متاحف في بلادي

الدينوصورات كلها في «دينو سيتي»
إعداد: جان دارك أبي ياغي

طاغية وحنونة زاحفة وطائرة...


على مساحة عشرة آلاف متر مربع في منطقة عجلتون يمتد مشروع «دينو سيتي» الترفيهي - التثقيفي الذي افتتح في تموز العام 2006، ويضم متحفًا علميًا يهيئ للجولة الخارجية حيث متحف الدينوصورات في الهواء الطلق ومتحف إنسان ما قبل التاريخ.
في عودة إلى ما قبل التاريخ، زارت مجلة «الجيش» المكان وجالت في أرجائه مع مديرة النشاطات والعلاقات العامة في المشروع السيدة باسكال مطران رزق.


الكون وأسراره
البداية كانت من مكتب السيدة باسكال رزق الذي تدل محتوياته وأثاثه وهندسته إلى مرحلة ما قبل التاريخ، قبل الولوج إلى المتحف العلمي الذي يضم خمس غرف تروي كل واحدة قصة اكتشاف الأرض والكون والكواكب والدينوصورات وصولاً إلى الإنسان...
في الغرفة الأولى نتعرّف إلى الإنفجار الكوني الذي حصل قبل 15 مليار سنة، والكون وكواكب المنظومة الشمسية. ومن ثم نتابع حقائق علمية حول تكوّن الأرض وانخفاض درجة حرارتها في مرحلة لاحقة، وتحوّلها من جحيم ملتهب إلى كوكب أزرق فاتر بفضل المياه.     
في الغرفة الثانية يتعرّف الزائر إلى الأرض ومكانها في الكون، النهار والليل، الفصول، تحرّك المحيطات والقارّات ...
وفي الغرفة الثالثة، أشكال الحياة وتطوّرها على الأرض منذ تكوّنها قبل 4,6 مليار سنة ولغاية ظهورالإنسان قبل 1,8 مليون سنة.
الغرفة الرابعة مخصصة للدينوصورات، هل كانت فعلاً موجودة؟ ما هو أصل الكلمة؟ كيف عاشت هذه المخلوقات؟ كيف انقرضت؟
الغرفة الخامسة والأخيرة خصصت لمعرفة كيفية نشوء إنسان ما قبل التاريخ وتطوّره وصولاً إلى عصرنا الحالي.

 

على خطى الدينوصورات
عندما اقتربنا من مجسّمات لدينوصورات بأحجامها الطبيعية وسمعنا أصواتها الحية، خيِّل إلينا للوهلة الأولى أننا أمام حيوانات حقيقية فأخافنا الوضع... والواقع أنّ فريق المهندسين والحدادين والنحاتين اللبنانيين والأجانب أتقنوا العمل في هذه المجسمات، فلم يكن من اليسير الإقتراب منها من دون وجل...
على آثار خطوات الديناصورات مشينا في غابة «DINO CITY» حيث اشتممنا رائحة الأرض في رحلة شيِّقة أعادتنا إلى الزمن البعيد، إلى أيام الديناصورات. خطوات قليلة كانت كافية لتنقلنا من فترة زمنية إلى أخرى بأبعادها التاريخية والحضارية. ومن دينوصور إلى آخر مختلف بالشكل والزمن، تعرّفنا إلى زواحف «طاغية» وأخرى «حنونة»...
أول دينوصور مررنا به كان التيرانوصور ريكس: ويعني إسمه «ملك الزواحف الطاغية». إنه الدينوصور الأكبر من بين الدينوصورات اللاحمة (يأكل اللحم) التي عاشت على سطح الأرض، والأرجح أنه كان من بين الدينوصورات الأكثر وحشية، والأكثر شهرة، والأكثر رعباً في العالم قبل 65 مليون سنة.
 اكتُشفت أولى متحجرات هذا الدينوصور العام 1990 في الولايات المتحدة الأميركية.
لهذا الدينوصور قائمتان، إرتفاعه: 5 إلى 7 أمتار، طوله: 12 إلى 15 متراً، وزنه: 4،5 إلى 7 أطنان.
مكان عيشه: أميركا الشمالية والصين وأميركا الجنوبية والهند.
لم يكن بحاجة إلى ترس أو قرن ليهاجم ويدافع عن نفسه... من الواضح أنّ فمه كان سلاحه الوحيد، وفكّاه السلاح الأكثر رعباً، بحيث يستطيع فتحهما لأكثر من متر وفي داخلهما 60 ضرساً طول كل واحد 20 سنتيمتراً وشكله شبيه بنصل الخنجر.
إنتقلنا لمشاهدة المياسورا وتعني هذه الكلمة «الأم الزاحفة الحنون».
المياسورا هو أحد أهم أنواع الدينوصورات المكتشفة حديثاً. إذ اكتُشفت أولى متحجراته بين العامين 1978 و1979، وهو مميز لاهتمامه بصغاره.
طوله: 8 إلى 9 أمتار، إرتفاعه: 3 أمتار، وزنه: 2 إلى 3 أطنان.
عاش هذا النوع من الدينوصورات قبل 90 مليون سنة في نهاية العصر الطباشيري في أميركا الشمالية. وهو يتنقّل على قوائمه الأربع. كانت هذه الدينوصورات عاشبة وكانت تعيش في قطعان.
المشهد الثالث كان أمام دينوصور الترايسيراتوبس وهو حيوان عملاق فريد من نوعه، يعني اسمه «ثلاثي القرن»، وهو من أكبر وأشهر الدينوصورات العاشبة ذات القرون عاش هذا الحيوان في أواخر العصر الطباشيري ( 67-65 مليون سنة  ق.م.). له ياقة عظمية بشكل حلقة وراء رأسه تحمي عنقه وهي مجهّزة بأوعية دموية تمكّنها من تأدية دور منظِّم الحرارة، تارة تطلقها وطوراً تحبسها وفق مكان وقوفه (في الشمس أو في الظل).
الترايسيراتوبس رباعي القوائم ، يُشبه الى حدّ كبير وحيد القرن. أطرافه ثقيلة، طوله 9 أمتار ووزنه يراوح بين 5 و6 أطنان. يتنقّل على رؤوس أصابعـه بسرعـة 25 الى 30 كم/س، يهاجـم على طريقة وحيد القرن، وأحيانًا يكون فتاكاً، حتى بالنسبة إلى التيرانوسوروس راكس المرعب. وهو كان من الدينوصورات الأخيرة التي عاشت على الأرض.
الدينوصور الرابع كان الديبلودوكوس وإسمه يعني «الثنائي الروافد».
عاش في آخر العصر الجوراسي قبل 150 مليون سنة من عصرنا. كان يمشي على قوائمه الأربع. طوله: 27 متراً، إرتفاعه: 9 أمتار، وزنه: قد يصل إلى 11 طنّاً.
كان الديبلودوكوس عاشباً وكان يستعين بعنقه الطويل ليطال رؤوس الأشجار حيث الأوراق الطرية. وكان مضطراً إلى التهام كميات هائلة من الغذاء لإشباع حاجته. وبعبارات أخرى نستطيع القول إنّه كان يمضي كل وقته بالأكل.
ذيله الوسيلة الوحيدة للدفاع عن نفسه، وكان يستعمله كمجلدة حين يحاول دينوصور آخر مهاجمته، وقد اشتهر بقلّة ذكائه.
البتيرانودون، وتعني هذه الكلمة «بجناحَين ومن دون أسنان»، من آخر الدينوصورات الزاحفة الطائرة الكبيرة. عاش قبل 70 مليون سنة في أميركا الشمالية.
كان خفيفاً جدّاً لأن عظامه فارغة. البالغ منه يزن أقل من 17 كيلوغرامًا. طوله 2،80 مترًا. وكان يملك منقارًا يطيل رأسه الذي يصل طوله لوحده إلى 1،80 مترًا.
يعلو رأسه عرف خفيف (وزنه 30 غرامًا وطوله 60 سنتيمترًا وسماكته لا تزيد عن 3 مليمترات)، وظيفته توجيه حركة الطيران، وتمييز الذكور من الإناث.
كانت هذه الدينوصورات تأكل الأسماك، وقد سيطرت على سماء العصر الطباشيري وزرعت الرعب لدى أسماك بحار تلك الحقبة، أما على الأرض فكانت تتنقّل بصعوبة زائدة، فالبتيرانودون لم يكن رشيقًا.
المحطة الأخيرة كانت أمام دينوصور الستيجوصور وتعني هذه الكلمة «عظاية مغطاة بصفائح».
كان هذا الدينوصور عاشبًا وعاش في نهاية العصر الجوراسي، أي قبل 140 إلى 156 مليون سنة من عصرنا. يمكن التعرف إليه بسهولة من خلال صفائحه ورأسه الصغير وقائمتيه الخلفيتين الأطول من قائمتيه الأماميتين. يصل طوله إلى حوالى 7 أمتار، وارتفاعه، 4،5 أمتار، ووزنه حوالى الطنَّين. كان ثقيلاً جدّاً ليتمكن من الركض، كما كان ضعيفاً أمام الحيوانات المفترسة. يدافع عن نفسه بذيله، ويستعين بصفائحه العظمية التي يصل طولها إلى حوالى 50 سنتيمترًا لتعديل حرارة جسمه. وهذه الصفائح تلتقط الطاقة الشمسية لتدفّئه أو ترفرف مع نسمة الريح لتبرّده.

 

حديقة الإنسان الأول
من معقل الدينوصورات إنتقلنا إلى حديقة الإنسان الأول المزروعة منحوتات تجسّد شكله القديم ولباسه وطريقة عيشه والمراحل التي قطعها للإنتقال من العصر الحجري إلى الزمن الحضاري. أول ما يطالعنا في الحديقة مسكن إنسان ما قبل التاريخ الذي احتاج إلى مأوى ليعيش فيه على الرغم من أنه كان من الرحّل.
وعلى عكس المعتقدات الشعبية الموروثة، يجب أن نعلم أن إنسان ما قبل التاريخ لم يكن يعيش في عمق الكهوف بل على مداخلها ليستفيد من نور الشمس.
فكان هذا الإنسان يرتّب الكهف في بعض الأحيان ليصبح مريحًا أكثر ويكدّس أحجارًا على المدخل للاحتماء من الهواء ويبني أكواخًا في الداخل بجلد الحيوانات وبأغصان الأشجار.أما أدوات ما قبل التاريخ فكانت بدائية جدًا ووليدة حاجة ضرورية، ظلّ الإنسان يستعملها لحوالى مليون سنة قبل أن يطوّرها، وتنقسم إلى نوعين:
- الأدوات الأولية، أي الأشياء التي يمكن استعمالها من دون تغييرها، وهي الأشياء التي نجدها في الطبيعة كالأحجار (لكسر شيء ما) أو الاوراق (للتنظيف)، والتي يستعملها أيضًا بعض الحيوانات (كالشمبنزي).
- الأدوات الثانوية، التي تُصنع باستعمال أدوات أخرى. ( فالحجر الذي يُستعمل كقادح ويساعد على سن حجر آخر لصنع «سكين» منه). وحده الإنسان المصنّف في مرتبة الرئيسات صنع هذه الأدوات الثانوية.
في مكان آخر نجد كيف كان الإنسان الأول يعتمد على أقدم الطرق للحصول على الطعام وهي الصيد البرّي وصيد الأسماك والقطاف، بعدما اعتمد لآلاف السنين على ما تقدمه الطبيعة له لتأمين طعامه. أما أسلحة الصيد فظلّت بدائية لفترة طويلة: كالحراب الخشبيّة ولاحقًا ظهرت أسلحة مقذوفة: حِراب ومزارق من الصوّان الحاد ذات رؤوس شائكة وخطاطيف ودسر (أداة تسمح للصياد الماهر باصطياد أيل يقف على بعد 40 مترًا) أما طرائد الإنسان الأول فكانت الأيائل والبيسون والماموث والأوروخ، يأكل لحمها ويصنع من جلدها ثيابًا وخيمًا.
 بنى الإنسان المنتصب مساكن تدوم لفترة أطول، وعرف إشعال النار التي نجد لها آثارًا في أماكن السكن تلك.
في مرحلة أخرى، استفاد الإنسان من محيطه وانتقل من حياة الترحال إلى تربية الحيوانات والزراعة، وترك المساكن المتنقلة (الخيم والأكواخ) ليبني مساكن صلبة ومزارع مجهّزة...

 

للكبار والصغار
في ختام جولة التاريخ والثقافة، جلسات ممتعة للكبار مقابل حديقة مجهّزة بألعاب متنوّعة للصغار ومتوّجة بمجسّم لشخصية «KING KONG» الخرافية، حيث يلتقطون إلى جانبه الصور التذكارية، قرب مطعم هندسته المعمارية تتلاءم وحقبة ما قبل التاريخ. وقبل المغادرة، بإمكان الزائر شراء تذكارات من وحي ما شاهد في المدينة - المتحف.
يجدر بالإشارة أنّ المتحف الذي يفتح أبوابه كل أيام الأسبوع على مدار السنة، يزوره 30,000 عائلة من لبنان وخارجه عدا طلاب المدارس.
وفي لفتة كريمة من إدارة «دينو سيتي» حدّدت أسعارٌ خاصة للعسكريين الراغبين في زيارة المتحف.

 

الصور من أرشيف: دينو سيتي