عبارة

الرتيب: حلقةٌ أساسيّةٌ في التسلسل التراتبي
إعداد: العميد الركن جوزف عيد
مسيّر أعمال مديريّة التوجيه

إذا أردنا التمعّن في أقوال كبار القادة عبر التاريخ ممّن تناولوا دور الرتيب في الجيوش، وجدنا من أبرزِها قول القائد والمفكر العسكري كارل فون كلاوزفيتس: «الرتيب هو تُرجُمان الأوامر وأداة تنفيذها». والترجُمان، أو المترجِم، هو مَن يستوعب النص الأصلي استيعابًا وافيًا لا لبس فيه، ومن ثم ينقله إلى لغة أخرى محافظًا على المعنى والأفكار الأساسية، ومراعيًا الضوابط اللغوية والفكرية للجهة الملتقّية.

انطلاقًا من هذه المقاربة، يخبرنا كلاوزفيتس أن مسؤولية الرتيب وكفاءته تقتضيان الفهم الكامل للأوامر الصادرة عن الضابط آمر الوحدة، والإحاطة بمختلف جوانبها لجهة التحضيرات اللازمة وطريقة التنفيذ. يلي ذلك نقلُ الأوامر إلى العسكريين الأدنى رتبة، مع الالتفات إلى معيارين مهمّين هما اللغة المبسطة التي يَسْهُلُ فَهْمُها، والتفصيل البنّاء أي استخلاص المهمّة الفرعية وإفهامها إلى كل عنصر على حدة، وإطْلاعه على النقاط الضرورية التي تخصُّه في إطار المهمة الأشمل، من دون إغراقه في تفاصيل إضافيّة قد تُشتّت تركيزَه.

هكذا نصل إلى أنّ الرتيب هو بالفعل أداة التنفيذ، لأنّ تحقيق الهدف رهنٌ بإتقان جميع الخطوات المذكورة أعلاه. وكما أنّ الرتيب هو مساعد الضابط في نقل الأوامر والتحضير للمهمة، فهو أيضًا يده اليمنى أثناء التنفيذ.

تُضاف إلى ما ورد أعلاه وظيفةٌ شديدة الأثر، وهي عَرْضُ الصعوبات والمساعدةُ في استخلاصِ العِبَر وبالتالي تطويرِ أداء الوحدة. فالرتيبُ مستشارُ الضابط لأنّ الأخير يتوقع من رتبائه اقتراحات مفيدة سواءٌ أثناء تنفيذ المهمة لمعالجة الثغرات، أو بعدها للخروج بدروس مفيدة تُستَثمر في المهمات اللاحقة.

يوصِلُنا ما سبق إلى الدور المحوري الذي يؤديه معهد الرتباء في الجيش، فهو المعهد الأساسيّ لتخريج رتبائنا، إذ يتولّى صقل المتدربين على مدى ثلاث سنوات حتى يتمكنوا من القيام بالواجبات المذكورة آنفًا. ولا شك في أنّ عناصر المعهد كافةً يبذلون أقصى الجهود في هذا السياق، لأننا نلمس يوميًّا مدى الاحتراف الذي بَلَغَهُ الرتباء في القطع الثابتة والعملانيّة على حد سواء. ولولا ذلك لما كان أداء الجيش في الدفاع عن البلاد وصَون أمنها واستقرارها أداءً مشهودًا ومحلَّ ثقة من اللبنانيين والجيوش الصديقة. فللمعهد بقيادته وضباطه ورتبائه وأفراده كل الشكر والتشجيع على عطائهم المستمر، ولجيشنا كلّ الوفاء حتى يبقى العينَ الساهرة على أمن الوطن، والسدَّ المنيع الذي تسقط أمامه كل الأخطار.