تخليداً لذكراهم

الذكرى السنوية الثانية لشهداء الجيش في معركة نهر البارد
إعداد: نينا عقل خليل - جان دارك ابي ياغي

قداس وجناز في حريصا


المطران محفوظ اعتبر الشهادة إثباتاً لعقيدة وطنية ثابتة

ممثل قائد الجيش حيّا الشهداء وأهاليهم القابضين على الجمر بأصابع من إرادة وصبر

 

بحضور ممثل فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان اللواء الركن نبيل قرعة، أقامت محطة تيلي لوميار بالتعاون مع قيادة الجيش قداساً جنائزياً في بازيليك سيدة لبنان - حريصا - لمناسبة مرور سنتين على سقوط شهداء الجيش في معركة نهر البارد.

 

حضور وكلمات
ترأس القداس المطران يوسف محفوظ راعي الأبرشية المارونية في البرازيل سابقاً، وعاونه نائب رئيس مزار سيدة لبنان الأب يونان عبيد والأب مروان ثابت أمين عام المدارس الكاثوليكية بحضور ممثل دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري مدير عام الإدارة المشتركة الأستاذ سيمون معوض، ممثل دولة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة سعادة قائمقام كسروان ريمون حتّي، ممثل معالي وزير الدفاع الوطني الياس المر العميد الإداري اسكندر متى، ممثل قائد الجيش العماد جان قهوجي العميد الركن شارل الشيخاني ووفد من قيادة الجيش، ممثل مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء الركن أشرف ريفي العقيد أنطوان البستاني، ممثل مدير عام الأمن العام اللواء الركن وفيق جزيني الملازم الأول بشارة كلاب، ممثل مدير عام أمن الدولة العميد الياس كعيكاتي الملازم الأول فارس خوري، ممثل مدير عام الجمارك العميد المتقاعد أسعد غانم العقيد عادل فرنسيس، ممثل قائد الدرك العميد انطوان شكور الرائد روبير رحال، قائد فوج المغاوير العقيد الركن شامل روكز، رئيس مكتب أمن كسروان العقيد الركن أنطوان جريج، المدير العام لتلفزيون «تيلي لوميار» جاك كلاسي، قادة الألوية والأفواج والوحدات والضباط رفاق الشهداء وعائلات العسكريين الشهداء وحشد من المصلين. خدمت القداس جوقة سيدة لبنان بقيادة جوزف مراد وتولت غادة شبير خدمة القداس. وقد نقلت وقائع القداس مباشرة على الهواء، وكانت من إخراج داني الياس انطوان.
بداية رحّبت مقدّمة الإحتفال الزميلة جان دارك أبي ياغي بالممثلين الرسميين والأمنيين وبالحضور كافة وألقت كلمة قالت فيها:
«سنة ثانية تفنى من عمرنا الأرضي لتؤبّد عمرهم الأبدي.
سنة ثانية فرّقتنا همومها العظيمة لتعود ذكراهم فتجمعنا، وما أحيلى اللقاء. ولكن، من أين لي أنا الباحثة دوماً عن مكان تحت الشمس، أن أتكلّم على مَن هو حيّ راقد تحت التراب، هو الشمس، شمس لبنان، هو الحقيقة، حقيقة شعبه.
هو شهيد جيشنا الباسل من أملى عليّ أمس ما سأتلوه عليكم اليوم.
أمي، أختي، زوجتي، ولدي، حبيبتي، أهلي، كفكفوا الدمع، وانسجوا عائلة تتبرعم فيها المحبة والحكمة والقداسة، وتُزهر، وتُثمر.
رفاق السلاح والدرب، إرفعوا بيارقكم بعد طول تنكيس، واقرنوا حراب الشهادة بسلاح قسمكم وحب لبنان وشعبه وحضارته، فتستأصلوا شأفة الإحتلال والإرهاب. ثقوا بقيادتكم الحكيمة، تكوكبوا حولها مهما اختلفت فئاتكم ومناطقكم ومذاهبكم، فبالجيش وحده ينهض لبنان.
شعبي، يا شعب لبنان الأبيّ، لمّا اختارتني الشهادة عريساً لها، ما نظرت فيّ غير مجد لبنان وكرامته، فانبذ الطائفية والأنانية والمصلحة الشخصية والآنية، وعاهد لبنان على أن تعيده كما كان في التاريخ وأكثر معلّم الكون، منارة الشرق، وطن الله».

 

المطران محفوظ: عشقوا الشهادة وحصلوا عليها
بعد الإنجيل المقدس ألقى المطران محفوظ عظة جاء فيها: «اجتمعنا اليوم للصلاة ولنحيي ذكرى السنة الثانية لاستشهاد أبطالنا المئة والواحد والسبعين من الجيش اللبناني، وباقي الشهداء، الذين توفوا في معارك نهر البارد وغيرها، دفاعاً عن وطنهم لبنان وكرامة جيشه الباسل. لقد تمّ فيهم المثل القائل: «إن حبّ الأوطان من الإيمان»، لقد كانوا حقاً، مسيحيين ومسلمين، مؤمنين بالله عزّ وجلّ، وإيمانهم بالله، جعلهم يؤمنون بوطنهم لبنان فخدموه بأمانة وبشرف مثالي، وتضحية كاملة، ووفاء لا حدود له، وكأنهم كانوا يعشقون الشهادة في سبيله وقد حصلوا عليها مرفوعي الرأس!».
وتابع قائلاً:
«إذا تأملنا بالشهادة، فهي إثبات لعقيدة وطنية سامية، ليس بالقول فحسب بل وبطريقة خاصة بالفعل أيضاً وحتى بالوجود، وهذا ما قام به أبطالنا الشهداء الذين نحيي ذكرى استشهادهم، فلا الحب الوالدي، ولا الحب الزوجي، ولا الحب البنوي، حال دون قيامهم بهذه الرسالة الوطنية السامية والمقدسة. بل كانوا يواجهون الموت دفاعاً عن وطنهم، ويتلقونه بشجاعة نادرة وببطولة فائقة الطبيعة، مؤدّين واجبهم كجنود بواسل، ومؤدّين واجب الشهادة على أكمل وجه، لأن هذه الشهادة التي أدوها محمديين ومسيحيين، كانت مؤسسة على إيمانهم بالله عزّ وجل، وبإيمانهم الوطيد بمستقبل زاهر لوطنهم لبنان».
ووجّه تحية إلى أهل الشهداء قائلاً:
«ثقوا أن لبنان بأجمعه يشاطركم حزنكم العميق ويفتخر في آنٍ بكم وبأولادكم الذين وصلوا إلى ما وصلوا اليه من الشرف العظيم، كل ذلك بفضل تربيتكم الصالحة لهم الدينية والوطنية، وصلاتنا الى الله عزّ وجلّ، أن يعطيكم بلسم العزاء والقوة، ويحفظ لكم ما عندكم من بنين وبنات، فتفرحون بهم تعويضاً عما خسرتموه».

 

كلمة القيادة: بفضل الدماء تعمدت وحدة الوطن
في ختام القداس ألقى ممثل قائد الجيش العماد جان قهوجي العميد الركن شارل الشيخاني كلمة بالمناسبة جاء فيها:
«من كل أرجاء الوطن، تقاطرتم الى هذا الصرح المقدس، للصلاة على أرواح أحبائكم الشهداء، توحد في ما بينكم مشاعر المحبة والإيمان، والفخر بمآثر هؤلاء الرجال الأبطال، الذين سطّروا بتضحياتهم الجسام، أروع ملاحم البطولة في مواجهة الإرهاب المجرم، صانعين بدمائهم الزكية عنفوان مؤسستهم، ومجد لبنان وكرامة أبنائه.


أيها الإخوة الأعزاء
بعد مرور سنتين على معركة نهر البارد التي خاضها الجيش ضد أعتى تنظيم إرهابي عرفه لبنان، والذي حاول بكل ما أوتي من قوة النيل من هيبة الجيش ووحدة الوطن ومسيرة سلمه الأهلي، ما تزال أحداث هذه المعركة ومشاهدها حيّة في الأذهان والبصائر، وما تزال ساحات لبنان ومدنه وبلداته وقراه، تحتفي بتكريم الشهداء، فترفع صورهم أوسمة مذهّبة على صدرها، وتقيم لهم الأنصاب التذكارية، المشيدة بالقيم قبل الحجر، مستظلة دائماً بأعلام الوطن والجيش، الخفاقة بأنسام الحرية والكرامة، قبل أن تمضي في كل اتجاه، محدثة كل ذي سمع عن بطولات العسكريين في تلك الموقعة الكبرى، التي استحال فيها ماء البارد الى سيل دماء يزهق الباطل وينتصر للحق.
إن الأثر العميق الذي أحدثته هذه المعركة في نفوس المواطنين، ولدى الأوساط المحلية والخارجية على السواء، في ما يتعلق بأسبابها وظروفها ومجرياتها ونتائجها، لهو أسطع برهان على الأخطار الجسيمة التي كانت تحدق بالوطن بأسره من قبل هذا التنظيم الإرهابي، كما هو خير دليل على حسن أداء الجيش والتزامه القيم الأخلاقية، والإنسانية، بموازاة ما أظهره العسكريون من شجاعة فائقة، وبسالة نادرة في ساحة الميدان، إذ كان الواحد منهم يندفع خلف أخيه ليحلّ مكانه في الصفوف الأمامية، والجندي الجريح ينتظر بفارغ الصبر السماح له بالعودة إلى خطوط المواجهة، وكأن الجميع في سباق متسارع نحو الشهادة، الأمر الذي كان موضع دهشة المحللين والمراقبين، الأقربين منهم والأبعدين.


أيها الحضور الكريم
ثقوا بأن دماء شهدائنا الأبرار، المائة والواحد والسبعين، الذين نحتفي بذكراهم اليوم، الى جانب آلام رفاقهم الجرحى والمعوقين، قد شكّلت محطة مشرقة في تاريخ لبنان، وعنواناً ناصعاً لصلابة جيشه وقدرته على تحقيق الانتصار.
فبفضل هذه الدماء تعمّدت وحدة الوطن، وترسّخت إرادة العيش المشترك بين أبنائه، وبانت أسواره منيعة في وجه الطامعين والغادرين، وبفضل هذه الدماء أيضاً أصبح الجيش أكثر قوة ومناعة في مواجهة المخاطر والصعاب، مثبتاً مرة أخرى أنه درع الوطن الحصين وخشبة خلاصه، وحامي رسالته الحضارية والإنسانية التي طالما شكّلت علّة وجوده، وعنوان تألقه وحضوره الفاعل بين الأوطان جميعاً.


ذوو الشهداء
يكفيكم فخراً وإعتزازاً أيها القابضون على الجمر بأصابع من إرادة وصبر، الشاخصون إلى الشمس بوجوه تشرب الحزن وهي تشع، أنكم تمثلون جذور شجرة الشهداء وفروعها المتعالية نحو السماء، وأنكم في طليعة المؤمنين بلبنان، بعد أن بذلتم الغالي والنفيس في سبيله، واعلموا بأن الجيش، الذي يرى فيكم ظلّ أبطاله، سيبقى وفياً لكم كوفائه لشهدائه، وإلى جانبكم في السراء والضراء، فأنتم منه، إرث أمسه، وعزّ حاضره، وربيع غده المتجدّد بإستمرار.
بإسم قائد الجيش العماد جان قهوجي، أتوجّه بخالص العزاء والمواساة لذوي الشهداء ورفاقهم وأقربائهم، وأشكر فخامة رئيس الجمهورية على رعايته هذا القداس، كما أشكر إدارة محطة «تيلي لوميار» والسادة المطارنة والآباء الأجلاء، وكل مَن أسهم في تنظيم الحفل وشارك في حضوره.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار في عليائهم، ودامت ذكراهم العطرة عناوين ساطعة في كتاب الوطن، ومنارة هدي على طريق الشرف والتضحية والوفاء».
يجدر بالإشارة أن زينة الكنيسة الداخلية والخارجية كانت ملفتة جداً، فقد نُثرت صور الشهداء شموعاً أضاءت درج المذبح مكلّلة بورود بيضاء حملها ذووهم معهم تذكاراً وتخليداً لذكراهم من تلفزيون «تيلي لوميار»، كما رفرفت الأعلام اللبنانية وشعارات الجيش في كل زاوية من زوايا البازيليك الداخلية والخارجية، وقد أشرف قائد منطقة جبل لبنان العميد الركن ميشال نحاس شخصياً على أدق التفاصيل إحتراماً للمناسبة.