دراسات وأبحاث

الستراتيجيا القومية الأميركية
إعداد: الدكتور احمد علّو
عميد متقاعد

لمقاومة أخطار أسلحة الدمار الشامل

 

«إنّ أفدح الأخطار التي تواجهها أمتنا، يقع على تقاطع الطرق ما بين الأصولية والتكنولوجيا.
وأعداؤنا أعلنوا بوضوح أنهم يسعون بقوة للحصول على أسلحة الدمار الشامل، والوقائع تدل انهم يقومون بذلك بكل تصميم.
لذلك فالولايات المتحدة الاميركية لن تسمح لهذه الجهود بأن تنجح... والتاريخ سيحاسب بقسوة هؤلاء الذين رأوا هذا الخطر المقبل وفشلوا في وقفه، ففي هذا العصر الجديد الذي ندخله، لا نملك الاّ طريق الفعل والتصرف لأنه الطريق الوحيد نحو السلام والأمن».

«الرئيس جورج ف. بوش»
17 أيلول 2002

 

وجهة نظر الولايات المتحدة حيال خطر استعمال أسلحة الدمار الشامل

تعتبر الولايات المتحدة أن أسلحة الدمار الشامل (WMD) النووية والبيولوجية والكيماوية، في حوزة الدول المعادية والارهابيين، تمثل احدى أهم تحديات الأمن القومي الاميركي، وعليها أن تتابع استراتيجية شاملة لمقاومة هذا التهديد في جميع أبعاده، ذلك ان استراتيجيا فعالة لمحاربة هذه الأسلحة (سواء في استعمالها أو انتشارها) هي ركن أساسي في منظومة الأمن القومي الاميركي. وكما هي الحرب على الارهاب، فإن الستراتيجيا الاميركية لحماية الأرض الاميركية ومفهومها الجديد للردع، يختلف عن الماضي في محاربة أسلحة الدمار الشامل. ولضمان نجاح هذا المفهوم، ترى الولايات المتحدة الاميركية أن عليها:
1 - أن تستفيد من تطور الامكانيات المتاحة اليوم، بما فيها التكنولوجيا الحديثة.
2 - تطوير وسائل الاستعلام والتحليل.
3 - تقوية وتعزيز علاقات التحالف مع الدول وإقامة شراكة جديدة مع أخصامها السابقين.
إن أسلحة الدمار الشامل، كما ترى الولايات المتحدة يمكن أن تسمح لأخصامها بإحداث أذى شامل على صعيد الولايات المتحدة، وعلى قواتها على أرض الوطن وفي الخارج، وعلى أصدقائها وحلفائها.
إن بعض الدول، بما فيها تلك التي دعمت ولا تزال تدعم «الارهاب» (بالمفهوم الاميركي) والتي تمتلك أسلحة دمار شامل أو تسعى لامتلاك امكانيات اكبر كوسائل ضغط وتهديد، والتي لا تعتبر هذه الامكانيات بالنسبة لها كأسلحة الملاذ أو الخيار الأخير، ولكنها ترى فيها أسلحة يمكن استعمالها لاخضاع تفوق الدول الاميركية في مجال الأسلحة التقليدية ولردع الولايات المتحدة من الرد على الاعتداء على أصدقائها وحلفائها في مناطق ذات أهمية حيوية لمصالح اميركا. كما يمكن إضافة أن المجموعات الارهابية تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل بهدف قتل اكبر عدد ممكن من الناس في الولايات المتحدة والدول الصديقة والحليفة، بدون انذار، وبدون تأنيب ضمير.
كذلك ترى الولايات المتحدة في نظرتها لمحاربة مخاطر أسلحة الدمار الشامل، انها لن تسمح للأنظمة الاكثر خطراً في العالم وللارهابيين بتهديد أمنها بالأسلحة «الأشمل تدميراً»، لذلك ترى أن عليها أن تأخذ المبادرة لحماية أرض وشعب الولايات المتحدة، وحماية قواتها، وحماية أصدقائها وحلفائها من وجود وتطور التهديد المتمثل بأسلحة الدمار الاشمل (WMD) . كيف ذلك؟


أعمدة الستراتيجيا القومية الاميركية

يمكن إدراج الستراتيجيا القومية للولايات المتحدة لمحاربة أسلحة الدمار الشامل في ثلاثة محاور رئيسة:
أ - محاربة إنتشار أسلحة الدمار الشامل (Counterproliferation).
ب - تعزيز وتقوية عدم الانتشار (Strengthened Nonproliferation).
ج - إدارة وتدبير النتائج والعواقب الناتجة عن استخدام أسلحة الدمار الشامل: (Consequence Management to respond to WMD use).

 

محاربة إنتشار أسلحة الدمار الشامل أو استخدامها

أدركت الولايات المتحدة الاميركية من التجارب، أنها لن تنجح في تجنب واحتواء انتشار أسلحة الدمار الشامل الى دول معادية أو منظمات ارهابية لذلك، فعلى القوات المسلحة الاميركية والوكالات المدنية المتخصصة أن تمتلك الامكانيات العملانية اللازمة لمواجهة تهديد استخدام هذه الأسلحة سواء جاءت من دول أو منظمات عدوانية ضد الولايات المتحدة وقواتها العسكرية، أو أصدقائها وحلفائها، وذلك من خلال الوسائل الآتية:


1 - المنع (Interdiction):
يشكل المنع أو «الاعتراض الفعّال» قسماً مهماً في ستراتيجيا الولايات المتحدة لمحاربة أسلحة الدمار الشامل وتوزعها، ولذلك فهي ترى ان عليها تعزيز امكانيات قواتها المسلحة، وأجهزة مخابراتها، وتقنيات وقوانين مؤسساتها الوطنية لاعتراض ومنع حركة ومواد وتكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل وخبرائها من الوصول الى أيدي الدول «المعادية» لها وللمنظمات الارهابية.

 

2 - الردع (Deterrence):
تعتبر الولايات المتحدة الاميركية ان التهديدات التي تتعرض لها اليوم اكثر اختلافاً عن الماضي ولكنها مما يصعب التنبؤ به، فالدول المعادية (لها ولأصدقائها وحلفائها) أظهرت تصميمها الحثيث للوصول الى أهدافها بالحصول على أسلحة دمار شامل، وهي تتابع ذلك بشكل عدائي (كما ورد في النص) وكنتيجة لذلك فهي تحتاج الى طرق جديدة للردع، وتشكل سياسة معلنة وقوات مسلحة فعالة، عناصر أساسية قوية في موقفها الردعي المعاصر، وبالموازاة مع الاستخدام الاقصى للوسائل السياسية لاقناع الأخصام بعدم امتلاك أو استخدام أسلحة الدمار الشامل.
كذلك فالولايات المتحدة ستُظهر بما لا يدع مجالاً للشك، انها تحتفظ بحقها في الرد، وب«قوة ساحقة» واستخدام خياراتها كافة في حال الاعتداء عليها أو على أصدقائها وحلفائها.

 

3 - الدفاع وتخفيف النتائج (Defence and Mitigation):
تفترض الستراتيجيا الاميركية انه في حال فشل الردع، وبسبب النتائج المدمرة التي تكمن في استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد قواتها وشعبها، ان على هذه القوات والوكالات المتخصصة أن تمتلك الامكانيات الضرورية للدفاع ضد استخدام مثل هذه الأسلحة، وهذا يتطلب تدابير وقائية، وامكانيات تعطيل وتدمير مصادر وأصول ووسائل استخدام أسلحة الدمار الشامل العدوة وذلك قبل استخدامها أو انطلاقها.
كذلك فإن انجاز تدابير الدفع الفعّال، والسلبي، والتخفيف من وقع النتائج وتنفيذ تدابير معالجة وتهدئة وقع النتائج المترتبة على استخدام هذه الأسلحة، يجب أن تحظى بأولوية تسمح للقوات المسلحة الاميركية والهيئات المتخصصة المدنية باتمام مهماتها ومساعدة الحلفاء والأصدقاء عند الحاجة.
ان الدفاع الفعّال أو «الدفاع النشط» يمكن أن: يعطّل، يعيق أو يدمر أسلحة الدمار الشامل وهي في طريقها الى أهدافها، وهذا يشمل سلاح جو قوي وصواريخ ذات فعالية عالية للإعتراض.
أما «الدفاع السلبي» فيجب أن يتركز على مختلف أنواع أسلحة الدمار الشامل كلّ على حدة، والولايات المتحدة قامت منذ القديم بالاهتمام بوسائل الرد على التهديد البيولوجي والكيميائي على الرغم من الفوارق بينها، وهي تسعى دائماً لتأمين وتطوير وسائل دفاعها ضد الأسلحة البيولوجية.
ويمكن ايجاز هذه الفقرة وخلاصتها بأن الولايات المتحدة تسعى للرد على أي عدوان يقع عليها فوراً وبالوسائل المتاحة من خلال ردعه أولاً أو تعطيله قبل انطلاقه أو خلال ذلك، كما انها ترى وضع مخطط لما بعد النزاع وذلك بالقيام بعمليات لتدمير وتفكيك الامكانيات المتبقية من هذه الأسلحة لدى الخصم، دولة كان أو شبكة ارهابية، وهي ترى ان ردها يجب ألاّ يمحو مصدر خطر هذه الأسلحة فقط، بل يجب أن يتمتع بالقوة التي تردع الأعداء الآخرين الذين يملكون، أو هم في طريق الحصول على مثل هذه الأسلحة، عن التفكير بالقيام بعمل مماثل في المستقبل...

 

يتبع في العدد القادم