موضوع الغلاف

الخير كثير والخسائر أيضا

شباط وعواصفه

 

أطل شباط هادراً مدججاً بالمطر الغزير, وما لبث أن استقدم مزيداً من الرياح والصقيع والرعود.
من المرتفعات الى السهول مروراً بالمناطق الوسطى, أغدقت الطبيعة مطراً متواصلاً, وثلجاً متراكماً. أنهر استعادت مجار كانت لها منذ عقود. ينابيع كانت جفت ونسي الناس أماكن وجودها, عادت لتتدفق من جديد. عواصف فشلت الأرصاد في ترقب تقلباتها... والنتيجة, شتاء أعاد الى الأذهان صوراً لأيام البرد والعواصف لم يشهدها لبنان منذ عقود.
لكنّ الخـير الذي تدفق سيولاً على نحو قليل التكرار ولا يحصل سوى مرة كل عقـود عدة, اجـتاح في طريقـه مـناطق كثيرة مخلفاً فيها أضراراً جسـيمة في الممتلكات والأرزاق.
في البقاع والشمال والجنوب وسائر المناطق, فيضانات بالجملة وكذلك الخسائر. حقول وبساتين تحولت الى بحيرات, طرقات ضاعت معالمها وسط المياه والثلوج أو الصخور والأتربة, منشآت سياحية ومطاعم حملها نهر تمرد على مسلك ضيّقته الإعتداءات على أملاكه وحرمته, منازل عامت على المياه, ومواطنون حاصرتهم الثلوج أو السيول, وقرى بأكملها عزلتها العاصفة.
وقبل أن يرحل شباط, مدّ عباءته البيضاء واسعة سخية, فاضت بهجتها من الأعالي وصولاً الى مناطق نادراً ما يتاح لها التلحف بسحر الثلج.
وتبقى هذه المساحات البيضاء, فسحة للتأمل والعودة الى الذات, من أجل الحفاظ عى طبيعة بلادنا الخلاّبة.

 

المناطق الأكثر تضرراً

أكبر الأضرار تركز في البقاع والشمال والجنوب, ففي البقاعين الأوسط والغربي أدى فيضان نهري الليطاني والغزيل الى نشوء البحيرات في البساتين والحقول. وتبعاً لإحصاء أولي غير رسمي لاتحاد بلديات السهل حاصرت المياه نحو 400 منزل في بلدات المرج, حوش الحريمي, الروضة, الخيارة, المنصورة, وغزة الى الدلهمية وبر الياس...
سهل رياق بدا مغموراً بالمياه وكذلك العديد من مناطق وطرقات البقاع...
الشمال لم يكن أفضل حالاً, فسهل عكار إجتاحته المياه, والمناطق الواقعة على مجرى نهري الكبير والأسطوان تعرضت لأضرار فادحة في الممتلكات والأرزاق.
فيضان الليطاني امتد من البقاع الى الجنوب. والمسارب المعهودة عجزت عن استيعاب كميات المطر المنهمرة. أما بحيرة القرعون على الليطاني فوصلت المياه فيها الى أعلى منسوب يسجل منذ 40 عاماً. والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني التي حذرت المواطنين من الاقتراب من مجراه, عمدت الى فتح سكري الأمان في الجهة الجنوبية للبحيرة للتخفيف من منسوب المياه فيها.
فيـضان الليطـاني في منطـقة القاسمـية صور, أغـرق البساتين وحملت المياه المتدفقة ما كان في طريقها من مطاعم ومنشآت...
الإنهـيارات سـجلت في الشـمال كما في الشـوف والبقاع والمـتن وسواها من المناطـق, ومثلها أعطال أصابت الكهرباء والمياه.

 

استنفار لمواجهة آثار العاصفة

حالة استنفار عاشها الجيش كما الأمن الداخلي والدفاع المدني والصليب الأحمر, وفرق تابعة لوزارة الأشغال وسواها من أجهزة مختصة, وتركزت الجهود على التخفيف من آثار العاصفة, عبر أعمال الإنقاذ ونقل المحتجزين وإيصال المساعدات الى القرى والعائلات المحتجزة, إضافة الى فتح الطرقات ونقل المرضى واتخاذ إجراءات من شأنها الحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم. كذلك, عمل الجيش كما أجهزة أخرى في مناطق عدة على إقامة سدود ترابية للحد من تدفق المياه باتجاه المناطق السكنية والأراضي الزراعية.
ففي المناطق كافة عملت وحدات الجيش بالتنسيق مع الأجهزة الأخرى على تقديم العون والمساعدة, وفي مناطق كثيرة بذل العسكريون جهوداً جبارة وسط أقسى الظروف لإنقاذ عائلات محاصرة, أو إيصال المساعدات الى أخرى في مناطق باتت معزولة.
والى قوى البر, إضطلعت بمهام مواجهة العاصفة الطوافات التابعة للقوات الجوية, الى زوارق مطاطية تابعة لفوج مغاوير البحر, إضافة الى أعمال فوج الأشغال المستقل.
وإذا كانـت العاصفة الإستـثنائية بقوتـها وعـنفها قد أدت الى وقوع أضرار فادحـة في الممتلكات, فإن عدم وقوع أضرار في الأرواح كان نتيجة لجهود إستثنائية بذلت, خصوصاً من قبل العسكريين والدفاع المدني والصليب الأحمر.

 

دروس من العاصفة

أخيراً, العاصفة انحسرت والجيش يبـاشـر مسـح الأضرار بتكليف من مجلس الوزراء. لكن إذا كان لنا أن نتعلم بعض الدروس من العاصفة, فأولها أنـنا كلنا معنيون, مسؤولـين كنا أم مواطـنين. واحترام قوانـين الطبيعة أمر لا يجوز الإستـهانة به. أجدادنا أدركوا أهمية إحترام الطبيعة, فجسدوا هذا الإحترام من خلال تعاملهم معها في بنائهم لبيوتهم وفي ممارستهم لمختلف نشاطاتهم. أما نحن فقد بالغنا في التعدي على طبيعة بلادنا, على الأنهار والبحر والشجر. وها هي الأنهار تفيض وتغرق منازلنا وحقولنا, والتربة تزحل بعد أن باتت عارية من الغطاء الأخضر الذي طالما حفظها من الإنزلاق...