سياحة في الوطن

الرومان بنوا فيها معبداً لجوبيتر ونذر أميرة أوصـل المياه الى أرضهـا
إعداد: باسكال معوض
تصوير: المجند الياس مرعب

دير الأحمر في ساحاتها حلقات الدبكة وفي نواحيها من التاريخ شواهد

في عهد الرومان، حماها الإله جوبيتر، وعلى طرقاتها المتعرجة سارت قوافل الأشوريين والرومان وسواهم.

نذور المؤمنين جرّت الى أرضها العطشى مياه الينابيع... دير الأحمر بلدة المروءة والأصالة، في ساحاتها حلقات الدبكة تستمر هادرة...

 

روايات حول اسمها

جولتنا في دير الأحمر بدأت بلقاء مع رئيس بلديتها السيد خليل القزح سكر الذي ذكر روايتين حول اسم البلدة. قال:

اسم دير الأحمر يعود الى دير قديم أو برج بني بالحجر الأحمر الذي تشتهر به المنطقة ومن هنا كان الاسم.

أما الرواية الأخرى فتقول أنه وبعد زوال الوثنية حوّل معبد جوبيتر الى دير يسكنه الرهبان، وعلى بعد 2 كلم من الناحية الجنوبية كانت تقوم قرية صغيرة تدعى الحلاّلة، وكان سكانها يأتون كل نهار أحد لسماع القداس في الدير. وذات أحد لم يقرع الجرس إيذاناً ببدء القداس، فجاء الناس للاستفسار، ولما دخلوا الدير هالهم منظر الرهبان وقد ذبحوا ذبح النعاج، والدماء تغطي جدران الدير، فعادوا لوهلتهم الى القرية يصرخون "الدير أحمر، الدير أحمر..." وتطورت الكلمة لتصبح "دير الأحمر".

أما في اللغة السريانية فالعبارة تعني دير "أحمور" أي دير أخ السيد، والمقصود معبد دير الأحمر يعتبر صغيراً بالنسبة لمعبد بعلبك.

 

موقعها وشهرتها

ترتفع بلدة دير الأحمر عن سطح البحر نحو 150 متراً، وتبلغ مساحتها نحو 35 ألف دونم فيما تبلغ مساحة أراضيها الزراعية 1700 دونم، أما عدد بيوتها فيناهز الـ1100.

سكان دير الأحمر الـ25 ألفاً تحيطهم 7 كنائس و4 مدارس، فيما تنصب الجهود لبناء مدرسة جديدة خاصة في البلدة.

وتشتهر دير الأحمر بجودة التين الذي تنتجه، كما تنتج أرضها تبغاً جيد النوعية، وحالياً ثمة سعي لإيجاد زراعات بديلة تعطي انتاجاً ومردوداً أكبر.

اشتهر رجال دير الأحمر منذ القدم بعنفوانهم وشهامتهم وبأسهم، فهم

"قبضايات" جاهزون دوماً للنزال، وهم أيضاً متمسكون بعاداتهم وتقاليدهم تمسكهم بأرضهم.

كبار السـن فـي القـرية ما زالـوا يعقـدون حلقـات الدبكة في المناسبات، وديـر الأحمـر مشـهورة بدبـكة تراثيـة عريقة تدعـى "دبكة الختياريي".

 

الدير عبر التاريخ

ابتداء من القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر كان تاريخ دير الأحمر مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بحكم بني حرفوش.

أما أقدم تاريخ لذكر اسم دير الأحمر فقد جاء في كتاب “تاريخ الأزمنة" للبطريرك العلامة اسطفانوس الدويهي الذي نشره الأب فرديناند توتل اليسوعي في مجلة “المشرق” عام 1951, فكتب ما حرفيته: “وفي02 من تشرين الأول من هذه السنة، )1625م - 1035هـ) سيم أسقف القس يوحنا من بيت قيزوح على دير مار اليشع بشري ودير الأحمر".

ونستنتج من هذه الجملة أن دير الأحمر قد أصبحت في هذا التاريخ قرية وفيها عدد كاف من السكان الموارنة كي يسوسها مطران.

 

الحلاّلة

الى الجنوب من بلدة دير الأحمر وعلى بعد نحو 2 كلم توجد منطقة تسمى اليوم بالحلاّلة. كانت تحتوي في الماضي القريب على بقايا منازل كانت مبنية بالـ"دبش" أو بالحجر الغشيم، ويقال بأن اسمها يعود الى كون أهاليها عملوا في حل شرانق الحرير الذي كان صنعتهم الأساسية.

قامت بلدة الحلالة حول بركة ماء تمتلئ بواسطة نهر عدّوس الذي ينبع من أرض إيعات.

ثمة غموض حول تاريخ هذه القرية، لكن نشوءها يعود على الأرجح الى ما بعد القرن العاشر ميلادي، فانتشار تربية دود القز عمّ منطقة الشرق ابتداء من القرن التاسع للميلاد على يد العرب.

ويبدو أن القرية وسكانها انتهوا بحريق شبّ في المنطقة فأتى على قسم كبير من الغابة، ولا تزال آثار الحريق والرماد تحت أرض هذه القرية حتى اليوم. أما حجارة بيوت الحلالة فقد نقلت في ما بعد ورصف بها مطار إيعات الحربي.

ومن المرجح أن سكان هذه المحلة انتقلوا بعد الحريق وسكنوا قرب الدير اليعقوبي، فكانوا نواة تأسيس بلدة دير الأحمر.

 

هيكل جوبيتر

تقع دير الأحمر وسط آثار قديمة عديدة، فمن الشمال الشرقي آثار نيحا ومن الغرب آثار اليمونة وقصر البنات، ومن الجنوب عمود إيعات وهياكل بعلبك، ومن الجنوب الشرقي آثار نحله.

وتاريخ دير الأحمر قديم قدم بعلبك، إذ بنى فيها الرومان هيكلاً للإله جوبيتر كبير الآلهة، وما تزال آثاره ماثلة للعيان شرقي البلدة.

لم يبق من المعبد سوى حائطين بنيا بحجارة ضخمة مماثلة لحجارة بعلبك، سقفا في ما بعد وتم تحويلهما الى كنيسة ومن ثم الى مدرسة.

وتقوم حجارة الحائطين على أربعة مداميك، غير متوازية في الحجم، ويوجد على بعد نحو 7 أمتار منها حجر قديم نقشت عليه حروف رومانية، لكنه اليوم مهمل وموضوع في أرض تابعة لوقف الكنيسة.

أما باقي حجارة المعبد والأعمدة فقد ردم قسم منها تحت التراب، بينما استعمل الأهالي قسماً آخر في بناء بيوتهم، وقد سبقهم الى ذلك اليعاقبة حين بنوا ديراً لهم مكان المعبد في القرن العاشر. والدير أصبح في ما بعد مركزاً أسقفياً حتى القرن السادس عشر.

 

من زمن الرومان

تعود آثار المعبد الظاهرة لهيكل أقيم إكراماً للإله جوبيتر كبير آلهة الرومان، وهنالك دلائل عدة تشير الى ذلك:

- إن مدخل الهيكل موجه نحو الشرق على غرار الهندسة الرومانية، وذلك لكي تدخل أشعة الشمس عند شروقها وتضيء قدس الأقداس.

- تأكيد عالم الآثار جورج تايلور في كتابه «المعابد الرومانية في لبنان»، وبعد دراسته الموقع، ان الهيكل مكرس من دون أدنى شك للإله جوبيتر الهليوبولي.

- الكتابة الرومانية المحفورة على الصخرة القريبة من الآثار تؤكد بشكل واضح أن المعبد كان مكرساً لهذا الإله.

وقد بنى الرومان هيكلهم في هذا المكان لأن غابات السنديان والملول التي كانت تغطي المنطقة كانت غابات مقدسة.

عندما أتى العرب الى منطقة البقاع واحتلها أبي عبيدة الجراح سنة 636 م حوّلوا المعبد الى قلعة حربية فبات يعرف بالبرج.

كانت مساحة الهيكل نحو 2000 متر مربع، شكله مستطيل يحده من ناحية الجنوب بئر يسمى اليوم بئر الجماجم وآخر يدعى بئر الخرزة. أما من الناحية الغربية فيقوم الى اليوم مقلع أخذت منه الحجارة لبناء المعبد ولا تزال آثاره واضحة.

أما في الوسط وباتجاه الشرق فكان مدخل الهيكل يرتكز على 6 أعمدة يمتد بعدها الهيكل في اتجاه شرقي غربي لكي تدخله أشعة الشمس. وأمام المعبد تنحدر الأرض وتستوي في"دكة" موازية للمدخل تقدم عليها الذبائح والقرابين.

 

كنائس البلدة

منذ أن سكن الرعاة الهابطون من جبة بشري والعاقورة بلدة دير الأحمر، راحوا يعملون بالزراعة وبدأوا ببناء كنيسة للسيدة العذراء قاموا بتكريسها على اسم سيدة الزروع، وحفروا بقربها بئراً لحاجتهم الى المياه التي تندر في البلدة. وقد اندثر بناء الكنيسة بفعل الزلازل التي ضربت المنطقة في العام 1759, ولم يبق منها  اليوم سوى حجر عتبة الباب.

بعدها تعاون أهل الدير مجدداً على بناء كنيسة أخرى، ولكن على أثاث متين، فاتخذوا أساس الدير اليعقوبي القديم (معبد جوبيتر الروماني) أساساً لكنيستهم. ولا يزال الأساس القديم ظاهراً حتى اليوم في بناء الكنيسة ويقوم على مدماكين من الحجارة الضخمة. وقد كرست الكنيسة على اسم سيدة البرج الذي كان مؤلفاً في ما مضى من 3 طبقات ولم يبق منه اليوم سوى الطابق الأول.

أما أقدم تاريخ وجد في كنيسة سيدة البرج فيعود الى عام 1843 وهو مدوّن على آخر صفحة من السجل الموجود في الكنيسة.

 

طريق القوافل

ممـا لا شك فيه أنه كـان للمنـطقة أهمية كبرى منذ أقدم العصور، بسبب وجود الطريق القديمة التي كانت تربط بعلبك باليمونة وصولاً الى أفقا فجبيل، وقد شقت هذه الطريق منذ عهد الأشوريين إذ سلكها جيشهم قبل أن يصل الى البحر.

والـدليل على ذلك بعـض الكتابات المسـمارية المحـفورة على الصخور عند نزلـة البلدة. وفي عـهد الرومان تم تحـسين الطريق فأصبحت أساسية لسير جيوشهم بين داخل سوريا والساحل المتوسطي.

وقد ذكر أحد معمّري دير الأحمر أنه وفي العام 1914 سجنه الأتراك في الشام، وكان من بين المساجين أحد آل العظمة الذي كان يحمل معه صفائح نحاسية عليها كتابات تاريخية قديمة، تذكر هذا الطريق الذي يمر “ببعلبك ثم بدير الينط ومنها الى بدعة بلاد بعلبك )بتدعي اليوم( ومن ثم طريق الدبوس وخان الكرم الموجودة ما بين عيناتا واليمونة.

 

عائلات الدير

يتـوزع أهالي دير الأحـمر على العـائلات التالـية: سكر، كـيروز، رحـمه، عماد، مخلوف، فخري، القزح، ليشع(اليموني), ديراني، حبشي، مبارك، خطّار، جريش، جمـعة، خـشّان، اسحاق، جعـجع، صالـح، حبقه )يعقوب, (شويري، سـعاده، بورفّول، عوّاد، ديب، الندّاف، فروسين، مبارك، شيت، الليطاني، برقاشي، كرم، بو سـمرا، عاصـي، فرحه، رعد، معوّض، نخله، فوزي، صدقـه، خضـرا، حدشـيتي، شـواح، مارون، مهنا، بطحاني، عطاالله الجميل، عريضـه، طربيه، عاقـوري، مسـلم، بقاعكفري، حنّون، الشـيخ، حبـيب.

 

هكذا وصلت إليها المياه

يتناقل أهالي البلدة، رواية عن أيام حكم الأمير جهجاه أحد آل حرفوش، الذي كان قد مضى على زواجه سنوات عديدة من دون أن يرزق بالأولاد. وفي العام 1804 ذهب وامرأته الى دير الأحمر لجمع أموال الميري، وكالعادة نزلا في ضيافة المختار. فقامت الأميرة تشكو همها لزوجة المختار التي هوّنت الأمر وأشارت عليها أن تبرز نذراً لسيدة البرج قوامه جرّ مياه عيناتا الى دير الأحمر العطشانة. فما كان من الأميرة إلا أن اطلعت زوجها على الأمر فوافق بدون تردد.

وما انقضت سنة على ذلك حتى حبلت الأميرة ورزقت ولداً ذكراً أسمياه نصّوح، ومن ثم وفى الأمير جهجاه نذره ففتح قناة لجرّ المياه من عيناتا الى سيدة البرج، إذ أمر بجمع الرجال ونشرهم من النبع وحتى البلدة وطلب من كل واحد أن يحفر قناة بمقدار طول قامته وهكذا صار، فوصلت المياه الى البلدة.

 

مرجع: تاريخ دير الأحمر ومنطقتها وعائلاتها - عصام فريد كرم