ملف العدد

الدعارة من منظور إنساني
إعداد: جان دارك أبي ياغي

عنف واستغلال للمرأة وانتهاك لحقوقها

 

من موقعها كمنظمة نسائية تعمل على حماية النساء من العنف، قامت منظمة «كفى» بالعديد من الأبحاث حول الدعارة التي تعتبرها شكلًا فاضحًا من أشكال العنف ضدّ المرأة وانتهاكًا لحقها الطبيعي بالأمان الشخصي والمساواة.
وقد سبق أن أطلقت المنظمة حملة في هذا الإطار بعنوان «الهوى ما بينشرى»، طارحة موقفًا واضحًا رافضًا للاستغلال الجنسي للنساء بمختلف أشكاله، أكان ذلك عبر الدعارة أو الاتجار، علمًا أنّ الظاهرتين وثيقتا الصلة الواحدة بالأخرى.

 

الطلب يولّد العرض
في لقاء مع «الجيش»، تقول المنسّقة الإعلامية في منظمة «كفى عنف واستغلال» مايا عمّار، لو لم يكن هناك طلب من قبل الرجال على الممارسات الجنسية المدفوعة، لما وجدت الدعارة ولا الإتجار بالأشخاص بهدف الاستغلال الجنسي، ولما استمرّا في الانتشار وتحقيق الأرباح. ببساطة، وكما هي الحال في أيّ سوق، من دون طلب لا يوجد عرض، ولو لم يكن هناك طلب عند الرجال لما وجد عرض للنساء بغرض الدعارة.
تعرِّف الأمم المتحدة الإتجار بالأشخاص بهدف الاستغلال الجنسي على أنه استقطاب للضحية عبر وسائل معيّنة، كاستغلال حالة ضعفها، لغرض استغلالها جنسيًا. من هنا، يمكن لمس التشابه والترابط بين الإتجار بالبشر والدعارة حيث أنّ معظم النساء المنخرطات فيها يتمّ استغلال موقعهنّ الضعيف، أو خداعهنّ، أو تهديدهنّ، أو ابتزازهنّ، لاستقطابهنّ أو إبقائهنّ في الدعارة بهدف استغلالهنّ جنسيًا.
وتضيف عمّار: «تقع المرأة في الدعارة ضحية الاستغلال الجنسي، بغضّ النظر عمّا إذا كانت قد تعرّضت للإتجار المباشر أم لا. ففعل الدعارة بحدّ ذاته فعل إيذاء وعنف، ويتبدّى ذلك في شهادات الكثير من النساء الناجيات اللواتي يعبّرن بمعظمهنّ عن الرغبة بالتخلّي عنها. كما يتضح ذلك من تصريحات مشتري الجنس الذين هم بغالبيتهم الساحقة ذكور من مختلف الخلفيات والانتماءات، يفرضون الممارسة الجنسية وأهواءهم الجنسية على المرأة بقوّة المال. فقد أظهرت دراسة أصدرتها منظمة «كفى» في العام 2014 أنّ نسبة كبيرة من المستجوبين من مشتري الجنس، وتحديدًا 80% منهم، وافقوا على القول إنّه «عندما يدفع رجل مالاً مقابل الجنس، فإنّ المستخدمة لهذا الغرض يجب أن تستجيب لكلّ رغباته وشهواته». واعتبر أكثر من نصف المستجوبين شراءهم للخدمات الجنسية حقًّا «طبيعيًا» للرجل ونتيجة لحاجة بيولوجية لديه. من ناحية أخرى، صرّح 61% منهم بأنّهم كانوا على علم بالاستغلال الذي تتعرّض له النساء نتيجة لوجودهنّ في مجال الدعارة، كما أنّ 11% منهم أكملوا «عملية الشراء» على الرغم من رؤيتهم لعلامات العنف والاستغلال البادية على جسد المرأة... هؤلاء يعتبرون أنّ المال يعطي من يدفعه الحقّ بتملّك المرأة والتصرّف بجسدها كما يحلو له. كما أثبتت تصريحات معظم المستجوبين أنهم ينظرون إلى النساء في الدعارة على أنهنّ سِلع ويقللون من قيمتهنّ الإنسانية، فهنّ في نظرهم مجرّد كائنات تقدّم خدمات جنسية».

 

مقاربات عالمية لموضوع الدعارة
وعن أبرز المقاربات والاتجاهات الفكرية المتعلّقة بمسألة الدعارة تقول عمّار:
في جردة سريعة، يمكن تلخيص المقاربات الكبرى لموضوع الدعارة بثلاث:
• أولًا، نموذج الحظر: وهو النموذج الذي يحظّر ممارسة الدعارة جذريًا، باعتبار فعل ممارسة الجنس لقاء بدل عمل مخلّ بالأخلاق والآداب العامة أو القيم الدينية السائدة. لذا يرى متتبّعوه أن على القانون أن يعاقب جميع الأشخاص المتورّطين في الدعارة، من ممارسين ومسهّلين ومدبّرين على حد سواء...
• ثانيًا، النموذج التنظيمي: ينظر قسم من متتّبعيه إلى الدعارة كمجال من المستحيل إلغاؤه، أو بمثابة «شرّ لا بدّ منه»، لذلك ينبغي الاعتراف به وتنظيمه بهدف ضبطه ومراقبته. قسم آخر يعدّ الدعارة مهنة أو ممارسة يمكن أن تنبع من خيار حرّ إذا لم تتوافر عناصر إجبار وإكراه وإتجار، وحرية شخصية لا يحق لأحد الحدّ منها...
• ثالثًا، النموذج الإلغائي: هو النموذج الذي تشتهر به دول اسكاندينافية، والذي يعتبر أنّه مهما اختلفت أماكن حدوث الدعارة وأطرها التنظيمية، يبقى الفعل هو هو: فعل عنف واستغلال وتسليع للمرأة، كما يبيّن واقع الغالبية الساحقة من النساء والفتيات في الدعارة. من هنا، يجدر العمل على استراتيجية بعيدة الأمد لمكافحة هذه الصناعة العنفية والتسليعية المسيئة.
بعكس نموذج الحظر، يرفض أصحاب هذا التوجّه تجريم المرأة والأشخاص الممارسين للدعارة، ويدعون إلى دعمهم، وإيجاد سياسات للوقاية والحماية، ولمحاسبة المتاجرين والقوّاد ومشتري الخدمات الجنسية.
تبرز في هذه المقاربة مسألة الطلب كسبب جذري لوجود الدعارة والإتجار بالنساء بهدف الاستغلال الجنسي، والدعوة إلى مكافحة الطلب بمختلف سبل التوعية والوقاية، كما يوصي بروتوكول باليرمو الذي وضع في العام 2000، وهو مكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة. ففي السويد والنروج مثلا، تتمّ معاقبة الشاري كشريك في تعنيف المرأة.

 

إلغاء الدعارة يؤدي إلى ازدياد الاغتصاب؟
كثر يعتقدون أنّ إلغاء الدعارة سيؤدّي إلى تضاعف عدد جرائم العنف الجنسي والاغتصاب، وأنّ وجودها يشكّل متنفسًا لبعض الرجال، إلا أنّ الواقع لم يثبت ذلك. ففي الدول التي شرّعت الدعارة ونظّمتها، لم تختف جرائم الاغتصاب، لا بل سُجّل في عدد منها ارتفاع في نسبة هذه الجرائم.

 

تنظيم الدعارة من شأنه أن يحمي النساء؟
يطرح البعض فكرة تنظيم الدعارة لحماية النساء العاملات في مجالها. لكن ذلك يعني وفق عمّار تشريع عمل القوّاد والمؤسسات التجارية التي تستفيد من الدعارة، مثل السوبر نايت كلوب وبيوت الدعارة. فالدول التي تشرّع الدعارة تصبح ملاذًا آمنًا للقوّادين والمتاجرين بالنساء ومشتري الخدمات الجنسية.
كما أن تشريع الدعارة اعتراف صريح بأنّ المرأة يمكن بيعها، وإخفاء للإستغلال والعنف المرافقين للدعارة. ففي بعض الأحيان تستعمل مصطلحات مثل العمل الجنسي وعاملات الجنس في محاولة لإزالة الوصمة الاجتماعية عن الأشخاص في الدعارة، إلا أنّ الوصمة تبقى والواقع الاستغلالي يبقى مهما تمّ تلطيف العبارات.
ففي النهاية، الدعارة هي صناعة عنفية وتسليعية مهما حاولنا تغليفها أو تجميلها، ولا يجب تنظيمها بل محاربتها. أما حماية النساء اللواتي عملن في الدعارة فتقتضي عدم تجريمهنّ وتوفير البدائل لهنّ ومنع تسليعهنّ.

 

بالنسبة للدعارة... شو
• أكثر من 90% من النساء في الدعارة عبّرن عن رغبتهنّ بمغادرتها.
• 80% من مشتري الخدمات الجنسية الذين قابلتهم «كفى» يشاهدون الأفلام الإباحية، والعديد منهم أقرّوا بأنّهم يعيدون تمثيل المشاهد مع النساء في الدعارة.
• تشريع الدعارة يعزّز فكرة امتلاك جسد المرأة وتسليعها ممّا يؤدي إلى تنامي العنف الجنسي ضدّها.
• ما يحمي النساء في الدعارة هو عدم تجريمهنّ وتوفير البدائل لهنّ ومنع تسليعهنّ.