مواسم وخيرات

الزعرور البرّي في لبنان
إعداد: الدكتور حسين حمود

ثروة على طريق الانقراض

 

يعرف الزعرور البرّي بـ«عشبة القلب» فهو يدخل في العديد من علاجات أمراض القلب، وينظّم ضغط الدم، وله أيضًا فوائد أخرى عديدة... أشجار الزعرور التي كانت تزيّن أحراج لبنان وجروده ومرتفعاته، تطلق اليوم آخر نداء إغاثة لإنقاذها من الانقراض.
والأمل الوحيد في هذا المجال هو وضع برنامج علمي بإشراف وزارة الزراعة، لإنتاج شتول من الأصناف البلدية المتوافرة في لبنان، وإعادة زرعها في المناطق الملائمة، فالزعرور البري نبتة نادرة من حيث أهميتها الطبيّة وهي تشكّل بحق ثروة وطنية.


رمز السعادة والخصوبة منذ القدم
عرفت شجرة الزعرور البرّي منذ قديم الزمان، واعتبرها اليونانيون القدماء رمزًا للسعادة والخصوبة في الزواج. وهي من الأشجار القديمة في كثير من البلدان العربية، وقد انتقلت عن طريق اليونانيين والرومان إلى جبال الألب وأوروبا.
تنتشر شجرة الزعرور البرّي في مناطق كثيرة من أوروبا وشمال أفريقيا وغرب آسيا والمناطق الأخرى ذات الجو البارد على العموم، وهي تنمو في المناطق الجبلية. في لبنان نجد أشجار الزعرور في المرتفعات الجبلية والمناطق الجردية وعلى أطراف الغابات. ويعدّ السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الشرقية، من أكثر المناطق غنى بمختلف أنواع الزعرور.
تقدّر أنواع الزعرور البرّي بحوالى مئتي نوع، ويختلف العدد باختلاف التصانيف العلميّة. في لبنان يعتبر الزعرور البرّي، ذو الثمار الصفراء اللون، الأكثر انتشارًا، وهو موجود في الغابات والأحراج في المناطق الساحلية. وهناك نوع آخر أقل انتشارًا، إلا أنّ ثماره أكبر حجمًا وأقل حلاوة، وهو ما يعرف باسم «حميرون» نسبة للونه الأحمر، أمّا النوع الثالث، فهو أسود اللون وهو أقل انتشارًا من غيره ولكنّه ذو ثمرة كبيرة.


من فصيلة الورديات
تنتمي شجرة الزعرور البرّي إلى فصيلة الورديّات، وهي شجرة حرجية متوسّطة الارتفاع يصل علوّها إلى 8 أمتار وتنتهي فروعها بأشواك، أوراقها مجنّحة وصلبة. تزهر أزهارًا بيضاء وتعطي ثمارًا عنبيّة وبيضويّة الشكل تنضج في نهاية الصيف وبداية الخريف.


الفوائد الطبيّة للزعرور البرّي
لأوراق الزعرور وأزهاره وثماره فوائد طبّية كثيرة، فالزعرور نبات طبي مشهور، ذو قيمة عالية في علاج أمراض القلب، ولهذا السبب سمّي «عشبة القلب». فقد أثبتت الأبحاث الطبّية أن خلاصة ثمار الزعرور تحسّن كثيرًا وظائف القلب، حيث تقوم بفتح الأوردة التاجيّة، وبالتالي تحسين تدفّق الدم والأوكسيجين إلى القلب، كما أنها تخفض مستوى الكولستيرول في الدم. ويستخدم الزعرور لعلاج اضطرابات القلب والذبحة الصدرية وقصور القلب الاحتقاني.
في ألمانيا يعتبر الزعرور من الأدوية العشبية المسجّلة والمعتمدة رسميًا، وهو يدخل في حوالى 30 علاجًا للقلب. إلى ذلك يعالج الزعرور ارتفاع ضغط الدم ويرفع ضغط الدم المنخفض. كذلك تبيّن أنه يقوّي الذاكرة لأنه يقوّي دورة الدم في الرأس ويزيد كميّة الأوكسيجين في الدم. من ناحية أخرى يساهم الزعرور في تخفيف إصابات المجاري البولية التي تسبّبها بعض أنواع البكتيريا، كما يساعد في التخلّص من التشنّجات التي تعاني منها النساء خلال فترة الحيض.


مكوّنات الزعرور البرّي واستخداماته
تحتوي أوراق الزعرور وأزهاره وثماره على مركّبات مضادّة للأكسدة إلى جانب الفيتامينات والمعادن، أمّا استخداماته فعديدة ومتنوعة. فهو مهدّىء ومقاوم للحمّى ومسكّن عام، كما أنه يعالج الأرق والإسهال وتصلّب الشرايين وطنين الأذنين. تؤكل ثمار الزعرور وتضاف أوراقه إلى السلطة. ويعتبر منقوع الزعرور البرّي علاجًا فعّالًا للسلوليت والتهاب الحنجرة.


هل للزعرور البرّي أضرار جانبية؟
من حيث المبدأ الزعرور البرّي هو دواء آمن للغاية وليس له من أعراض جانبية، ولكن بالنسبة إلى مرضى القلب الذين يتابعون علاجًا فعليهم التنسيق مع الطبيب المختص، فالاستعمال العشوائي للزعرور قد يؤدي إلى مشاكل صحيّة لديهم. كما ينصح بعدم استخدام الأمّهات الحوامل والأطفال الصغار مستحضرات الزعرور.
بشكل عام، يمكن استخدام خلاصة الزعرور البرّي بشكل معتدل ولفترات قصيرة، وإذا أصيب الشخص بعوارض جانبية عند تناوله، فعليه تقليل الكمية التي يستهلكها أو استشارة الطبيب المختص. فهناك دلائل على أن تناول الزعرور مع أدوية أخرى يمكن أن يتسبّب في حدوث آثار جانبية. لهذا يجب إخطار الطبيب عند تناول أي دواء يدخل الزعرور البرّي في تركيبته.


ثروة مهدّدة بالإنقراض
الزعرور من الأشجار التي تعتبر ثروة طبية وطنية. لكن مع الأسف فهي كما أنواع أخرى كثيرة في لبنان، مهددة بالانقراض، بسبب الحرائق والتمدد العمراني. في المقابل نجد اليوم أنواعًا كثيرة من الزعرور البرّي المستورد من بعض الدول الأوروبية في المشاتل اللبنانية، وهذا ما يعتبره البعض عبثًا بالخصوصية البيئية للبنان. لذلك من المهم وضع برنامج علمي لإنتاج شتول الزعرور البلدي وزرعها في المناطق الملائمة.