دراسات وأبحاث

الستراتيجيا الأميركية في محاربة أسلحة الدمار الشامل
إعداد: العميد المتقاعد الدكتور أحمد علو

العمل لعدم انتشار هذه الأسلحة وإدارة نتائج استخدامها
في العدد الماضي تناولنا الستراتيجيا القومية الأميركية لمقاومة أخطار أسلحة الدمار الشامل التي ترتكز الى ثلاثة محاور:
1- محاربة انتشار اسلحة الدمار الشامل،
2- تعزيز الوسائل الآيلة إلى عدم انتشارها،
3- تدبير وإدارة النتائج الناجمة عن استخدامها.
وبعد ان عالجنا في العدد الماضي المحور الأول نتابع الموضوع في محوريه المتبقيين. مع نظرة الى مدى تكامل اركان هذه الستراتيجيا وملاحظات حولها.

 

عدم الإنتشار

يشكل عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل (NOITAREFILORPNON) العامود الثاني في الستراتيجيا القومية لأمن الولايات المتحدة الأميركية، وذلك وفق المقتربات الآتية:

 

1- دبلوماسية حيوية وفعّالة لتحقيق عدم الإنتشار:
ترى الولايات المتحدة انه يتوجب عليها الاعتماد على دبلوماسية فعّالة، ثنائية ومتعددة الأطراف للوصول الى هذا الهدف، وذلك باقناع الدول الممولة بالعدول عن المشاركة في برامج الدول الناشرة لهذه الأسلحة، كذلك حث هذه الدول على إنهاء برامجها لتطوير أسلحة الدمار الشامل او الصواريخ، وستعتبر الولايات المتحدة هذه الدول مسؤولة عن الوفاء بتعهداتها. كذلك فهي ستتابع جهودها لبناء تحالفات لدعم هذه المبادئ والمساعي، الهادفة الى تعزيز ودعم سياسة عدم الانتشار ومنع خطر البرامج النووية.
وفي كل الأحوال، ترى الولايات المتحدة انه في حال فشل خطة عدم الانتشار، فإن من واجبها ان تمتلك هامشاً مطلقاً من الإمكانيات العملانية للدفاع ضد امكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل.

 

2- المنظمات المتعددة الأطراف:
تلعب المنظمات، مثل منظمة عدم الانتشار ومنظمة مراقبة التسلح دوراً مهماً في استراتيجية الولايات المتحدة، لذلك فهي تدعم هذه المنظمات التي تبذل جهودها بقوة لإنجاز مهماتها بفعالية وكفاءة، كما انها تسعى لإنجاز اتفاقات وتفاهمات تخدم أهدافها في عدم الانتشار، ورغبتها في الحصول على مناخ ملائم لعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ولذلك فهي تركز جهودها على النقاط الرئيسية الآتية:
 

* الأسلحة النووية:
- تعزيز ودعم معاهدة عدم الانتشار (TPN)
 والوكالة الدولية للطاقة الذرية (AEAI) بما فيها تصديق البروتوكول الاضافي للدول الموقعة على معاهدة عدم الانتشار تتعهد فيه بالخضوع التام لتدابير الحماية والأمن التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية  (AEAI).
- المفاوضات لعقد معاهدة لوقف المواد الانشطارية، مما يعزز مصالح الأمن الاميركية.
- تعزيز وتقوية مجموعة الدعم النووي ولجنة زانجر.
 

* الأسلحة الكيماوية والبيولوجية:
- تفعيل عمل منظمة تحريم الأسلحة الكيماوية.
- تعزيز التدابير الفعالة والبناءة للحد من أخطار الأسلحة البيولوجية.
- تعزيز مجموعة استراليا.
 

* الصواريخ:
- تعزيز منظومة مراقبة تكنولوجيا الصواريخ (RCTM) بما فيها دعم التزام دولي عالمي لمنع انتشار الصواريخ البالستية.

 

3- عدم الانتشار والتعاون لتخفيف الخطر:
تتابع الولايات المتحدة مروحة واسعة من البرامج لتخفيف خطر الإنتشار خاصة تلك الناتجة عن تهديد الانتشار الناجم عن بعض الدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي السابق، وحجم اسلحة الدمار الشامل لديها او المواد المتعلقة بها او الخبراء الذين كانوا لديها، لذلك تسعى الولايات المتحدة لتقديم دعم حثيث وفعال لروسيا وللدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق، كما تتابع تشجيع اصدقائها وحلفائها لزيادة مساهمتهم، خصوصاً من خلال شراكة الدول الصناعية الثمانية )8-G( لمحاربـــــة إنتشار أسلحـــة ومــواد التدمير الشامل، كذلك ستقوم مع الدول الأخرى بتدابير تحسين درجة الأمان والحماية لأسلحتها ذات التدمير الشامل والمواد المتعلقة بهذه الأسلحة.

 

4- مراقبة المواد النووية:
ستتابع الولايات المتحدة الاميركية إعاقة عملية التخزين العالمي لمادة البلوتونيوم وتخفيض استخدام اليورانيوم العالي التخصيب، كما ستعمل بسياسة الطاقة القومية وبالاشتراك مع شركائها الدوليين لتطوير عملية معالجة النفايات النووية، وتقنيات الوقود النووي، لتصبح أنظف وأكثر كفاية، أقل تلويثاً، واكثر مقاومة للإنتشار.

 

5- مراقبة الصادرات الاميركية:
ترى الولايات المتحدة أن تطبيق المراقبة على صادراتها يجب أن يتجاوز ويعزز اهداف استراتيجيتها في عدم الانتشار وأمنها القومي، لا سيما مع وعيها لأهمية وحقائق واقع نجاحات التجارة الاميركية وتنامي سوق العولمة التجاري لصالحها، ولذلك فهي ترى ان عليها تفعيل قوانينها التجارية الحالية وتحسينها لتوازن بين تنمية الصادرات التجارية واهدافها في منع انتشار اسلحة الدمار الشامل، خاصة الى تلك الدول التي ترى فيها دولاً معادية.

 

6- فَرض العقوبات:
ترى الولايات المتحدة الاميركية أن فرض العقوبات هو عامل قيّم في استراتيجيتها ضد انتشار اسلحة الدمار الشامل، وقد اظهر الزمن ان تطبيق العقوبات كان قليل الفعالية وقليل المرونة، لذلك فهي ستسعى لتطوير سياسة عقوبات شاملة لتأمين تكاملها مع استراتيجيتها العامة، وذلك بالتعاون مع الكونغرس بغية إيجاد تشريعات جديدة تنسجم مع هذه السياسة.

 

تدبير وادارة نتائج استخدام أسلحة الدمار الشامل

إن الدفاع عن ارض الولايات المتحدة الاميركية هو المسؤولية الأساس والمطلقة للحكومة الاميركية. وكجزء من واجب الدفاع عن الوطن، ترى الولايات المتحدة ان عليها ان تكون جاهزة تماماً للاستجابة والرد لمعالجة النتائج المتأتية عن استخدام اسلحة دمار شامل على تراب الولايات المتحدة، سواء من قبل دول معادية او منظمات ارهابية، كذلك تلك المستخدمة ضد قواتها خارج الولايات المتحدة، او لمساعدة اصدقائها وحلفائها.
تناقش استراتيجية الولايات المتحدة لأمنها القومي برامج الحكومة للتعامل مع النتائج المترتبة على استخدام اسلحة كيماوية، بيولوجية، اشعاعية او نووية داخل الولايات المتحدة، وتجمع اكثر هذه البرامج على ضرورة التدريب والتخطيط ومساعدة الولايات والحكومات المحلية؛ ولمضاعفة فعالية هذه التدابير، فهي بحاجة لأن تكون شاملة ومتكاملة. إن اول ردات الفعل هي المتعلقة بوسائل الحماية والوسائل الطبية وادوات المعالجة اللازمة.
مكتب البيض الأبيض للأمن القومي سيتولى تنسيق الجهود الفدرالية لتحضير وتخفيف نتائج هجوم الارهابيين داخل اراضي الولايات المتحدة، كذلك سيعمل هذا المكتب عن كثب مع الولايات والحكومات المحلية لضمان تخطيطها وتدريبها وتأمين متطلبات تجهيزاتها.
كذلك فإن مكتب مجلس الأمن القومي لمكافحة الإرهاب ينسق ويساعد في تحسين جهود الولايات المتحدة للرد ولتدبير وسائل شفاء المتضررين من الاعتداءات خارج الولايات المتحدة. ثم ان وزارة الخارجية الاميركية ستقوم بتنسيق جهود مختلف الوكالات للعمل مع الاصدقاء والحلفاء لتطوير جهوزيتها للطوارئ وامكانياتها لمعالجة النتائج السيئة.

 

تكامل أركان الستراتيجيا الاميركية

يسمح عدد من الأدوار المهمة والحرجة بتكامل اركان الستراتيجيا الاميركية لمكافحة اسلحة الدمار الشامل والتي سبق شرحها، وهذه المهمات هي:
1- تحسين عملية جمع المعلومات وتحليلها:
إن الفهم الدقيق والكامل للمدى الكلّي لتهديد أسلحة الدمار الشامل كان وسيبقى من بين أوائل اهتمامات المخابرات الاميركية، وذلك لمنع الانتشار والردع والدفاع ضد اولئك الذين يرغبون باستخدامها ضد الولايات المتحدة. كذلك تحسين أهلية الأجهزة الأميركية الأمنية للحصول على المعرفة الآنية والدقيقة لإمكانات الأعداء الهجومية والدفاعية، ومخططاتها، فمعرفة نوايا «الأعداء» تشكل مفتاحاً مهماً في سياسة التصدي الحيوي والفعال.
2- البحوث والتطوير:
وذلك لإيجاد تقنيات جديدة وفعالة تكشف وتحلل وتسهّل وسائل الأعراض، والدفاع، والغَلَبَة، وتخفيف نتائج استخدام اسلحة الدمار الشامل.
3- تعزيز التعاون الدولي:
انسجاماً مع هذه الستراتيجيا ترى الولايات المتحدة ان على المجتمع الدولي ان يعمل بشكل وثيق لدرء خطر هذه الأسلحة وانتشارها، خاصة لدى بعض الدول التي تسعى لامتلاكها، وعليها مجتمعة ان تعمل لمنع وصولها الى أيدي المنظمات الإرهابية لأن وصولها اليهم يعني خطراً شاملاً على العالم، والولايات المتحدة تخلص في نهاية مخطط استراتيجيتها لمكافحة أسلحة الدمار الشامل، الى انها ستقوم بكل ما يلزم لتطبيق هذه الستراتيجيا لأنه ليس لديها خيار آخر.

 

ملاحظات على الستراتيجيا الأميركية

تتميز هذه الستراتيجيا بأعمدتها الواردة سابقـــاً، بكونهــا ســـلبيـــة (EVISSAP) بمعنــــاهــــا السياسي، أي تركز على الجانب العسكري فقط من ردع ومنع وعدم الانتشار، واستخدام عناصر القوة والتفوق لدى الولايات المتحدة بمفرداتها المتعددة، من تكنولوجيا وقوى عسكرية وأسلحة مختلفة، ومن مخابرات ومراقبة ووسائل التخفيف من آثار استخدام الأسلحة ذات الدمار الشامل، مضافاً اليها وسائل الضغط المادية والمعنوية عبر الطرق الدبلوماسية على الدول والمنظمات صاحبة العلاقة.
لم تضع الولايات المتحدة في حساب استراتيجيتها مبادئ أو وسائل لمعالجة أسباب انتشار هذه الأسلحة ودوافعه لدى بعض الدول، خاصة تلك التي تعتبرها الولايات المتحدة معادية لها، او تلك الجماعات التي تطلق عليها لقب «الإرهابية»، او محاولة معرفة هواجس هذه الدول على أمنها، او حقها في استغلال الطاقة الكافية في الأسلحة النووية، خاصة لأهداف مدنية، او معالجة مطالب وحقوق تلك الجماعات الموصوفة بالإرهابية، ورغبتها في الحصول على حياة كريمة من خلال الحصول على هذه الحقوق.
وهكذا تسعى الولايات المتحدة لاقتلاع الخطر من دون معالجة اسبابه، وتصوره وكأنه شر مطلق «يهدف فقط الى تدمير الولايات المتحدة بدون سابق إنذار وبدون ضمير»، كما تصفه.
 اذا كان مدى الستراتيجيا محدوداً بربح هذه الحرب، فإن الستراتيجيا العليا يجب أن تنظر الى السلم الذي يعقب الحرب، وكيفية التوفيق بين مختلف الوسائل المستخدمة، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تلافي ما يمكن ان يؤذي السلم المقبل، الذي ينبغي ان يكون ثابتاً ويؤمن للأطراف المتحاربة حياة أفضل، وهذا ما لم تضعه الولايات المتحدة في حساب استراتيجيتها لمحاربة أسلحة الدمار الشامل، ولكن من قال ان حرباً بأسلحة دمار شامل اذا اندلعت ستقضي على العدو المفترض للولايات المتحدة وحده؟!
وهذا ما دفع بأحد الضباط الاميركيين للقول أثناء الحرب الباردة «علينا أن ندرك ان العدو الحقيقي في أية حرب نووية تندلع هو الحرب النووية نفسها».
او كما قال الرئيس الأسبق للولايات المتحدة رونالد ريغان ان اي حرب نووية، لا يمكن لأحد ان يخوضــها، لأنه لا يمـكن لأحــد ان يربحهــــا.

"a nuclear war cannot be won and must never be fought"
فأين الولايات المتحدة اليوم، وهي تتربع على عرش القوة في العالم، من التعامل بعدالة ومساواة وتفهم لحاجات ومطالب الدول والجماعات في العالم ورغبتها في الحفاظ على عناصر قوتها وسيطرتها ومصالحها؟
التاريخ، قد يَدُلُّ على المستقبلْ!!