باختصار

الربيع اللبناني
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

يمرّ بنا الربيع كلّ عام مزركشاً سفوحنا، مستبدلاً الأبيض عند رؤوس روابينا بالأخضر المطمئن والأحمر الدافئ والأصفر الضاحك في ثغور القندول والوزَّال. وتتفجّر الينابيع عند المنعطفات، وتطلّ «العيون» بدموع العطاء وبشائر الأمل، ويكرّ الماء في الأودية آمناً هادئاً مستبدلاً هدير الطوفان وزمجرة الريح اللذين سادا الفصل الماطر.
نحن على موعد لا يعرف الخلل مع الربيع، فلا هو يخطئ أو يتأخر، ولا أبناء هذه البلاد، العاملون في حقولها، وفي كلّ حقول الإنتاج، يتكاسلون. ولا المؤسسة العسكرية تتوانى للحظة عن تجديد قَسمها الكبير في الدفاع عن تراب الوطن وصون وحدته والتي لا يولد ربيع الوطن إلا في كنفها. وهكذا يضيف ربيعنا إلى موعده المعروف، وجماله الموصوف، زهوراً جديدة وخمائل لا بديل لها، هي أمن الوطن وأمان المواطن، ومواجهة كل فتنة في كلّ مكان. ثمّة رياحين تزيّن العقول، وذلك بعدم الانجرار إلى ما يعكّر على البلاد صفوها، وإبقاء الأمور، كائنة ما كانت حدّتها، في دائرة المناخ الديموقراطي الذي يخيم على لبنان في كل الفصول.
وكائناً ما كان رضانا عن تجربتنا الوطنية، فنحن لا نسعى إلى تصديرها، إلى أحد، وبالمقابل، لا نرضى باستيراد بدائل عنها، ولا ينبع هذا الرأي من عزلة نفرضها على نفوسنا، إنّما ينطلق من تجربة قاسية مررنا بها، فتصارعنا في داخل البيت الواحد، وتقاتلنا، وهدمنا الجدران، وأسقطنا الضحايا، وفي النهاية لم يكن القهر لطرف من دون الآخر، إنّما للوطن بأسره، ولم يتمكّن طرف من أن يلغي الآخر، إنّما كادت الأطراف متصارعة متقاتلة أن تلغي الوطن، كما أنه لم يبقَ لأي طرف أن يحيا بمفرده، وكأنّ عبارة «الدين لله» قد كتبت لجميع الشعوب، بينما عبارة «الوطن للجميع» كتبت لنا قبل غيرنا. إنّ علّة وجودنا هي أن يكون وطننا لجميع أبنائه، اسماً، ودستوراً، وتنوع مناخ، وغنى أرض، وصغر مساحة، وتكامل عناصر من البحر إلى البرّ، ومن الجبل إلى السهل، ومن الطفل إلى الشيخ، ومن المرأة إلى الرجل، ومن الزّارع إلى الحاصد... ومن أول أيام الربيع إلى آخرها.
التجربة اللبنانية بالمعنى السياسي والثقافي والاجتماعي، تمخّض عنها ربيع وطني شامل، يرتكز على ثنائية الوحدة في التنوع والتنوع في الوحدة. إنّه ربيعٌ إستثنائي ليس له مثيل في أي بلد آخر، ومن غير الجائز أن يتأثر بسواه، أو أن تدخل عليه تعديلات وإضافات، إلاّ إذا انبثقت من رحمه، فالعبث به يمثّل استخفافاً بنضال اللبنانيين طوال قرون من الزمن، وتفريطاً بدماء شهداء الجيش والوطن ومقاومة العدو الإسرائيلي الغاصب، الذين لولاهم لما كان لنا ربيع نعتز به تحت وجه الشمس، ولا نبتت في أرض بلادنا زهور الحرية والسيادة والاستقلال.
نعم، يطلّ ربيع لبنان، ويمضي على أمل أن يعود، مفسحاً لفصل آخر، فيصحّ معه أنّ في هذا الوطن فصولاً تتوالى وتتنوع، وفي تواليها تتكوّن الأعوام ومع تنوّعها تتجدّد الحياة.