة إلى تحقيقه، ما يدفعها احيانًا إلى المساومة، والقبول بعلاقة لا تنصفها في سبيل الوصول إلى الهدف. وما زاد الطين بلّة، أن الحرب اللبنانيّة أدّت إلى خسارة عدد كبير من الشبّان، بحيث أصبح هناك شاب واحد مقابل كل ست شابات، الأمر الذي أضاف عنصر المنافسة إلى «مهمّة» الحصول على زوج لبناء العائلة- الحلم، ووضع بالتالي ضغوطًا إضافية على الفتاة، ما جعلها تتغاضى بشكل أكبر عن الأخطاء والسلبيات التي تراها في زوج المستقبل، لأن هدف بناء عائلة هو أكبر بالنسبة إليها من العراقيل التي تعترض طريقها. من هنا، فإن الفتاة حين تصل إلى هدفها المنشود، يتغيّر كل شيء بالنسبة إليها. فهي تكتشف مع الوقت أن الزواج يختلف عن الصورة – الحلم المرسومة في مخيلتها، وتجد نفسها غير قادرة على احتمال الضغوط المفروضة عليها. وفجأة تتعاظم أمام عينيها الأخطاء التي كانت تتغاضى عنها قبل الزواج، فتقرّر أنها غير مضطرة إلى التضحية والقبول بعلاقة لا تنصفها. وهنا تبدأ الخلافات التي تؤدّي إلى الطلاق.

 

مفاهيم خاطئة
• طالما أن فكرة الزواج وبناء عائلة ليست جديدة في مجتمعنا، فما الذي جعل نساء اليوم ثائرات تجاه واقع كنّ يرضين به في الأمس؟

- في الماضي، كان الرجل في موقع السيطرة على المرأة والتحكّم بها انطلاقًا من كونه المعيل الوحيد للعائلة. لذلك كانت المرأة مجبرة على التضحية والسكوت عمّا تعتبره مجحفًا في حقّها، إذ لم يكن أمامها خيار آخر، فهي لا تعمل ولا يمكنها أن تعيل نفسها أو أولادها. أما اليوم، فقد اختلفت المعايير بعد استقلال المرأة مادّيًا. فهي لا تحتاج إلى رجل يعيلها، وهي ليست مضطرة بالتالي إلى التضحية والسكوت عمّا تعتبره ظلمًا.

 

• أليس هناك من حل وسطي، فإما السكوت أو الطلاق؟
- المشكلة ليست في السكوت أو عدمه، إنما هي في المفهوم الخاطىء للزواج. فالمرأة التي ترضى بالمساومة قبل الزواج لأنها بحاجة إلى تحقيق مشروع بناء عائلة، وليس لأنها تحتاج إلى الرجل الذي اختارته، سوف تجد نفسها غير قادرة على الوصول إلى تسويات لإنجاح هذا الزواج في خضم ضغوطات الحياة الزوجيّة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل الذي يبحث عن امرأة مناسبة للزواج بها وكأنه يقوم بإتمام واجب اجتماعي، في حين أنه  يستمر في مواصلة نمط العيش الذي اعتاده قبل الزواج من دون تحمّل المسؤوليات العائلية ، سوف يجد نفسه في مواجهة خلافات زوجية تؤدّي في نهاية المطاف الى الطلاق.
من هنا نقول أنه على كل شاب وشابة أن يبحثا في الزواج عن الشريك الفعلي الذي يمكن العيش معه طوال العمر، بدلًا من التورّط في صفقة اجتماعيّة ترضي العائلة والمجتمع ولا ترضي صاحبها!

 

كيف نبني زواجًا ناجحًا؟
• أشرتِ سابقًا إلى سوء التواصل كسبب رئيس للطلاق، فهل يمكن توضيح هذه الفكرة؟

- تشير الدراسات العالمية إلى أن نسبة التواصل الجيّد بين الأزواج في المجتمع الحديث لا تتجاوز العشر دقائق في اليوم، فهل تكفي هذه الدقائق لبناء زواج ناجح؟! وعندما أتحدّث عن تواصل جيّد لا أعني تواصل «تصريف الأعمال» بمعنى مناقشة الفواتير المنزلية، أو دروس الأولاد، أو الأمور المتعلّقة بتنظيم المنزل. وإنما المقصود هو أن يقضي الزوجان بعض الوقت في التحدّث في أمورهما الشخصيّة، وتفقّد أحوال بعضهما البعض. فهذا النوع من التواصل مطلوب بمعدّل ساعة في اليوم، علمًا أنه يمكن تقسيم هذه الساعة بحسب ما تقتضيه ظروف العمل أو مشاغل الحياة. فيمكن مثلًا أن يتناولا قهوتهما الصباحيّة معًا، ومن ثم يتفقّدان بعضهما البعض في أثناء النهار عبر الهاتف. وفي المساء، يمكن أن يقضيا وقتًا أكبر معًا بعد خلود الأولاد إلى النوم. بالإضافة الى ذلك، يجب أن يتعلّم الأزواج كيفية التواصل بإيجابية، بمعنى أن يعالجا المشاكل الطارئة بينهما بأسلوب حضاري هادىء بعيدًا عن الغضب والانفعال. فالتواصل الجيد يفترض قبول الآخر واحترام رأيه، على عكس التواصل المدمّر القائم على الإنتقاد والتجريح  بالآخر والتفرّد بالرأي. والجدير ذكره، أنه في حالتي غياب التواصل والتواصل المدمّر، سوف يشعر الزوجان بالخيبة والمرارة، بالإضافة الى الإحساس بالغربة داخل المنزل الواحد، ما يدفع في النهاية إلى الطلاق.

 

البوح بالتوقعات والاحتياجات
• يقال أن الرجل والمرأة يتحدثان لغة مختلفة، فهل لهذا العامل تأثير سلبي على زواجهما؟

- تختلف اللغة بين الرجل والمرأة على غير صعيد، إلّا أن ذلك لا يعني عدم قدرتهما على التوصّل إلى لغة مشتركة إذا ما سعيا بجهد إلى ذلك. وهذا يعني أن يفهم كل منهما احتياجات الآخر، لذلك يفترض بكل طرف أن يفصح للآخر عمّا يريده منه، لا أن يتوقّع منه أن يفهم ذلك من تلقاء ذاته. فالتوقعات غير المعلن عنها هي سبب رئيسي للخلافات الزوجية التي تقود إلى الطلاق. المرأة مثلًا قد تتوقّع من الرجل أن يفهم حاجتها إلى المساعدة في تدريس الأطفال، أو في الأعمال المنزلية، أو حتى حاجتها إلى العاطفة، الخ.. من دون أن تفصح له عن ذلك، فتفاجأ بعدم تلبيته لحاجاتها وتصاب بخيبة أمل ومرارة، ولو أنها أفصحت بالكلام عن توقّعاتها لما وصلت بها الحال إلى الخيبة والمعاناة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل الذي قد يتوقّع من المرأة أن تمنحه المزيد من الوقت والاهتمام من دون أن يبوح لها باحتياجاته فتفشل في تحقيقها له.

 

الأولوية للزواج دائمًا
• من المعروف أن ترتيب الأولويات يختلف بين الرجل والمرأة، فهل يؤثر ذلك على علاقتهما الزوجية؟

- الإهمال الزوجي من الأسباب الشائعة للطلاق. وقد يفاجأ البعض أنه في ترتيب الأولويات في الزواج، يحتل الزوجان المرتبة الأخيرة. فالدراسات تشير إلى أن المرأة تضع أولادها أولًا ثم العمل المنزلي، وأخيرًا زوجها! أما الرجل فيضع عمله في الدرجة الأولى، يليه الأولاد، ومن ثم هواياته، وأخيرًا زوجته! من هنا نتساءل كيف يمكن للزواج أن ينجح طالما أن الطرفين المسؤولين عن استمراريته مهمّشان؟ والمؤسف أن الكثير من الأزواج لا يدركان مدى إهمالهما لبعضهما البعض إلّا بعد فوات الأوان. فكم من مرة سمعنا بزيجات انتهت بالطلاق بعد زواج الأولاد! والسبب أنه بعد غياب الأبناء عن المنزل يجد الزوجان اللذان أهملا بعضهما لسنوات، أنهما باتا كالغريبين لا يجمعهما شيئ سوى السقف الذي يأويهما. لذلك ننصح كل زوجين أن يضعا زواجهما في الدرجة الأولى، وأن يتعاونا معًا لتحقيق هذه الغاية. فإذا كانت المرأة مثلًا ترزح تحت أعباء الأولاد والمنزل والوظيفة، يمكنها أن تطلب من زوجها المساعدة في بعض المجالات بحيث تتمكّن من توفير طاقتها لمنحه ما يستحق من الإهتمام. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل، فمهما كانت انشغالاته، يجب أن لا يهمل زوجته، بل عليه إيجاد الوقت الكافي لحياتهما معًا. فبعض الأزواج، وللأسف، لا يخرجان سويّة إلّا في الواجبات الإجتماعية، وهذا خطأ! فالمطلوب أن يخصّصا وقتًا لبعضهما البعض بعيدًا عن الواجبات والانشغالات، كي لا يقعا في مشكلة أخرى وهي فقدان العلاقة الحميمة بينهما. وليس المقصود هنا العلاقة الجنسية، وإنما العاطفة التي يمنحها الرجل للمرأة في مقابل التقدير والإعجاب اللذين تمنحهما المرأة له، فإذا لم يلبّي أحد الطرفين هذه الحاجات، قد يلجأ الآخر إلى البحث عنها خارج المنزل، ما يؤدي إلى تهديد الحياة الزوجية.

 

• ما النصيحة التي تقدّمينها للمتزوّجين الذين يبحثون في الطلاق كحل لمشاكلهم الزوجية؟
-هناك حقائق يجب أن يدركها كل زوجين وهي أن الطلاق يخلّف اكتئابًا عظيمًا لأنه دلالة على الفشل، وأن الزواج الثاني معرّض للفشل بنسبة أكبر، لأن المطلّق يدخله محمّلًا بالمواقف والأفكار نفسها التي أدت إلى فشل زواجه الأول، بالإضافة إلى عتادٍ من الألم والخيبة. فالمطلوب إذًا منح الزواج الفرصة التي يستحقّها لإنجاحه. ومن الضروري ان يتعلّم الزوجان حاجات بعضهما البعض. فالمرأة بحاجة إلى الحب، والرجل إلى الإحترام، وبتلبية هاتين الحاجتين الأساسيتين يمكن تذليل مختلف العراقيل التي تعترض زواجهما.