قضايا اقليمية

الدولة اليهودية بين حق العودة والتوطين
إعداد: احسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

إن حق العودة هو حق مكتسب لكل اللاجئين الفلسطينيين والنازحين ومؤتمر بيروت 2002
كرّس رفض التنازل عن حق العودة وعن ضرورة إنسحاب إسرائيل الى حدود الرابع من حزيران 1967

ينص كتاب شمعون بيريس عن «الشرق الأوسط الجديد» على رفض احتمال عودة اللاجئين الى ديارهم وتوطينهم في الدول الموجودين فيها كما يدعو القوى الإقليمية والدولية لتحمل المسؤولية عبر المساهمة في مشاريع الدمج والتوطين والتعويض
 

لقد جاء إعلان تأسيس دولة إسرائيل (إعلان الاستقلال) الموقّع في 14 أيار 1948 كوثيقة من صفحتين، تنص صراحة على أن إسرائيل هي «دولة يهودية». وقد شدّدت الوثيقة على أن السلطة والسيادة في هذه الدولة هما للشعب اليهودي: «إن هذا الحق هو الحق الطبيعي للشعب اليهودي لكي يكون سيد مصيره، شأنه في ذلك شأن كل الأمم في سيادة دولها». وتواترت في الإعلان عبارات تؤكد على هذه النقطة، كمقولات «الشعب اليهودي... في بلاده الخاصة به» و«الشعب اليهودي يبني وطنه القومي» و«الدولة اليهودية» و«حق الشعب اليهودي في تأسيس دولته» الخ. إلا أن هذ الإعلان يتجاهل الظروف التاريخية المأسوية التي رافقت قيام هذه الدولة بالغصب وسفك الدماء وانتهاك الأعراف والقوانين الدولية السياسية والإنسانية.
كان العرب يشكلون أغلبية ساحقة في منتصف القرن الماضي في فلسطين، حالياً وبعد جولات التهجير والترحيل فإنهم لا يقلون عن 20٪ من عموم السكان داخل إسرائيل نفسها، أي من دون احتساب سكان قطاع غزة والضفة الغربية, إلا أنهم يعاملون معاملة عنصرية كمواطنين من الدرجة الثانية على الرغم مما نصت عليه الوثيقة الآنفة الذكر (وثيقة الاستقلال) من أن للعرب «الحق في المساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية... وجنسية كاملة ومتساوية وتمثيل عادل في كل مؤسسات إسرائيل الدائمة والمؤقتة». والجدير بالذكر في هذا المجال أن ديباجة قانون العودة الذي أقر العام 1950 تنص على أنه «يحق لكل يهودي الهجرة الى البلاد» بينما تتمثل أهم المظالم اللاحقة بالمشردين الفلسطينيين في عدم قدرتهم على فعل الأمر نفسه، وذلك بحرمانهم من العودة الى أرزاقهم ومنازلهم التي عاشوا فيها لأجيال وأجيال، بل حتى أن العرب الذين لم يغادروا فلسطين قط، ومكثوا فقط لأيام قليلة عند أقربائهم في قرى مجاورة بانتظار زوال خطر القتل والموت في أثناء حرب العام 1948، ما يزالون يصنفون الآن كـ«غائبين حاضرين» وما تزال بيوتهم وممتلكاتهم أيضاً في حيازة ما يسمى «حارس أملاك الغائبين» الذي يضع هذه الأرزاق في تصرف عامة اليهود.
بطبيعة الحال كان الزعيم الصهيوني تيودور هرتسل أول من دعا الى إقامة دولة يهودية في كتابه الذي حمل العنوان نفسه العام 1896، رافضاً بذلك المبدأ الديموقراطي الشائع في العالم والقاضي بأن الدول تستمد حقها في الوجود والحكم من قناعة السكان الذين يعيشون فيها. وبمقتضى ذلك كان لانفلات الصهاينة سابقاً ولاحقاً من موجبات مبادئ الديموقراطية عواقب وخيمة، إذ أن قادة إسرائيل اليوم يواجهون مأزقاً قانونياً ومعنوياً كبيراً لأنهم يريدون شرعنة دولتهم من حيث كونها الديموقراطية الوحيدة المزعومة في الشرق الأوسط، إلا أن وجود أعداد كبيرة من العرب داخل هذه الدولة (عرب 1948) يجعل من المستحيل على إسرائيل أن تكون يهودية كما تريد، أي أن يكون اليهود وحدهم فيها هم مصدر السيادة. وهذا هو أحد أهم الأسباب التي تجعل القادة الإسرائيليين عموماً غير قادرين على هضم فكرة السماح للاجئين الفلسطينيين المشردين في أكثر من دولة عربية مجاورة، بالعودة الى ديارهم التي طردوا منها ظلماً وعدواناً العامين 1948 و1967 بشكل خاص. وبالتالي فالكيان المنشود صهيونياً إنما هو كيان يقوم على التطهير العرقي وعلى مشروع حرب إبادة جماعية مادياً وسياسياً ضد الفلسطينيين أولاً والعرب الرافضين لهذا المشروع الجهنمي ثانياً. والكلام على إقامة دولتين فلسطينية ويهودية جنباً لجنب، يتحول الى فخ فكري وسياسي لأنه لا يعني أكثر من إقامة دولة إتنية مأزومة أخرى بدلاً من تفكيك الدولة القائمة في الأساس.
إن مطلب الاعتراف لليهود بدولة يهودية يعني الاعتراف لها بكونها دولية دينية عنصرية صهيونية، مع ما يترتب عن ذلك من مقتضيات وتداعيات أخرى مثل إسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وعددهم أربعة ملايين نسمة الى موطنهم، لأن الدولة الجديدة لن تكون الدولة التي نزحوا عنها، ومنها التخلي عن المطالبة بتقرير المصير الفلسطيني، الى حد التخلي حتى عن المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ومنها ترحيل العرب الإسرائيليين الذين يوصفون بأنهم سرطان داخل جسم الدولة اليهودية، من أماكن إقامتهم داخل إسرائيل. وفي مقابل هذا الواقع التعسفي نجد من الأخطاء الشائعة القول بأنه يحق للاجئين العودة أو التعويض بدلاً من القول بضرورة العودة والتعويض معاً. والواقع أن حق العودة هو حق مكتسب لكل اللاجئين والنازحين سواء مارسوا هذا الحق أم لم يمارسوه بموجب القرارات الدولية والقانون الدولي معاً. وكذلك يحق التعويض لكل اللاجئين. ومبدأ إعادة الأمور الى أصلها تم إقراره في القرار المشهور الرقم 194 صوناً للعدالة الدولية التي بموجبها حصل اليهود وإسرائيل على تعويضات هائلة من ألمانيا النازية من جراء الكارثة المسماة الهولوكوست، في وقت ما يزال اليهود يشنون حملات قانونية وإعلامية شعواء لاسترجاع الأملاك اليهودية من دول أوروبية وعربية مختلفة.
الموقف العربي الرسمي من ناحيته دعا في قمة الرياض الى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين والى رفض أي شكل من أشكال التوطين الدائم للفلسطينيين خارج وطنهم الأم، وكذلك تكرر هذا الموقف في مؤتمر بيروت العام 2002 الذي كرس رفض التنازل عن حق العودة وعن ضرورة انسحاب إسرائيل الى حدود الرابع من حزيران 1967 بما في ذلك القدس الشرقية. ولكن إسرائيل من جهتها تصر على مبدأ توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم موجودون الآن، وهي كرست هذا الموقف في القرار الذي صدر عن الكنيست العام 1961 والذي يرفض أي احتمال لعودة اللاجئين الى ديارهم، كما وتكرر هذا الموقف ايضاً في كل مفاوضات التسوية وفي كتاب شمعون بيريس (الشرق الأوسط الجديد) حيث ينص على التوطين في مقابل تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين مع دعوة القوى الإقليمية والدولية لتحمل المسؤولية عن ذلك عبر المساهمة في مشاريع الدمج والتوطين والتعويض.      
في المشهد الراهن تعتبر حكومة إيهود أولمرت نجاح حركة المقاومة الاسلامية «حماس» في السيطرة على قطاع غزة بمنزلة تحد كبير لصنّاع القرار الصهاينة. فالرئيس الصهيوني شمعون بيريس اعتبر أن بقاء حركة حماس في الحكم يعني عدم قدرة دولته على تمرير أي اتفاق تسوية يضمن مصالحها الاستراتيجية في الضفة الغربية وسائر أنحاء المنطقة العربية ومن أهمها إقامة الدولة اليهودية العنصرية. واعتبر أن نجاح حركة «حماس» في الحكم يعني أن العالم قد سلّم بنشوب حرب دينية في المنطقة.
وعلى الرغم من أن صنّاع القرار في تل أبيب يرون أن التهديد الذي يمثله حكم «حماس» يعتبر الثالث من حيث الخطورة مقارنة بالتهديد الإيراني والسوري، ومع ذلك فالصهاينة يرون أنه التهديد الذي يتوجب معالجته على جناح السرعة وقبل أي تهديد آخر. وفي هذا السياق يرى الصهاينة أن ثمة تطورين هامين قد خدما حكومة أولمرت وأهدافها وهما: مؤتمر أنابوليس من ناحية وأزمة إنتخاب رئيس جمهورية في لبنان من ناحية أخرى، حيث شكل هذان الحدثان عاملاً إيجابياً يصب في صالح الأمن الاستراتيجي الصهيوني، هذا في وقت تشهد حكومة أولمرت بداية تفتت وانهيار مع انسحاب النائب العنصري ليبرمان وكتلته منها، ما أدى الى تقليص أعضاء الإئتلاف الحاكم من 78 نائباً الى 67 نائباً من أصل 120 هم أعضاء الكنيست بأكمله. وليبرمان الذي شدد على رفض معادلة «الأرض مقابل السلام» التي يطالب بها العرب، أشار الى أنه هدد بقصف طهران وسد أسوان في السنوات الماضية والى أن المفاوضات مع السلطة الفلسطينية لن تفضي الى أية نتيجة.
أما المعلقون الإسرائيليون فرأوا أن أولمرت ضحى بليبرمان وحزبه من أجل أن يضمن لنفسه صورة رجل السلام المطلوبة لتحقيق نبوءة الرئيس الأميركي جورج بوش، ومن أجل حماية نفسه من تداعيات التقرير النهائي للجنة فينوغراد وما يمكن أن تكشف عنه من تقصير ومسؤولية خاصة به شخصياً إثر نكسة حرب تموز 2006 ضد لبنان.