السلاح النووي بعد الحرب الباردة: نحو المزيد من الإنتشار و"العولمة"

السلاح النووي بعد الحرب الباردة: نحو المزيد من الإنتشار و"العولمة"
إعداد: د. غسان العزّي
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية

التفجيرات النووية الهندية في 11 و13 أيار 1998 والباكستانية التي تلتها في 28 من الشهر نفسه، أعادت إلى الأذهان هواجس الحرب النووية بعد أن خُيِّل للجميع أن الملف النووي تم إقفاله نهائياً بفعل انتهاء الحرب الباردة وسيطرة الولايات المتحدة على "نظام دولي جديد" تريده خالياً من أسلحة الدمار الشامل.

لقد عاد هذا الملف لينفتح على مصراعيه مع ما يتضمنه من تساؤلات حول صيرورة النظام الدولي ونظرية الردع النووي والقدرة على منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في النصفين الشمالي والجنوبي من المعمورة، وانعكاس كل ذلك على مستقبل منطقة الشرق الأوسط التي تستأثر فيها إسرائيل، وبمفردها، بالسلاح النووي.

 

I- السلاح النووي في الحرب الباردة

1- تشكّل "النادي النووي"

من المفارقات التي حوّلت مجرى التاريخ المعاصر أن ألمانيا النازية التي كانت متفوقـة في المجال النووي، أواخر الثلاثينات، قررت إهماله مؤقتاً لتصب الاهتمام على تطوير الصواريخ من نوع V1 وV2. وكان الأميركيون قد بدأوا بالعمل سرًّا، منذ العام 1942، على تطويـر السلاح النووي مستفيدين من خبرة العلماء الأوروبيين الناجين من النازية والذين لجأوا إلى الولايات المتحدة مع أسرار تقنية وخبرات علمية ومعلومات تفيد بأن ألمـانيا الهتلرية تعمل بجد ونشاط على تطوير هذا النوع من السلاح الذي لن تتردد في استخدامه حالما يصبح جاهزاّ(1 [1]).

وشاءت سخرية القدر أن لا تصبح القنبلة النووية الأميركية جاهزة إلا في 16 تموز 1945 (تاريخ الاختبار النووي الأول) أي بعد استسلام ألمانيا بثلاثة أشهر. وفي السادس من آب من السنة نفسها قامت واشنطن بإلقاء قنبلتها النووية الأولى على هيروشيما وفي التاسع من الشهر نفسه ألقت قنبلتها الثانية على ناكازاكي.

وينقسم المؤرخون حول تحليل أسباب هذا الفعل الأميركي  المريع في وقت كانت تتساقط فيه دول المحور الواحدة تلو الأخرى. فمنهم من يقول أن الرئيس ترومان سعى أن وراء هاتين القنبلتين، إلى فرض تفوّق الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي الذي كان يقوده ستالين آنذاك معلناً بداية الحرب الباردة بعد أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها. ومنهم من يظن بأن الحقيقة التاريخية أكثر واقعية من ذلك: استعجال الاستسلام الياباني عبر عمل مخيف يزرع الرعب في قلوب الشعب الياباني وقادته فيقضي على معنوياتهم قضاءً نهائياً مبرماً، الأمر الذي يجنّب الجيش الأميركي أعباء القيام باجتياح عسكري مكلف جداً للأرخبيل الياباني خصوصاً بعدما خسر هذا الجيش مليـون جندي (290 ألف قتيل و630 ألف جريح) في الحرب العالمية الثانية حتى تموز 1945([2]).

وقتها لم تكن السلطات الأميركية السياسية والعسكرية، المكلفة قيادة "برنامج مانهاتن" لصنـع القنبلة الذرية، قد أدركت فعلاً حجم الانقلاب السياسي-الستراتيجي الذي سيحدثه مجيء مثل هذه القنبلة. وكان عدد من العلماء الذين شاركوا في هذا البرنامج قد اقترحوا، لأسباب إنسانية، عدم استخدام القنبلة لقصف مدن العدو قبل تقديم نموذج برهاني عن قدراتها عبر تفجير تجريبي "دعائي" في إحدى جزر المحيط الهادئ. ولكن، بالنسـبة للجميع، بدت القنبلة النووية، قبل كل شيء، سلاحاً فتّاكاً جديداً ينضم إلى لائحة الأسلحة المستخدمة في ستراتيجيا القصف الشامل الكثيف للمدن، والذي أصبح عملية رائجة، متداولة في أوساط قيادات الأركان المتحاربة في المرحلة الأخيرة من الحرب الكونية الثانية([3]).

وهكذا تصبح المقارنة ممكنة بين المئة ألف قتيل ياباني، بفعل قنبلتي هيروشيما وناكازاكي، والمئة ألف ياباني الذين قتلهم القصف التقليدي في طوكيو في 19 آذار 1945 مثلاً حين دمّرت القنابل الحارقة التي رمتها 334 قاذفة قنابل من نوع "ب 29" أربعين كيلومتراً مربعاً من العاصمة اليابانية. وكان الرئيس ترومان، كما يقول المؤرخون، قد خطط انطلاقاً من 24 تموز 1945 لإلقاء قنبلتين نوويتين على اليابان بدءًا من آب من العام نفسه وثلاثة قنابل في أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني ثم سبع قنابل (!!!) في كانون الأول من العام نفسه([4]).

بعد أربع سنوات على ذلك نجح الاتحاد السوفياتي في تنفيذ انفجاره التجريبي النووي الأول. وكان ستالين، الذي استفاد أيضاً من خبرة العلماء الهاربين من النازية، قد أعطى الأوامر بالإسراع في صنع القنبلة النووية تحقيقاً لتوازن ستراتيجي مع الولايات المتحدة غداة مباحثات يالطة التي سينقسم إثرها العالم إلى معسكرين إيديولوجيين متنافسين.

أما في أوروبا المنهمكة في عملية إعادة الإعمار بمساعدة مشروع مارشال الأميركي، الذي أعلن عنه في منتصف العام 1947، فقد دار جدل واسع بين أصحاب الرأي القائل بضرورة حيازة سلاح نووي خاص بأوروبا وأولئك المكتفين بالاعتماد على المظلة النووية الأميركية لحمايتهم من هجوم سوفياتي محتمل.

بريطانيا التي كانت تمتلك القدرة على إنتاج القنبلة النووية لم تنتظر أن يحسم هذا الجدل أمره، فأجرت انفجارها التجريبي الأول في الثالث من آب 1952. أما في فرنسا فلم ينتصـر أصحاب مبدأ "الاستقلال النووي" إلا بعد حرب السويس 1956 والملابسات التي رافقتها والتي بيّنت للفرنسيين أنه لم تكن ثمة ثقة في أمر استخدام حماية واشنطن النووية لحلفائها في حلف الأطلسي حين تتعرّض مصالحهم القومية الستراتيجية للخطر. وبدأت حكومة غي موليه برنامجاً مستقلا ًللتسلح النووي خلع عليه وصول ديغول إلى السلطة عام 1958 اهتماماً أكبر. وفي 13 شباط 1960 دخلت فرنسا في "النادي النووي" بإجرائها الاختبار التجريبي الأول([5]).

في الصين أعلن ماوتسي تونغ رفضه لمبدأ احتكار السلاح النووي في نطاق الكتلتين الغربية والسوفياتية معتبراً أن هذا الاحتكار يخدم في المقام الأول المصالح الأميركية للقوتين العظيمتين ويبقي على تسلطهما في السياسة الدولية. وامتلاك الصين للأسلحة النووية كان، في رأيه، يعزّز من مقدرتها السياسية والستراتيجية العامة على مجابهة الاتحاد السوفياتي الذي تفاقم نزاعه معها وكذلك ضد الولايات المتحدة التي اعتبرتها الصين القوة الأمبريالية الأولى في العالم ومن ناحية ثانية يدعم من مركز الصين في القارة الآسيوية ويعينها على تنفيذ ستراتيجيتها الثورية الديناميكية في هذه البقعة الحساسة بالنسبة لصراعات القوى العالمية([6]). وهكذا بوجود الإرادة السياسية والبنية العلمية الضرورية تمكّنت بكين من القيام بتفجيرها التجريبي الأول في آب 1954. وقد ساهم تملكها للسلاح النووي في ارتقائها التدريجي إلى حظيرة كبار العالم واحتلالها لمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي بديلاً عن "الصين الوطنية" التي كانت تحتله بدعم من الدول الغربية الكبرى.

وهكذا تشكّل "النادي النووي" من الخمسة الكبار الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والذي راحـوا يعملون على تطوير ترسانتهم وزيادة مفاعيلها التدميرية التي وصلت إلى حد القدرة على إفناء الكرة الأرضية بكاملها عشرات المرات. وإضافة إلى دول هذا النادي هناك ما سمي ببلدان "العتبة" seuil النووية: الهند التي قامت بتفجير تجريبي نووي في 18 أيار 1974 وأفريقيا الجنوبية التي فعلت الشيء نفسه في السنة ذاتها، وباكستان التي لم تخف عزمها على إنتاج القنبلة النووية، وإسرائيل التي حصلت على قدرات نووية فضلت إبقائها في الكتمان وإحاطتها بجدار سميك من الغموض والتعتيم.

وبقي النادي النووي حكراً على الخمسة الكبار طيلة الحرب الباردة التي حكمها ما يسمى في علم السياسة المعاصر بـ"نظرية الردع" وسط اخفاق دولي في الحد من أسلحة الدمار الشامل رغم كل اتفاقات ومعاهدات نزع التسلح والرقابة على هذه الأسلحة.

 

2- الانتشار النووي ومنعه أو الحد منه

في تشرين الأول 1962 اندلعت أزمة الصواريخ الكوبية التي كان لها الفضل في حثّ الكبار على التفكير في السيطرة على المارد النووي الذي يمكن أن يفلت من القمقم في أية لحظة. ومنذ تموز 1963 (معاهدة موسكو التي تحظر التجارب النووية في الفضاء وفي أعماق البحار) حتى حزيران 1979 (اتفاقية سالت 2 حول تحديد الأسلحة الستراتيجية) ثم التوقيع على العديد من اتفاقات الحد من انتشار الأسلحة النووية والستراتيجية([7]) التي بقيت دون النتيجة المرجوة بسبب الصراع بين المعسكرين الكبيرين. وكسسان يجب انتظار مجيء غورباتشيف على رأس الكرملين ولقائه الأول مع الرئيس الأميركي ريغان في تشرين الثاني 1985 في جنيف والأصداء العالمية المفزعة التي أحدثها حادث تشيرنوبيل في نيسان 1986([8])حتى يتجه العالم نحو تفكير أكثر جدية بنزع السلاح النووي ولو تدريجياً. وهكذا تم توقيع الاتفاق الأول بهذا الصدد بين موسكو وواشنطن في كانون الأول 1987 في جنيف([9])، الذي لحقته اتفاقات أخرى كان أهمها ذلك الموقّع في تموز 1991 بين غورباتشيف وجورج بوش (ستارت 1) الذي يفرض تخفيض الترسانات الستراتيجية الأميركية والسوفياتية بنسبة تتراوح بين 25 و30 في المئة. وبعد خمسة أشهر على ذلك تم الاتفاق على تدمير الأسلحة النووية المتعددة الرؤوس وقريبة المدى في فترة تنتهي في العام 2003. لكن هذه الجهود المبذولة خلال الحرب الباردة وبعدها ستبقى محدودة النتائج في عالم يؤمن الجميع فيه بأن القوة تستطيع كل شيء والعدالة لا شيء.

لقد سيطرت على العالم غداة الحرب العالمية الثانية، وما تزال، مصطلحات مثل الانتشار النووي والردع النووي أو توازن الرعب ودخلت هذه المفردات وغيرها في صلب المفاهيم الأساسية للعلاقات الدولية. ويقصد بالانتشار النووي Nuclear proliferation - Prolifération nucléaire الاتساع المستمر في أعداد الدول الحائزة على الخبرات والمهارات والوسائل والإمكانات التي تساعدها على إنتاج طاقة نووية Nuclear energy - Enérgie nucléaire سواء للتطبيقات السلمية أو للأغراض العسكرية أو لكليهما معاً([10]). والمشكلة الخاصة بالحد من الانتشار النووي من خلال ضوابط وترتيبات دولية فعّالة كانت شاغلاً رئيسياً للأمم المتحدة منذ الستينات.لكن ثمة عراقيل فنية وسياسية ما تزال تحول دون التوصل إلى نتائج عملية مرضية في هذا المضمار. وترتبط أولى هذه المشاكل بالكيفية التي تتوزع بها القدرات النووية على المستوى الدولي مما يؤدي إلى تشتيت جهود الحظر والتقييد والانتقاص من فاعلية الرقابة الدولية على النشاطات النووية التي تجري وراء حدود هذا العدد الكبير من الدول. فخارج نطاق الكتلة الشيوعية (السابقة) كان ثمانون في المئة من احتياطات اليورانيوم العالمية موجود في حوذة ثلاثة دول هي الولايات المتحدة وكندا وجنوب أفريقيا. أما فرنسا فتوفرت لديها كميات من اليورانيوم كافية لتلبية حاجات برنامجها النووي العسكري وليس المدني. إضافة لذلك هناك السويد وأوستراليا والأرجنتين وبعض الدول الأفريقية المتمتعة بإمكانات نووية هامة. وهناك ألمانيا التي تعتبر أهم مصدر أوروبي لإنتاج اليورانيوم تليها تشيكوسلوفاكيا. وفي ما يتلق بالتكنولوجيا اللازمة لإنتاج البلوتونيوم، وهو عنصر أساسي في إنتاج الأسلحة النووية، يوجد أكثر من 500 مفاعل نووي موزّعة في العالم وإلى جانبها مفاعلات ضخمة تفوق طاقتها 100ميغاوات وتمتلكها الدول النووية الخمس الكبرى بالإضافة إلى دول غير نووية مثل بلجيكا وكندا وتشيكوسلوفاكيا (السابقة) وألمانية والهند وإيطاليا واليابان وهولندا وإسرائيل والباكستان وإسبانيا والسويد وسويسرا والبرازيل . . .إلخ.

أما التجهيزات المعملية المستخدمة في إنتاج الوقود النووي وفي عمليات الفصل الكيميائي فهي أقل انتشاراً من المفاعلات النووية وتكاد تنحصر في الدول النووية. لكن هناك دول تمتلك معمل للفصل الكيميائي القادر على تصنيع الوقود النووي المشع، مثل بلجيكا والهند وألمانيا واليابان والسويد وجنوب أفريقيا، وأينما وجدت تسهيلات الفصل الكيميائي يصبح من السهل إنتاج البلوتونيوم اللازم لتصنيع الأسلحة النووية([11])، الأمر الذي يزيد من احتمال ارتفاع عدد الدول الممتلكة للأسلحة النووية في المستقبل المنظور.

هناك صعوبات أخرى رئيسية تعرقل تنفيذ تدابير حظر الانتشار النووي وتقييده مثل تلك المتعلقة بأجهزة التفجير النووي والتعاون النووي السلمي بين الدول النووية وغير النووية والضمانات الرامية إلى عدم تحول برامج الطاقة النووية السلمية إلى المجالات العسكرية وموضوع المشاركة في المواد والأجهزة والمعلومات النووية طبقاً لما نصّت عليه المادة الرابعة من معاهدة جينيف ومشكلة التفجيرات النووية ذات الاستخدامات السلمية وغير ذلك مما يجعل من حظر الانتشار أمراً يجانب المستحيل([12]).

 

3- الردع النووي أو توازن الرعب

في ظل استحالة منع السلاح النووي، سيطر على العالم ثنائي-القطبية نوع من توازن الرعب([13]) أو "رعب التوازن" كما يعبّر بعض المراقبين([14]). ويقول ريمون آرون أن الردع، كنمط علاقة بين شخصين أو جماعتين، قديم قدم البشرية. فاحتمال أن يصفعه والده يردع الولد عن تمزيق كتب مكتبة الوالد، كما يردع محضر المخالفة سائق السيارة عن التوقف في مكان ممنوع([15]). ويضيف آرون أن الوالد عندما يهدد إبنه بالصفعة فإنه يمارس الردع بطريقة واضحة علنية، أما ردع المخالفة فيكمن في القانون وتزداد فعاليته بتزايد عدد رجال الشرطة. وخطر وقوع حادث مفجع يردع سائق السيارة، غير الخائف من العقوبات الإدارية، من اجتياز إشارات السير الحمراء([16]). وبين وحدتين سياسيتين سيدتين ومستقلتين فإن ميكانيسم الردع قادر على العمل في غياب تهديد علني. هذا الأمر كان موجوداً قبل العصر الذري فأين جديد الردع في هذا العصر؟

الجديد أن الأسلحة النووية لا يوجد لها مثيل في تاريخ البشرية ذلك أن قدرتها التدميرية تستطيع أن تحسم المعركة بساعات بل دقائق معدودة لا يعود بعدها من وجود مادي يُذكر للخصم. وإذا كان هذا الخصم يملك، هو الآخر، سلاحاً نووياً فالنصر يكون لمن يضرب أولاً ويملك ما يكفي من السلاح لتدمير العدو تدميراً كاملاً يمنعه من الرد بالسلاح النووي. وهكذا لم تكن المعادلة بهذا الوضوح من ذي قبل: "الفرق في الكمية يخلق فرقاً في النوعية". ولم يسر التاريخ قبلاً بمثل هذه الوتيرة تسارعاً. إذ في أقل من عشر سنوات انتقلنا من قنابل تزن بالكيلوطن (ألاف الأطنان من الـ تي أن تي) ثم بالميغاطن (ملايين الأطنان من الـ تي أن تي) المنقولة بالطائرات المقاتلة، إلى عصر الصواريخ البالستية التي تحمل رؤوساً أكثر فتكاً وتعبر آلاف الكيلومترات بدقائق معدودة([17]). ثم نقلنا التطور السريع من عصر ينتصر فيه من يوجّه الضربة الأولى إلى عصر الردع النووي التي باتت فيه هذه الأخيرة مستحيلة لأن العدو بات قادراً على استيعاب هذه الضربة والرد بضربات مماثلة أو أقوى من صواريخه المتمركزة خارج الحدود الوطنية في الغواصات القابعة في أعماق المحيطات. وهذا ما حدا بالرئيس أيزنهاور للإعلان: "لا بديل عن السلام"([18]).

وهكذا اعتمد التوازن النووي في بقائه واستمراره على الردع النووي المتبادل، أي قدرة كل من الطرفين السوفياتي والأميركي على تدمير بعضهما تدميراً كاملاً ونهائياً في حالة وقوع الحرب النووية بينهما تحت أي ظرف من الظروف. لقد استمد هذا الردع فعاليته من حقيقة ستراتيجية هامة تتمثل في نجاح القوتين الأعظم في تنمية قدراتهما النووية بشكل هائل والوصول إلى مستوى القدرة على التدمير بالضربة الثانية. وهذا ما جعل الحرب النووية مستحيلة لأنها تعني انتحاراً متبادلاً بين أطرافها، وجعل من فكرة الحروب التقليدية المحدودة البديل المقبول لكارثة الحرب النووية. ولم تنشب أية حرب، نووية أو تقليدية، مباشرة بين القوتين الأعظم، وانتشرت الحروب "بالوكالة" في معظم بقاع المعمورة بين دول غير نووية مدعومة من هذا المعسكر أو ذاك.

وينبغي الإشارة إلى أن حيازة السلاح النووي أثبتت عدم جدواها في الصراعات المسماة "طرفية" أو خارجية ( بعيداً عن المركز) التي لا تهدد أراضي القوى النووية الكبرى أو مصالحها بشكل مباشر. أكثر من ذلك قدَم التاريخ، خلال الحرب الباردة، براهين عديدة على هزائم حلَت بقوى نووية كبرى في ارض المعركة ولم تستطع ترساناتها الضخمة أن تقدم لها أي عون ( أميركا في فييتنام والاتحاد السوفياتي في أفغانستان على سبيل المثال لا الحصر). ورغم كل التطور التكنولوجي والتقني الذي لحق بالسلاح النووي (من ناحية الحجم الصغير والدقَة والتركيز والليونة ...) فإنه بقي صعب الاستخدام حتى لغرض سياسي محدد وغير مفيد عسكرياً إلا في حال الرد على تهديد نووي مباشر تتعرض له دولة نووية ما([19]).

في تشرين الثاني 1989 انهار جدار برلين وتلاه انهيار الاتحاد السوفياتي في صيف 1991 فانتهت الحرب الباردة وولّى النظام الدولي القائم على قطبية ثنائية. ويمكن القول أن هذا العالم الذي ولد على أنقاض هيروشيما ودفن إلى جانب حائط برلين تميّز بغلبة العامل النووي الذي حمى النظام الدولي من حرب عالمية محتملة. لقد قاد المسرح المركزي كل مسارح الصراعات الطرفية والخارجية البعيدة ومنعها من التمدد والانتشار خارج حدود السيطرة. لقد كان السلام العالمي مستحيلاً ولكن الحرب العالمية كانت غير ممكنة أيضاً، ذلك أن تدخل الردع النووي هو الذي أضفى على النظام الدولي ذلك الطابع الفريد المبتكر. فالصواريخ البالستية البعيدة المدى التي تحمل رؤوساً نووية، مضافة إلى القنابل الذرية والهيدروجينية، جاءت لتكرّس استقرار النظام الدولي في "اللااستقرار"([20]) والقطبية الثنائية وضعت شروط توازن هش كان له، على الأقل، الفضل في إخضاع الصراعات الصغرى لمنطقة الصراع المركزي الكبير المتمحور حول القوتين العظمتين؛ الذرة والصاروخ أبعدا شبح الصراع النهائي الأخير.

 

II- السلاح النووي بعد الحرب الباردة

بانتهاء الحرب الباردة طرأ تعديل على مكانة السلاح النووي في الستراتيجية العالمية: الردع في مواجهة القوى الجديدة الصاعدة لم يعد فاعلاً لأنه، في جزء كبير منه، نفسي ويعتمد على "حسن تصرّف جماعي". ويسود التساؤل حول مخاطر الانتشار النووي وسبل مواجهته. المعطى الستراتيجي الجديد في العالم يفرض إعادة تعريف دور وأهداف ونظم الدفاع والجيوش، على الرغم من أن الدول الكبرى ستظل تعتمد على الردع النووي في مطلق الأحوال وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الدول التي لا تملكه اليوم تحاول الحصول عليه أو تفكر في ذلك على الأقل.

المفارقة أن انتهاء القطبية الثنائية لم ينه معه الخطر النووي أو ما يسمى برعب التوازن بل إن طبيعة هذا الخطر ومصادره التي باتت متنوعة ومجهولة هي التي تغيّرت. وقد حذّر جيمس بيكر وزير الخاجية الأميركي غداة انهيار الاتحاد السوفياتي بالقول: "إننا أمام خطر ظهور وضع شبيه بما يحصل في يوغوسلافيا ولكن مع أسلحة نووية هذه المرة. فمن يستطيع السيطرة على 27 ألف رأس تكتيكي وستراتيجي موزّعة بين مخازن روسيا وأوكرانيا وكازاخستان وروسيا البيضاء؟"

لقد تمت السيطرة على هذا الوضع حتى الآن رغم انفجار الحروب في البلقان والقوقاز وتشيشينيا وعدم استقرار "مجموعة الدول المستقلة". ولكن الخطر ما يزال كاملاً جاهزاً للعودة مع رصيده المرعب طالما أن روسيا ما تزال تتخبّط في سعيها المكلف للدخول في اقتصاد السوق.

 

1-مخاطر انتشار نووي في الشمال

تحدث كثيرون في الغرب عن مخاطر انتشار هذا السلاح في دول الجنوب وقلّما يعلنون الخشية من انتشاره في دول الشمال. وتقول الإحصاءات بأن فرنسا استقبلت 1500 باحث نووي من أوروبا الشرقية السابقة بين عامي 1990 و1991 وألمانيا حوالي 1900 باحث عام 1991 و4000 عام 1994. إسرائيل استقبلت 31 ألف باحث في المجال النووي خلال سنتين من انهيار الاتحاد السوفياتي (السابق) وهم يعملون الآن في مختبراتها ومراكزها العلمية. ويقدّر عدد الذين اختاروا الولايات المتحدة بثلاثين ألفاً من خيرة علماء وباحثي المعسكر الشرقي السابق([21]).

هذه الدول المذكورة وصلت في برامجها النووية إلى مراحل تجعلها في غير حاجة لمثل هؤلاء العلماء. ولكن ما يخشاه الأميركيون هو غياب الإحصاءات الدقيقة عن عدد العلماء الذين تمركزوا في دول من العالم الثالث على الرغم من الرقابة الشديدة في هذا المجال.

في 16 تموز 1994 أعلن برنت شميدبور مساعد وزير الخارجية الألماني للشؤون الاستخباراتية بأن تهريب المواد النووية من روسيا بلغ مستوى لا سابق له. وبعد شهر من هذا الإعلان تم ضبط 360 غراماً من البلوتونيوم عيار 239 في مطار ميونيخ في طائرة آتية من موسكو([22]). وقد كشفت صحيفة دير شبيغل الألمانية عن فضيحة نووية مفادها أن موظفاً في البوليس الجنائي الألماني عقد صفقة مع رجلي أعمال إسباني وكولومبي لشراء 4 كيلوغرام من البلوتونيوم 239 بسعر 276 مليون دولار وأن الدولة الألمانية قد تكون وراء الصفقة. وما إعلان شميد بور المذكور وعمليات ضبط التهريبات إلا لذرّ الرماد في العيون، بحسب الصحيفة المذكورة في عددها الصادر في 10 نيسان 1995.

اليابان أيضاً، الدولة الكبرى، اقتصادياً على الأقل، ليست بمنأى عن التفكير في الحصول على السلاح النووي. ولأول مرة منذ قنبلة هيروشيما أعلنت طوكيو، في آب 1993، أنها تدرس إمكانبة إنتاج هذا السلاح بسبب خوفها من نشوء قوة كورية موحدة مستقبلاً تملك هذا السلاح الخطير، عدا عن تنامي قدرات الصين الملفتة في هذا المجال (قبل الهند وباكستان مؤخراً). طبعاً الحساسية المفرطة للرأي العام الياباني حيال هذا السلاح، بسبب ما تعرّض له عام 1945، يمنع القادة اليابانيين من الخوض في برنامج نووي (إلى متى؟) على الرغم من قناعتهم المعلنة بأن نظاماً دفاعياً متكاملاً فعالاً يبقى غير ممكن في غياب الردع النووي. وتراقب طوكيو وسيول وبيونغ يانغ بعضها البعض عن كثب في لعبة قوة ثلاثية الجانب في آسيا الشمالية-الشرقية. الكوريتان تنظران إلى امتلاك طوكيو للبلوتونيوم كتهديد كاف، في حين أن اليابان تخشى توحد الكوريتين كما حدث لألمانيا. والإتفاق الموقع بين واشنطن وبيونغ يانغ في جنيف في تشرين الأول 1994 لم يهدئ روع الدول المجاورة لأنه وإن سمح بالحد من البرنامج النووي الكوري الشمالي تحت الضغوط الأميركية، إلا أنه يسمح له بالبقاء خارج لرقابة الوكالة النووية في فيينا لمدة خمس سنوات.

من جهتها الصين رفضت التوقيع على معاهدة خطر الانتشار النووي NPT (Non Proliferation Treaty)  الموقعة عام 1995. واعتبر الأوروبيون أن الاتفاقات الأميركية-الروسية حول مسألة نزع السلاح النووي تبقى ما دون المطلوب. وقد أعلنت بريطانيا وفرنسا، القوتان النوويتان الأوروبيتان، أنهما لن تنضما إلى هذه الاتفاقات قبل أن تتوصل موسكو وواشنطن إلى التخلص من نصف سلاحهما النووي على الأقل. وحققت فرنسا "اكتفاءً ذاتياً" حتى العام 2010 لذلك توقفت عن زيادة ترساناتها الستراتيجية، لأسباب مالية داخلية. وفي عام 1992 سحبت باريس الصواريخ التكتيكية "بلوتون" من الخدمة وخفضت عدد غواصتها الستراتيجية من ست إلى خمس وطلبت من مراجعها المختصة الإبطاء في تنفيذ برامج تسليحية([23]) نووية عديدة. هذا دون توقيف البحوث العلمية الهادفة إلى ابتكار أنماط أسلحة ستراتيجية قليلة الكلفة وشديدة الفعالية. وكان الرئيس ميتران قد أعلن، في 6 أيار 1994، أن فرنسا تملك 500 رأس نووي تؤمن لها الكفاية والمصداقية المطلوبتين، وتعهد بعدم إجراء أية تجارب نووية في عهده([24])، لكن الرئيس الجديد جاك شيراك أعلن في 13 حزيران 1995، وسط استنكار داخلي وخارجي عن إجراء ثماني تجارب نووية قبل 1996 موعد البدء بتطبيق المهاهدة الدولية التي تمنع إجراء التجارب النووية. وسبب القرار كما ذكر شيراك هو عدم القدرة على إجراء تجارب صورية مختبرية أو محاكاة بالكومبيوتر Simulation والرغبة في تحديث الترسانة النووية الفرنسية للبقاء في نادي الدول العظمى([25]). وقد أعلن رئيس الوزراء إدوارد بالادور في 21 نيسان 1995 عن البدء ببناء جهاز لايزر ضخم للمحاكاة في مركز الدراسات العلمية والتكنولوجية في منطقة أكيتان (CESTA) يسمح بالاستغناء عن التجارب النووية اللازمة لصناعة السلاح النووي([26]).

 

2- خطر انتشار نووي في الجنوب

هناك دول في العالم الثالث قررت طوعاً التخلي عن البرنامج النووي الذي أرهق خزائنها. في أواخر العام 1991 وقّع رئيسا الأرجنتين والبرازيل على اتفاق يسمح لوكالة الطاقة الدولية بممارسة الرقابة المباشرة على تجهيزاتهما النووية في كل المجالات والتحقق من عدم تحويلها إلى المجال العسكري([27]). وبهذا تكون البرازيل والأرجنتين قد تخلتا عملياً عن كل برنامج عسكري نووي، والشيء نفسه فعلته أفريقيا-الجنوبية عندما أعلنت على لسان رئيسها فريدريك دوكليرك في 24 آذار 1993 عن أنها بدأت من العام 1991 بتدمير قنابلها النووية الست التي كانت تمتلكها وعن تحويل البرنامج العسكري إلى أهداف مدنية والتخلي نهائياً عن كل طموح نووي([28]). المراقبون فسّروا ذلك وقتذاك بأنه يعكس رغبة الأقلية البيضاء (بإيعاز من واشنطن والحلفاء الغربيين على الأرجح)  بعدم ترك قدرات نووية في أيدي السود الذين كانوا يتأهبون لاستلام السلطة عقب انهيار نظام التمييز العنصري.

في الشرق الأوسط يقلق التوجه النووي الإيراني واشنطن على الرغم من أهدافه السلمية المعلنة. وقد نفذت واشنطن تهديدها بقاطعة إيران على أمل أن يحذو الحلفاء حذوها، الأمر الذي لم يتحقق. وعلى الرغم مما أصاب العراق وما يصيبه يبقى هدفاً مميزاً لتسلط الأميركيين الذين يقولون أن المشكلة تكمن في أن المعادلة النووية لا تزال في رؤوس مائة وخمسين عالماً عراقياً([29]) ولا يمكن انتزاعها ( إلا لقتلهم ربما؟!..) على الرغم من وضعهم تحت الرقابة المشددة والدقيقة. وبالطبع البرنامج النووي الإسرائيلي الذي قطع أشواطاً متقدمة وأنتج عشرات الرؤوس والقنابل الذرية لا يقلق الغربيين الذين كانوا وراء وجوده وتطوره ( فرنسا بداية وبريطانيا، ثم الولايات المتحدة) في الأصل. ورغم الجهود المصرية والعربية لدفع إسرائيل للانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار عام 1995 فقد مارست الولايات المتحدة كل الضغوط الممكنة ليس لإجبار إسرائيل على وقف برنامجها ولكن لإجبار العرب على الالتحاق بالمعاهدة المذكورة التي رفضت إسرائيل توقيعها.

الهند وباكستان هما الدولتان الوحيدتان، من العالم الثالث، اللتان لم تخفيا يوماً أمر تسابقهما النووي. ففي 23 آب 1994 أعلن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف أن بلده يملك القنبلة النووية([30]). وأثار هذا الإعلان ردود فعل كثيرة حاول وزير الخارجية الهندي عاصف أحمد علي تهدئتها بالقول أن بلده "يملك قدرات نووية" فقط؛ الأمر الذي أثار حفيظة الهند ([31]). وفي الحقيقة كان البلدان يعترفان دوماً بأنهما يحاولان صنع القنبلة، ولكن دون نجاح. وقد سبق للهند وقامت بانفجارها التجريبي الأول عام 1974 في صحراء راجستان لكنها بقيت مصرّة على الطابع السلمي لبرنامجها النووي وعلى أن قنبلتها لن تستعمل، في أي حال من الأحوال إلا للدفاع عن النفس، ضد هجمة باكستانية محتملة([32]).

وقد رفضت نيودلهي وإسلام أباد التوقيع على معاهدة عدم الانتشار في غياب نص واضح يفرض نزعاً شاملاً للسلاح الذري. وأعلن وزير الخارجية الهندي في أيلول 1994 رأيه بصراحة ووضوح: "لماذا تفتخر فرنسا بامتلاكها للسلاح النووي وتخجل الهند من ذلك؛ في كل حال نحن البلد الثاني في العالم من حيث عدد السكان، ومفهوم الديمقراطية الكونية لا يمكن أن يتعارض مع تملكنا لقوة نووية على غرار القوى الأخرى"([33]).

وانتشار السلاح النووي في دول العالم الثالث، تحديداً، يشكّل إحدى الهموم الأساسية "للنظام الدولي الجديد" الذي أعلنه الرئيس جورج بوش في بداية العام 1992. وفي 12 آذار من العام نفسه حدد روبرت غايتس مدير وكالة الاستخبارات الأميركية السي.آي.إي لائحة البلدان التي تتجه نحو الحصول على أسلحة الدمار الشامل: فقط "مجموعة الدول المستقلة" والصين قادرتان على إصابة الأرض الأميركية مباشرة. ولكن قد يتوصل آخرون إلى ذلك بعد عشر سنوات: العراق، إيران، الجزائر، سوريا، الهند وباكستان. أما كوريا الشمالية والصين فهما المصدران الرئيسيان لهذه الأٍسلحة([34]). وبحسب تقديرات وليام بستر المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات الأميركية نفسها يحمل العالم الثالث تهديداً للولايات المتحدة والأمن العالمي بسبب انتشار الصواريخ الباليستية وما تحمله من رؤوس نووية وبيولوجية وكيميائية. فهناك على الأقل 25 بلداً نامياً تنتج أو تسعى لإنتاج مثل هذه الأسلحة، وهناك 15 منها ستتمكن من إنتاج هذه الأسلحة في العام 2000، الأمر الذي يشكّل تهديداً جدياً للقوات الأميركية العاملة في العالم الثالث ولحلفائها. وقد سبق لستة بلدان نامية أن استعملت صواريخ باليستية في حروبها (مصر، سوريا، إيران، العراق، ليبيا، أفغانستان) علماً أن هناك صواريخ ذات قدرة تدميرية لا يتطلب إنتاجها قدرات تكنولوجية عالية وكلفتها ليست مرتفعة كثيراً([35]).

وفي 28 تموز 1993 عرض مدير السي.آي.إي جيمس وولسي، وقتها، لوحة انتشار الأسلحة النووية أمام لجنة القضايا الخارجية في مجلس الشيوخ، مركزاً على المخاطر المتأتّية من كوريا الشمالية والعراق وإيران. وتوقّع أنه بحلول العام 2000 ستتمكن دول عديدة من أن تطور بنفسها صواريخ باليستية قادرة على إصابة الأراضي الأميركية. وسباق التسلح بين الهند والباكستان يقلق السي.آي.إي. أما الصين فلا تحترم تعهداتها إذ تبيع أسلحة مهمة لبلدان من العالم الثالث. كذلك فإن انتشار هذه الأسلحة من شأنه أن يهدّد الاستقرار العالمي برمّته. ففي حال نشوب أزمة ما فإن أسلحة العالم الثالث تبدو أكثر هشاشة أمام هجوم وقائي من أسلحة قوى الشمال النووية. وحسب تحليل وولسي فإن أحد المتخاصمين إذ افترض خلال أزمة ما أن الحرب واقعة لا محالة، فقد لا يتردّد في تدمير ترسانة الخصم، وإذا اعتقد الواحد من المتنازعين، بناء على إشارة قد تكون خاطئة، أن الآخر سوف يطلق صواريخه، فقد يسبقه إلى ذلك ... ويحدث عندئذ الدمار الشامل.

ويتابع وولسي أن الأمر كان أقل خطورة بين المعسكرين الكبيرين السابقين، إذ أن بلدان العالم الثالث لا تتمتع بالقدرات التكنولوجية والاستخباراتية نفسها التي تسمح فعلاً بقراءة صحيحة للإشارات المتأتّية من الخصم. لقد كانت القوتان العظيمتان قادرتين على إبقاء ترساناتهما النووية في حال استنفار دائم خلال ثلاثين سنة دون حصول أي إطلاق نتيجة خطأ ما، ومن المشكوك فيه أن تقدر بلدان العالم الثالث الأقل استقراراً والأضعف تكنولوجياً من فعل الشيء نفسه.

ويبدي الأوروبيون قلقاً مماثلاً؛ ففي مؤتمر عقده أكاديميون وعسكريون وسياسيون فرنسيون في باريس عام 1995 (صدرت أبحاثه في كتاب) ([36]) أكد وزير الدفاع شارل ميون، كما أكد عسكريون وسياسيون في السلطة أن دول الجنوب المحاذية      - الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية - تشكّل مصدر خطر على الأمن الأوروبي بسبب احتمال سيطرت الأوصوليين على أنظمة الحكم فيها وإمكانية حصولهم على صواريخ باليستية في مدة وجيزة، الأمر الذي يحتّم على الأوروبيين تطوير ترساناتهم من أسلحة الدمار الشامل. وفي الاتجاه نفسه يذهب تحليل بيار لولوش (النائب اليمني وأحد مفكري حزب شيراك) في كتاب له يقدم اقتراحات عملية في هذا الشأن([37]).

ماذا تستطيع الولايات المتحدة - وأوروبا - أن تفعل، أو ما يجب أن تفعله حيال هذه الاحتمالات؟ يجيب المراقبون الأميركيون أنها تملك مروحة خيارات واسعة. قبل كل شيء تقوية اتفاقات عدم انتشار الأسلحة ومراقبة تصديرها وتوسيع المشاركة في الاتفاقات المتعددة الأطراف والتقدم بمبادرات جديدة([38]). ويقول جون هولوم مساعد كلينتون لشؤون مراقبة التسلح أن تنظيم التسلح ومراقبة تصديره صارا ضرورة عالمية بعد نهاية الحرب الباردة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة عملت جاهدة على صياغة اتفاق يمنع تطوير وإنتاج والحصول على وتخزين والتمويل المباشر وغير المباشر للأسلحة الكيميائية. وفي 13/1/1993، في باريس، وقّع 130 بلداً على هذا الاتفاق. وفي آذار 1994 انضم 26 بلداً آخر إليه. وفي نيسان 1995، نجحت الولايات المتحدة، في دفع دول العالم إلى التجديد على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية NPT بالرغم من صفاقة موقفها المنحاز إلى إسرائيل.

إن الكلام الأميركي عن خطورة انتشار أسلحة الدمار الشامل كلام حق، لكن يراد به باطل. فمن هو المسؤول الأول عن هذا الانتشار؟ أليس البائع الأول للسلاح في العالم؟ ثم ألا تشكّل دول حليفة للولايات المتحدة، مثل إسرائيل، التي تضيق ترساناتها بأنواع أسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية والكيميائية وغيرها، تهديداً للأمن في منطقتها، حتى لا نقول الأمن العالمي؟ وكيف يسمح "بإعفاء" إسرائيل من الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار، في حين تمارس كل الضغوط الممكنة على دول المحيط للقبول والتوقيع، وهي غير نووية وغير قادرة، في المدى المتوسط على الأقل، على امتلاك التقنية التي تسمح لها بأن تصبح كذلك؟ إن الكيل بمكيالين في هذا المجال يفقد الكلام الأميركي، الرسمي وغير الرسمي، الكثير من المصداقية.

وتلجأ واشنطن إلى ستراتيجية العقوبات التي تفرضها على البلدان التي تحاول إنتاج مثل هذه الأسلحة، وعلى الشركات الغربية التي تساعدها في ذلك. كذلك تلجأ إلى ستراتيجية الردع الدبلوماسي ومن ثم الاقتصادي. وهناك أيضاً الردع العسكري. لكن هذا الأخير يصطدم بعقبات عديدة خصوصاً في البلدان التي تنتشر فيها ثقافة الاستشهاد مثلاً، حيث مفاهيم "الردع" و"الاستقرار" الغربية لم تعد تعني شيئاً([39]). وهناك ستراتيجية الضربة الوقائية وهو نوع مكلف سياسياً وصعب عسكرياً لكن تحقيقه ممكن وقت الأزمات كما حصل أبان حرب الخليج الثانية. فقد اتخذ الرئيس بوش من هذه الحرب حجة لكي يدمر مصانع الأسلحة ومراكز البحث وإنتاج الصواريخ في العراق على الرغم من أن هذه الأهداف لا علاقة لها بغزو العراق للكويت. ولكن الولايات المتحدة أعلنت أن لها حق استباق المخاطر بضرب التجهيزات النووية في العالم الثالث([40]).

كل هذه الستراتيجيات والوسائل لم تنجح في ثني الهند وباكستان، وهما من دول العالم الثالث، عن الاستمرار في برنامجهما النووي والتوصل إلى حيازة السلاح الذري. وتستحق التفجيرات الهندية والباكستانية مع نتائجها المترتبة على مكونات الملف النووي، بعد الحرب الباردة، حيّزاً خاصاً في هذا البحث.

 

III- التفجيرات النووية الهندية والباكستانية

هذه التفجيرات تقع أساساً في إطار النزاع الهندي-الباكستاني تحديداً والمثلث الآسيوي عموماً (إضافة الصين) لكنها تفتح أسئلة عديدة حول فعالية معاهدات حظر الانتشار والتجارب وحول قدرة الولايات المتحدة على "قيادة العالم" وحول مصير الردع النووي في العالم عموماً والعالم الثالث خصوصاً ومنه الردع النووي الإسرائيلي في الشرق الأوسط تحديداً.

 

1- النزاع الهندي-الباكستاني

ما كاد الاتحاد الهندي وجمهورية باكستان الإسلامية يريان النور غداة استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947 حتى اندلعت الحرب بينهما في تشرين الأول من العام نفسه. قبل أشهر قليلة على هذه الحرب وقعت إحدى المجازر الكبرى في التاريخ. إذ أن تقسيم شبه القارة الهندية تم على حساب 500 ألف قتيل ضحية حرب طائفية هرب مسلمو الهند إثرها إلى باكستان وهندوس باكستان إلى الهند. وقد اندلعت الحرب الأولى بين جيشي الهند وباكستان حول إقليم كشمير الذي ضمّته الهند في تشرين الأول 1947، وهو مملكة قديمة في جبال هملايا تسكنها أغلبية مسلمة (80 بالمئة من السكان) ويطالب بها كل من البلدين لنفسه. لقد حاولت باكستان السيطرة على هذا الإقليم الذي يحكمه هندوسي ولم تفلح، فكانت تلك أول هزيمة لها في نزاعها مع الهند الذي سوف يستمر من دون حل ويصنّفه المراقبون في عداد أطول نزاعات القرن العشرين.

وقف إطلاق النار في أول كانون الثاني 1949 لن يحلّ المشكلة، ذلك أن الاستفتاء الذي قررته الأمم المتحدة لتقرير مصير سكان الإقليم لن يتم وسيبقى سكان كشمير منقسمين بين قوتين إقليميتين متنازعتين. فلا الهند استطاعت السيطرة على كامل الإقليم (ثلاثة أرباعه تقريباً) ولا باكستان تمكنت من استرداده كاملاً (تحتل ربعه تقريباً).

في آب 1965 نشبت حرب أخرى، لا علاقة لكشمير بها، ولو أنها طاولت هذا الإقليم، انتهت بهزيمة باكستانية جديدة على يد الهند. وفي عام 1971 نشبت الثورة في باكستان الشرقية، ذات الأغلبية البنغالية الرافضة لـ "هيمنة" باكستان الغربية ذات الغالبية البنجابية (ما عدا الإسلام لا شيء يجمع، ثقافياً بين البنغاليين والبنجابيين). وبحجة هروب مئات آلاف اللاجئين من الهند خوفاً من القمع والمناوشات الدائرة ببين الجنود الباكستانيين والثوار البنغاليين، أمرت أنديرا غاندي جيشها بالتدخل. وهكذا وقعت داكا، عاصمة دولة بنغلادش (التي ستولد في العام 1972) في يد الجيش الهندي في 16 كانون الأول 1971. وشعر الباكستانيون مجدداً بالإهانة، فجيشهم هزم مجدداً أمام الجيش الهندي وخسر عشرات آلاف الكيلومترات من الأرض الوطنية (144000 كيلومتر مربع مساحة بنغلادش وعدد سكانها حالياً 114 مليون نسمة في مقابل 123 مليون نسمة لباكستان التي تبلغ مساحتها 796000 كيلومتر مربع).

ولم يعرف إقليم كشمير الهدوء يوماً. فالمناوشات مستمرة تارة بين الجيشين الهندي والباكستاني وطوراً بين الأول ورجال المقاومة المسلمين الذين يقودون حرب أغوار مسلحة. وعلى الحدود الهندية الصينية أتى نزاع آخر ليزيد من اضطراب هذا الثالوث الآسيوي على خلفية سباق نحو التسلح التقليدي والنووي: النزاع بين الصين والهند حول إقليم التيبت([41]) والذي فجّر حرباً بين البلدين عام 1962.

وعندما أعلنت الهند عن تفجيرها النووي الأول عام 1974 (الذي قالت أنه لأغراض سلمية)، ردت باكستان بعقد العزم على حيازة السلاح النووي وراحت تتلقى مساعدات صينية بهذا الصدد. وقد أعلن ذو الفقار علي بوتو جملته الشهيرة: "سنحصل على السلاح النووي لو اضطر شعبنا لأكل العشب" واشتد سباق التسلح، التقليدي والنووي، بين البلدين، مدعوماً بقوى كبرى (الإتحاد السوفياتي والصين خاصة).

عندما نجح الحزب الهندوسي المتشدد (حزب الشعب الهندي، بهارتيا جاناتا) في انتخابات 15 آذار 1998([42]) في الهند كان لا بد لرئيس الوزراء الجديد أتال بيهاري فاجباي من تنفيذ وعوده بحسم النزاع حول كشمير، فكانت التفجيرات النووية الخمس بين 11 و 13 أيار 1998 والتي أطلق على أثرها فاجباي ووزير دفاعه زنانديز تصريحات استفزازية حول "التغير الجيوستراتيجي الجديد([43]) الذي على باكستان أن تأخذه بعين الاعتبار. وتوتر الوضع على الحدود في كشمير وبدت الأمور وكأن اجتياحاً عسكرياً هندياً للإقليم بات على وشك الحدوث؛ ذلك أن سلوك نيودلهي دلّ عن رغبة بالاستفادة السريعة من التفوق النووي المضاف إلى تفوق واضح في المجال التقليدي.

لكن إسلام أباد لم تنتظر أكثر من 17 يوماً لترد بتفجيرات مماثلة في 28 أيار (ما يدل على أنها كانت في حالة جهوزية نووية تامة لأن فترة الأسبوعين لا تكفي لاستكمال أي نقص في برنامجها النووي) ([44]) رغم تحذيرات الحكومة الأميركية وتهديداتها بإقرار عقوبات اقتصادية مماثلة لما تعرّضت له الهند. وحبس العالم أنفاسه توجساً من حرب نووية قد تقع في أية لحظة على خلفية توتر متصاعد على الحدود بينهما ونزاع محتدم في كشمير وتصريحات عنيفة وتهديدات متبادلة.

ما حصل هو العكس، إذ أن الوضع المتأزّم راح يسير في طريق التهدئة ونزع فتيل الانفجار. وبدأت تصدر تصريحات متبادلة تنم عن رغبة الطرفين باستئناف المباحثات المتوقفة منذ العام 1997 حول كشمير وغيرها من المواضيع الخلافية([45]). وبعد أن كان وزير الدفاع فرنانديز قد أكد أن الصين هي مصدر التهديد الأساسي للهند([46]) وأن هذه الأخيرة عازمة على اللجوء إلى القوة لحل خلافاتها مع الهند، عاد رئيس الوزراء ليؤكد أن بلاده تريد الإسراع بالمفاوضات مع الصين في شأن الخلافات الحدودية وتأمل استئناف الحوار مع باكستان([47])، مضيفاً بأن "العلاقات بين الهند والصين طبيعية" ومشككاً في "وجود توتر بين الهند وباكستان"، ذلك "أن إطلاق النار عبر خط السيطرة في كشمير يحدث منذ فترة طويلة" ومبدياً الاستعداد "لإجراء محادثات في شأن معاهدة الحظر الكامل للتجارب النووية" (يقصد جميع الأطراف الكبرى والصغرى دون تمييز، وهذا هو موقف الهند التقليدي القديم من هذه المسألة).

وقد صدرت عن المسؤولين الباكستانيين تصريحات مماثلة، ما يعني أن "توازن رعب نووي" وُلِد في هذه المنطقة المتوترة ليقوم بالوظيفة نفسها التي قام بها بين الكبار إبان الحرب الباردة([48])، وربما يقود هذا التوازن، على المدى القريب أو المتوسط، إلى تسوية مستديمة للنزاع بين الهند وباكستان تدعمه الصين وروسيا و الولايات المتحدة. الأمر الذي يذهب في عكس الأطروحة الأميركية، والغربية عموماً، حول "لا عقلانية" دول العالم الثالث وخطورة تملكها للسلاح النووي، كما يقول المسؤولون الأميركيون (أنظر جيمس وولسي أعلاه مثلاً)، ويطرح تساؤلات حول صدقية معاهدات حظر انتشار السلاح النووي وقدرة الولايات المتحدة "قائد" النظام العالمي الجديد على فرض مثل هذا الحظر.

 

2- نحو عولمة نووية

إن توصل الهند وباكستان، وهما بلدان من العالم الثالث يعانيان من كل أمراض الفقر والتخلف والأمية وفيها أكبر نسبة متسولين في العالم([49])، إلى حيازة السلاح النووي، يثبت صحّة المخاوف السائدة ما بعد الحرب الباردة ويطرح سؤالاً خطيراً: إلى متى سيبقى السلاح النووي حكراً على عدد قليل من الدول؟ إلى وقت غير بعيد على الأرجح.

في حالة الهند من المعروف أن برنامجها النووي عمره ثلاثة عقود على الأقل. رغم ذلك تقول وكالة الاستخبارات الأميركية السي.آي.إي أنها فوجئت بالتفجيرات النووية ويقول الرئيس الروسي يلتسين أن "الهند خذلت روسيا"([50]) حليفتها التقليدية التي فوجئت بهذه التفجيرات. أما التفجيرات الباكستانية، ردّاً على مثيلاتها الهندية فلم تفاجئ أحداً ولكن سرعة الرد هي التي أحدثت المفاجأة. وهذا يدل على أنه رغم الحظر المفروض على استيراد الأجهزة والتقنية والمعدات المطلوبة للمفاعلات النووية ورغم كل المحاولات التي بذلتها الولايات المتحدة والهند وإسرائيل لمتابعة أسرار البرنامج النووي الباكستاني ورغم قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بزيادة نشاطهما في مركز التنصّت على الاتصالات الهندية والباكستانية من قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي منذ عام 1993 فقد توصلت إسلام أباد إلى إنتاج القنبلة النووية. وهذا يشير إلى احتمال تكرار التجربة نفسها في مناطق أخرى ذلك "أن الأزمات الاقتصادية وتواضع الإمكانيات، والمتابعة والرصد والتكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال لدى الولايات المتحدة وغيرها، لم تمنع قوة إقليمية تتوافر لديها الإدارة السياسية لبناء ترسانة نووية مهما كانت المصاعب على طريق تحقيق ذلك"([51]).

ويقول الصينيون أن واشنطن لم تفاجأ بالتفجيرات الهندية بل أنها كانت تتطلع بعين إيجابية إلى مسعى الهند النووي بغية خلق تهديد على القرب من حدود الصين التي تخشى الولايات المتحدة صعودها الدولي السريع ونفوذها المتعاظم. كذلك تلقت الهند مساعدات سوفياتية، في السابق، للغرض عينه وما تزال تحظى بدعم روسي مستمر.

من جهتها، ساعدت الصين باكستان فنياً، على الأقل، في برنامجها النووي "ومن أمثلة ذلك إمدادها بـ 5000 مغناطيس  حلقي لتطوير وحدات الطرد المركزي الخاصة بإغناء اليورانيوم ومساعدتها في تشييد وحدة إستخلاص البلوتونيوم في كاسما بالبنجاب"([52]) كذلك حصلت الباكستان على مساعدات غريبة متنوعة، وإن كانت غير مباشرة، في المجال النووي إذ تلقى علماؤها الـ 37 التابعون لمركز البحوث النووية في إسلام أباد الذي أنشئ عام 1955، تدريباتهم في مجال الذرّة في الخارج (هولندا، فرنسا، الولايات المتحدة، بريطانيا ...). وقد بدأت إسلام أباد عام 1965 في تشغيل أول مفاعل نووي قدمته لها الولايات المتحدة لتخصيب الأورانيوم([53]). وساءت العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان بسبب إصرار هذه الأخيرة على الاستفادة من برنامجها النووي السلمي في المجال العسكري تحقيقاً للتوازن مع الهند، ما حدا بواشنطن إلى فرض عقوبات اقتصادية عليها بموجب قانون غلين-سايمنغتون الصادر سنة 1976 ثم بموجب "تعديل برسلر" الصادر عام 1985 والذي أراد الكونغرس من ورائه إجبار إسلام أباد على وقف جهودها الآيلة إلى الحصول على السلاح النووي. وبموجب هذا التعديل توقفت مساعدات أميركا إلى باكستان والتي وصلت في الثمانينات إلى 600 مليون دولار سنوياً جاعلة من باكستان الدولة الثالثة في العالم بعد إسرائيل ومصر، من حيث الاستفادة من المساعدة الأميركية([54]).

كل هذا إضافة إلى التهديدات بمزيد من العقوبات والوعود "بالمكافأة" الاقتصادية والعسكرية، لم يردعوا باكستان التي أعطت الأولوية لأمنها القومي على كل الأمور الأخرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهكذا بدأت واشنطن عاجزة مجدداً عن السيطرة على الأزمات العالمية وبدت "قيادتها" للعالم تفتقر إلى المصداقية والمقدرة.

هذا العجز هو إحدى ثمار السياسة الانتقائية وازدواجية المعايير التي تتبعها الدول النووية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة. فحينما ناد الزعيم الهندي جواهر لآل نهرو في نيسان 1954 بالتوصل إلى الاتفاقية للحظر الشامل للتجارب النووية عارضت الولايات المتحدة والدول النووية الأخرى ذلك وفضّلت عليه الاتجاه نحو اتفاقية للحظر الجزئي للتجارب النووية في عام 1963 لأن تلك الدول كانت لا تزال في مرحلة صراع الحرب الباردة وتطوير سلاحها النووي، ولم تكن قد توصلت إلى تكنولوجيا التجارب المعملية. وقد تم التوصل إلى هذه المعاهدة عام 1996 بعد أن توصلت إلى القدرة على إجراء هذه التجارب معملياً، مما يتيح لها الاستمرار في تطوير سلاحها النووي([55]). وقد رفضت الهند وباكستان الانضمام إلى هذه المعاهدة لاعتبارات عديدة منها أنها لا تخدم إلا مصالح الدول المالكة للأسلحة النووية وأنها تكرّس الوضع النووي القائم الذي يقسم العالم إلى فئتين هما: فئة الذين يملكون السلاح، وهؤلاء الذين لا يملكونه ولأن الدول الكبرى تمتنع عن الالتزام بجدول زمني للتخلّص من ترساناتها النووية([56]).

وهكذا ساهمت هذه السياسة التمييزية، إضافة إلى اعتبارات أخرى عديدة، في إصرار الهند وباكستان على السعي لحيازة السلاح النووي. واستمرار هذه السياسة الانتقائية لا بد أن يؤدي إلى مزيد من الانتشار النووي في ظل غياب سياسة أميركية فعالة لمنع الانتشار النووي تقتضي تنفيذ التزامات للدفاع عن الدول غير النووية ضد هجوم الدول غير الأطراف في معاهدة منع الانتشار النووي NPT. وقد عبّر عن ذلك مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريزنسكي([57]). وعدم توافر ضمانات أمن إيجابية للدول غير النووية قد يساهم في زيادة الانتشار النووي. فالمعروف أن إسلام أباد طالبت بمثل هذه الضمانات في مقابل وقف برنامجها النووي لكن واشنطن رفضت تقديمها كما رفضت الالتزام بالدفاع عن باكستان إذا تعرضت لهجوم نووي، ما دفع هذه الأخيرة إلى الاعتماد على النفس لحماية الأمن القومي.

وتقف دول النادي النووي الكبرى أمام معضلة مزدوجة: إما الاعتراف للهند وباكستان بحقهما في دخول هذا النادي بغية استيعابهما وحضهما على تطبيق القواعد والأعراف السائدة فيه، الأمر الذي يشكل سابقة قد تغري دولاً عديدة أخرى على السعي للحصول على بطاقة دخول نووية في هذا النادي الذي لم تعد أبوابه موصودة كما في السابق؛ وإما رفض انضمام هذين البلدين إلى محفل الكبار مما يجعلهما في حل من أي التزام دولي لجهة العمل على منع الانتشار النووي.

ومن المعروف أن كوريا الشمالية واليابان تملكان قدرات نووية مؤكدة. وقد التزمت بيونغ يونغ (اتفاق 1994 مع واشنطن) على وقف البرنامج النووي العسكري مقابل مساعدات أميركية منها تقديم مفاعل نووي للأغراض السلمية. وبعد التفجيرات الهندية والباكستانية يمكن التساؤل حول مدى استمرار كوريا الشمالية في الالتزام بتعهداتها. كذلك الأمر بالنسبة لليابان التي تتمتع بمظلة نووية أميركية وتلزم نفسها بعدم إنتاج أو امتلاك أسلحة نووية رغم امتلاكها لبرنامج نووي سلمي متطور جداً ولمخزون كبير من البلوتونيوم. هل تستمر طوكيو بالاعتماد على الحماية الأميركية لوقت مستديم وسط سباق التسلح النووي المحتوم في آسيا وفي وجود خلافات مع واشنطن حول أمور اقتصادية كثيرة منها سعر الين الياباني والعجز التجاري الأميركي حيال اليابان واتهام هذه الأخيرة بممارسة سياسة حمائية مخالفة للقوانين التجارية الدولية، وغير ذلك؟ لقد كان موقف اليابان من التفجيرات النووية الهندية والباكستانية سريعاً وحاسماً إذ فرضت عقوبات اقتصادية نووية على البلدين، ما يدل على حساسيتها الخاصة حيال هذا الوضع؛ لا ننسى أن اليابان في تاريخها الآسيوي الطويل، كانت دوماً قوة كبرى تخيف الجيران وتغزو أراضيهم ولم تعتمد يوماً على الآخرين لحماية أمنها.

الانتشار النووي في المثلث الآسيوي ينطوي أيضاً على دلالات هامة في منطقة قريبة منه هي الشرق الأوسط حيث ما تزال إسرائيل تستأثر بالسلاح النووي. وقد فتحت التفجيرات الهندية والباكستانية نقاشاً خطيراً حول مستقبل الردع النووي الإسرائيلي في المنطقة.

 

3- مستقبل الردع النووي لإسرائيل

تقوم النظرية الأمنية الإسرائيلية على التفوق العسكري على الدول العربية مجتمعةً في المجال التقليدي، وعلى احتكار السلاح النووي([58]) ومنع أي دول عربية، أو إسلامية معادية، من الحصول عليه؛ وتقوم كذلك على الردع المسبق. من هنا ضرب المفاعل النووي العراقي أوزيراك في حزيران 1981. وتضمن الولايات المتحدة لإسرائيل هذا التفوق، من هنا الضغوط التي مارستها أميركا على دول عربية، مثل مصر وليبيا والجزائر، فكرت فيه إدخال التكنولوجيا النووية لصناعة الكهرباء، والهجمة الشرسة على العراق منذ العام 1991 والتي لا سابق لها في تاريخ العلاقات الدولية وفي حياة الأمم المتحدة.

ومنذ أن بدأ ذو الفقار علي بوتو الكلام عن "القنبلة النووية الإسلامية" الباكستانية عام 1972 اعتبرتها إسرائيل خطراً عليها وراحت تعمل على إعاقة ولادتها([59])، وذلك عبر حضّ الكونغرس الأميركي على اتخاذ العقوبات القاسية بحق إسلام أباد ومؤخراً عبر دعم البرنامج النووي الهندي والتخطيط للتدخل المباشر على طريقة قصف المفاعل العراقي عام 1981. في حزيران 1991 قبض رجال "جبهة تحرير جامو وكشيمو" الباكستانية على خمسة من عملاء الموساد كانوا يحاولون التسلل إلى باكستان لتفجير مفاعل كاهوتا([60]). وقد طلبت إسرائيل من الهند القيام بضربة جوية مشتركة للمنشآت النووية الباكستانية إلا أن الهند رفضت، خاصة وأن نواز شريف هدد بحرب شاملة إذا تعرضت هذه المنشآت للهجوم. ونقلت مجلة The Nation الباكستانية أن اثنين من القنابل النووية التي فجرتها الهند كانتا من صنع إسرائيل ونقلتا قبل التفجيرات الهندية بأسبوعين على متن طائرة عسكرية إسرائيلية من طراز س13([61]).

وتوثيق التعاون مع الهند بدأه ديفيد كيمي رجل الموساد تحت إشراف ارييل شارون عندما كان وزيراً للدفاع، أوائل الثمانينات، واستمر إلى اليوم عبر الزيارات المتبادلة للعسكريين والتقنيين ومنهم أبو القنبلة الهندية عبد الكلام الذي زار إسرائيل مرتين في عام 1996و1997([62])، وبرفقته عدد من العلماء الهنود قبل أن يتوجه أخصائيون  نوويون إسرائيليون إلى الهند([63]). وقد اعتبر بنيامين نتنياهو التجارب النووية الباكستانية عملاً جديداً للكتلة الإسلامية يهدف إلى تدمير إسرائيل([64]). ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل القنبلة الباكستانية إسلامية فعلاً وتشكل بالتالي بداية توازن مع القوة النووية الإسرائيلية؟ أم أن "لا دين لها" كما صرّح نواز شريف نفسه وبالتالي فإن تداعياتها تبقى محصورة في نطاقها الآسيوي الجنوبي؟

عندما أعلن نواز شريف خبر التفجيرات الباكستانية رداً على الهندية اندفعت الجماهير الباكستانية إلى الشوارع تصرخ "الله أكبر"، كذلك فعلت جماهير دول إسلامية أخرى. وعنون عدد من الصحف، في الدول الإسلامية، صفحاته الأولى بالقول: "إنها القنبلة الإسلامية"([65])وقد توجه وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي فوراً إلى إسلام أباد النووية لتهنئتها وأعلنت إيران أن هذه القنبلة تحقق توازناً مع القنبلة النووية الإسرائيلية([66])، كذلك أعلنت حركة حماس. والمعروف أن البرنامج النووي الباكستاني تلقى تمويلاً من ثلاث دول عربية (منها السعودية وليبيا) قبل أن ينقطع هذا التمويل لخلاف حول "هوية" القنبلة المستقبلية. ثم إن نواز شريف، في أول خروج له من إسلام أباد بعد التفجيرات النووية، اختار دول الخليج العربي حيث قام بجولة تلقى فيها وعوداً بمساعدات مالية تساعد بلاده على الصمود في وجه العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة واليابان([67]).

الإسرائيليون من جهتهم أكثروا من الكلام عن التهديد الستراتيجي الجديد المتمثّل بـ"القنبلة الإسلامية" والمخاوف الإسرائيلية لا تنبع من احتمال قيام باكستان بهجوم نووي على إسرائيل ولكن من احتمال نقل التقنية أو السلاح النووي إلى أقطار عربية أو إسلامية معادية لها. ثم إن امتلاك السلاح النووي يشكّل إضعافاً للعامل السيكولوجي في الردع الإسرائيلي الذي يقوم على مقولة "القنبلة في القبو". وقد أبدى بيان الحكومة الإسرائيلية في 2/6/1998 "القلق من التسلح النووي الإيراني" زاعماً أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي إلى إسلام أباد " تبرر دعوات إسرائيل للمجتمع الدولي لبذل كل الجهود الممكنة لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي" ووصل الأمر إلى حد الادعاء بأن "خطر نقل التكنولوجيا النووية إلى إيران يهدد الاستقرار في المنطقة والعالم"([68]). وراح المعلقون الإسرائيليون يكتبون بأن "كورية الشمالية وإيران ستتبعان الخطوة الباكستانية"([69])، وأن "التهديد الإيراني أهم بكثير وبشكل واضح بسبب قربها وقدرتها على الوصول لإسرائيل بشكل ينطوي على خطر أكبر"([70])، وأن التفجيرات النووية "ضربة خطيرة" لمكانة الولايات المتحدة وتمرّد على زعامتها للعالم "وكل ضربة لمكانة الولايات المتحدة تحمل في طياتها تأثيراً فعلياً على قدرة الردع الإسرائيلية"([71]).

رسمياً، حاولت إسرائيل التكتّم على تعاونها النووي مع الهند. وتم إلغاء الزيارة التي كان مقرراً أن يقوم بها رئيس الأركان امنون شاهاك في أوائل حزيران 1998 إلى الهند خشية "أن تفسّر هذه الزيارة في العالمين الإسلامي والعربي على أنها تحدّ لباكستان وما تمثله دينياً"([72]). هذا في الوقت الذي كان رئيس الموساد افرايم هاليفي قد وصل إلى الهند أواخر أيار الماضي لتوثيق العلاقات في المجالات الأمنية والاستخباراتية بين البلدين. وذكرت مصادر إسرائيلية داخلية "أن على إسرائيل أن تجعل من علاقاتها مع الهند في أدنى مستوى وتجعلها سرّية للغاية، حتى لاتجد باكستان في هذه العلاقات مبرراً للتعامل العسكري مع إيران والعراق"([73]).

في المقابل تميّزت ردود فعل المراقبين العرب بالانتصار لباكستان واستعداء الهند بسبب تعاونها مع إسرائيل. لكن الحقيقة أن العلاقات العربية-الهندية، الاقتصادية على الأقل، ليست أقل أهمية من العلاقات مع باكستان. يكفي التذكير بالملايين من الرعايا الهنود الذين يعملون في دول الخليج العربي. ثم إن طهران تقيم مع نيودلهي علاقات دبلوماسية وتبادلات تجارية وأمنية ودفاعية أوثق مما تثيمه مع إسلام أباد([74]). وقد نقلت وكالة الأسوشييتد برس عن الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية جيمس روبن أن سوريا تلقت دعماً خارجياً لتطوير ترسانتها من الأسلحة الكيميائية وذلك من شركات هندية([75]). وعلاقات الهند مع سائر الدول العربية لا تعاني من أي اضطراب رغم تعاونها النووي مع إسرائيل ببادرة من هذه الأخيرة التي تسعى لإضعاف النفوذ العربي في كل مكان ممكن وذلك عبر السعي لإقامة أفضل العلاقات مع العدد الأكبر مع الدول في العالم، من أفريقيا إلى آسيا مروراً بآسيا الوسطى.

الرأي المقابل لما يسمى بـ"القنبلة الإسلامية" يقول بأن "السلاح النووي خلافاً لغيره من الأسلحة لا يمكن نقله من دولة إلى أخرى"([76]) لأنه يتطلب قدرات علمية وتكنولوجية لا تملكها الدول العربية كما قال نواز شريف خلال جولته الخليجية في بداية حزيران 1998. فالدول العربية تعاني من ضعف يشمل البنى التحتية والتوجهات السياسية والتشرذم والخلافات الحادة بين الدول وداخلها والتبعية السياسية والاقتصادية و... الخ([77]) ما يجعلها عاجزة عن الاستفادة من التقنيات النووية، في المدى المنظور أقله. وقد رفضت باكستان بعناد، حتى اليوم، التجاوب مع طلبات دول عربية تزويدها بالخبرة النووية. وكان ذو الفقار علي بوتو قد رفض عرض القذافي بتمويل التطوير النووي الباكستاني مقابل مشاركة باكستان في الخبرات وتحويل القنبلة الإسلامية الباكستانية إلى "قنبلة عربية"([78])، وحتى الآن ليست هناك هناك إشارات تدل على أن باكستان ستتعاون في المجال النووي مع إيران مثلاً. وبالمناسبة فإن علاقات البلدين مرتبكة، في ضوء تصادمهما في أفغانستان. أما الهند فتحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران، حيث تشتري منها النفط([79]). لذلك حاول بعض الإسرائيليين ممارسة التهدئة ووضع الحدث في إطاره الآسيوي لأن "إسرائيل ليست ملزمة بتعزيز التعاون الإسلامي عبر إطلاق تصريحات ضد القنبلة الإسلامية، فالحافز الباكستاني في السباق النووي ليس إسلامياً ولا شرق-أوسطياً وإنما تقع جذوره في الصراع بين الهند وباكستان"([80]) وربما يفيد التذكير أن أبي البرنامج النووي الهندي عبد الكلام هو مسلم نذر نفسه لخدمة بلده الهند، التي يحكمها اليوم الحزب الهندوسي القومي المتعصب.

الخوف الإسرائيلي إذن ليس من تهديد باكستاني مباشر ولكنه خوف مما قد يحمله المستقبل من تداعيات. ففي النقاشات العديدة التي جرت في إسرائيل مؤخراً جرى الإفصاح عن رأي، بأن نمط السلوك الباكستاني قد يتغير. وحسب السيناريو الأسوأ ثمة احتمال بأن تشذ باكستان عن سياستها السابقة([81]). ذلك أن أهدافاً اقتصادية ومالية أو سياسية أو غيرها قد تدفعها إلى تقديم خبرات تكنولوجية نووية إلى إيران أو غيرها كما سبق للصين وقدمت لها الخبرات نفسها وكما فعل الاتحاد السوفياتي، ثم روسيا، ثم إسرائيل مع الهند. فحتى لو انعدم السبب الديني أو الإيديولوجي، وهو قوي وحاضر فعلاً، فإن أسباباً أخرى عديدة قد تقود إلى تعاون نووي باكستاني مع دول أخرى معادية لإسرائيل. وإن حصل ذلك فإن النظرية الأمنية الإسرائيلية برمتها معرضة للانهيار.

ويقول المراقبون أن اسحق رابين كان قد فكّر في احتمال انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط لذلك سارع للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية والسير على طريق التسوية معها([82]). كما اتخذت تل أبيب قراراً بالعمل على حيازة القدرة على توجيه الضربة النووية الثانية. وفي هذا المجال تم الاتفاق مع ألمانيا على صناعة غواصتين حديثتين ستتسلم إسرائيل واحدة منهما في نهاية العام 1998. وقالت صحيفة "هآرتس" أنه في مطلع العام 1999 عندما يدخل سلاح البحرية الإسرائيلي للخدمة الفعلية أول غواصة "دولفين" فإن سباق التسلح في الشرق الأوسط سيتخذ بعداً جديداً([83]). وذلك أنه إذا ما أفلحت القوات العربية في ضرب مفاعل ديونا بصاروخ أرض-أرض وضرب القواعد الجوية فإن إسرائيل يمكنها أن ترد بواسطة صاروخ منطلق من غواصة. وقد تولّت الولايات المتحدة قسطاً وافراً من تكلفة هذه الغواصات، كذلك ألمانيا التي لعبت إسرائيل على شعورها بالذنب من تزويدها العرب بمواد لتطوير أسلحة غير تقليدية([84]).

وتقول التقديرات الاستخباراتية الأميركية والإسرائيلية أن إيران ستستطيع إنتاج قنابل نووية خلال خمس إلى سبع سنوات. ولذلك رسمت سيناريوهات حول ما ينبغي على إسرائيل عمله للحيلولة دون امتلاك أي دولة أخرى في المنطقة القدرة النووية. وكانت إسرائيل قد صاغت بعد قصف المفاعل العراقي عام 1981 ما يسمى بـ"عقيدة بيغن" القائلة أن إسرائيل لن تسمح لأي دولة في الشرق الأوسط بامتلاك السلاح النووي. وتساعدها الولايات المتحدة  في ذلك دون أدنى شك، من هنا اعتقاد المراقبين أنه، عاجلاً أمم آجلاً، ستقوم إسرائيل بضربة وقائية ضد المنشآت النووية الإيرانية للحيلولة دون تطوير إيران للسلاح النووي([85]).

وبافتراض أنه لا يمكن الحيلولة دون امتلاك إيران، أو غيرها، للسلاح النووي فإن إسرائيل تعمل على امتلاك القدرة على توجيه الضربة الثانية وفي الوقت نفسه على بناء منظومة الصواريخ "حيتس" التي تستطيع اعتراض صواريخ العدو فور انطلاقها. وقد دار جدل واسع في إسرائيل حول جدوى هذه المنظومة الباهظة التكلفة مقارنة بفاعليتها (التي تدور حول الخمسين في المئة) ([86]) قبل أن يتم إقرار بنائها ونصبها في غضون السنوات القليلة المقبلة بالتوازي مع العمل على تطويرها باتجاه زيادة قدرتها وفاعليتها.

كذلك جرى جدل في إسرائيل غداة التفجيرات الهندية عما إذا كانت يجب كشف القدرات النووية([87]). فالهند، زميلة إسرائيل في نادي "القنبلة في القبو"، كشفت عن قدراتها النووية بعد تردد طويل. وإذا فعلت إسرائيل ذلك فإن ردود الفعل الدولية ستكون أقل حدّة وأكثر تفهماً بعدما فعلت الهند وباكستان. ثم إنه إذا كشفت إسرائيل قدراتها التدميرية التي لا يمكن لبلدان، مثل إيران، احتمالها، وإذا ما برهنت على أن بإمكانها القضاء على قسم كبير جداً من سكان العراق وإيران وبطريقة تعرض الأنظمة الحاكمة هناك للخطر، فإنها سوف تسترد لنفسها قدرة الردع([88]). والمعارضون لهذا الخيار يقولون أن خطورته تتمثل في أن أقطاراً عربية مجاورة أبرمت اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وكذلك أميركا، سوف يستخدمون إقرار إسرائيل العلني لإجبارها على التخلي عن قدراتها النووية. أما الدول المتطرفة فسوف تستغل الخطوة الإسرائيلية لتبرير زيادة مشاريعها النووية والتسلح بالصواريخ. والنتيجة أنه بعد وقت غير طويل، ستجد إسرائيل نفسها أمام أخطار أكبر لن تكون قادرة على ردعها بطريقة فعالة([89]).

والمعروف أن إسرائيل سبق لها وفكرت باللجوء إلى السلاح النووي، وكان ذلك خلال حرب يوم الغفران في تشرين الأول 1973. وقد أشارت التقديرات الأجنبية إلى  أنه بعدما أدركت إسرائيل أن المدرعات السورية تغطي جنوب مرتفعات الجولان وربما ستنزل إلى شواطئ بحيرة طبريا أمر وزير الدفاع آنذاك، موشيه دايان، بالتحضير لإطلاق صواريخ أريحا التكتيكية وتزويدها برؤوس نووية. كذلك في العام 1991، بمناسبة حرب الخليج الثانية، وفي شباط 1998، بمناسبة حرب الخليج الثالثة التي لم تندلع (أزمة انتراكس بين واشنطن وبغداد) جرى الحديث عن إمكانية لجوء إسرائيل إلى الخيار النووي([90]).

إن استمرار إسرائيل في احتكار القدرة النووية في الشرق الأوسط يجعلها قادرة على إملاء شروطها السياسية في التفاوض مع العرب، الأمر الذي يدفع المفاوضات إلى المأزق. وحتى الاتفاقات التي تتم على أرضية تفوق إسرائيلي مطلق فإنها اتفاقات لا تملك مقومات الديمومة. وهذا ما حدى بباحثين غربيين، وأميركيين تحديداً، إلى تأييد الرأي القائل بأن انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط قد يكون مفتاحاً مهماً لتحقيق السلام في المنطقة([91])، لأنه يعيد إليها التوازن المفقود الضروري لأية تسوية عادلة مستديمة.

وربما يكون تحليل محمد حسنين هيكل القائل بأن إسرائيل شنت حروبها على مصر، خاصة في عامي 1956و1967، لمنعها من حيازة السلاح النووي([92])، فيه بعض من المبالغة، ولكن من المؤكد أن الدولة العبرية لن تتردد في اللجوء إلى كل الوسائل، بما فيها الهجوم العسكري، لمنع الدول العربية من تحقيق التوازن النووي معها. لكن الحالة الباكستانية تسلط الضوء على حقيقة أن الدول التي تسعى لحيازة مثل هذا السلاح، أو غيره من أسلحة الدمار الشامل، لن تثنيها كل أنواع العقبات والصعاب في زمن العولمة والتنافس العالمي المحتدم.

*****************

 

صبيحة التفجيرات النووية الباكستانية، رداً على الهندية، كتبت افتتاحية "لوموند" الفرنسية تقول([93]):

من الآن وصاعداً لن تكون الذرة حكراً على بعض الكبار العقلاء. لقد أصبحوا سبعة ومن ثم عشرة في الغد أو خمسة عشر أو أكثر. النتيجة الأولى: فشل جهود نزع السلاح خلال ثلاثين عاماً. معاهدة حظر التجارب النووية ولدت ميتة. غداً ستلجأ هذه الدولة أو تلك، لسبب أو لحجة ما، إلى التسلح بالذرة. أهلاً وسهلاً بها في القرن الحادي والعشرين. مفهوم "النادي النووي" نفسه يجب مراجعته. هو نفسه أعطى ولادة القنبلتين النوويتين للهند وباكستان (...) لا فائدة بعد اليوم لهذه "النوستالجيا" لعصر الردع النووي الذهبي. من الآن وصاعداً هل سيكون العالم متعدد القطبية أقل خطراً من الثنائي القطبية السابق أو الأحادي الحالي؟ يجب على العالم مواجهة الحقائق الجديدة بعين ثاقبة وبوعي وإدراك.

من هذه الحقائق أن السلاح النووي سيصبح مبتذلاً إلى حدٍ كبير وربما يتخطاه احتدام السباق العالمي على التسلح نحو أنواع جديدة متجددة من الأسلحة: ما يسميه ألفن توفلر بأسلحة الجيل الثالث([94])، أو ربما أنواع أكثر فتكاً ورعباً كالأسلحة الميكروبية أو الزلزالية أو البسيكوتروبية وغيرها([95]) التي بدأت مختبرات البحث الأميركية العمل على اكتشافها. وإذا حدث ذلك فسوف يخيب توقع الملك الحسن الثاني الذي قال يوماً: "إذا ملكت ثلاثون دولة القنبلة النووية، من بين دول الأمم المتحدة، فإن الآخرين يمكن أن يناموا مطمئنين"([96]).

 

محاولات الحد من الأسلحة الذرية في الستينات والسبعينات

تشرين الأول 1962: أزمة الصواريخ الكوبية.

تموز 1963: معاهدة موسكو التي "تحظر التجارب النووية في الفضاء وتحت أعماق البحار".

كانون الثاني 1967: ستون دولة توقع اتفاقاً حول الاستخدام السلمي للفضاء.

شباط 1967: معاهدة تلاتيلوكلو التي تمنع على دول أميركا اللاتينية الواقعة جنوبي مدار السرطان صناعة أو حيازة أسلحة ذرية.

تموز 1968: معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية NPT (تدخل حيّز التطبيق في آذار 1970).

تشرين الثاني 1971: معاهدة خلو أعماق المحيطات من الذرة.

أيار 1972: اتفاق سالت1 حول تحديد الأسلحة الستراتيجية.

حزيران 1979: اتفاق سالت2 حول تحديد جديد للأسلحة الستراتيجية. هذه الاتفاق لن يوقعه مجلس الشيوخ الأميركي.

 

عشر سنوات من نزع السلاح

تشرين الثاني 1985: لقاء ريغان-غورباتشيف في جنيف.

نيسان 1986: حادثة التسرب النووي في تشيرنوبيل.

تشرين الأول 1985: لقاء ريغان-غورباتشيف في ريقجافيك.

كانون الأول 1987: توقيع معاهدة، في جنيف، بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، تفرض تدميراً للصواريخ المتوسطة وتحديداً الصواريخ الأوروبية المسماة "الخيار صفر - مضاعف".

تشرين الثاني 1990: توقيع اتفاق بين حلف الأطلسي ووارسو حول الجزء المتعلق بالترسانات التقليدية.

تموز 1991: حلف وارسو يحل نفسه.

تموز 1991: التوقيع على اتفاق، في موسكو، بين غورباتشيف وبوش (ستارت1) يفرض تحديداً بنسبة 25 إلى 30 بالمئة لترسانات البلدين الستراتيجية.

أيلول 1991: اتفاق أميركي-سوفياتي حول تدمير الأسلحة النووية قصيرة المدى.

تموز 1992: اتفاق أميركي-روسي في واشنطن حول تخفيض أسلحة البلدين النووية بنسبة الثلثين.

كانون الثاني 1993: توقيع معاهدة ستارت2 بين روسيا والولايات المتحدة حول تدمير الصواريخ الستراتيجية المتمركزة في الأرض وذلك في مهلة أقصاها العام 2003 (لم يصدّق عليها الدوما الروسي ولا الكونغرس الأميركي حتى الآن).

كانون الثاني 1993: اتفاق باريس لمنع إنتاج واستخدام الأسلحة الكيمائية.

أيار 1993: الرئيس كلينتون يتخلى عن برنامج "حرب النجوم".

كانون الثاني 1994: الاتفاق متعدد-الطرق حول تفكيك الترسانة النووية الأوكرانية.

نيسان 1995: كازاخستان تبدأ بتدمير قواعد صواريخها الباليستية.

المصدر: Le Monde Dossiers et Documents, No. 234, Juillet-Août 1995, P. 2.

 

كرونولوجيا

2 كانون الأول 1997: الرئيس الباكستاني فاروق ليغاري يستقيل تحت ضغط الجيش بعد صراع مع رئيس وزرائه نواز شريف.

15 آذار 1998: بعد فوز حزب القوميين الهندوس (باهارتيا جاناتا) في الانتخابات التشريعية قام زعيم اليمين المتشدد اتال بيهاري فاجباي يتشكيل الحكومة الهندية الجديدة.

5 أيار 1998: وزير الدفاع الهندي جورج فرنانديز يعلن: "التهديد المضمر الصيني أكبر من التهديد الباكستاني".

6 نيسان 1998: تجريب صاروخ باكستاني أرض-أرض (غوري) مداه 1500 كلم يمكن له تهديد معظم المدن الهندية.

11 أيار 1998: نيودلهي تقوم بتفجيرات نووية ثلاثة تحت الأرض.

13 أيار 1998: تفجيران نوويان هنديان جديدان في صحراء راجاستان.

28 أيار 1998: باكستان تقوم بخمس تجارب نووية في صحراء بالوشيستان.

30 أيار 1998: إسلام أباد تقوم بتجربة نووية جديدة (بهدف إعلان التفوق العددي على الهند التي قامت بخمس تجارب).

 

القوى النووية في العالم      

 

عدد التجارب النووية

عدد المفاعلات النووية

مدى الصواريخ (بالكيلومتر)

الولايات المتحدة

1032

1186

13000

المملكة المتحدة

45

64

12000

فرنسا

210

124

6000

روسيا

715

1395

11000

الصين

45

79

8000

الهند

5

65

2500

باكستان

5

15-25

1500

إسرائيل

-

100

1500

 

 

Source: Le Monde 30/5/1998.

ترسانة الأسلحة النووية في العالم(97)(وسائل معلنة)

الدولة

إجمالي رؤوس العمليات الحربية

مقذوفات القواعد الأرضية

مقذوفات الغواصات

مقذوفات القاذفات الجوية

مقذوفات غير ستراتيجية

روسيا الاتحادية

10240

4810(2)

1824

806

2800(3)

الولايات المتحدة

8420(4)

2000

3456

1800

970

فرنسا

450

46

348

20

-

الصين

400

113

12

150

125

بريطانيا

260

-

160

100

-

إسرائيل

70-125

أريحا1 أريحا2

-

-

-

الهند

حتى 74

أجن-بيرتيفن

-

-

-

باكستان

حتى 10(2)

حتفا1-حتفا2    2-11 الصين

-

-

-

 

 

(1)- بحد أقصى عشرة.

(2)- تتضمن 1200 (ABMS)، (SAMS).

(3)- بالإضافة إلى عدد 12000 أخرى من المحتمل أن يكونوا في الاحتياط أو في انتظار الفك.

(4)- تتضمن قطع الغيار فضلاً عن 2300 رأس حربي في الحالة الاحتياطية.

المرجع: السياسة الدولية العدد 133، يوليو 1998، ص 248 نقلاً عن النيوزويك (الأسيوعية) عدد 25 أيار 1998 ص 18.

 


[1] La paix nucléaire, simulations et réalités" (préface de LELLOUCHE Pierre), édition BANON Patrick, Paris 1995, P 7

[2] Ibid P 8

[3] Ibid

[4] Ibid

[5] د. صبري اسماعيل مقلّد "الستراتيجية والسياسة الدولية، المفاهيم والحقائق الأساسية". مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1979، ص 197-199

[6] المصدر نفسه ص 209

[7] لمزيد من التفاصيل حول هذه الاتفاقات والمعاهدات أنظر المصدر نفسه ص 251 إلى 310

[8] CANS Roger."Le grand chantage de Tchernobyl", Le Monde, 25 avril 1995

[9] cf. International Herald Tribune, december 10, 1987

[10] أنظر موسوعة العلوم السياسية، جامعة الكويت 1993/1994، ص 665

[11] BERKWITZ Bruce. "Proliferation, Deterrence, and the likelihood of nuclear war" in: the journal of conflict Resolution, vol. 29, No 1, march  1985.

[12] أنظر موسوعة العلوم السياسية، مصدر سابق، ص 665 إلى 668

[13] Nuclear balance of Terror Theory; théorie de la balance de la terreur atomique

[14] ROCHE Jean-Jacques, "Le système international contemporain", éd. Montchrestien, Paris 1992

[15] ARON Raymond, "Paix et guerre entre les nations", éd. Calmann-Levy, Paris 1994, 8ème éd. P 400

[16] Ibid

[17] Ibid P 402

[18] Ibid

[19] La paix nucléaire", op. cit, p. 10

[20] ROCHE J.-J. "Le système international contemporain", op. cit

[21] الخليج (الإماراتية) 20/8/1995

[22] HAUTIN-GIRAUT Denis, "Les errements du plutonium", Le Monde, 12/4/1995

[23] Le Monde 18/2/1993

[24] Le Monde 7/5/1994

[25] Le Monde 4/5/1995

[26] Le Monde 23-24 Avril 1995. (La simulation par Laser

[27] Le Monde 16/12/1991

[28] International Herald Tribune, March 25, 1993

[29] ISNARD Jacques, "Les experts nucléaires", Le Monde 1/2/1995

[30] International Herald Tribune. August 24, 1994

[31] PHILIP Bruno. "L'escalade Indo-Pakistanaise", Le Monde 16/9/1994

[32] Ibid

[33] Ibid

[34] International Herald Tribune. March 13, 1992

[35] Mc CAIN John, "Controlling arms sales to the third world", The Washington Quarterly, vol. 14, 1991-2. P.79

[36] La paix nucléaire", op. cit

[37] LELLOUCHE Pierre, "Légitime défense", éditions BANON Patrick, Paris 1996

[38] JERVIS Robert, "The Future of World Politics: Will it Resemble the Past?", International security, vol. 16, 1991-1992-3

[39] MAHNKEN Thomas, "The arrow and the shield: US response to the ballistic missile proliferation", the Washington Quarterly, vol. 14, 1991-1, P 128

[40] TATU Michel, "Les Etats-Unis, leader ou gendarme?" Le Monde 11/3/1992

[41] هضبة معزولة (علوها 3500م) في هملايا على الحدود الجنوبية الغربية للصين، مساحتها 1221600 كلمتر مربع. وعرة وفقيرة وقليلة السكان والموارد. تحكمها منذ القرن 17 ثيوقراطية يتزعمها دالايلاما. استقلت عام 1911 واجتاحها الجيش الصيني عام 1950 لكنها انتفضت عام 1959 وقمعت الصين هذه الانتفاضة بعنف مما اضطر الدالايلاما للهرب إلى الهند. وأعطتها حكومة بكين الحكم الذاتي عام 1965 لكن الاضطرابات ما تزال تعصف بها وما يزال الداليلاما في المنفى يطالب بالاستقلال وتدعمه الهند

[42] وصل اليمين الهندوسي إلى السلطة دون الحصول على الأغلبية المطلقة. لذلك اضطر لتنفيذ شروط حليفته الوزيرة السابقة جيالاليتا جايارام التي يحتل حزبها 27 مقعداً في البرلمان. وهي فنانة سابقة دخلت إلى السياسة ومتهمة بفضائح فساد عديدة وعد فاجباي بالسكوت عنها. وكان فاجباي قد عين رئيساً للوزراء عام 1996 لكنه استقال بعد 13 يوماً أي قبل مثول حكومته أما البرلمان للحصول على ثقته وذلك لعلمه مسبقاً بالخسارة. هذه المرة أيضاً غير حلفاؤه آراءهم مرات عديدة، مما يعني أن حكومته ولدت ومعها عدم استقرار جيني قد يطيح بها في أية لحظة. ويقول مراقبون أن للتفجيرات النووية أبعاد ديماغوجية يراد استثمارها على صعيد الجهة الداخلية السياسية الهشة

[43] أنظر صحف 14/5/1998

[44] منذ الاستقلال عام 1947 الجيش هو صاحب الكلمة الأولى في باكستان. وكانت قد عصفت بهذا البلد عام 1997 "أزمة نظام حكم" وضع لها حداً الرئيس فاروق ليغاري عندما قدّم استقالته في الثاني من كانون الأول 1997 بعد خلافه العميق المحتدم مع رئيس الوزراء نواز شريف. الجيش حسم الصراع على السلطة ولكن بطريقة خفية هذه المرة ومختلفة عن الممارسات السائدة منذ 25 عاماً من الدكتاتورية العسكرية. لقد لعب الجيش هذه المرة دور الحكم الباحث عن حل سلمي توصّل إليه قائد الأركان الجنرال جيهانغير كرامات الذي اجتمع بكل من الرئيس ليغاري ورئيس الوزراء شريف قبل استقالة الأول بهدف "الحفاظ على الدستور ودولة القانون" كما أعلن

[45] السفير، 6/6/1998، ص 19

[46] الشرق الأوسط، العدد 7106، 13/5/1998، ص 5

[47] الحياة، 11 تموز 1998، ص 7

[48] - وكان أحد المعلقين السياسيين قد كتب في 8 حزيران 1990: "إذا ما ذهبت الهند وباكستان إلى حرب، وهما قوتان نوويتان، فإنهما سيذهبان نحو مواجهة غير نووية، وسيكتشفان طريقتهما الخاصة في الردع المتبادل".        In International Herald Tribune, June 8, 1990

[49] عدد سكان الهند مليار نسمة يتحدثون 16 لغة مختلفة ويقطن 75 بالمئة منهم في الأرياف. مدخول الفرد السنوي في الهند 240 دولاراً والأمية تبلغ 48 بالمئة وهناك تلفزيون واحد لكل 44 شخصاً وتلفون واحد لكل 145 فرداً. أما الصحيفة اليومية فلا يقرأها سوى 21 فرداً من كل ألف كما أنه لا يوجد سوى طبيب واحد لكل 2337 شخص. أما في باكستان فلا يتجاوز مدخول الفرد السنوي 450 دولاراً، وتبلغ الأمية 35بالمئة وهناك تلفزيون واحد لكل 63 شخص وراديو واحد لكل 13 شخص وطبيب واحد لكل 2400 شخص وتبلغ ديون باكستان الخارجية 60 مليار دولار كما أن احتياطها المالي في الخارج لا يتجاوز الملياري دولار. أنظر: الرأي العام (الكويتية) العدد 11307، 6 يونيو/حزيران 1998، ص 13 (مقال د. شفيق ناظم الغبرا)

[50] الشرق الأوسط، العدد 7106، 13/5/1998، ص 5، عن وكالة انترفاكس الروسية

[51] د. حسين زكريا، "الآثار الستراتيجية الإقليمية للتجارب النووية الهندية-الباكستانية" السياسة الدولية، العدد 133، يونيو 1998، ص 258

[52] نافع ابراهيم، "سباق الرعب النووي في آسيا، ملاحظات مهمة وتداعيات خطيرة"، جريدة الأهرام، 29 مايو/أيار 1998، ص 3

[53] الرأي العام (الكويتية)، العدد 11307، 6 يونيو/حزيران 1998، ص 13 (مقال جورج المصري)

[54] Le Monde, 30/5/1998

[55] د. حماد فوزي - أحمد عادل محمد، "الأبعاد السترتيجية الدولية للتفجيرات الهندية والباكستانية"، السياسة الدولية، العدد 133، يونيو 1998، ص 262

[56] محمود أحمد ابراهيم، "دوافع التحول: أهداف التجارب النووية الهندية والباكستانية"، المصدر نفسه ص 252

[57] BRZEZINSKI Z. "Selective Non-Proliferation is Futile", Los Angeles Times, May 18, 1998, P2

[58] حسب تقديرات المخابرات الأميركية فإن بحوزة إسرائيل 200 قنبلة نووية على الأقل بما في ذلك قنابل نيوترونية. ولديها وسائل إطلاق برية (صاروخ أريحا) وبحرية (صاروخ غبرائيل). ولم تنضم إسرائيل إلى معاهدة منع الانتشار NPT رغم الجهود المصرية والمطالبة بمنطقة شرق أوسط خالية من أسلحة  الدمار الشامل. والمفارقة أن الدول العربية هي التي تعرضت للضغوط الأميركية في سبيل الانضمام إلى هذه المعاهدة رغم بقاء إسرائيل خارجها

[59] زاك موشيه، "التمرد النووي"، معاريف 2/6/1998

[60] MELMAN Yossi, "See from ISRAEL, The Signs Point to a Nuclear Arms Race" International Herald Tribune, June 10, 1998

[61] الحوادث، 5/6/1998، ص24، "لو موند" (الفرنسية) 27/5/1998

  1. [62] الدستور (الأردنية) 4/6/1998. ص1، أنظر أيضاً

RODAN Steve, "India, Israel concerned US will stifle ties" Jerusalem Post, May 3,1998, P5

[63] MELMAN Yossi, "Israel - Iran, La course à l'armement nucléaire est relancée", Courrier International No. 399, 25 Juin au 1 Juillet 1998. P42

[64] Ibid

[65] أنظر مثلاً الشرق الأوسط (السعودية)، العدد 7122، 29 مايو/أيار 1998

[66] السفير، 6/6/1998، ص 19

[67] أنظر الخليج في 7 و8 و9 حزيران 1998

[68] صحف 3/6/1998

[69] بن بيشاي رون، "إيران الدولة النووية الثانية"، يديعوت احرونوت، 29/5/1998

[70] شالوم سيلفان (نائب وزير الدفاع الإسرائيلي)، هآرتس، 29/5/1998

[71] زاك موشيه، "التمرد النووي"، مصدر سابق

[72] الشرق الأوسط، 4/6/1998، ص 3

[73] المصدر نفسه

[74] MELMAN Yossi. "Israel-Iran ...", op. cit

[75] النهار، 26/6/1998، ص 20

[76] بيريز شيمون، ورد في تقرير عامر عبد المنعم، الشعب (المصرية)، 2/6/1998، ص 3

[77] EL HAJJ Aziz. "Une bombe Islamique ne serait d'aucun secours aux arabes", Courrier International, op. cit

[78] ميلمان يوسي، "في ظل ابتسامة بوذا"، هآرتس، 17/5/1998

[79] المصدر نفسه

[80] زاك موشيه، "التمرد النووي". مصدر سابق

[81] ميلمان يوسي، "في ظل ابتسامة بوذا"، مصدر سابق

[82] روبنشتاين داني، "القنبلة الإسلامية والفلسطينيون"، هآرتس، 1/6/1998.

[83] موس حلمي، "إسرائيل والضربة النووية الثانية" (تقرير)، السفير 10/6/1998

[84] المصدر نفسه

[85] المصدر نفسه

[86] بادهشور رؤبين، "سهم (حيتس) نحو الهدف الخاطئ" ، هآرتس، 1/6/1998

[87] بن يشاي رون، "هل يجب كشف القدرة النووية؟"، يديعوت احرونوت، 15/5/1998

[88] المصدر نفسه

[89] المصدر نفسه

[90] المصدر نفسه

[91] For Example: Bruce Bueno de Mesquita & William Riker. "An Assessment of The Merits of Selective Nuclear Proliferation", Journal of  Conflict Resolution, No.26, June 1982; Shai Feldman. "A Nuclear Middle East", Survival, No.23, May-June 1981; Stephen Rosen. "A Stable System of Mutual Deterrence in The Arab-Israeli Conflict", American Political Science Review, No.71, December 1977

[92] أنظر "النهار" 29/6/1998

[93] Le Monde, 30/5/1998

[94] TOFFLER Alvin & Haïdi, "Guerre et Contre Geurre", éd. Fayard. Paris 1994

[95]POUTKO Boris, "Les Nouvelles Armes de la Fin du Monde", éd. Du Rocher. Paris 1996

[96] أنظر كوثراني وجيه. "باكستان - الهند على خطى "الكبار" المؤسسين". السفير 13/6/1998، ص23