الجيش والمجتمع

السباق الذي بات حدثاً دولياً
إعداد: ندين البلعة

 إغارة الأرز في نسخته الثالثة: من تنورين وبشري إلى حرمون

 

أصبح «إغارة الأرز» تقليدًا سنويًا، والسباق الذي يقيمه فوج المغاوير برعاية قائد الجيش يجمع بين العسكريين والمدنيين، يتنافسون فوق القمم اللبنانية.
السباق في نسخته الثالثة، حمل إضافات، فهو جرى على مرحلتَين: الأولى من أرز تنورين وحتى أرز بشري (بتاريخ 5/6 آذار 2011)، والثانية تمرين سير في جبل الشيخ (بتاريخ 12/13 آذار).
السباق الذي بات حدثًا دوليًا، يستقطب كل عام المئات من الأجانب من دول مختلفة. وقد بلغ عدد المتسابقين هذا العام حوالى 700 متبارٍ بينهم حوالى 200 عسكري. أمّا الباقون فمدنيون من جنسيات مختلفة (نوادٍ رياضية محليّة ودولية) سويسرا، بلجيكا، تشيكيا، الولايات المتحدة الأميركية، هنغاريا، النمسا، نيوزيلاندا والهند، إضافة إلى سفراء وملحقين عسكريين وإعلاميين أجانب. فقد تحدّى فوج المغاوير الظروف السياسية والأمنية والطبيعية التي تعصف في لبنان والمنطقة، «ليثبتَ للأجانب أننا نعيش في ظروف ديمقراطية طبيعية وننظّم هذه السباقات تعبيرًا عن السلام الذي ننعم به في لبنان على الرغم من الظروف الصعبة والصراعات السياسية التي تمرّ بها الدول العربية الأخرى»، كما يؤكّد قائد فوج المغاوير العميد الركن شامل روكز في تحديده أول أهداف هذا السباق.

 

قبل السباق
على عكس ما حصل العام الماضي، استقبلت الجبال المتسابقين بثوب أبيض غطّى المشهد الجبلي بكامله، وطقس مشمس دفعهم إلى المشاركة بكثافة وحماسة استثنائيتين. وقد اعتادَت المنطقة الممتدّة من غابة أرز تنورين وحتى غابة أرز بشري، احتضان المتسابقين الذين توجّهوا بدايةً إلى تنورين بعد ظهر يوم السبت 5 آذار 2011. فالسباق يُفتتح بسهرة نارٍ، يقدّم خلالها العميد الركن روكز ملخَّصًا عن أهدافه وشروطه. وقد تمّ هذا العام زرع نحو 900 غرسة أرز في غابة أرز تنورين لتأكيد الأهمية البيئية التي يكتسبها هذا السباق. فقبل أن يتوجّه المشاركون إلى خيمة كبيرة نصبها عناصر الفوج وجهّزوها باللازم لتكون السهرة مميّزة، كان عليهم أن يزرعوا نصوب الأرز.
بعد النشيد الوطني، رحّب المقدّم جورج صقر رئيس الفرع الثالث في فوج المغاوير بالحضور تاركًا الكلمة لقائد الفوج الذي قال: «يصرّ قائد الجيش العماد جان قهوجي ويركّز على ضرورة إقامة نشاطات ذات مردود وطني لقلب الصفحة السيِّئة والتوتُّر في لبنان، ولتركيز التواصل الدائم بين الجيش والمدنيين والمنافسة الرياضية بروح جبلية. ولا ننسى ضرورة تعريف الشباب اللبناني على المناطق والجرود اللبنانية والتوجُّه نحو الطبيعة والبيئة عبر اكتشاف جبال لبنان وطبيعته وعظمته، إلى الإحتكاك مع الأجانب ليتعــرّفوا على البيئة اللبنانية وليرَوا علاقة الجيش بشعبه الذي يحتضنه ويتفاعل معه».

 

إيجاز وعشاء قروي
بعدها تولّى العميد الركن روكز شرح كيفية تنظيم السباق ومراحله وسيره، وزوّد المشتركين بعض الشروط الضرورية لضمان نجاح السباق وتجنّب وقوع أي إصابات، حيث كان على كل فريق أن يحوز جهازًا خلويًا. كما تمّ تزويد الفرق أجهزة اتصال يمكن من خلالها تحديد موقع حاملها في مراحل السباق كافة. وكان على كل فريق (مؤلّف من ثلاثة عناصر) أن يبقى موحّدًا حتى نهاية السباق. كما حدّد العميد الركن روكز النقاط التي سيمرّ بها المشتركون وفق الفئات (45 و30 و18 كلم بين ski randonné وRaquette)، بدءًا من غابة أرز تنورين مرورًا بعين الصليب، وعين روما، وعين الوردة، وعين الوادي، وبرك الدم، وتلّة الحورية، وقراني الوادي، وفم الديب، وضهر القضيب، وقرنة الجمل، وقرنة فم الميزاب، والقرنة السوداء وصولاً إلى التيليسياج العسكري في الأرز.
حضّر الفوج عشاءً قرويًا للمشتركين الذين أمضوا سهرة رائعة وسط الجبال متمتّعين بجمال الطبيعة وبأجواء المرح وكرم الضيافة. وقد أمّن الفوج خيمًا مجهّزة بأسرّة ووسائل تدفئة.

 

الإنطلاق... إلى المسلك
في فجر اليوم التالي أُطلِقَت الشهابات إيذانًا ببدء السباق حيث انطلقت مجموعة ski randonné، وعند الخامسة والثلث إنطلقت مجموعة Raquette. على طول المسلك، اهتمّ عناصر الفوج، بمساعدة الصليب الأحمر اللبناني، بمتابعة المتسابقين تحسّبًا لأي حادث. ورُكِّزَت نقاط مراقبة ونقاط تفتيش تمّ تحضيرها قبل السباق بشكل غرف ثلجيّة (Igloo) في حين كان متوقّعًا أن يكون الطقس عاصفًا. كما تمّ تأريف المسلك (كل 100 متر) لتسهيل مرور المشتركين مع تقسيمه بالألوان وفق الفئات (أحمر، أخضر، أزرق وأبيض). وقد وُزِّعَت نقاط التأكّد والإسعافات بين كنيسة الرب، برك الدم، حقل الرماية والتيليسياج.
تنسيق كامل بين المنتشرين على طول المسلك وغرفة عمليات ميدانية عند نقطة الوصول. ولقد زُوِّد المشتركون أرقام هواتف للإتصال بهذه الغرفة حيث تابع العميد الركن روكز وضباط الفوج مجريات السباق وأوضاع المشتركين، من خلال كاميرات wireless موزّعة على المسلك لنقل الصورة، إضافة إلى استعمال طائرات من دون طيار (UAV)، والهليكوبتر – من القوات الجوية - للإخلاء الجوي والإخلاء الصحي عند الحالات الطارئة، وتصوير المتسابقين على المسلك.

 

الوصول والنتائج
بضع ساعات وبدأت الفرق المشتركة تصل إلى نقطة الوصول حيث كان بانتظارها ضباط وعناصر منظّمون من الفوج لتسجيل ساعة الوصول والإهتمام بالمتسابقين (طعام وماء...). واختُتم السباق في غابة أرز بشري حيث تمّ تسليم الجوائز للرابحين والشهادات للمشتركين، بحضور العميد الركن محمد خير قائد مدرسة التزلّج ممثلاً العماد قائد الجيش. وقد جاءت النتائج على الشكل الآتي:

 

• فئة 45 كلم «Randonné»، ذكور:
- المرتبة الأولى: Blanc Christian – Crettenand Moretti Isabella - Paul Henri Monnet.
- المرتبة الثانية: الملازم أول عطية أبو حيدر – العريف علي أبو بكر – الجندي أحمد عبدو.
المرتبة الثالثة: Gabriel mann  - .Stephane laroche – Eddy coudron

 

• فئة 30 كلم «Randonné»، ذكور:
- المرتبة الأولى: ليندوس ضو – جورج صوايا – افيديس كالبكليان.
- المرتبة الثانية: الجندي هادي شباط – الجندي خضر الخليل – العريف أول حسين زعيتر.
- المرتبة الثالثة: الملازم أول شربل عون – الجندي ابراهيم الشيخ – الجندي محمد الموسوي.

 

• فئة 30 كلم «Randonné»، إناث:
- المرتبة الأولى: تينا كوماتي – سابين صوايا – آنا فرا.

 

• فئة 18 كلم «Randonné»، عسكريون:
- المرتبة الأولى: العريف أول حسن موسى – العريف محمد صوفان – الجندي مصطفى حموضه.
- المرتبة الثانية: بلال سليمان – علي غاوي – محمد طحش.

 

• فئة 18 كلم «Randonné»، ذكور:
 - المرتبة الأولى: طاني عبد الله – Cabas Frederic – بسام الحاج.
- المرتبة الثانية: ين سيتشك (سفير تشيكيا في لبنان) – يوهن فركامن (سفير بلجيكا في لبنان) – نادي سخن.
- المرتبة الثالثة: ادكار صعب – راني شربل – اديب أبو حيدر.

 

• فئة 18 كلم «Randonné»، إناث:
- المرتبة الأولى: كلودين عون – رنا جبور – إلسي فغالي.
- المرتبة الثانية: إيليان ابي شديد – دارين طرابيه – مارين دوبنفينسو.

 

• فئة 18 كلم «Raquette»،  عسكريون:
- المرتبة الأولى: المؤهل جبرايل عماد – الرقيب أول علي الحاج – الرقيب الأول عبد الباسط عبد الله.
- المرتبة الثانية: العريف عمر الحوم – العريف علاء الهباوي – الجندي محمد ادريس.
- المرتبة الثالثة: الجندي كريم ابراهيم – الجندي احمد رفاعي – المجند (م.خ) محمد الشرقاوي.

 

• فئة 18 كلم «Raquette»، ذكور:
- المرتبة الأولى: شربل سكر – يوسف كرم – صالح زعيتر.
- المرتبة الثانية: بيار دقاق – اليو عبدو – يوسف غبريال.
- المرتبة الثالثة: Philippe Petrel  - Guillaume Petrel - Jean Baptis .

 

• فئة 18 كلم «Raquette»، إناث:
 - المرتبة الأولى: كارول عقل – مايا بو نصار – إيليز بو نصار جاد.
- المرتبة الثانية: يمنى الأسمر – شيرين كرم – باتريسيا الهيبة.
- المرتبة الثالثة: Bohyn Helene – Blanc Manon  - Alix Nasri.

 

سفراء وآخرون...
عبّر المشتركون عن سعادتهم، فالسفير التشيكي Jan Cizek يرى أهمية كبيرة في التعاون بين الجيش والمدنيين الذين يجب أن يدركوا أن العسكريين هم أفراد من المجتمع يدافعون عنهم. وهو وجد هذا النشاط مسلّيًا من حيث اكتشاف الطبيعة اللبنانية وممارسة رياضة التزلّج. السفير الذي يشارك للمرة الثالثة يرى أنّ التنظيم يتحسّن سنة بعد سنة، مبديًا رغبته بتشجيع فرق تشيكية أخرى للمشاركة.
من جهته يقدّر السفير البلجيكي Yohan Vor Kaman جهد فوج المغاوير في تنظيم مثل هذه النشاطات من أجل الشباب اللبناني، فهذا الأمر يتطلّب مجهودًا كبيرًا ومتابعة دقيقة لإنجاحه. وأضاف: «إنّ الطبيعة اللبنانية رائعة وهذا السباق هو فرصة لاكتشافها حيث لا أستطيع القيام بذلك بمفردي نظرًا إلى عدم معرفتي بالطرقات. وقد أعجبتُ جدًا بطريقة تعاون الجميع وايجاد المساعدة حين نحتاج إليها».
كانت ملفتة مشاركة أفراد من منظّمي «Patrouille des Glaciers» الذي يُنظَّم في سويسرا. ففكرة سباق «إغارة الأرز» مستقاة من هذا التقليد الذي شارك فيه العميد الركن روكز على رأس فريق لبناني وأراد تطبيقه في لبنان.
أحد منظّمي السباق السويسري Col. Glassey Gerald الذي أعاد العلاقة وصلة الوصل مع الجيش اللبناني إلى العام 2007، شرح الفرق بين السباقَين: «يُنظَّم السباقان في منطقتَين مختلفتَين طبيعيًا (جبال الألب والجبال اللبنانية). في سويسرا تكثر الممرات التقنية ما يجعل السباق أكثر خطورة ويتطلّب معرفةً دقيقة بالجبال، أمّا «إغارة الأرز» فيُقام في ظروف مناخية وطبيعية مختلفة». ويرى تطورًا في طريقة التنظيم وحتى في ذهنيّة المتسابقين إذ تختلف أهدافهم وتتحسّن قدراتهم التدريبية والتقنية. وقد لفته همّ الأمان (Security) الذي يأتي في المرتبة الأولى ضمن اهتمامات الفوج، «فالمسلك مؤمّن ومراقب بشكل ممتاز، وهذا يستحقّ التقدير».
من الجهة الأميركية، شاركت في السباق عدّة فرق تدريبيّة تعمل مع القوات الخاصة. وقـــد أكّــد Col. John Silkman أنّه أراد دعم الجيش في نشاطاته مع المدنيين «بخاصة لما يتطلّبه من جهد مع هذا العدد من المشتركين من جنسيات مختلفة، وهذا مميّز وممتع». وقد لفته جمال الطبيعة ورؤية الجنود والمدنيين يتفاعلون معًا. أمّا من الناحية التنظيمية، فيشيد «بتميّز المغاوير وخبرتهم في تنظيم مثل هذه النشاطات، خصوصًا في ما يتعلّق بنقاط المراقبة والتدقيق وكيفيّة التعامل مع الطوارئ...».

 

وللمنظّمين رأيهم أيضًا
تعاون جميع ضباط فوج المغاوير وعناصره في تنظيم هذا السباق. النقيب سيّاد فوّاز، آمر السرية الأولى في الفوج، إهتمّ بنقطة الوصول من تأريف المسلك، وتعيين نقطة الوصول ونصب الخيم للمتسابقين وتأمين اللوجستية اللازمة. «وقد تمّت دراسة طريقة وصول المشتركين بدقّة مع تخصيص لجنة بإشراف الرائد عمر مجلّد، لتسجيل التوقيتات والأرقام ما أتاح للواصلين التوجّه مباشرةً للإستراحة في الخيم».

 

جبال لبنان أصعب
أوّل الواصلين في فئة 45 كلم، السويسرية Isabella Moretti وفريقها. هي الأولى في سباق Patrouille des Glaciers وقد عبّرت عن بهجتها للمشاركة في هذا السباق بمساعدة أصدقاء لها من Polyliban. الصعوبة بالنسبة إليها، حمل الأغراض اللازمة على طول المسلك، والمسافات المسطّحة (Plats) التي تتطلّب جهدًا أكبر لاجتيازها. وهنا تبرز أهمية العمل كفريق والمستوى المتقارب في الخبرة بين عناصر الفريق الواحد.
نوّهت Moretti بالتنظيم الدقيق والممتاز للسباق ملاحظةً أمرًا وحيدًا في ما خصّ معرفة المسلك، فلا يمكن «اجتيازه بسهولة نظرًا إلى عدم معرفتنا العميقة بالمنطقة وهذا يتطلّب إشارات ومعالم واضحة أو حتى خارطة إذا أمكن، لكي نعرف التقنيات اللازمة والوقت المناسب لاستخدامها، ما يسهّل السباق ويجعلنا نستفيد أكثر من الوقت».
وعن الجيش اللبناني تقول: «كان دوره مميزًا في التنظيم حيث كان العناصر في كل مكان، ملتزمين ومندفعين، ما أنجح السباق».

 

في جبل الشيخ...
أسبوع مرّ بين القسم الأول من «إغارة الأرز» والقسم الثاني منه. عاصفة هوجاء ضربَت الأراضي اللبنانية وزادَت بياض الجبال بهاءً وروعةً. ومرّة جديدة شاء القدر أن تتحسّن الأحوال الجويّة لينتقل المئات أيضًا – ممّن شاركوا في السباق من تنورين إلى بشري، وآخرون لم يشاركوا – إلى منطقة راشيا البقاعية للمشاركة في تمرين سير لاستكشاف جبل الشيخ. آليات عسكريّة نقَلَت المشتركين من ثكنة فوج المغاوير في رومية إلى تكميليّة راشيا، حيث استقبلهم أهالي المنطقة بروح ضيافة مميّزة، مقدّرين جهود فوج المغاوير بالقيام بمثل هذا النشاط الشتوي للمرة الأولى في المنطقة.
استُهِلَّت الرحلة إلى جبل الشيخ - راشيا بلقاء افتُتِح بالنشيد الوطني اللبناني ثم كلمة لرئيس البلدية العميد الركن المتقاعد مروان زاكي: «راشيا الإستقلال، القلعة، المحبة... هذه البلدة المطمورة منذ فترة طويلة على الرغم من تميّزها بإمكانات السياحة لكي تسيروا بها قدمًا نحو الأمام». وأبدى اعتزازه بتخرّجه من «مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء التي تعلّم المواطن الإنصهار في أرضه والتجذّر فيها للحفاظ عليها لأبنائنا لا للغرباء». وقد وصف «الجيش بالجامع المشترك لا القاسم، بين جميع الأطياف اللبنانية، بخاصة في هذه المنطقة العزيزة التي مرّت عليها سنون الحرب وبقيَت تعيش تحت عنوان العيش المشترك بين كل أبناء لبنان»، خالصًا إلى أن «لا وطن من دون جيش». وتمنّى العميد الركن زاكي أن يصبح هذا النشاط تقليدًا سنويًا، وأن يُصار إلى إنشاء مدرسة تزلّج في راشيا «ليتعانق أرز لبنان مع قمّة حرمون، ويبقى هذا التواصل مستمراً».

 

لو أعطيتُ
بدوره كاهن المنطقة الأب إدوار شحادة وجّه كلمة مؤثرة لزائري راشيا من عسكريين ومدنيين: «لو اتّخذت الأغصان أقلامًا وجعلتُ الأبحار مدادًا، وصفحات القبّة الزرقاء صحفًا وأوراقاً، لن تكفِني لإظهار بعض ما يخالج قلبي من الفرح والسرور، وينازع فؤادي من البهجة والحبور بوجودكم في عرين الإستقلال راشيا، الرابضة على هضبة من سفوح حرمون المقدّس». ثم توجّه إلى الجيش اللبناني وبخاصة فوج المغاوير، قائلاً: «لو أعطِيتُ الآن فصاحةً وبلاغةً ونعوتًا وأوصافًا، فأنتم أرفع من كل نعت وأعلى من كل وصف يا حاملي شعلة الثالوث الوطني الشرف والتضحية والوفاء. فلذلك مهما بالغتُ في الكلام وغاليتُ وأكثرتُ من مدحكم وأثنيت، أراني غير مدرك عشر معشار ما أنتم عليه». ورحّب بهم في المنطقة قائلاً: «أنتم حماة هذه الأرض المقدّسة الغالية، أنتم بإذن الله ستنطلقون إلى الجبل العالي، الجبل المقدّس الذي أظهر الله أنبياء العهد القديم والعهد الجديد معًا على قمّته وقت تجلّيه، ليبرهن أنّه إله الأحياء والأموات وإله كل العهود...» .

 

كلمة العميد الركن روكز
العميد الركن روكز عبّر عن الشكر والسعادة بالوجود «في راشيا التاريخ- القلعة- الإستقلال، جنبًا إلى جنب مع جبل الشيخ الذي هو رمز من رموز لبنان الأساسية... يهمّنا كجيش لبناني، ومن منطلقات وطنية، أن تُزرَع هذه المنطقة في قلب كل لبناني، بخاصة أنكم تزورون هذه المنطقة وتتعرّفون عليها». ثم ركّز مرّة أخرى على الأهداف المتوخاة من هذا النشاط التي سبق أن ذكرها في سباق إغارة الأرز قبل أسبوع. بعدها قدّم إيجازًا عن تمرين السير،  بدءًا من تحضيره إلى مراحله والمسلك والأمور اللوجستية والإخلاء الصحي... ليكون الجميع على بيّنة من كل هذه الأمور قبل الإنطلاق. إذ جُهِّزَت مفرزة سير سبّاقة من عناصر الفوج لتسير أمام المشاركين.
شارك المتسابقون إلى جانب أهالي المنطقة بعشاء قروي حضّرته البلدية احتفالاً بزوّارها. وقد جُهِّزَت غرف المدرسة بكل وسائل التدفئة والمنامة، حيث ظهرَت روح الضيافة والتعاون والمحبّة المميّزة لدى أهالي راشيا. أكل المشاركون ورقصوا ودبكوا على وقع الأغاني الوطنية ثم ارتاح الجميع تحضيرًا للسير في اليوم التالي.

 

إلى جبل الشيخ
عند الساعة الخامسة من فجر اليوم التالي، نُقل الجميع إلى كرمات الحمرا على سفح جبل الشيخ وانطلقوا بالـ Ski Randonné والـ Raquette لاستكشاف الجبل مرورًا بجبل الشام، وادي سكين، الفاقعة، وادي اللويز، عين جورنايا، البيت الفرنسي، مراحات اليابسة، الشربية... وقد حُدِّدَت الساعة الثانية عشرة ظهرًا كتوقيت نهائي للعودة إلى نقطة الوصول. وعند انتهاء التمرين الذي شارك فيه عناصر من الصليب الأحمر اللبناني وفرق من أهالي المنطقة، إنتقل الجميع إلى ثكنة راشيا (القلعة) حيث تمّ تسليم الشهادات، وأُقيم حفل كوكتيل للمناسبة بحضور العميد الركن غسان بو ياسين قائد موقع راشيا ممثلاً قائد الجيش.

 

حماس استثنائي وتقدير
على هامش تمرين السير هذا، كان لنا وقفة مع آراء بعض أهالي القرية الذين عبّروا عن سعادتهم باستقبال الجميع في راشيا إلى جانب فوج المغاوير.
رئيس جمعية راشيا ماراتون السيّد شادي دهام، نوّه بهذه الخطوة للفوج، «التي هي الأولى من نوعها في تاريخ منطقة راشيا التي تُوجِّه أنظار الشعب والإعلام اللبناني والعالم إلى منطقة راشيا خلال الشتاء، فقد كانت منسيّة طوال سنوات من قبل السلطات اللبنانية، والآن جاء من يستطيع نقل الصورة الحقيقية المميّزة عنها. تعتبر هذه الخطوة مدروسة ومنظّمة حيث تمّ اختيار المحطات بدقّة ووفق دراسة علمية وأطر تقنية سليمة»، وأمل أن يصبح هذا التقليد ثابتًا، إذ «لا شك أنّ هذا الحدث سيُدخل راشيا على الخريطة السياحية الشتويّة اللبنانية». كما تطرّق السيّد دهام إلى ضرورة اهتمام أهالي المنطقة بتفعيل الحركة السياحية، حيث لا تقلّ راشيا الأثرية أهمية عن المناطق الأخرى.
من جهتها عبّرت الدكتور جورجيت الحداد عن أهمية هذا النشاط بيئيًا وثقافيًا من حيث تعريف المواطن على المناطق اللبنانية كافة، وتفعيل المجتمعات المحلية لأخذ دورها، في ظل الإهمال الذي نلاحظه في المناطق النائية. وقد ناشدَت في هذا الإطار، وزارة الثقافة والبيئة، إدخال التوعية البيئية كمادة أساسية في المناهج التعليمية.
السيدة جوسلين لحام أبدت فرحتها «بوجود أبطال لبنان في ما بيننا ونحن نفتخر بهم». وهي ستشارك في السباق من منطلق هوايتها لتسلّق الجبال، وتشجّع الجميع على زيارة راشيا نظرًا إلى جمالها وآثارها الفائقة الأهمية.

 

عودة الأرز
رئيس «جمعية حرمون» السيد ميشال مالك تكلَّم على الجمعية ودورها في الإهتمام بالوضع البيئي والرياضي والحضاري، «والأهم أننا عملنا منذ العام 1996 على تجميع الوثائق والإثباتات الضرورية على أن جبل الشيخ (حرمون) هو جبل التجلّي. وقد ثبّتنا يافطة كُتِب عليها «مقام تجلّي المسيح».
تقوم الجمعية سنويًا بتنظيم مسيرة إلى جبل التجلّي في 4-5 آب حيث يتمّ الصعود إلى القمة وتلاوة صلوات من كل الطوائف من أجل وحدة المنطقة والسلام فيها. هذه المسيرة تتمّ على طريق تُسمّى «طريق الدواب» حيث أن الجميع ضدّ تشويه الجبل والحفاظ على عذريّته وتميّزه. هذا النشاط هو في المرتبة الأولى طريقة للتعايش مع الطبيعة والتعرّف على الأعشاب المميّزة والنادرة الموجودة في الجبل من حيث تنوّعها وفوائدها، فهي غير موجودة في أي مكان في العالم (عجرم، زلّوع...). «ونحاول أيضًا إعادة زرع الأرز في الجبل حيث أطلقنا العام الماضي «عودة الأرزة إلى حرمون» وسنتابع هذا المشروع. وقد اتّفقنا مع العميد الركن روكز على زراعة 5000 أرزة جديدة في الجبل، بالتعاون مع بلدية راشيا».

 

راشيا... جبل الشيخ... السياحة
تعتبر راشيا من أهم المعالم السياحية في لبنان، فهي تضمّ الكثير من الآثار حيث استوطنها الرومان والصليبيون وكانت معقلاً للشهابيين... تشتهر راشيا الوادي بقلعتها التاريخية التي عرفت باسم «قلعة الاستقلال» ويعود بناؤها إلى القرن الحادي عشر، وهي التي احتضنت رجالات استقلال لبنان. كما تتميّز بسوقها الأثري الذي يقع وسط البلدة محوطًا بقرابة 36 بناءً قديماً، وأرضه مرصوفة بالحجارة بشكل هندسي متقن وطوله مئتان وخمسون مترًا، ويعود تاريخه إلى القرن السابع عشر. ولا ننسى الأبنية والآثار الشهابية التي تعود إلى العام 1370. أقدم الكنائس في راشيا هي كنيسة القديس «مار موسى الحبشي» لطائفة السريان الكاثوليك، وتمتاز بالفن المعماري الذي استخدم حجارة العقد في بنائها حيث اتت على شكل سفينة، وهي نسخة طبق الأصل من حيث الشكل والمخطَّط عن كنيسة قلعة جندل التاريخية في سوريا. وتحتفظ الكنيسة بأيقونة شفيعها القديس مار موسى الحبشي النادرة الوجود، والتي يعود تاريخها إلى أكثر من خمسماية سنة.
جبل الشيخ أو جبل حرمون هو جبل يقع في سوريا ولبنان.
يمتد من بانياس وسهل الحولة في الجنوب الغربي إلى وادي القرن ومجاز وادي الحرير في الشمال الشرقي، وهو بذلك يشكل القسم الأكبر والأهم والأعلى من سلسلة جبال لبنان الشرقية التي تمتد بين سوريا ولبنان.
يحـدّه من الشرق والجنوب منطقة وادي العجم وإقليم البلان وهضبة الجولان في سوريا، ومن الشمال والغرب القسم الجنوبي من سهل البقاع ووادي التيم في لبنان.
فيه ثلاث قمم: الأولى في الشرق وتعلو 2145م والثانية في الغرب وتعلو 2294 م، والثالثة تسمى شارة الحرمون وهي الأعلى وتعلو 2814 م.
ويسمى بجبل الشيخ كناية إلى رأسه المكلَّل بالثلج طوال أيام السنة، كما يكلل الشيب رأس الشيخ.
ويقال إن الدروز سمَّوه بجبل الشيخ نسبة للشيخ محمد أبي هلال، المعروف بالشيخ الفاضل، وهو أحد كبار الدعاة الأولياء الأتقياء لدى الدروز، والذي التجأ إليه. يمكن أن نرى من على قمّته عَمّان، القدس، دمشق، ساحل فلسطين وبعض الأضواء من قبرص. ولهذا الجبل دلالات قدسيّة تمثّل تعاضد أهالي المنطقة وتعاونهم الدائم جنبًا إلى جنب في وحدة وطنية فريدة من نوعها.
تنظّم راشيا مهرجانات صيفية سنوية تستقطب السيّاح من كل المناطق، ولكن يشير أهالي المنطقة إلى الأوضاع الأمنية التي تؤثر سلبًا على الحركة السياحية. هذا بالإضافة إلى تقصير المعنيين في استثمار هذه السياحة. ولكن الشعب اللبناني إعتاد إنتاج قضايا قومية ووطنية في سبيل إحياء مناطقه متحدِّيًا كل الصعوبات.
في الختام يرغب أهالي راشيا أن تصبح بلدتهم مقصدًا لمحبّي الثقافة والتراث والآثار، ولمحبّي رياضة التزلّج، طالبين في هذا الإطار أن يُقام تيليسياج ومدرسة تزلّج.
ويبقى الدافع الأساسي لكل هذه الأمور الشعور بالإنتماء إلى المنطقة، هذا الشعور الذي ينقلنا إلى مرحلة من النضوج والتطور الفكري والثقافي.

 

«محترف راشيا»: تكريم العميد روكز
كرّمت جمعية «محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون» في راشيا، قائد فوج المغاوير في الجيش اللبناني العميد الركن شامل روكز، خلال سباق تزلّج إغارة المغاوير على جبل الشيخ. وجرى حفل التكريم بحضور رئيس الجمعية شوقي دلال، وضباط من فوج المغاوير في مقر قيادة الفوج في رومية. في الحفل، اعتبر دلال أن تكريم روكز «يعني أننا نكرّم بشخصه فوج المغاوير والجيش اللبناني، وقائده العماد جان قهوجي على بطولاتهم الدائمة وتضحياتهم الكبيرة تجاه الوطن، ونكرّم الأصالة والشرف والتضحية والعنفوان لرجال قدموا الدماء والأرواح لنا ليحيا الوطن»، معتبرًا أنه «لفترة من الزمن نسينا أن جبل الشيخ (حرمون) هو ملكية لبنانية بامتياز، حتى أتى فوج المغاوير في الجيش وقائده ليعيدا لنا الثقة بهذا الجبل الراسخ في التاريخ منذ ستة آلاف عام».
من جهته، شكر العميد الركن روكز تلك البادرة من الجمعية ورئيسها تجاه فوج المغاوير وما تقدّمه تجاه الجيش خلال مسيرتها الوطنية، وقال: «الهدف الأساسي في نشاطنا على جبل الشيخ هو نقل صورة لبنان الحقيقية، من خلال تعريف الأجانب على مدى روعة جبال لبنان، والإيجابيات اللبنانية بعيدًا عن كل ما يعرفونه من حروب وصراعات تجري على أرضه»، لافتًا إلى أن «أهمية النشاط تكمن في ما يخلقه من فرص لتنمية الريف اللبناني، والمساهمة في الإنماء المناطقي من خلال ما تخلقه من حركة».
وفي ختام الحفل، قدّم دلال «درع محترف راشيا» للعميد الركن روكز، عربون وفاء ومحبة وتقدير على جهوده.

 

مهمة مزدوجة
يُذكر أن عناصر فوج المغاوير نفّذوا مهمّة مزدوجة حيث رافقوا الشعب اللبناني، كعادتهم، بكل أطيافه وفي مناطق مختلفة. ففي تاريخ الإغارة نفسه، كان قسم من الشعب يعبّر عن رأيه بالتظاهر بحرية وبروح ديمقراطية من جهة، وآخرون من محبّي الرياضة والبيئة يمارسون نشاطهم بأمان وسلام... والجيش إلى جانب الجميع.

 

دعماً وتشجيعاً
ساهم بإنجاز سباق إغارة الأرز بقسمَيه مؤسسات وأفراد مدنيون دعموا فوج المغاوير من عدّة نواحٍ: Mike Sport وFNB Bank، مطبعة Paper Moon - printing press للسيّد غابي أبي صعب، Café Najjar وClementine وغيرها من مؤسسات إعلامية ومبادرات فرديّة، أنجحت هذا الحدث داعمةً الجيش اللبناني.