إقتصاد ومال

الذهب الى مزيد من التوهج واسعاره في اعلى مستوياتها منذ ربع قرن في ظل التوتر والتضخم وفورة النفط
إعداد: تريز منصور

العام 2006، عام اللهيب النفطي، وجنون أسعار المواد الأولية ومنها الذهب، فهذا المعدن الذي احتفظ ببريقه منذ اكتشافه قبل ستة آلاف سنة، وأصبح الملجأ والضمانة للمستقبل، وصلت أسعاره الى مستويات نادراً ما قاربتها.

600 دولار أميركي هي العتبة التي اجتازها سعر أونصة الذهب في أسواق نيويورك، منتصف ايار المنصرم ليصل الى 687 دولاراً أميركياً بعد نحو اسبوع من ذلك، وهي المرة الأولى التي يبلغ فيها السعر الى هذا المستوى منذ نحو 25 عاماً.
ويتوقع المحللون المزيد من الإرتفاع ليصل سعر أونصة الذهب الى 1000 دولار أميركي، علماً ان الذهب سجل سعراً قياسياً العام 1980 حين بلغ 873 دولاراً للأونصة الواحدة. اسباب ارتفاع سعر الذهب حالياً متعددة، فمن جهة يتهافت عدد كبير من المستثمرين لحماية انفسهم من آثار التضخم المتسارع وانخفاض قيمة الدولار الأميركي والين الياباني. كما أن تزايد الطلب على شراء المجوهرات، والتوقعات بأن مصارف آسيا وأوروبا المركزية ستخفض ودائع الدولار الأميركي لصالح الذهب، ساهمت أيضاً في ارتفاع الأسعار.
فبالاضافة الى المخاوف من أن يؤدي التضخم الى خفض قيمة السندات والأسهم، أسفر الطلب الكبير في الأسواق الآسيوية على المعادن عن تراجع العرض، في الوقت الذي يجهد المصنعون بصعوبة لتحقيق إنتاج أكبر.
هنا يشار الى ان هذه الفترة من السنة غالباً ما تشهد طلباً متزايداً على الذهب مع اقتراب عيد الميلاد وموسم الأعراس في الهند.
ازاء هذا الواقع، أسئلة عديدة تطرح نفسها اليوم، فما هو مدى تأثير إرتفاع أسعار الذهب على الاقتصاد العالمي؟ وهل لهذا المعدن الثمين مكانته في النظام النقدي العالمي؟ وهل ما زال المشارك الرئيس في تكوين الأسعار؟
 ماذا عن الطفرة النفطية وتأثيرها على أسعار المعادن؟ وهل ان ارتفاع أسعار الذهب يمكنه المساهمة بحل ولو جزئي لمشكلة الدين العام في لبنان؟
اسئلة عديدة نحاول الاجابة عنها في ما يلي، من خلال مقابلة مع الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة.

 

د. حبيقة: الذهب أداة إستثمار جيدة

رأى الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة (أستاذ محاضر في جامعة اللويزة) «أن تقلبات الأسعار بالمبدأ، مرتبطة بعملية العرض والطلب، وان الأوضاع المتوترة والمتقلبة في أية دولة تدفع بالمستهلكين والمستثمرين على حدّ سواء الى شراء الذهب الذي يعتبره الناس الملجأ والضمانة للمستقبل».
وأشار الى أن «قارة آسيا تعتبر المستهلك الأكبر لهذه المادة الثمينة، وهي تشهد اليوم عمليات شراء كبيرة لها، لا سيما في الهند، حيث تشهد الأسواق عمليات شراء متصاعدة. ويمكننا إعتبار هذا الطلب المتزايد من أحد أسباب إرتفاع أسعار الذهب عالمياً. وهناك أسباب أخرى هامة ساهمت في ارتفاع سعره، مثل ارتفاع أسعار النفط، والتي تؤدي حتماً الى إرتفاع أسعار المواد الأولية كافة، كالذهب والنحاس والفضة والحديد والفولاذ وانخفاض سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملات الأجنبية، فكلما إنخفض سعر صرف الدولار ارتفع سعر الذهب».

 

* ما مدى تأثير ارتفاع الذهب على الإقتصاد بشكل عام؟
- ليس لإرتفاع أسعار الذهب أي تأثير حقيقي على الإقتصاد العالمي، باعتبار أن الصناعة بشكل عام تعوّل على المواد الأولية الأخري كالحديد والفولاذ والنحاس بنسب أكبر من الذهب. لكن يمكننا اعتبار الذهب اليوم أداة استثمارية مريحة وجيدة للمستثمرين. إذ نلاحظ أنه عندما تجاوز سعر برميل النفط في نيويورك عتبة ال68 دولاراً، إنكبت صناديق الإستثمار على شراء الذهب بكميات كبيرة، ما ساهم في رفع أسعار المعدن الأصفر.
ولا بد من الاشارة هنا الى أن أحد أهم المستثمرين الدوليين جورج سوروس وهو أميركي من أصل هنغاري (مجري)، توقّع أن تصل أونصة الذهب في نهاية العام الحالي الى الألف دولار أميركي، وهي اليوم في حدود ال700 دولار أميركي.

 

* ماذا عن إحتياط الذهب في مصرف لبنان؟ هل يمكن أن يساعد في حل جزء من مشكلة الدين العام؟
- إن قيمة إحتياطي مصرف لبنان من الذهب هي 9.2 مليون أونصة ذهب، وهي عبارة عن سبائك مجمدة، ولا يمكن أن تفيد بشيء، على الرغم من ان قيمتها ارتفعت طبعاً، جراء إرتفاع أسعار الذهب. هناك قانون صادر عن مجلس النواب العام 1985، يمنع المساس بالذهب، بيعاً أو تسييلاً، ويمكننا القول إن وجود الذهب كاحتياطي في مصرف لبنان، هو عامل ثقة للمواطن اللبناني بعملته وببلده.

 

الذهب والمستقبل

لم يعد الذهب بأي حال من الأحوال، يؤدي الوظائف الأساسية للنقود. فهو اليوم مادة للتجارة، وعليه نوعان من الطلب، صناعي وإستثماري.
ولم يعد الذهب يشارك في تكوين الأسعار، حتى ولو بشكل غير مباشر. فالأسعار تعيش عالمها بينما يعيش الذهب عالمه.
ولقد فقد الذهب اليوم وظيفته كوسيط للتبادل وكأداة للمدفوعات الآجلة. فهو إما يرقد خاملاً في أقبية البنوك المركزية، وإما يستهلك من قبل القطاع الخاص ولأهداف لا تمتّ للنقود بصلة. وسعر الذهب اليوم، يتكوّن في مجال ضيّق التخصص لتجارة الذهب، حيث يتعرض لتقلبات كثيرة يصعب التكهن بها.
لكن فقدان الذهب لدوره النقدي، لا يعني بالتالي أنه وبكل بساطة تحوّل كلياً الى عالم السلع، فالذهب ما يزال وسوف يبقى «سلعة من نوع خاص» وما يجعله كذلك، صناعته الاستخراجية وتسويقه عبر آلية السوق، واستخدامه كمادة تجارة في البورصات، بالاضافة الى ما يتمتع به من صفات تقنية.
والذهب ما يزال في سلوك الناس وعاداتهم ووعيهم محاطاً بميزات خاصة، من الصعب التخلي عنها بسهولة. وحتى بعد أن توقف هذا المعدن عن أن يكون نقوداً، من الواضح أن له من خلال العادات والتقاليد قوة الاستمرار النفسية والإجتماعية في كل مكان وزمان.

 

إستخدام الذهب

يستخدم الذهب في الصناعات الإلكترونية، وفي طب الأسنان، وفي أعمال الديكور والزخرفة.
غير أن الإحصاءات الدولية تشير إلى أن استخدام الذهب في المجالات المذكورة هو أقل بكثير من استخدامه لأغراض الزينة (المجوهرات).
للذهب خصائص تجعله أكثر المعادن استخداماً في صناعة الإلكترونيات نذكر منها أنه موصل جيد للطاقة الكهربائية، ويمكن طرقه وسحبه على شكل رقائق بسماكة 1/1000 ملم، كما انه غير قابل للتلف.
وتحتل اليابان والولايات المتحدة الاميركية بدون منازع، المرتبة الأولى في استخدام الذهب في هذه الصناعة.

 

الذهب في حقائق وأرقام

* معظم الذهب الذي تم اكتشافه منذ 6000 عام ما يزال بحوزة الإنسان. ولو تمّ تجميع هذا الذهب وصهره فقد يشكل مكعباً ضلعه 59 قدماً ووزنه 103.000 طن متري.
* الذهب هو أكثر المعادن ليونة وطواعية. يمكن سحب الأونصة الواحدة على شكل سلك طوله 5 أميال، أو طرقها على شكل صفيحة رقيقة للغاية حتى تغطي مساحة قدرها 100 قدم مربع.
* الذهب هو أكثر العناصر كثافة، إنه أكثف من الحديد بمرتين ونصف المرة ومن الرصاص بضعفين.
* من خلال استخراج طن واحد في المناجم يمكن الحصول على أونصة واحدة من الذهب.
* البنك الاحتياطي الاتحادي في مدينة نيويورك يختزن 512 طناً مترياً من الذهب قيمتها حوالى 144 مليار دولار في خزنة تحت الأرض مساحتها نصف مساحة ملعب كرة القدم.
* تقدر قيمة الذهب الذي ذاب في محيطات العالم ب 8 مليارات طن وهناك 35 ألف طن متري ما تزال موجودة في قشرة الأرض.
* يتم تصنيع ما يزيد عن 19 طن من الذهب في خواتم الزفاف كل سنة.
* في بعض الأحيان يتم استخدام الرقائق الذهبية لعمل ديكور قالب الحلوى وغالباً ما يحدث هذا في اليابان.
* كلمة قيراط (وهي كلمة مستخدمة لوصف المجوهرات) مشتقة من كلمات عربية ويونانية وإيطالية لوصف ثمرة شجرة الخروب. وكانت ثمار الخروب تستخدم من قبل التجار كثقل عند بيع الذهب والمجوهرات.
* يعتبر منجم هوم ستيك في ليد، جنوب داكوتا، أقدم منجم للذهب في العالم، فقد تم اكتشاف الذهب هناك طوال ال 115 عاماً الماضية.
* أكبر كتلة ذهب مكتشفة هي ويلكوم سترانجر والمكتشفة في أستراليا العام 1896 والتي تزن 2.280 أونصة.

 

مناطق إنتاج الذهب

لا يزيد عدد البلدان المنتجة للذهب عن خمسين بلداً، امّا عدد البلدان التي تنتجه بمستوى صناعي فلا يزيد عن عشرين بلداً، وأهم مناطق الإنتاج هي الآتية:
- جنوب أفريقيا: تقع أهم مناجمها في إقليم الران وترانسفال وغرب جوهانسبورغ وأهم شركاتها هي «أنكلاغولد». وشكل إنتاج هذا البلد منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الخمسينيات نصف الإنتاج العالمي.
- الولايات المتحدة الأميركية: تنتشر أهم مناجمها في كولورادو، كاليفورنيا، داكوتا، أريزونا، نيفادا، يوتا وألاسكا، وأهم شركاتها «نيو مونت». وكان إنتاجها قد سجل في بداية التسعينيات نموّاً ملحوظاً، ثم عاد ليهبط بشكل حاد في السنوات الأخيرة، بسبب تدني انتاج مناجمها. وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية الثانية في إنتاج الذهب.
- استراليا: قابل هبوط إنتاج الذهب في أفريقيا وفرة في إنتاجه في استراليا في الثمانينيات من القرن الماضي ويحتل هذا البلد المرتبة الثالثة في انتاج الذهب.
- الصين الشعبية: تقع أهم مناجمها في منشوريا وفي منطقة تسين ليبغ شان وجنوب شنسي. وتحتل المرتبة الرابعة بين الدول المنتجة للذهب. وتشترك روسيا مع البيرو في إحتلال المركز الخامس.

 

ألوان الذهب

ان مزج الذهب بمعادن أخرى يزيد مقاومته ويعدّل لونه. فإضافة النحاس الى الذهب يجعل هذا الأخير زهري اللون أو أحمر، والفضة تجعله ضارباً الى الخضرة، والنيكل او البلاديوم يجعله أبيض اللون. كما يستعمل البلاتين بكمية صغيرة لإزالة لون الذهب وزيادة مقاومته للتأكسد في طب الأسنان.
وعندما يحكى عن «الذهب الزهري»، يكون الأمر عبارة عن سبيكة محددة تتضمن 16% نحاساً و 9% فضة. أما الذهب الأصفر فيحتوي على 12.5% نحاساً و12.5% فضة. واما «الذهب الرمادي» فيضم 14% من النيكل و11% من النحاس والزنك.