دراسات وأبحاث

السلاح النووي|
إعداد: الدكتور احمد علّو
عميد متقاعد

بين عدم الانتشار وسياسة الاحتكار


كانت الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأولى في العالم التي امتلكت السلاح النووي، واستعملته في حربها ضد اليابان العام 1945، وقد بذلت جهوداً كبيرة لاحتكاره، والحؤول دون انتشاره، كما حثت دولاً أخرى للإفادة من الطاقة النووية في الأمور السلمية ومجالات التنمية، وقدمت مشروعاً بذلك للأمم المتحدة عُرف بمشروع «برنارد باروخ».
استطاع الاتحاد السوفياتي امتلاك هذا السلاح العام 1949 وبريطانيا العام 1952، وبدعم من الولايات المتحدة. طوّر الاتحاد السوفياتي خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي تقنية الصاروخ، واستطاع العام 1957 إرسال أول قمر صناعي الى الفضاء الخارجي، وبذلك أصبح هذا الصاروخ قادراً على حمل رؤوس نووية، ما شكل تهديداً للأراضي الأميركية، التي لم تعد بمنأى عن أي هجوم سوفياتي محتمل. لحقت فرنسا بركب الدول النووية في شباط العام 1960، ولحقتها الصين الشعبية العام 1964، وبذلك اكتمل النادي النووي المؤلف من الدول الخمس الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وصاحبة حق النقض (Veto) في مجلس الأمن الدولي، وقد حاولت الهند اللحاق بهذا الركب ايضاً، وأجرت أول تجربة نووية العام 1974، ولكنها أبقيت خارج النادي الدولي النووي، غير أنها حرّضت شقيقتها اللدود الباكستان على العمل للحصول هي أيضاً على سلاحها النووي لإقامة التوازن الأمني مع الهند، لا سيما أن الحرب كانت ما تزال مستمرة بينهما في ذلك الوقت، وقد تم لها ذلك العام 1998.


الإنتشار النووي
أدى إنتشار الأسلحة النووية الى تسعير حمى سباق التسلح، وشكّل مضامين خطيرة على جوهر السلام، خصوصاً مع إمكان وقوع قنبلة نووية بأيدي مجموعة عدوانية أو إرهابية، وبدعوى الحد من تزايد السعي للحصول على الأسلحة النووية، فقد تـمّ التوقيـع على معاهدة للحد من انتشار الأسلحة النووية ومنعه (NPT= NON - Proliferation Treaty)، وذلك في الأول من تموز العام 1968، والتي دخلت حيّز التنفيذ في 5 آذار 1970. وقد أوجدت هذه المعاهدة منظومة من التدابير للمراقبة والحماية. فالوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA - International Atomic Energy Agency) تضطلع بمسؤولية التحقق من أن المواقع النووية التي تراقبها لا تستعمل لأغراض عسكرية، وذلك من خلال تقرير الحكومات المعنية والموقعة على المعاهدة، كذلك من خلال التفتيش العملي في المواقع النووية المحددة. وقد التزمت دول المعاهدة تسهيل عمل الوكالة للوصول الى أي مركز أو منشأة نووية، أو ذات صلة، للكشف عليه، والتأكد من حسن تطبيق التدابير الضرورية للحماية.
جاءت معاهدة عدم الانتشار نتيجة عشر سنوات من المفاوضات في نطاق الأمم المتحدة، وقد تضمنت هذه المعاهدة تعهداً من الدول النووية الأطراف فيها، بالامتناع عن نقل الأسلحة النووية، أو غيرها من المواد النووية الى أي طرف آخر، أو مساعدته لإنتاجها، أو الحصول عليها، كذلك تمتنع الدول غير النووية عن الحصول على مساعدات تمكنها من ذلك، ولكن المعاهدة لم تعارض إستخدام الذرّة لأغراض التنمية السلمية وإنتاج الطاقة.
لم يتجاوز عدد الدول الأعضاء التي تمتلك السلاح النووي رسمياً الخمسة، طوال الفترة ما بين 1968 و1991، مع الإشارة الى تجربة الهند العام 1974، وجنوب أفريقيا وإسرائيل، كما أن بعض الدول تخلى عن برامجه النووية كالأرجنتين والبرازيل، وجنوب أفريقيا في ما بعد، قبيل تسليم السلطة للمواطنين الأفارقة الأصليين فيها العام 1993، وذلك نتيجة الأكلاف الباهظة لهذه البرامج التي أرهقـت ميزانيـات هذه الدول أو بتأثير الضغط الذي مارسته الدول الكبرى النووية عليها، لاعتبارات أمنية، أو سياسية، خصوصـاً الولايات المتحـدة الأميركيـة.

 

أميركا اللاتينية والمحيط الهادئ
العام 1967 وقعت أربع عشرة دولة أميركية لاتينية معاهدة «تلاتلولكو» (Tlatelolco) في مكسيكو عاصمة المكسيك، تحرم الأسلحة النووية في أميركا اللاتينية، ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 25 كانون الثاني العام 1969، وبحلول العام 1980 انضم الى المعاهدة ثماني دول اخرى، وقد فرضت المعاهدة على الدول المتعاقدة أن تمنع وتتجنب استقبال أو تخزين أو إنشاء، أو نشر أو امتلاك أي سلاح نووي مباشرة أو غير مباشرة، وهذا ما منع تجارة أو مرور هذه الأسلحة من خلال المنطقة، ما اضطر الولايات المتحدة وزميلاتها الأربع النووية، الى توقيع بروتوكول إضافي لمعاهدة «تلاتلولكو» تعهدت فيه هذه الدول باحترام الدول غير النووية. والعام 1985 وقّع 11 عضواً من مجموعة دول جنوب المحيط الهادئ معاهدة «راروتونغا» (Rarotonga) (وهي إحدى جزر كوك في المحيط الهادئ). وقد أوجدت هذه المعاهدة منطقة خالية من الأسلحة النووية، ودخلت حيز التنفيذ في 11 كانون الأول العام 1986.


 
الشرق الأوسط
تعتبر إسرائيل رسمياً الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط حالياً، فقد قطع برنامجها النووي مراحل متقدمة وانتج عشرات الرؤوس النووية وربما المئات، وتعتمد إسرائيل سياسة «الغموض الإيجابي» حول ملكيتها السلاح النووي، وعدده، وهي لم تنضم الى معاهدة عدم الانتشار حتى اليوم، على الرغم من ضغوطات المجموعة العربية، والأمم المتحدة، حتى أن مشاريع جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل باءت بالفشل، وذلك لرفض إسرائيل إخضاع مفاعلاتها النووية لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أن الولايات المتحدة لا تبذل جهداً للضغط عليها لقبول ذلك، بينما قامت اسرائيل بضرب مفاعل «أوزيراك» في العراق العام 1981، ثم قامت الولايات المتحدة بضرب العراق واحتلاله وإسقاط نظامه تحت شعار إخفائه أسلحة دمار شامل، أو عدم السماح بالتفتيش عليها، العام 2003.
وإذا اعتبرنا أن إيران تنتمي الى دول الشرق الأوسط فإنها تقوم اليوم بتطوير برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم، ما استدعى ردة فعل دولية وإقليمية كبرى أوصلت الملف النووي الى مجلس الأمن الدولي، وفرض عقوبات إقتصادية عليها، كما أن الولايات المتحدة تهدد بضرب مفاعلاتها النووية ومراكز البحوث التابعة لها، وعلى الرغم من أن إيران سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش على مراكزها النووية، وأعلنت أنها تقوم بتطوير برنامجها لأهداف سلمية، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الإتحاد الأوروبي، لم تقتنع بذلك واعتبرت أن إيران تقوم بتطوير برنامجها النووي لأهداف عسكرية وإنتاج الأسلحة النووية، ولم تفلح المفاوضات حتى الآن في حل هذه المشكلة التي تعكس ازدواجية المعايير في النظر الى بعض الدول، من منظور الدول الكبرى وخصوصاً الولايات المتحدة، والتي قد تؤدي الى صراع دموي خطير يطال المنطقة والعالم ويهدد السلام العالمي.

 

الشرق الأقصى
أعلنت اليابان في آب 1993 أنها تدرس إمكان إنتاج أسلحة نووية بسبب خوفها من نشوء قوة نووية كورية موحدة مستقبلاً تهدد مصالحها في آسيا، بالاضافة الى خوفها من قدرات الصين الملفتة والصاعدة.
أصبحت الهند وباكستان دولتين نوويتين بعد إجراء تجاربهما النووية رسمياً في أيار 1998، ورفضتا التوقيع على معاهدة عدم الانتشار في غياب نص يفرض نزعاً شاملاً للسلاح النووي.
تعتبر كوريا الشمالية دولة نووية، وتعتبر دولة «مارقة» بعرف الولايات المتحدة كونها لا تلتزم معاهدة عدم الانتشار وتنتهك مضمونها، وينظر اليها من قبل الغرب كإحدى دول «محور الشر»، في دعمها لدول وجماعات تعارض سياسات الولايات المتحدة في العالم اليوم، وقد جرت محاولات متعددة معها لاستبدال برنامجها النووي بمساعدات مالية وتزويدها الطاقة التي تحتاج اليها.

 

المناطق الخالية من الأسلحة النووية
يرتبط عدم نشر نوع من الأسلحة النووية في مكان معين بمفهوم «نزع السلاح» أو «التجريد العسكري» (Demilitarization)، والتجريد الكامل ينتج عن التحريم التام لنشر أي سلاح نووي في إقليم ما، وهكذا وجدت مناطق خالية من السلاح في جزر آلاند في بحر البلطيق، والانتاركتيكا، وأرخبيل سبيتزبرجن قرب النروج.
وحتى اليوم فقد أعلن الفضاء الخارجي منطقة خالية من السلاح النووي كما نصت معاهدة 1967 حول المبادئ التي تحكم نشاطات الدول في اكتشاف الفضاء الخارجي واستخدامه ومن ضمنها القمر، وغيره من الأجرام السماوية، والتي دخلت حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول العام 1967 وقد تضمنت فقرة تمنع نشر أي سلاح دمار شامل هناك، كما أن معاهدة 1971 حول منع تركيز أسلحة الدمار الشامل في قاع البحار وقعر المحيط، وفي باطن الأرض، دخلت حيز التنفيذ في 18 أيار 1972.
كذلك فقد نوقش موضوع اعتبار أفريقيا منطقة لا نووية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأعلن بالقرار 1652 في 24 تشرين الثاني العام 1961، كما وضعت مسودات مشاريع عديدة لخلق مناطق خالية من الأسلحة النووية في أماكن مختلفة من العالم كشمال أوروبا ووسطها، البلقان، البلطيق، البحر المتوسط، المحيط الهادئ والشرق الأوسط.

 

سياسة الانتشار أو الاحتكار
أثبتت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي السابق خلال النصف الثاني من القرن العشرين أن السلاح النووي يشكل رادعاً معقولاً لكلا الطرفين عن الانخراط في حرب نووية، وسقفاً لا يمكن تجاوزه في صراعاتهما حول العالم دفاعاً عن مصالحهما، ذلك أنه وكما قال الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن «إن حرباً نووية لا يمكن ربحها، ويجب عدم خوضها». كذلك فقد خيضت كل الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، بأسلحة تقليدية، وتحول السلاح النووي الى اصطلاح سياسي يؤثر في صياغة العلاقات الدولية، وإضفاء قوة معنوية رادعة للدول التي تمتلكه، يعزز مكانتها الإقليمية والدولية، ويحمي مصالحها وأهدافها الجيوستراتيجية. من هنا سعت الدول الكبرى التي ربحت الحرب العالمية الثانية (دول النادي النووي الخمس)، الى منع انتشار هذا السلاح من خلال معاهدة عدم الانتشار (NPT)، ومن خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) وذلك عبر تدابير الوقاية والحماية ومراقبة البرامج النووية للدول التي تسعى الى استخدام الطاقة النووية لأهداف سلمية، وبشكل صارم.
إلا أن بعض الدول خرق معاهدة عدم الانتشار، وتمكن من حيازة أسلحة نووية، كالهند والباكستان وكوريا الشمالية، وإسرائيل، وخضعت ردة الفعل الدولية على ذلك لاعتبارات سياسية تتعلق بمصالح الدول الكبرى، فغضّت الطرف عن بعضها، ووقفت بوجه بعضها الآخر، ما أكد وجهة النظر المزدوجة للدول الكبرى ومجلس الأمن حيال هذه القضايا، وبالتالي أظهر عدم موضوعية تطبيق المعاهدة بمنع الانتشار، وهذا ما حفّز إيران على تطوير برنامجها النووي لأهداف سلمية كما تقول، إلا أن سياسة الولايات المتحدة واستراتيجيتها حيال الانتشار النووي في العالم بشكل عام، والشرق الأوسط بشكل خاص تقوم على ردة الفعل تجاه النوايا عند بعض الدول، خصوصاً تلك التي تعارض سياستها العالمية واستراتيجيتها للحفاظ على أمنها القومي. وإيران اليوم تعتبر «عدوة» لمصالح الولايات المتحدة، وإيران نووية ستهدد مصالح الأمن الإستراتيجي  المتمثل في الشرق الأوسط. بما يعنيه هذا الإصطلاح، ويحتويه من موارد الطاقة، ووجود إسرائيل، كحليف إستراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه، كذلك وجود دول صديقة وحليفة على طول الخليج العربي وعرضه، وصولاً الى بحر قزوين ودول آسيا الوسطى وأفغانستان، والعراق حيث الوجود الأميركي العملي، المتمثل بقواتها البرية، وقواعدها في تركيا والمحيط الهندي وباكستان والجزيرة العربية وغيرها.
إن سعي الولايات المتحدة اليوم لإجبار إيران على وقف برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم ومنعها من حيازة سلاح نووي، من خلال دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، أو مجلس الأمن والتهديد باستخدام القوة أو العقوبات ضدها في حال عدم إذعانها «للإرادة الدولية»، أدى الى ردة فعل إيرانية تهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة كلها، ومن ثم ضرب مصالحها عبر العالم، ما يؤشر الى أن استخدام القوة العسكرية ضد إيران سيؤدي حتماً الى تهديد السلام في منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وربما في مختلف أنحاء العالم، حيث تنتشر مصالح للولايات المتحدة، بأشكالها المختلفة.