هو وهي

السعادة الزوجية: روابط وقرارات شجاعة
إعداد: ريما سليم ضوميط

ما إن تنتهي مراسم الزفاف، حتى ينهال على العروسين كمٌّ من الأدعية والتمنيّات التي تدور في فلكٍ واحد: الأولاد. «نفرحلكم من عريس، انشالله تزينوا بيتكم بالولاد، بالرفاه والبنين...» ولكن ماذا لو مرّت الأيام، فالسنون، من دون أن تتحقّق هذه الأمنيات؟ هل يمكن للزوجين ان يتخطّيا مشكلة عدم الإنجاب ومواصلة العيش بسعادة وهناء؟

 

الأولاد والروابط الأخرى
تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن حالات الطلاق ترتفع بنسبة أكبر بين الأزواج الذين لم ينجبوا أولادًا. فهل يعني ذلك أن الأولاد هم الرابط الوحيد الذي يجمع بين الزوجين ويحول دون تفكّك العائلة؟
مما لا شك فيه أن الأولاد يشكّلون عنصرًا أساسيًّا لاستمرارية الزواج، يؤكّد الخبراء في العلاقات الزوجيّة. فوجودهم يحفّز ذويهم على التريّث في اتخاذ القرارات التي تضرّ بمستقبل أولادهم، والطلاق واحد منها. لذلك نرى الزوجين-الوالدين يسعيان جاهدين لتجاوز خلافاتهما وتذليل الصعوبات التي تهدّد استقرار العائلة، فيقدّمان الكثير من التنازلات من أجل سعادة أولادهما.
من جهة أخرى، يؤكّد الخبراء أن تضحية الأهل من أجل الأولاد قد تكون في بعض الأحيان قرارًا خاطئًا لا يصب في مصلحة الزواج. فبقاء الزوجين في علاقة ميؤوس منها ومحكوم عليها بالفشل، خيار أسوأ من الطلاق، لأن وجود الأولاد في بيئةٍ غير مستقرّة، ووسط أجواءٍ مشحونة، أو ضمن عائلة مفكّكة، يؤثّر بصورة سلبيّة على نموّهم العاطفي والاجتماعي، وقد يسبّب لهم مشاكل نفسيّة واجتماعية مختلفة.


كذلك، يؤكّد الاختصاصيّون أنّ الأولاد ليسوا العامل الوحيد لاستمرار الزواج، فالعلاقة المبنيّة على الحب والاحترام، وعلى رغبة الطرفين في العيش معًا في السرّاء والضرّاء، تمدّ الزوجين بالقوّة اللازمة لتخطّي مختلف الأزمات التي تعصف بزواجهما، بما في ذلك مشكلة عدم الإنجاب. أمّا إذا كان الهدف الوحيد من الزواج إنجاب الأطفال، فمن الطبيعي عندئذٍ أن يحكم عليه بالفشل في حال لم تتحقّق الغاية المرسومة له. وفي حالة كهذه، قد يعتبر عدم وجود الأولاد نعمةً لا نقمة، لأنه يسهّل عمليّة إنهاء علاقةٍ لم تبن أصلًا على أسسٍ متينة، ولم تكن لتخدم مصلحة أيٍّ من الزوجين في المدى البعيد.

 

شجاعة اتخاذ القرار
مما لا شك فيه أن زواجًا من دون أولاد يخلّف شعورًا بالوحدة والقلق، لكن الخبراء ينصحون الزوجين بعدم الاستسلام لليأس والإحباط، وإنما النظر بإيجابيّة إلى حياتهما معًا، والعمل على تمتين الأسس التي يقوم عليها الزواج من حبٍّ واحترام ورعاية متبادلة، والسعي معًا لتحقيق حياةٍ سعيدة. ويشير الاختصاصيون في هذا الإطار إلى أن عدم الإنجاب ليس نهاية المطاف، فالزوجان قادران على الاستمتاع بالفرص المتاحة لهما كثنائي شرط أن يتحلّيا بالشجاعة الكافية للمضي قدمًا، وعدم الغرق بشعور الأسى والمرارة. فالزوجان غير المرتبطين بمسؤولية الأولاد قادران على القيام برحلات استجمام خارج البلاد، والّسهر مع الأصدقاء حتى ساعة متأخّرة من الليل، والاستفادة في المقابل من ساعات نومٍ طويلة. كما يمكنهما الانتساب إلى نادٍ رياضي، أو الانضمام إلى جمعيّات اجتماعيّة أو إنسانيّة ولعب دورٍ فاعلٍ فيها، نظرًا لقدرتهماعلى استثمار عامل الوقت الذي لا يخدّم الأمهات والآباء.
كذلك، يشجّع الخبراء الزوجين على تحقيق أهدافهما وطموحاتهما على الصعيد المهني، وهو أمر يعوّقه في كثير من الأوقات وجود الأولاد. فالبعض قد يرضى بوظيفة غير مقتنع بها ويتخلّى عن حلم خاص به من أجل تأمين مصدر عيشٍ ثابت لأولاده، أما في حال غياب الأولاد فقد يستطيع حينئذٍ الانطلاق إلى حيث تدفعه طموحاته وتحقيق نجاحٍ كبير، من دون أن يكبّله قسط المدرسة أو حاجات الأولاد اليوميّة.

في الإطار نفسه، ينصح الاختصاصيّون الزوجين بتعزيز علاقاتهما مع الأزواج الذين يعيشون حالة مماثلة، فهؤلاء يستطيعون تفهّم مشاعرهما، كما يمكنهم مجاراتهما في المشاريع الخاصة بالثنائي.
وينبّه الخبراء الزوجين إلى ضرورة عدم الإصغاء إلى النصائح المدمّرة التي يقدّمها البعض. فالأهل والأصحاب قد يحرّضون أحد الطرفين على التخلّي عن شريكه الذي يعاني عدم القدرة على الإنجاب، فيهدمون الزواج بحجّة إصلاحه.
وأخيرًا، يذكّر الاختصاصيّون الزوجين بإمكان التبنّي في حال أثبتت تجربتهما أنهما غير قادرين على مواصلة العيش بسعادة من دون أولاد.