قضايا إقليمية

الدولة مثل سادوم: جمهورية موز
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

 عسكريو اسرائيل وسياسيوها سواسية في الفساد
يحتلّ الجيش الإسرائيلي مكانة معنوية رفيعة لدى الجمهور في كيان العدو من منطلق اعتباره محقق المكاسب والانجازات والانتصارات، والمدافع الأول بوجه المخاطر الامنية والعسكرية الخارجية، وبالتالي تشكل قياداته نواة القيادة السياسية المرشّحة دائمًا لتولّي المسؤوليات الكبرى. وعلى مدى عقود منذ تأسيس الكيان الغاصب، ظلّت قيادات هذا الجيش وعناصره خارج الشبهات والاتهامات وطنيًا وأخلاقيًا على الصعيدين المهني والشخصي. إلا أن هذه الصورة الوردية المثالية ما لبثت أن تعرّضت لكثير من التغيير والتشويه والاختلال بسبب العديد من التجاوزات والانحرافات في الهيكلية التنظيمية لهذه المؤسسة. فعلى الرغم من سياسة التكتم الإعلامي التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة تحت مسمى المصلحة العليا لأمن الدولة في هذا الخصوص، تمّ تسريب ونشر فضائح وتجاوزات كثيرة، أحدثت بلبلة كبيرة مع أنها لا تشكل سوى «رأس جبل الجليد».

 

الفساد والانحلال الأخلاقي في الجيش
يؤكد استطلاع أجراه الجيش الإسرائيلي حول تفشّي الفساد والانحلال الأخلاقي داخل المؤسسة العسكرية، أن 20% من المجندات يتعرّضن خلال الخدمة للمضايقات والتحرش الجنسي من قبل الرفاق والقادة. وقد شملت عينة الاستطلاع 1100 مجندة، أقرّ 81% منهنّ بالتعرّض لاعتداءات ومضايقات وتحرشات جنسية في الوحدات العسكرية، وشملت المضايقات دعوتهن إلى ممارسة الجنس وفق ما أفادت به غالبيتهن (69%). ويبدو أن جنود الاحتلال يعتبرون أنّ لهم حقًا وأولوية في التمتع بالمجندات واعتبارهنّ ترفيهًا على غرار جهاد النكاح عند بعض المنظمات الإرهابية التي تدّعي الإسلام. وأظهر الاستطلاع أن أكثر من 50% من المجندات اللواتي تعرّضن للمضايقات الجنسية لم يقدّمن شكاوى ولم يقمن بأي خطوة ضد من ضايقهن، وأنّ 20% منهن قدّمن شكاوى إلى القادة المباشرين بينما أصر بعضهن على إيصال الشكوى إلى الجهات العليا في الجيش.

 

غالبية عاهرات اسرائيل مجنّدات
تنتشر سلوكيات الفساد والإباحية بشكل كبير داخل المنظومة العسكرية في إسرائيل، وهي تشمل نشر المجندات صورًا لأنفسهنّ وهنّ عاريات على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التحرش الذي ازدادت نسبته، وممارسة الجنس بين القادة السياسيين والمجندات. وأظهرت التقارير الإسرائيلية التي نشرت في الآونة الأخيرة أن ثلث الجيش الإسرائيلي من المجندات، وهؤلاء يمارسن الجنس مع القادة السياسيين، كما يتم تشغيلهن كسلع يتم استثمارها في الدعارة. وعلى الرغم من أن إسرائيل تعتبر المرأة سلاحًا من أسلحة الموساد، إلا أنها تعرب عن قلقها حاليًا من خطورة النساء والعلاقات العاطفية التي تربط بعض المجندات الإسرائيليات بالشبان العرب، حسب ما ذكرته القناة السابعة الإسرائيلية. ونقلت هذه القناة أن منظمة «لهافا» النسائية توجّهت برسالة عاجلة إلى بينى غانتس رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، بشأن ما وصفته المنظمة بأنه انتهاك خطير للأوامر التي تتعلق بأمن دولة الاحتلال. وقالت المنظمة: «نحن نحذّر وبشدة من مخاطر الاندماج في أوساط الفتيات والنساء اليهوديات مع من ليسوا يهودًا...»، وأضافت: «إن ظاهرة المجندات النظاميات اللواتي تربطهن علاقات رومانسية مع أزواج ليسوا يهودًا وشبان من عرب 48 والضفة، انتشرت في الآونة الأخيرة»، محذّرة من خطورتها على الجيش الإسرائيلي لناحية «تسريب المجندات معلومات أمنية وسرية حساسة، الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى خروقات أمنية خطرة». ومن جهة أخرى كشف تحقيق للقناة العاشرة الإسرائيلية، أنّ غالبية العاهرات في إسرائيل مجندات في جيش الاحتلال ويعملن بإرادتهن بهدف الحصول على المال.
ظاهرة الفساد في الجيش الإسرائيلي تحدّث عنها أيضًا تقرير منظمة الشفافية الدولية – المملكة المتحدة الصادر في العام 2013 حول الفساد في مجال الدفاع. وقد وضعت اسرائيل في خانة الفئة «د +»: خطر مرتفع، حيث المجال مفتوح لإهدار المال وخرق القانون بالإضافة إلى التهديدات الأمنية في القطاع العسكري. ومعلوم أن هذا التقرير يقسم دول العالم إلى فئات بحسب درجة الفساد وقوة الأجهزة الرقابية لديها. وعلى رأس التصنيفات في هذا الجدول الفئه «أ» حيث خطر الفساد منخفض للغاية، وأدناها الفئة «و» حيث الخطر شديد.

 

مظاهر الفساد متعدّدة وكذلك مستوياته
لقد تعددت مظاهر الفساد في الجيش الإسرائيلي لتشمل الفساد الأخلاقي والفساد المالي والفساد السياسي، فلم يكد ينتهي العدوان على لبنان في صيف 2006 حتى تكشفت للإسرائيليين فضائح مالية وأخلاقية ارتكبها القادة على أعلى مستوى. وكان لرئيس الأركان الجنرال دان حالوتس نصيب في هذه التهم، حيث كشفت صحيفة «معاريف» أن حالوتس وبعد ساعتين من أسر المقاومة الجنديين الإسرائيليين كان مشغولًا ببيع اسهمه المالية في احدى الشركات تحسبًا لانهيار البورصة بفعل الحرب الوشيكة، الأمر الذي اعتُبر استغلالًا للمنصب واستخدامًا للأسرار الحربية لغايات شخصية، مما أدى إلى استقالته من منصبه بعد حين. وفي العام 2010، عندما كان وزير الحرب الإسرائيلي ايهود باراك يجري استشارات لاختيار خلف لرئيس الأركان غابي اشكنازي الذي كان يعارضه في توجيه ضربة عسكرية إلى مشروع ايران النووي، تمّ تسريب ما يعرف بوثيقة غالانت نسبة الى اسم قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت المقرّب من باراك والمرشح لخلافة اشكنازي. وكان هدف التسريب تشويه سمعة اشكنازي لمنع تمديد ولايته سنة اخرى كما هي العادة، وضمان تعيين غالانت، لكن ما لبثت الامور أن انكشفت وتبيّن أن الوثيقة مزورة.

 

الانتحار هو السبب الأوّل للوفاة في الجيش الإسرائيلي
من ناحية اخرى تفيد جريدة «يديعوت احرونوت» أن المعطيات الرسمية في الجيش تدل على تزايد عدد الفارين من الخدمة العسكرية حيث بلغ عددهم 1800 جندي في العام 2010 و2700 في 2012، والرقم في تصاعد، كذلك تهربت 800 فتاة من الخدمة بذرائع دينية.
ويعدّ التهرّب من الخدمة بسبب الضغوطات والأزمات النفسية والتدريبات القاسية والحروب، ظاهرة تتسع سنويًا وينجم عنها العديد من حالات الانتحار الذي يعتبر سبب الوفاة الأول سنويًا في الجيش.
باختصار، إذا كانت إسرائيل تواصل «التطبيل والتزمير» لنفسها في مختلف أنحاء العالم بأنها أم الديموقراطية في الشرق الأوسط، والدولة الأكثر تقدمًا في المنطقة، فضلًا عن ادعاء النزاهة السياسية المطعون فيها على اوسع نطاق، فإن الواقع العملي يكذّب ذلك تمامًا ويؤكد أنها الدولة الأكثر نفاقًا على هذا الصعيد، حيث يستشري فيها الفساد متمثلًا بالرشاوى، والجنس، والجريمة المنظمة، وتجارة السلاح حتى داخل جيشها الذي ادعت من قبل بأنه لا يقهر.
والفساد في إسرائيل يشمل جميع القطاعات بدءًا بالمواطنين العاديين وصولًا إلى الجيش ورجال الدولة بمختلف مستوياتهم ورجال الدين، حيث فتحت الشرطة الإسرائيلية منذ فترة تحقيقًا مع يونا متسغار حاخام الدولة الرئيس لليهود الأشكيناز الغربيين، وهو من أكبر الحاخامات في إسرائيل، وذلك بتهمتي تلقي الرشوة وغسل الأموال. وقد حرصت إسرائيل عمومًا على لفلفة فضائح مسؤوليها، لكي تظهر أمام نفسها والعالم منارة الرقي والتقدم. لكن قضايا الفساد والرشوة وتجا وز القوانين داخل المجتمع الإسرائيلي، لا حصر لها ولا يمكن طمسها.
وفي هذا السياق يذكر أنّ عددًا من كبار المسؤولين تلقّى الرشاوى، ومن ضمن هؤلاء آرييل شارون الذي حفل تاريخ عائلته بضروب الفساد والارتشاء واستغلال النفوذ، وكذلك رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت، ووزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان الذي قدمت ضده لوائح اتهام عديدة بالفساد.
وتمتد قضايا الفساد الأخلاقي إلى رؤساء الدولة في إسرائيل ومن أبرزهم الرئيس السابق موشيه كتساف الذي تمت إدانته وسجنه بقضايا تحرش جنسي.
هذا كله، غيض من فيض! ومن أراد الاستزادة فعليه مراجعة دراسة الكاتب الاسرائيلي موشيه نغبي بعنوان: «مثلنا مثل سادوم: في المنزلق من دولة قانون إلى جمهورية موز».