- En
- Fr
- عربي
تحديات التكنولوجيا
مع نهاية القرن العشرين، شهد العالم تحوّلًا جذريًّا في أنماط الحياة والعلاقات، بدخول الإنترنت إلى يوميات الأفراد والمؤسسات. هذا التطوّر الرقمي مهّد الطريق لثورة تكنولوجية يقودها الذكاء الاصطناعي، الذي بات يشكّل محورًا أساسيًّا في مختلف القطاعات، لا سيّما في التعليم، حيث أصبح ملاذًا لكثير من الطلاب لإنجاز واجباتهم المدرسية. فكيف يؤثّر الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية؟ وما التحديات المرتبطة باستخدامه؟
تطوّرت تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتشمل منصات مثل Google Gemini, Deepseek, GitHub Copilot, Claude،ChatGPT, Jasper AI وغيرها، وهي روبوتات محادثة قادرة على التفاعل بأسلوبٍ يحاكي البشر، ومتاحة بعدة لغات وفي مختلف أنحاء العالم على الرغم من حظرها في بعض البلدان بسبب قوانين حماية البيانات. ومع الانتشار الواسع لهذه الأدوات، ازداد اعتماد التلامذة عليها في إعداد الأبحاث والفروض المدرسية، مستفيدين من قدرتها على إيجاد الإجابات بسرعةٍ ودقة. يطرح هذا الواقع تساؤلات حول تأثير الأدوات المذكورة في مهارات الطلاب الفكرية والتحليلية، ومدى تراجع دورهم في التفكير النقدي والابتكار، ما دفع الخبراء إلى التحذير من تداعياته السلبية على العملية التعليمية برمّـتها.
إيجابيات وسلبيات
الخبيرة في الإعلام والتواصل وفي استراتيجيات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والعضو في لجنة حماية الأطفال على الإنترنت التابعة للمجلس الأعلى للطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية، ندى حمزة، تؤكد أنّ الذكاء الاصطناعي هو سلاح ذو حدين، يعتمد تأثيره على كيفية استخدامه. فمن جهة يمكنه دعم المتعلمين في تطوير مهاراتهم، إلّا أن الإفراط في الاعتماد عليه قد يؤدي إلى تراجع قدراتهم في البحث والتحليل والتفاعل النقدي من جهة أخرى، إذ بات بعضهم يلجأ إلى نسخ الإجابات الجاهزة من دون فهمها، وهي ظاهرة تُعرف بالـ Copy- Paste.
دعم التعليم وتحفيز الإبداع
من إيجابيات التطبيقات الخاصة بالذكاء الاصطناعي أنّها تساعد التلامذة في فهم الدروس بطرقٍ مبسّطة ومباشرة، إذ يمكنهم طرح الأسئلة والحصول على إجابات فورية تتناسب مع مستواهم التعليمي، ما يتيح التعلم الذاتي. كما أنّها تعلّمهم كيفية البحث عن المعلومات وتقييم صحتها، ما يعزّز قدراتهم التحليلية والنقدية عند التعامل مع مصادر متعددة. وهي أيضًا تحفّز الإبداع وتسهم في تحسين مهارات الكتابة، إذ توفر للتلامذة اقتراحات في اللغة والأسلوب، تساعدهم على صياغة أفكارهم بطرقٍ أكثر وضوحًا وسلاسة. وفي هذا الإطار، تشير حمزة إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يساعد التلامذة ضعيفي المستوى في تحسين أساليبهم التعبيرية، شرط استخدام أدواته بشكلٍ صحيح. فإذا كان التلميذ مثلًا ضعيفًا في إحدى اللغات، بإمكان هذه الأدوات أن تترجم له النص المطلوب كي يُحسن فهمه. ويقوم من بعدها بالنقد الذاتي من خلال المقارنة بين اللغتين لتحسين مهاراته في اللغة المطلوبة وصقلها، وهنا يكون استخدام الذكاء الاصطناعي سليمًا ومحبّذًا لأنّه قائمٌ على التوجيه الصحيح.
مخاطر الغشّ
في المقابل، تؤكد حمزة أنّ الذكاء الاصطناعي يصبح ضارًّا عندما تُستخدم أدواته لصياغة الأفكار بالكامل من دون أي جهد ذاتي أو نقدي من قبل الطالب. فالاعتماد المفرط على التطبيقات يضعف القدرة على التفكير النقدي والاستقلالية في التعلم. كذلك، يؤدّي الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في إنجاز الواجبات المدرسية إلى تراجع بعض المهارات التقليدية، مثل الكتابة اليدوية وحلّ المسائل بطريقة ذهنية ما يؤثر سلبًا في الأداء الأكاديمي في بعض المواد التعليمية.
إلى ذلك، تُبدي حمزة تخوّفها من استخدام الذكاء الاصطناعي بهدف الغش الأكاديمي، خصوصًا أنّ كثيرًا من الطلاب باتوا يستعينون بتطبيقاته في تحليل النصوص والملخصات وكتابة تقارير، حتى أنّهم لا يعاودون قراءة ما استحصلوا عليه من معلومات، ما يسهّل اكتشاف هذا الأمر بسبب الأخطاء اللغوية أو الاختلافات في الصياغة.
بناء بيئة تعليمية ذكية
بهدف تحقيق توازن بين الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطوير مهارات التفكير المستقل لدى التلامذة، ترى حمزة ضرورة وضع سياسات واضحة لاستخدام هذه الأدوات داخل المؤسسات التعليمية، بما يجعلها مصدرًا داعمًا وليس بديلًا للعملية التعليمية. كما يمكن للمعلمين تعزيز مهارات التحليل والنقاش عبر حلقات حوارية وجماعية تشجّع على التفكير النقدي بدلًا من الاعتماد العشوائي على الذكاء الاصطناعي.
وتشير إلى أنّ بعض الطلاب يمتلكون مهارات متقدّمة في التعامل مع الذكاء الاصطناعي مقارنة بزملائهم، الأمر الذي يستوجب تعزيز التعلم التعاوني من خلال تدريب المتقدمين لزملائهم الأقل خبرة، مما يعزز روح الانتماء والتقدير داخل البيئة التعليمية.
وتختم بضرورة دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج التربوية بآليات مدروسة، لما يساعد على بناء استراتيجيات متقدمة تخدم الطلاب بشكل أفضل. فعلى الصعيد الإداري يكون الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الشخصية للطلاب حول أداء الأساتذة وفعالية المنهج التعليمي. كما يمكن استخدامها لتقييم كفاءات الطلاب وقدراتهم وتحليل المواضيع المالية، إضافةً إلى تفصيل البرامج وأدوات تطبيقها وفق احتياجات الطلاب. وبذلك، يُسهم الذكاء الاصطناعي في بناء بيئة تعليمية
ذكية وإنسانية بدلًا من بيئة آلية بحتة، ويستبدل الطريقة التعليمية التقليدية بنموذجٍ أكثر تفاعلًا، يتماشى مع متطلبات العصر.











