قضايا إقليمية

الدور الإسرائيلي في الأزمة السورية
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

ليس التدخّل الإسرائيلي في سوريا امرًا مستجدًّا أو فريدًا من نوعه، إذ إنّ الدولة العدو تتدخّل في كل صراع داخلي وكل حرب أهليّة في الوطن العربي (وخارجه) منذ إنشاء الكيان العام 1948. لقد تدخّلت اسرائيل في صراع اليمن وفي مجازر أيلول الأسود في الأردن، وفي حرب ظفار والحرب الأهليّة في السودان وفي الصحراء الغربيّة بين الجزائر والمغرب، وفي الحروب الأهليّة في لبنان وفي تحرّك الأكراد شمال العراق وفي ليبيا ومصر قبل الثورة وبعدها.
ولا شك بأن الحرب في سوريا تشكل همًا إسرائيليًا، وقد لا تقل نتائجها خطرًا عليها من حرب تشرين الأول 1973. فسقوط النظام هناك قد يغير الخريطة الجيوستراتيجية برمتها في المنطقة، وربما يهدد توازن القوى القائم منذ فك الارتباط الذي وقّعه الرئيس الراحل حافظ الأسد وإسرائيل برعاية هنري كيسنجر العام 1974. فسوريا هي الدولة الكبرى الثانية على حدود اسرائيل بعد مصر، وعلى الرغم من هدوء جبهة الجولان فإن إسرائيل تخشى من المجهول المقبل في سوريا، وبالتالي فهي من أكثر الأطراف رصدًا لما يجري كل يوم على جبهات الحرب هناك، وإن من مصلحتها في الواقع تفكيك سوريا إلى دويلات كردية وعلوية ومسيحية ودرزية وسنية، وذلك بعد أن حصنت نفسها ببناء جدران منيعة في الضفة الغربية وهي ستبني أخرى مع مصر، كما وستشيد «جدار إسرائيل العظيم» في الجولان.
في هذا السياق نشرت صحيفة المنار المقدسية أجزاء من تقرير اسرائيلي يتناول الأزمة في سوريا، ويكشف دور اسرائيل في هذه الأزمة، والأهداف التي تسعى اليها وتلك التي حققتها حتى الآن. وقد جاء في التقرير أن اسرائيل هي المستفيدة الأولى من الأوضاع المأسوية في سوريا، حيث حالة الاستنزاف تضعف المجتمع والنظام والجيش معًا.
ويشير التقرير الى أن معظم ما يجري حالياً إنما يعود في الأصل الى معلومات ومعطيات استخبارية دقيقة، كانت قد توافرت لدى اسرائيل واميركا والعديد من الدول الغربية خلال السنوات العشر الاخيرة، بخصوص وجود حالة تحديث وتطوير سرية لقدرات الجيش السوري، كان يقوم بها النظام هناك في مختلف المجالات العسكرية والتكنولوجية استعدادًا لمواجهة أي تهديد قادم من وراء الحدود.
وبالتالي فما تشهده سوريا الآن، بحسب التقرير، إنما هو تعطيل لعملية التطوير الواسعة النطاق تلك بفعل الاشتباكات والفتن الداخلية المفتعلة بين مجموعة مسلحة هنا، ومجموعة مسلحة هناك، والمتنقلة من مدينة الى أخرى وبين المنازل وفي شوارع المدن. ويشير التقرير إلى أن هناك عشرات الدول تقوم وبدعم اسرائيلي مباشر وبأشكال مختلفة، بدور كبير في دعم المسلحين المنطلقين إلى الأراضي السورية من اكثر من منطقة. والهدف من هذه «الحرب الكونية» في النهاية هو شل قدرة سوريا واخراجها من دائرة التأثير المباشر بعد تدجينها وتنصيب نظام جديد حليف فيها لا خوف منه ولا تهديد للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة.
ويرى التقرير الإسرائيلي أن استمرار الأزمة في سوريا يعني أن هذا البلد لم يعد يشكّل أي خطر على اسرائيل ولسنوات طويلة مقبلة، فالجهود العسكرية لم تعد تتركز على تطوير القدرات كما كان يأمل ويخطط لذلك نظام الرئيس بشار الأسد. ويتابع إن الاستخبارات في اسرائيل والولايات المتحدة ودولًا اقليمية كتركيا خفضت من مستوى تصنيف التهديد الذي يمثله الجيش السوري، ولم يعد امام مسؤولي «الاقسام» المعنية بسوريا في دوائر الأمن المختلفة في العالم سوى مراقبة ما يحدث هناك وانتظار لحظة انهيار الجيش والدولة السوريين، تمامًا كما حدث مع الجيش العراقي العام 2003 وهذا ما تتمنى اسرائيل أن يحصل ايضًا للجيش المصري، من دون أي تضحية أو تكبد أي خسائر من جانبها.
ويكشف التقرير ايضًا أن حالة الفوضى التي تعيشها سوريا قد سمحت بإدخال أعداد كبيرة من الجواسيس من كل الجنسيات بما فيها جواسيس اسرائيل، بالإضافة إلى العديد من المتطوعين والمناصرين الذين يقاتلون أو يرسلون لإسرائيل التقارير في مختلف المجالات والميادين وبالتحديد المجالين العسكري والاستراتيجي، فكل ما يصل إلى اميركا وبعض الدول العربية يصل في نهاية المطاف إلى شبكة المعلومات في الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية.
ويخلص التقرير الإسرائيلي إلى النتيجة الحتمية وهي، أن الجهات المشاركة بقوة في الأحداث في سوريا وما تشهده من تفجيرات وعمليات قتل وترهيب إنما تدفع باتجاه سيناريو واحد هو خلق الفراغ السياسي والمركزي وإضعاف الدولة الدستورية القادرة على الإمساك بجميع انحاء البلد، لتتحول سوريا إلى جزر متناحرة تسهل مهمة حل بعض القضايا الجوهرية معها على حساب المصالح القومية والاستراتيجية السورية. والحقيقة أن ما يحصل في سوريا الآن هو نوع من تضارب المشاريع الإقليمية والدولية في المنطقة بحيث نرى تكاملًا بين بعضها وتناقضًا بين بعضها الآخر، وفي المحصّلة هي «مشاريع» لها خصوصياتها الاقتصادية والاستراتيجية لكن لا يوجد لأي منها مصلحة في نشوب حرب إقليمية أو على مدّ نيران الحرب في سوريا إلى جوارها بشكل مفضوح، إلاّ «المشروع الإسرائيلي الصهيوني» الذي يجد لنفسه مصلحةً كبيرة في تداعيات الأزمة السورية وانعكاساتها التقسيمية العربية، على مستوى الحكومات والشعوب. فإسرائيل لا يوافقها توصّل واشنطن وموسكو إلى اتفاق كاملٍ بشأن الأوضاع في سوريا لأنّ ذلك يوقف النزيف الدموي في الجسم السوري، والعربي عمومًا، ولأنّه يعني أيضًا تفاهمات أميركية - غربية مع إيران تتجاوز المسألة السورية، ممّا قد يدفع أيضًا إلى إعادة فتح الملف الفلسطيني ومسؤولية إسرائيل تجاهه.
يضاف إلى ذلك، وفق التقرير، أنه ليس من مصلحة اسرائيل أن تتغيّر المعادلات العسكرية والسياسية القائمة الآن على أرض الصراع في سوريا، بما يُسرّع في إنهاء الأزمة هناك، لا سيما وأن دمشق، خلال العقدين الماضيين، كانت داعمة للقوى الفلسطينية الرافضة لنهج «أوسلو» وإفرازاته السياسية والأمنية. وهي كانت وما تزال غير موقّعة على معاهدات تسوية مع إسرائيل، كما جرى على الجبهات المصرية والأردنية والفلسطينية. وقد ظلت سوريا - ومعها لبنان - في حال الاستهداف والتحييد من أجل فرض «التطبيع العربي» مع إسرائيل، بغضّ النظر عن مصير التسوية العادلة والشاملة لأساس الصراع العربي - الصهيوني، أي القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وبناء مؤسساته المستقلة.
أكثر من ذلك، يتابع التقرير، هل من الممكن أن تغفر إسرائيل لمن اضطرها للانسحاب العسكري المذلّ العام 2000 من لبنان، بعد احتلال أراضيه لأكثر من عقدين من الزمن، ثمّ لمن أفشل مغامرتها العسكرية وحربها المدمّرة على لبنان ومقاومته العام 2006؟!. أليس حتميًا حدوث انعكاساتٍ خطيرة على لبنان «الجيش والشعب والمقاومة» من جرّاء تداعيات الأزمة السورية واحتمالات نتائجها السياسية والأمنية؟! هذه أبعاد خارجية مهمّة للصراع المسلّح الدائر الآن في سوريا، فهو إضافةً لكونه صراعًا على السلطة ومستقبل النظام، إنما يشكل صراعًا إقليميًا - دوليًا على سوريا، وعلى دورها المستقبلي المنشود لدى كلّ طرفٍ داعمٍ أو رافضٍ للنظام الحالي في دمشق.
باختصار، الإسرائيليون يرون احتمالات أربعة لنهاية التراجيديا السورية: الأول، سقوط النظام وقيام نظام بديل منهك وممزق من عدة معارضات تتصارع على دولة مدمرة وأرض محروقة. الثاني، سقوط النظام مع استمرار الحرب الأهلية من دون حكومة مركزية قوية كما حدث في الصومال (دولة فاشلة ). الثالث، لجوء الرئيس إلى الساحل، والإعلان عن إقامة دولة علوية مع استمرار المعارك بين السوريين. والاحتمال الرابع والأخير هو بقاء الوضع على حاله أي بقاء الرئيس واستمرارالحرب كرًا وفرًا لزمن طويل. والمصلحة الإسرائيلية في الختام تقضي بالإبقاء طويلًا على هذا الكابوس الجاثم فوق رأس الشعب السوري ورؤوس شعوب الأمة العربية والمهدّد لوحدتها، والمدمر لقدراتها وأحلامها والمنذر بحروبٍ أهلية في عموم المنطقة، والمُهمّش للقضية الفلسطينية، والمؤثّر سلبًا على حركات المقاومة في لبنان وفلسطين مهما كانت خياراتها ومواقفها.

وفي هذا السياق تراهن حكومة نتنياهو ايضًا على تصعيدٍ عسكري وشيك ضدّ إيران المعزولة ليكون ذلك مدخلًا لتفعيل صراعات مذهبية في المنطقة من أجل تغيير خرائطها وإقامة دويلات طائفية وإثنية.

 

إن حالة الفوضى التي تعيشها سوريا قد سمحت بإدخال أعداد كبيرة من الجواسيس من كل الجنسيات بما فيها جواسيس اسرائيل، بالإضافة إلى العديد من المتطوعين والمناصرين الذين يقاتلون أو يرسلون لإسرائيل التقارير في مختلف المجالات والميادين وبالتحديد المجالين العسكري والاستراتيجي.

 

لقد ظلت سوريا - ومعها لبنان - في حال الاستهداف والتحييد من أجل فرض «التطبيع العربي» مع إسرائيل، بغضّ النظر عن مصير التسوية العادلة والشاملة لأساس الصراع العربي - الصهيوني، أي القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وبناء مؤسساته المستقلة.

 

تراهن حكومة نتنياهو على تصعيدٍ عسكري وشيك ضدّ إيران المعزولة ليكون ذلك مدخلًا لتفعيل صراعات مذهبية في المنطقة من أجل تغيير خرائطها وإقامة دويلات طائفية وإثنية، تؤدي الى زيادة حاجة أميركا والغرب لإسرائيل الدولة اليهودية الأقوى في المنطقة.