متقاعد يتذكر

الذكريات تدفئ الغربة
إعداد: باسكال معوض بو مارون

صفحة الذكريات هذه يكتبها كل عدد فرد متقاعد من المؤسسة العسكرية، لم يتقاعد حبه المخزون للوطن وللبذلة المرقطة. صفحة تحاول اختزال حياة من الشرف والتضحية والوفاء، وضغطها في مقابلة اهم ما فيها انها صورة مضيئة لرتباء وافراد رهنوا حياتهم وعرقهم ودمهم للجيش، وكسبوا الرهان.

 

يحمل من المالكية ميدالية تكريمية
العريف المتقاعد الياس يوسف:

العريف المتقاعد الياس يوسف الذي قارب التسعين من عمره ما زال يحلم يومياً أنه في الجيش يخدم، يدافع، يقاتل ويرتدي البزّة الأحب الى قلبه.
وبعد 47 عاماً على تقاعده، ما فتئ قلبه ينبض حباً للمؤسسة العسكرية وما انفكت ذكرياته تدفئ غربته طوال هذه السنين.
في رصيده 18 عاماً من الخدمة نال خلالها أكثر من تكريم، وميدالية تقديراً لشجاعته في معركة المالكية.

 

يقول العريف المتقاعد الياس يوسف:
أنا من مواليد العام 1918 من بلدة التليل في عكار. كان الجيش في بلدتنا محفوراً في قلوب الاهالي، وكان اخي قد انخرط في الجيش، فلم «أكذّب خبراً» حين جاء عريف يدعى حنّا الفحل لتطويع شباب من المنطقة في المؤسسة العسكرية...
من البلدة انتقلت وعشرين شخصاً آخرين الى ثكنة مرجعيون حيث خضعنا لدورة اغرار قصيرة كما كان سائداً آنذاك، مع الجيش الفرنسي.
وبعد حوالى السنة انتقلت الى منطقة المتحف حيث كان الجنرال كاترو متمركزاً في المحكمة العسكرية وكنت أخدم كحرس على مدخل المحكمة.
في مرحلة لاحقة شكّلت الى الفوج الثالث في منطقة ضبية حيث بقيت 6 سنوات تعلمت خلالها فن الطهي وأصبحت عشياً في مطبخ الفوج ومسؤولاً عن إحضار كل لوازمه. وبعد فترة انتقلت مع الفوج الى رأس بعلبك، حيث بقيت الى أن بدأ تأسيس القوات الجوية في رياق حين طلب من ضباط الافواج تقديم عسكريين لهذه القطعة الجديدة.
وهكذا، تمّ نقلي الى القوات الجوية في رياق، وهناك خضعت لدورة مكتب عريف في الفياضية وتمت ترقيتي في نهايتها، وعدت بعدها لمدة سنة ونصف الى رياق قبل ان أشكّل الى الفوج الرابع في الفياضية، ومن بعدها الى الفوج الثاني في طرابلس حيث بقيت حتى الاول من حزيران العام 1960 حين خرجت برتبة عريف بعد أن قضيت 18 سنة في الخدمة العسكرية.
هذا في ما خصّ الوظائف التي شغلها. أما المهام التي شارك فيها فلها في ذاكرته مساحة أكبر.
يذكر تمرين سير قادهم الى سوريا للمشاركة في مناورة ايام كان الجيش ما يزال بإمرة الفرنسيين. ويذكر خصوصاً أن الطعام كان غير كافٍ وعلى العسكر أن يتدبر أمره. «يومها أكلنا الليمون بقشره».
ومن مشاركته في معركة المالكية ذكريات عزّ وفخار: «كان موقعي على عربة مدفع الهاون 60، فركّزته جيداً، وأطلقته على آلية للعدو كانت متجهة نحونا، وأصبتها إصابة مباشرة فقتل الضابط والسائق والعسكريين المرافقين. صادرنا آلية العدو التي كانت من طراز حديث جداً. وحصلت آنذاك على ميدالية تكريمية لشجاعتي في المعركة».
وختاماً تعود به الذاكرة الى العام 1958، فيقول:
في مواجهة مع الثوار في بلدة حلبا في الشمال، استطعنا صدهم واجبرناهم على التراجع والعودة الى مراكزهم في الجبل بانتظار اوامر اخرى للقبض عليهم. وحصلت على الاثر انا و5 عسكريين آخرين على «شهادة معركة حلبا 58»، تقديراً لشجاعتنا خلال المعركة...