تعاون وصداقة

السفير الفرنسي في لبنان: الوضع الصعب يدفعنا لدعم الجيش أكثر

قُبيل انتهاء مهمته في لبنان، تحدّث السفير الفرنسي السيد Bruno Foucher إلى «الجيش» عن استراتيجية بلاده لدعم الجيش اللبناني، مؤكدًا أنّ فرنسا متنبّهة أكثر من أي وقت مضى لاحتياجات المؤسسة العسكرية اللبنانية، ومشيرًا إلى وجود شراكة قوية فعّالة وذات رؤية مستقبلية بين الطرفين.

 

• سعادة السفير، منذ بدء ولايتكم في لبنان، كنتم على تواصل مستمر مع قيادة الجيش اللبناني. كيف تلخصون استراتيجية بلدكم لدعم الجيش؟
- يجب أن نشير أولًا إلى أنّنا نحافظ على علاقات ممتازة مع الجيش اللبناني وقائده العماد جوزاف عون وأركانه، منذ بدء مهمتنا كسفير فرنسا في لبنان. نجد دائمًا في الجيش اللبناني استماعًا حقيقيًا لجميع أسئلتنا، واهتمامًا شديدًا بالرسائل التي ننقلها من سلطاتنا. كما نشيد بالاستقبال الممتاز للجيش اللبناني لجميع مشاريع التعاون الدفاعي، التي قادتنا إلى تأسيس شراكة قوية وفعالة للغاية وذات رؤية مستقبلية.
إذا كان علينا أن نلخص استراتيجية فرنسا بشأن دعم الجيش اللبناني، فإنّ دعم الجيش يعني تعزيز أمن لبنان واستقرار البلد يتطلب هذا الدعم. إنّ الجيش، بتجنيده وصفته التمثيلية، يعزز الأمة اللبنانية، علمًا أنّه وضع الدفاع عن هذه الأمة في صميم عمله، بروحٍ قتالية وطاقة وتضحية استثنائية.
إذا كان لبنان رسالة، فإنّ الجيش اللبناني هو الرسول الذي يحمل هذه الرسالة. في هذا السياق، يشكّل التعاون الدفاعي أحد أركان العلاقات الثنائية اللبنانية - الفرنسية. وكمثال على هذه العلاقة، نشير إلى أنّ البحرية الفرنسية أرست منذ العام ٢٠١٥ ما يقارب ٣٥ سفينة بحرية رائدة في لبنان.
يهدف تعاوننا الدفاعي، في بعض قطاعات العمليات المحددة جدًا، والتي ثبتت خبرتنا فيها، إلى دعم الجيش اللبناني وتمكينه من مواجهة التحديات الأمنية للبلد مهما كانت. إنّ مكافحة الإرهاب أو مراقبة المياه الإقليمية وإدارتها، هي أحد الأمثلة المهمة في هذا المجال. يبقى دائمًا هدفنا الأساس، هو دعم شركائنا اللبنانيين في مسيرة الاستقلال. ونشدّد في هذا الإطار، على أنّها مهمة مثيرة بالنسبة لنا نظرًا لتميّز شركائنا اللبنانيين. بهذه الروح الطموحة، بدأنا في تطوير المدرسة الإقليمية لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية في لبنان ERDHL. وبهذه الروح الجريئة، قمنا بصقل مهارات طيارين في سلاح الجو اللبناني في مجال الهبوط في البحر، ويمكننا مضاعفة الأمثلة التي تظهر أنّ تعاوننا يقوم على علاقة ضرورية ومتوازنة ومفيدة للطرفين. في هذا السياق أيضًا، نولي أهمية كبرى ونستثمر الكثير من الموارد لتدريب الكوادر في الجيش اللبناني وتعليم اللغة الفرنسية في صفوفه. علاوة على ذلك، نعتمد على عمل أربعة معاونين عسكريين تقنيين فرنسيين يقدّمون المشورة للجيش اللبناني.
بالإضافة إلى ذلك، تَجسَّد تمسّكنا باستقرار البلاد وبالجيش اللبناني منذ العام ٢٠٠٦، من خلال وجود الوحدة الفرنسية ضمن قوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان. نحن ندعم الجيش اللبناني في مهمته الأساسية لإعادة فرض سيادة الدولة اللبنانية في هذه المنطقة.

 

• يواجه لبنان تحديات وصعوبات سياسية واقتصادية، ويعاني ظروفًا أخرى صعبة للغاية. كيف سيؤثر ذلك في دعمكم للجيش اللبناني؟
- إنّ الوضع الصعب في لبنان، يشجّعنا ويدفعنا أكثر إلى تقديم المزيد من الدعم للجيش اللبناني. فتكاثر مهمات المؤسسة (مكافحة الإرهاب، مراقبة الحدود، مكافحة الإتجار غير المشروع، ضمان حق المواطنين في التظاهر السلمي، وضمان حرية الحركة وحماية الأملاك العامة والخاصة وغيرها) الضرورية لاستقرار البلاد. إنّنا متنبّهون أكثر من أي وقتٍ مضى، إلى احتياجات المؤسسة ونسعى جاهدين للاستجابة، ضمن حدود إمكاناتنا، لطلباتها واحتياجاتها. نحن نقوم بذلك بالتنسيق مع شركاء لبنان الآخرين، الذين نتشارك معهم القناعة بأنّ الجيش اللبناني هو مصدر استقرار البلاد وأمنها.

 

... والملحق العسكري: دور البحرية يشمل الحفاظ على مصالح الجميع


إثر تسلّم الجيش اللبناني أربعة زوارق من السلطات الفرنسية، تحدّث الملحق العسكري الفرنسي في لبنان العقيد Fabrice Chapelle عن التعاون بين الجيشَين اللبناني والفرنسي، مؤكدًا أنّ فرنسا ولبنان يتشاركان القناعة بأنّ البحر فرصة فريدة للتنمية.


• تحدّث السفير الفرنسي في الكلمة التي ألقاها في مناسبة تسليم أربعة زوارق سريعة للجيش اللبناني، عن تبادل الخبرات بين القوات البحرية الفرنسية واللبنانية. ما هي الجوانب التي سيرتكز عليها هذا التبادل؟
- إنّ التعاون وتبادل الخبرات بين البحريتَين ليس جديدًا، في فرنسا كما في لبنان. فكما قال السفير، لقد أرست البحرية الفرنسية منذ العام ٢٠١٥ ما يقارب ٣٥ سفينة بحرية رائدة في لبنان، وشملت هذه المحطات تمارين مختلفة في مجالات: التطورات البحرية، زيارات المراقبة، الغطس، رمايات للشرطة في البحر، وما إلى ذلك. ومع مرور الوقت، ازدادت هذه التمارين تعقيدًا وحرفية، وباتت تركّز على التفاعل القوي بين مختلف الهيئات والوحدات المتخصصة التي تعمل في البحر أو من البحر. ومن الأمثلة على ذلك، تمرين Cèdre Bleu، الذي نُفّذ في حزيران ٢٠١٩، وتضمّن قيام عناصر من القوات البحرية والجوية في الجيش اللبناني، بإهباط وحدات برية لبنانية وفرنسية (حوالى ٥٠٠ عنصر) من حاملة طوافات فرنسية، ضمن مناورة إطلاق نار في اللقلوق، بإمرة ضابط لبناني.
في فرنسا، نرحّب بضباط قادة من القوات البحرية اللبنانية في تدريبات متقدمة متخصصة بالعمليات البحرية، وخصوصًا في الأكاديمية البحرية. وأودّ أن أشير إلى أنّ هذه الدورات التدريبية تشكّل كذلك فرصة لتعزيز مهارات اللغة الفرنسية لدى الضباط اللبنانيين. وهنا نشيد بالنتائج الاستثنائية للضباط اللبنانيين الشباب، الذين يتميّزون علـى الدوام، حتى بالمقارنة مع رفاقهم الفرنسيين.
جدير بالذكر أنّ تعاوننا العسكري لا يقتصر على المجال البحري فحسب، بل يتم في جميع المجالات، ولا سيما الأكثر تعقيدًا والأكثر تقنية. ففي فرنسا، نقوم بتدريب أكثر من خمسين ضابطًا لبنانيًا سنويًا، وخصوصًا في مدرسة الحرب الفرنسية، وهي مدرسة متخصصة لكبار الضباط الذين يدربون القادة المستقبليين في جيشنا. وفي لبنان، ندعم الجيش بأكثر من مئة مدرب سنويًا، وجميعهم قادمون من وحدات منتشرة في العمليات الخارجية الفرنسية. نود أن نواصل هذا الجهد لمصلحة جيشَينا.

 

• مع استمرار برنامج الدعم الفرنسي للجيش اللبناني، ما هي القدرات التي سيتم تعزيزها بشكلٍ خاص من خلال هذا البرنامج في الفترة المقبلة؟
- في ما يتعلق بالبحرية، يتفق لبنان وفرنسا ويتشاركان القناعة بأنّ البحر فرصة فريدة للتنمية، وبأنّ دور الدولة هو تهيئة الظروف التي تسمح باستغلال هذه المساحات والحفاظ عليها ضمن الحدود التي ينص عليها القانون. في هذا الإطار، في فرنسا، كما هو الحال في لبنان، لا يقتصر دور البحرية العسكرية على ضمان الأمن المادي للملاحين والسفن فحسب، بل يشمل أيضًا ضمان الحفاظ على مصالح الجميع، بما في ذلك الدولة مع ما يعنيه هذا الأمر من تنسيق وتسهيل لعمل مختلف الوكالات الحكومية المختصة. على سبيل المثال، أتاحت الحملة الهيدروغرافية الفرنسية - اللبنانية الأخيرة، التي نُظِّمَت في آذار الماضي في لبنان، تحديث البيانات التي ستكون ضرورية في مجال دراسات البيئة البحرية اللبنانية أو سلامة الملاحة التجارية. وفي هذا المجال، سيتم تدريب ضابط لبناني متخصّص برسم الخرائط، في فرنسا، في المدرسة الوحيدة المعترف بها من قبل السلطات الهيدروغرافية الدولية في أوروبا القارية.
في المجال البري، سنواصل تطوير المدرسة الإقليمية لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية في لبنان ERDHL، في حمانا. هذه المدرسة اللبنانية التي تمّ تأسيسها بالتعاون بين بلدَينا، أصبحت في أقل من ثلاث سنوات مرجعًا إقليميًا في هذا المجال، خصوصًا للمنظمات غير الحكومية التي تدرب كوادرها لديها. علينا أن نعزز استقلالية هذه المدرسة ونضعها على قدم المساواة مع نظيراتها الفرنسية.
بالإضافة إلى هذه المشاريع، سنواصل نقل خبرتنا في القتال في المناطق الآهلة أو الجبلية، في مجال القتال ضد المركبات المدرعة أو الدعم الأرضي الجوي. وسندعم الجيش اللبناني أيضًا في دمج الهبات الأخيرة التي قدّمتها له القوات المسلّحة الفرنسية. هذه التبرعات، التي بلغت ٥٧،٥ مليون يورو منذ العام ٢٠١٧، تشمل العديد من المجالات التي زوّدت الجيش اللبناني خبرات حصرية، أبرزها: التدمير بصواريخ بعيدة المدى، كشف المتفجرات، وما إلى ذلك.

 

• بالإضافة إلى العلاقات التاريخية بين لبنان وفرنسا، ما هي الأسباب التي تشجعكم على تعزيز التعاون مع الجيش اللبناني؟
- بالإضافة إلى الروابط العاطفية المتمثلة بالصداقة العميقة التي توحد شعبينا، والدوافع السياسية الخارجية التي تربط أمن فرنسا بأمن لبنان، يشكّل هذا التعاون رفيع المستوى فرصة تدريب مشترك رائعة. يواصل الجنود الفرنسيون تدريباتهم من خلال التعاون مع الجيش اللبناني، سواء في أثناء محطات البحرية الفرنسية في لبنان، ولا سيما خلال التدريبات الدفاعية ضد الطائرات التي قامت بها القوات الجوية اللبنانية لمصلحة البحرية الفرنسية، أو خلال الرحلات الجوية الجبلية التي يقوم بها مدربون لبنانيون لمصلحة الطوافات الفرنسية. بالإضافة إلى ذلك، تتم هذه التدريبات المشتركة باللغة الفرنسية، ما يسهل التفاهم بين الجنود الفرنسيين واللبنانيين.
كلانا يحب التحديات والنجاح من أجل خير بلدَينا... هذا هو المحرك الحقيقي لهذا التعاون الاستثنائي!