السلطة في لبنان وخريطة الديموغرافيا التمايزية

السلطة في لبنان وخريطة الديموغرافيا التمايزية
إعداد: د. ألكسندر أبي يونس
أستإذ محاضر في الجامعة اللبنانية.

المقدمة

شهد الكيان اللبناني عبر تاريخه الحديث عدّة تغيّرات جغرافية، الأمر الذي أثّر على اجتماعه السياسي وعلى  الحكم فيه. فمن جبل لبنان، إمارة التعايش الماروني- الدرزي، إلى لبنان الكبير، جمهورية التعايش المسيحي - الإسلامي خلال التاريخ المعاصر، مرّ الكيان اللبناني بمخاض عسير ولا يزال. فما هي أسباب استمرارية المشكلة اللبنانية؟ أهي الديموغرافيا التمايزية[1] التي يخضع لها المجتمع اللبناني، وعدم ضبطه صيغة عيش مشتركة وطنية؟ أم بسبب الأطماع الإقليمية بهذا الكيان؟ هل أنّ مشكلة لبنان تكمن في دستوره أم في طوائفه المتصارعة على السلطة والصلاحيات والوظائف الإدارية؟ هل المشكلة في عدم تفاهم اللبنانيين على كيانهم وهويته ومواطنيته ومدنيته، الأمر الذي يدفع ببعض الطوائف إلى اعتماد اللعبة الديموغرافية من أجل تحقيق أهدافها؟

سنتطرق في هذه الدراسة إلى الديموغرافيا التمايزية اللبنانية الخاضعة لبورصة التغيير، وتأثيراتها على السلطة في تاريخ لبنان مع تحليلها واستنباط الحلول الممكنة من أجل جمهورية ديموقراطية قوية تحفظ حقوق جميع مواطنيها وتمحو مخاوفهم المستمرة؛ لأنّ ما يشهده لبنان حاليًا من أزماتٍ سياسية واجتماعية، وصراع على السلطة والصلاحيات ليس وليد ساعته، بل له جذور تاريخية تعود لقرنين من الزمن وهي تتكرّر للأسف منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

 

أوّلًا: الجذور التاريخية للإحصاءات اللبنانية ونتائجها: من القائمقاميتين إلى لبنان الكبير (1842- 1921)

بدأ نفوذ الموارنة يتزايد في جبل لبنان منذ القرن الثامن عشر بخاصة بعد تنصّر الشهابيين السنة واللمعييين الدروز[2]. ومن ثمّ كانت مرحلة حكم الأمير بشير الشهابي الثاني (1788-1840)، التي شهدت مجموعة أحداث محلية وإقليمية ودولية، اضطلعت الكنيسة المارونية بدور كبير في حياة جبل لبنان الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، ممّا أدى إلى الحد من نظام الاقطاع وشد العصبية المارونية، إذ لم يعد الاندماج السياسي وتكامله يقومان على الروابط العائلية والمكانة الاجتماعية والولاء الشخصي للأسر الإقطاعية، بل على أساس الانتماء إلى مجتمع الطائفة[3].

بالتالي فإنّ التحولات الإيجابية من تطور ديموغرافي واجتماعي واقتصادي في الطائفة المارونية خلال العام 1840، والأجواء العثمانية والأوروبية المؤاتية بعد الانتصار على محمد علي والي مصر، فرضت على البطريرك الماروني يوسف حبيش (1823-1845) ألاّ يقف عند حدود المصالحة بين الطائفة المارونية وسكان جبل لبنان من دروز ومسلمين، إنّما دفعته إلى المطالبة باستقلال الموارنة تحت السيادة العثمانية. فطلب من الباب العالي بواسطة فرنسا، مجموعة مطالب ثقافية ودينية واقتصادية وإدارية تهم الطائفة المارونية[4]، شكّلت بمجملها دستورًا سياسيًا يعطي الجبل صيغة إدارية خاصة عن طريق تشكيل مجلس من 12 عضوًا منتخبين لكي يكونوا بمنزلة مستشارين للحاكم بهدف المداولة في أمور إدارة الجبل.

وافقت السلطنة العثمانية على منح انعاماتٍ للموارنة في 29 تشرين الأول 1840، لكن عن طريق النمسا وإنكلترا[5]. أبرز ما نصّت عليه هذه الإنعامات في البند الثاني عشر، من الناحية السياسية، أن يكون الحاكم دائمًا على جبل لبنان وأنطيلبنان مارونيًا من العائلة الشهابية، كون سكان جبل لبنان الأكثر عددًا هم الموارنة. وقد أجمعت معظم المراجع الإحصائية على أنّ الموارنة كانت لهم الغلبة الديموغرافية في جبل لبنان خلال القرن التاسع عشر، إن كان خلال العهد المصري (1832-1840) أو عهد القائمقاميتين (1842-1860) أو المتصرفية (1861-1918)، وذلك وفق الجدول الآتي[6] :

 

المرجع

التاريخ

مجموع السكان

الموارنة

الدروز

الكاثوليك

الأورثوذكس

السنة

الشيعة

Douin

1833

215000

130000

65000

3000

10000

2500

3000

Bourée

1843

323470

282736 (مجموع المسيحيين)

21635

 

 

8445

10654

Armée Française

1860

487600

208180

44160

68040

33475

76565

55120

 

إنّ التفوق المسيحي في جبل لبنان بنسبة 80٪ تقريبًا مقابل 20٪ للمسلمين بمختلف طوائفهم، جعل الموارنة يطالبون بالحكم، في حين أنّ الدروز رفضوا ذلك مطالبين بإرجاع القديم إلى قدمه، أي إرجاع السلطة والحكم لهم على أن يبقى الموارنة فلاحين وخاضعين لنظام الإقطاع. لكن الوضع الديموغرافي الذي لم يعد يسمح بذلك، دفع بالموارنة إلى التمسّك بمطلبهم. وأمام رفض الدروز اندلعت فتن 1841، وكان من نتيجتها فرض نظام القائمقاميتين على أهل الجبل، أي تقسيمه إلى منطقتين بعيدتين عن الحسابات الديموغرافية، واحدة جنوبية درزية يديرها قائمقام درزي، وأخرى شمالية نصرانية يديرها قائمقام ماروني تفصل بينهما طريق بيروت - دمشق. وهكذا قسّمت السلطة بين الدروز والموارنة نتيجة الديموغرافيا، لكن الموارنة رفضوا هذا الأمر مطالبين بإعادة الإمارة الشهابية، الدروز والعثمانيون والإنكليز رفضوا ذلك، ممّا أدى إلى اندلاع فتن جديدة في العام 1845. خلال هذه الأحداث توفي البطريرك يوسف حبيش وانتخب خلفًا له البطريرك يوسف راجي الخازن(1845-1854) الذي وافق على النظام الجديد تجنبًا لوضع طائفته في خطر، على أن يساعد القائمقامين مجلسان يمثلان مختلف الطوائف في القائمقامية وذلك بموجب ترتيبات شكيب أفندي الصادرة في أيار 1846 [7].

تألّف كل من المجلسين من اثني عشر عضوًا، مستشار وقاضٍ لكل من الدروز والموارنة والأرثوذكس والكاثوليك والسنة، ومستشار واحد للشيعة ووكيل للقائمقام. من مهام هذين المجلسين معاونة القائمقام في الشؤون الإدارية والحرص على الألفة بينهم. ومع هذين المجلسين بدأ النظام الطائفي فعليًا في "لبنان".

لم يدم نظام القائمقاميتين سوى خمس عشرة سنة. وعلى الرغم من سيئاته إلاّ أنه نقل الموارنة من نظام التعايش إلى الاجتماع السياسي، ليدخل مجتمع الجبل في طور الدولة الحديثة، وذلك بفضل الدستور الأول لجبل لبنان، أي ترتيبات شكيب أفندي التي أعادت الاستقرار إلى مجتمع الجبل.

انتهت تجربة القائمقاميتين بشكلٍ مريرٍ إذ اندلعت أحداث وفتن بين المسلمين والمسيحيين في العام 1860، كانت نتيجتها إعادة توحيد الجبل في كيانٍ اسمه المتصرفية على رأسه متصرّف مسيحي عثماني تعينه السلطنة العثمانية وتوافق عليه الدول الكبرى. وكان للمتصرفية دستور وهو بروتوكول 1861 الذي نصّ على إنشاء مجلس إدارة من 12 عضوًا موزعين على الطوائف بالتساوي من دون المراعاة لعددهم، فحصلت كل طائفة على ممثّلَين اثنين.

 

عدّل هذا البروتوكول في العام 1864 وأعيد توزيع أعضاء مجلس الإدارة نسبيًا بين الطوائف ووفق إحصاء القنصلية الفرنسية الذي أجري سنة 1863، والذي بلغ عدد السكان وفقاً له 235791 نسمة.

 

الطائفة

العدد

النسبة ٪

الطائفة

العدد

النسبة٪

موارنة

131800

55.9

دروز

28560

12.11

أورثوكس

29320

12.43

شيعة

9820

4.16

كاثوليك

19370

12.11

سنة

7611

3.22

بروتستانت

100

0.04

مجموع المسلمين

45991

19.5

مجموع المسيحيين

189780

80.48

يهود

20

0.01

مجموع السكان

 

 

 

235791

100

أمّا أعضاء المجلس الإداري الجديد فكانوا على الشكل التالي: 4 للموارنة - 3 دروز - 2 أورثوذكس - سني واحد - كاثوليكي واحد - شيعي واحد[8].

يعطي هذا التوزيع الغلبة للمسيحيين كون عددهم الديموغرافي في المتصرفية البالغة مساحتها 3424 كلم2 هو أكبر من عدد المسلمين. غير أنّ قرارات مجلس الإدارة لم تكن بالتصويت إنّما بالتوافق بخاصة وأنّ صلاحيات هذا المجلس بقيت محصورة بتحصيل الضرائب والإشراف على مداخيل المتصرفية ونفقاتها، وبتقديم الإستشارة في مجال الشؤون الإدارية. لم يتمكّن هذا المجلس من التحول إلى سلطة تشريعية، إنما عمد المتصرف إلى إنشاء منصب نائب رئيس المجلس وأنيط به إلى ماروني[9].

 

إنّ الاستقرار الأمني والتعايش الدرزي-الماروني في المتصرفية سمح بتطور الاقتصاد ونظام الحكم، إذ أجرى المتصرف أوهانس باشا كيومدجيان في العام 1913 إحصاءً رسمياً لأهالي المتصرفية بلغ عدد السكان بموجبه 414953 نسمة. وقد كان عدد الطوائف على الشكل الآتي[10]:

 

النسبة٪

العدد الطائفة

النسبة ٪

العدد الطائفة
موارنة 242308 58 سنة 14529

3

أورثوكس

52356

12 شيعة

23413

5
كاثوليك 31936 8 دروز 47290 12
بروتستانت 2968 2

مجموع المسلمين

85232 20
أرمن 67   يهود 86  

مجموع المسيحيين

329635

80

     

 

 

نتيجةً لهذا الإحصاء، وبعد المطالبات الشعبية بتعديل التمثيل الطائفي، تمّت الاستجابة لزيادة عضو للموارنة عن دير القمر ليصبح عدد الموارنة في المجلس الإداري خمسة بموجب البروتوكول الجديد الصادر في 24 كانون الأول 1912 [11].

لم تشهد المتصرفية أزمات نزاعية على السلطة، إذ إنّ غالبية السكان كانوا من لونٍ واحد. لكن بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 واحتلال الأتراك للمتصرفية بين 1915 و1918، بدأت المشاريع السياسية بشأن مصير المتصرفية وأماني اللبنانيين تتبلور أكثر فأكثر بعد التخلّص من النير العثماني.

وأمام المشاريع السياسية المتعددة، استطاع أهالي المتصرفية وبالأخص المسيحيون تحقيق مشروعهم التاريخي وهو دفع السلطات الفرنسية مرغمةً[12] إلى إعلان دولة لبنان الكبير في الأول من أيلول 1920، وهذا ما أدى إلى صراع كبير في الدولة الفتيّة الجديدة بين معظم أهالي المتصرفية ومعظم أهالي الأقضية والمدن الملحقة بلبنان(بعلبك-حاصبيا-راشيا-البقاع-طرابلس-صيدا-صور) حول الكيان والهوية ونظامي الحكم والاقتصاد. ومع هذا الإعلان أصبح جبل لبنان عصب دولة لبنان الكبير، فمن يسيطر على الجبل يسيطر على لبنان.

لكن، لماذا سعى المسيحيون إلى المطالبة بتوسيع حدود لبنان على الرغم من معرفتهم أنّ هذا الأمر سوف يؤثر على التوازن الديموغرافي، إذ سينتقل التعايش من درزي - ماروني إلى مسلم - مسيحي الأمر الذي لا بدّ أن ينعكس على نظام الحكم؟

 

ثانيًا: من المتصرفية إلى لبنان الكبير: امتيازات أم ضمانات؟

  إنّ إعلان دولة لبنان الكبير جاء نتيجة نضال المسيحيين. لكن الوضع الديموغرافي تغيّر في لبنان الكبير، ولم يعد كما كان زمن المتصرفية ذا طابع مسيحي. فعدد السنة والشيعة قد زاد كثيرًا وأصبحت نسبتهم 45٪ مقابل 55٪ للمسيحيين.

ما كانت أبعاد مطالبة البطريرك الماروني الياس الحويك والوفود اللبنانية إلى مؤتمر الصلح سنتي 1919 و1920 بلبنان الكبير؟

المطالبة بلبنان الكبير كانت من قبل البطريركية المارونية التي كان لها هاجس المجاعة التي وقعت بحق أهالي المتصرفية خلال الحرب العالمية الأولى، فأراد البطريرك ومعظم المفكرين المسيحيين الاستراتيجيين ضم السهول والأنهار والمرافىء الضرورية اللازمة للدولة اللبنانية من أجل استمرارها وعيشها في ظل الأزمات الحربية. إلاّ أنّ ضم الأقضية الأربعة إلى متصرفية جبل لبنان أدّى إلى أزمة نظام وتعايش بين اللبنانيين، بخاصة بعد رفض معظم أهالي الأقضية، الذين هم بمعظمهم من المسلمين، الانضمام إلى الدولة اللبنانية، ورفضهم هذا الأمر.

إذًا لم يكن هدف البطريركية المارونية إنشاء دولة تكون الغلبة الديموغرافيّة فيها للمسيحيين، بل على العكس فهي أرادت دولةً فيها مقومات الحياة من سهول ومرافىء وأنهار، لكن في الوقت نفسه حرصت على أن تظل الغلبة الديموغرافية للموارنة كي يكون رئيس الدولة العتيد من طائفتها، هذا من جهة، أمّا من جهة ثانية فقد برز تيارٌ ثانٍ لدى المسيحيين وعلى رأسه إميل إده، طالب بتوسيع حدود لبنان أكثر مما هو معروف، أي بضم الحولة جنوبًا ومنطقة وادي النصارى شمالًا إلى لبنان، مع العلم بأنّ وادي النصارى كانت بغالبيتها من المسيحيين الأورثوذكسيين، هذا بالإضافة إلى أنّ معظم أهالي دولة العلويين التي أنشأها الفرنسيون سنة 1920، كان يطالب بالانضمام إلى دولة لبنان الكبير وليس إلى سوريا الداخلية أي دولة دمشق وحلب.

فضّل البطريرك الماروني أن يبقى لبنان بلد الأقليات وملجأ الجماعات المضطهدة من طوائفها الكبرى، مع استدراكه أنّ هذا الأمر سوف يؤدي إلى خللٍ ديموغرافي ينعكس على نظام الحكم والصلاحيات والمجتمع والاقتصاد، لذا طالب بامتيازاتٍ للمسيحيين في الحكم والوظائف تكون بمثابة ضماناتٍ، لأنها ستسمح لهم بالاستمرار في الوجود في هذه البقعة الجغرافية المشرقية التي تتألف بمعظمها من المسلمين. وقد رأى البطريرك أنّ لبنان الصغير بغالبيته المسيحية قد يموت بسرعة، لذلك فضّل العيش بلبنانٍ أكبر دائم التأزم، وشبه متوازن بالديموغرافيا. 

رفضت فرنسا الخضوع لمطالب المسيحيين بخاصة في ما خص هوية الحاكم، فقد أرادته فرنسيًا، لكنها ومن أجل تنظيم أمور الحكم والإدارة في الدولة الناشئة جديدًا، وتوزيع الحصص على الطوائف، عمدت إلى إجراء إحصاء سنة 1921.

 

ثالثًا: الإحصاء الرسمي الأول في الدولة اللبنانية العام 1921 وأبعاده السياسية - الطائفية

  أصدر الجنرال غورو، المفوض السامي الفرنسي، القرار رقم 763 تاريخ 9/3/1921 القاضي بإجراء إحصاء عام، وذلك من أجل تأمين تمثيل صحيح لأماني السكان. وقد جاءت نتيجة إحصاء 1921 على الشكل الآتي[13]:

 

مسيحيون

العدد مسلمون العدد

موارنة

199181

سنة

124726

اورثوذكس

81409

شيعة

104947

كاثوليك

42462

دروز

43633

مختلف

4215

مختلف

8436

المجموع

327267

المجموع

281802

النسبة

55٪

النسبة

45٪

 

واستنادًا إلى نتائج هذا الإحصاء تمّ توزيع مقاعد المجلس التمثيلي الأول الذي انتخب في 24 أيار 1922 على أساس نسبة عدد كل طائفة من الطوائف الموجودة في دولة لبنان الكبير، وحسب توزعها في السناجق. وهكذا شُكّل المجلس التمثيلي الأول على أساس طائفي، وانتخب إميل إده الماروني رئيسًا له، وهو الذي طالب بأن يكون الحاكم وطنيًا وليس فرنسيًا، الأمر الذي أوقع خلافًا مع المفوض السامي "ساراي" الذي حلّ المجلس وانتخب بدلاً منه مجلسًا تمثيليًا ثانيًا في تموز 1925، فأسهم هذا المجلس بوضع الدستور اللبناني العام 1926.

لقد جرى إحصاء العام 1921 وفق آلية شابها الكثير من الدقة والضبط. يضاف إلى ذلك، أنّ الإحصاء تمّ في ظروف داخلية معقدة سياسيًا واجتماعيًا. سياسيًا، دفع الموقف الرافض لدولة لبنان الكبير بنسبة كبيرة من اللبنانيين إلى عدم الإقبال على الإحصاء. أمّا اجتماعيًا، فكان التخوّف من التجنيد الإجباري أو الخدمة العسكرية أو دفع الضرائب، الدافع إلى التهرب من الإحصاء أو عدم التصريح بالمعلومات الصحيحة بخاصة لجهة الأولاد الذكور.

بعد إعلان دولة لبنان الكبير، انخفضت نسبة المسيحيين في مجموع السكان في المتصرفية من 80٪ إلى 55٪ في حين ارتفعت نسبة المسلمين من 20٪ إلى 45٪ من سكان لبنان، وهذا ما أزاح الثنائية المارونية - الدرزية لتحل مكانها ثلاثية مارونية - سنية - شيعية - ستتبلور أكثر فأكثر في السلطة مع العقود اللاحقة[14].

إلّا أنّ حدثًا ديموغرافيًا مهمًا حدث بعد هذا الإحصاء بقليل، أبقى التقدم للمسيحيين، وهو تمثل بالهجرة الأرمنية إلى لبنان بعشرات الآلاف هربًا من الأتراك، وقد ارتفعت بهم نسبة المسيحيين، الأمر الذي انعكس على إحصاء 1925 الذي جاء على الشكل الآتي وفق السكان المقيمين[15]:

مسيحيون العدد مسلمون العدد
موارنة 178257 سنة 122678
اورثوذكس 69539 شيعة 101737
كاثوليك 40414 دروز 38940
ارمن 32589    
بروتستانت 3986    
اقليات 9379    
المجموع 334164 المجموع 263355

 

 

 

رابعًا: الجمهورية اللبنانية وتكريس الطائفية السياسية والإدارية

أعلنت الجمهورية اللبنانية في 23 أيار 1926 مع إقرار دستورها رسميًا[16]، ومنها تحوّل المجلس التمثيلي الثاني إلى مجلس نيابي، وتمّ تأسيس مجلس شيوخ في 25 أيار من 16 عضواً[17] موزعين على الشكل الآتي: 5 موارنة، 3 سنة، 3 شيعة، 2 أورثوذكس، كاثوليكي 1، درزي 1، أقليات 1. وحفظًا للتوازن، انتخب موسى نمور رئيسًا للمجلس النيابي، والشيخ محمد الجسر رئيسًا لمجلس الشيوخ. وفي 26 أيار انتخب شارل دباس أول رئيس للجمهورية اللبنانية، وفي 31 أيار عيّنت أول حكومة برئاسة أوغست باشا أديب[18].

لقد شُكّل مجلس الشيوخ بموجب المادة 22 من الدستور[19] وقد تمثّلت فيه جميع العائلات الروحية، وأوجبت المادة 95 من الدستور الجديد مراعاة التوازن الطائفي في تأليف الوزارة والوظائف العامة وذلك لمرحلة إنتقالية، لكن كل ما هو مؤقت في لبنان يدوم. وهنا الخطأ الشائع لدى معظم الباحثين إذ إنّ مراعاة الطائفية ليس إجباريًا بموجب المادة 95 بل اختياريًا، لكن إذا كان لا بد من اعتماد الطائفية فلتكن نسبية بحسب حجم كل طائفة.

وكانت قد أثيرت في تلك الفترة المشكلة الناجمة عن اتفاقية لوزان بين الحلفاء وتركيا في العام 1923 والتي منحت حق المهاجرين الموجودين خارج لبنان باتخإذ الجنسية اللبنانية ضمن تلك المدة، وأصبحوا كمن يدّعون أنهم كانوا في السابق من رعايا تركيا، وهكذا اكتسب معظم المهاجرين الجنسية التركية وخسروا جنسيتهم اللبنانية[20].

 

خامسًا: الأزمة الدستورية سنة 1932 وأبعادها السياسية والاجتماعية

مع اقتراب ولاية شارل دباس من الانتهاء في 27 أيار 1932، كان على المجلس النيابي انتخاب خلفٍ له. بدا اهتمام الموارنة أكثر من سواهم من الطوائف الأخرى، لأنهم اعتبروا أنّ الرئاسة الأولى هي من حقّهم، ومن الواجب أن تعود لهم كونهم الأكثر عددًا ديموغرافيًا. لكنّ الدستور لم يحدّد طائفة الرئاسة الأولى، فكان بالإمكان إنتخاب رئيس مسلم لهذا المنصب. ووسط هذا الصراع قدّم الشيخ محمد الجسر ترشيحه. وقد أكّد إميل إده فوز الشيخ محمد الجسر في حال إستمر بترشحه[21] بخاصة وإنّه يتمتّع بشعبية كبيرة لدى المسلمين والمسيحيين. وعندما أدركت المفوضية الفرنسية أنّ ترشيح الشيخ محمد الجسر للرئاسة لم يكن مناورة سياسية منه أو من إميل إده بل جدّية، فبدأت تضغط على النواب لحملهم على تأييد الشيخ بشارة الخوري[22].

أمام هذا الواقع، كان لا بد من إجراء إحصاءٍ ديموغرافيّ يحسم المسألة. فتقرر إجراؤه رسميًّا سنة 1932 من أجل توزيع السلطة والمناصب والوظائف وفق نسبة كل طائفة. لقد كان الإقبال هذه المرة كثيفًا على عكس إحصاء 1921 نظرًا لارتباط الوضع السياسي بنتائج الإحصاء الذي جاء على الشكل التالي فيما خص المقيمين[23].

 

 

الطائفة

العدد

الطائفة

العدد

سني

178100

ماروني

227800

شيعي

155035

روم ارثوذكس

77312

درزي

53334

روم كاثوليك

46709

موسوي

3588

أرمن ارثوذكس

26102

متفرقة

6393

أرمن كاثوليك

5890

 

 

سريان أرثوذكس

2723

 

 

سريان أرثوذكس

2723

 

 

سريان كاثوليك

2803

 

 

بروتستانت

1869

 

 

كلدان أرثوذكس

190

 

 

كلدان كاثوليك

548

 

المجموع العام

793396

 

 ووفق هذا الإحصاء، تكون الرئاسة الأولى للموارنة، ورئاسة الحكومة للسنة. لكن أمام استمرار الشيخ محمد الجسر بترشّحه للرئاسة، أقدم المفوّض السامي على تعليق الدستور وحل المجلسين النيابي والوزاري[24].

 

سادسًا: الميثاق الوطني: جذوره وأبعاده

ليس صحيحًا أنّ الميثاق الوطني ولد سنة 1943 بين بشارة الخوري ورياض الصلح وأثمر الإستقلال، إنّما كان ثمرة مفاوضات وتجارب عديدة سابقة أدت إلى ولادته سنة 1943. ففي 3 كانون الثاني 1936 أصدر المفوض السامي قراراً دعا فيه إلى انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية[25]. وفي 30 كانون الثاني 1936 انتخب إميل إده رئيسًا وكلّف خير الدين الأحدب، بتشكيل حكومة. كانت خطوة إده في هذا الأمر محاولة منه لدعوة المسلمين للإنخراط أكثر في الحياة السياسية اللبنانية، كما إنّه اراد طمأنتهم أكثر، فطالب الحكومة الفرنسية بعقد معاهدة مع لبنان أسوةً بالمعاهدة السورية - الفرنسية. لقد طالب إميل إده بالمعاهدة مع فرنسا لكي تكون ضمانة للبنان واللبنانيين بوجه الأطماع الإقليمية التي كانت تبرز أكثر فأكثر مع تقدّم السنين.

في العام 1938، عُقدت عدّة إجتماعات في منزل يوسف السودا ضمّت شخصيات سياسية وثقافية مسيحية وإسلامية، وأعلنت ميثاقًا وطنيًا، نصّ على استقلال لبنان في حدوده الراهنة وكيانه الجمهوري وحكومته الوطنية، وتعزيز علاقاته بالدول العربية المجاورة وتأمين المساواة بين اللبنانيين على أساس العدالة والكفاءة، لا على أساس طائفي[26]. لكن هل هذا البند جاء ردًا على المادة 6 و6 مكرر التي أوجبت توزيع الوظائف على الطوائف كلها والتي كرّست التوافق الطوائفي في الحكم؟

غير أنّ الرسالتين 6 و6 مكرر اللتين وجههما الرئيس إميل إده إلى المفوض السامي الفرنسي دي مارتيل كانتا من ضمن سلسلة رسائل التي تمّ تبادلها بين الطرفين بشأن المعاهدة اللبنانية - الفرنسية المزمع عقدها.

وقد أكد إده "أنّ الحكومة مستعدة لتأمين المساواة في الحقوق المدنية والسياسية بين رعاياها، من دون أي تمييز بينهم. كما أنّ الحكومة مستعدة لتأمين تمثيل عادل لمختلف عناصر البلاد في مجمل وظائف الدولة. والحكومة ستوزع النفقات ذات المنفعة العامة بشكل عادل بين مختلف المناطق. وسيصار إلى تطبيق برنامج إصلاحي على كل الأراضي اللبنانية"[27].

خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) تبدّلت أحوال دول كثيرة من بينها لبنان. فبعد أن سيطرت قوات فرنسا الحرة والإنكليز على سوريا ولبنان في حزيران 1941 وطرد الفيشيين المتعاملين مع الألمان، لجأ هؤلاء إلى تنفيذ ما كانوا قد وعدوا به من استقلال الدولتين في مناشير ألقيت من الطائرات فجر 8 حزيران 1941. وبعد إلحاح معظم اللبنانيين أن تنفذ فرنسا ما وعدت به، أقدمت هذه الأخيرة على تعيين رئيس في إذار 1943 وهو أيوب تابت. لكنها ما لبثت أن أسرعت إلى عزله، فعينت بدلاً منه الأورثوذكسي بترو طراد في تموز 1943 الذي وضع قانونًا إنتخابيًا وزّع فيه مقاعد المجلس النيابي بنسبة 6 للمسيحيين مقابل 5 للمسلمين[28] إستنادًا إلى إحصاء تقريبي لديموغرافية لبنان التي كانت على الشكل الآتي[29]:

 

الطائفة

العدد

الموارنة

322555

سنة

230609

شيعة

209101

روم أورثوذكس

108093

دروز

72842

روم كاثوليك

63007

يهود

5567

سريان كاثوليك

4873

يعاقية

3671

لاتين

3077

كلدان كاثوليك

1309

مختلف

6112

 

جرت الإنتخابات النيابية على دورتين متلاحقتين في 29 آب و5 أيلول 1943، وانتخب صبري حمادة، رئيسًا للمجلس النيابي الجديد، والذي ترأس جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية، ففاز الشيخ بشارة الخوري في 21 أيلول 1943 وألقى خطبة تضمّنت مطلب الإستقلال. ولتحقيق هذا المطلب كان لا بدّ له من التفاهم مع زعيم مسلم فكان رياض الصلح الذي كلّفه تشكيل الحكومة، فتفاهما على ميثاقٍ وطني شفوي غير مكتوب من أجل تحقيق الإستقلال. فما هو هذا الميثاق وما هي أبعاده؟

انبثق هذا الميثاق عن خطاب رئيس الجمهورية بشارة الخوري أمام مجلس النواب في 21 ايلول 1943، وعن البيان الوزاري الذي ألقاه رياض الصلح في 7 تشرين الأول 1943، فاصطلح على تسميته بالميثاق الوطني الذي هو عبارة عن إتفاق غير مكتوب، من أبرز خطوطه:

● لبنان بلد مستقل ذو وجه عربي يعيش فيه أبناؤه بحرية ومساواة.

● توزع الوظائف في لبنان بشكل عادل بين الطوائف.

● يتخلى المسيحيون عن طلب الحماية الأجنبية، بخاصة من فرنسا.

● يتخلى المسلمون عن طلب الوحدة مع الدول العربية بخاصة مع سوريا.

إنّ ما توصل إليه الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح من تفاهمات وطنية كانت ممتازة لو إنها كتبت وأقرت في المجلس النيابي وتم التوقيع عليها، وأصبحت بمثابة دستور للبنان. وبالتالي فإنّ التعديلات الدستورية التي طالب بها المجلس الوزاري وأقرها المجلس النيابي في 9 تشرين الثاني 1943 والتي ألغت مظاهر الإنتداب الفرنسي وأقرت الإستقلال، لم تأتِ بجديد على مستوى الدولة كنظام.

فرض الميثاق الوطني التفاهم بين مكوّنات المجتمع اللبناني في السلطة، فأصبح نظام الحكم توافقيًا - ميثاقيًا. ففي لبنان ليس هنالك من غالب ومغلوب. هذه هي القاعدة الأساسية اللبنانية المميزة والفريدة، بخاصة وأنّ الطوائف اللبنانية شكّلت حالات خاصة داخل الدولة اللبنانية، ورسا نظام تعايشها على توافق ديموغرافيتها. فالعرف له قوّة القانون.

فإنّ سياسة توزيع الوظائف بين الطوائف بحسب وزنها الديموغرافي أصبحت مسلّمة بديهية منذ الإستقلال، "لكن في الوقت عينه باتت مصدر خلاف داخلي اكتسب مع الوقت بعدًا خطيرًا" فعمّت التناقضات في ازدواجية الحكم التي ولّدت النزاعات . كما إنّ تداخل الدستور بالميثاق أدّى إلى ارتباك في الصلاحيات ممّا دفع إلى اتخإذ معظم القرارات بالتوافق.

 

سابعًا: الميثاق ومصاعب اهتزازه

بعد أن نال لبنان إستقلاله سنة 1943، خضع الميثاق الوطني للاختبار والتجربة. فعمد الرئيس بشارة الخوري إلى التفاهم مع شريكه رئيس الحكومة رياض الصلح على جميع أمور الدولة الفتية. لكن لم يتم اللجوء إلى إجراء إحصاء رسمي لسكان الجمهورية اللبنانية المستقلة، بل تعدّدت نشرات الإحصاءات غير الرسمية؛ منها تلك التي وضعتها "مصلحة الإحصاء والارتباط" بتاريخ 31/12/1944، وهي المصلحة التي عهد إليها بتوزيع بطاقات الإعاشة، وقد كان سكان لبنان حسب جنسياتهم كالآتي: لبنانيون 1,034,505 - سوريون 25,958 - فرنسيون 3,245 - إنكليز 648 - أميركيون 948 - مصريون 1337 - عراقيون 580 جنسيات مختلفة 6,022 وفلسطينيون 943 فقط، لكنهم في العام 1948 غيّروا المعادلة الديموغرافية اللبنانية بعد توافد عشرات الآلآف منهم إلى لبنان إثر الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى سنة 1948.

إنّ الوجود الفلسطيني في لبنان هدّد الميثاق الوطني والعيش المشترك بين اللبنانيين. وكان الميثاق قد اهتز في العام 1951 بعد اغتيال رياض الصلح، وبعد اندلاع الثورة البيضاء عام 1952 التي هدفت إلى إقالة رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري. وفي ظلّ هذه الأوضاع المتأزمة في الدولة الفتية، استطاع الجيش اللبناني المحافظة على الدستور وحماية مؤسسات الدولة، وحماية الديموقراطية في التظاهرات الشعبية. لقد برهن الجيش اللبناني منذ نشأته وبقيادة زعيمه اللواء فؤاد شهاب انه حامي الوطن وبعيد من السياسة، وهو الذي يتألف من المجتمع اللبناني المركب الذي كان في العام 1951على الشكل الآتي[30]:

العدد الطائفة
الموارنة 377544
السنة 271734
الشيعة 237107

الروم الأورثوذكس

130858
الدروز 82268
الكاثوليك 81764
الأرمن الأورثوذكس 67139
البروتستانت 12641
أرمن كاثوليك 1421
يهود 5993
سريان كاثوليك 5911
سريان أرثوذكس 4562
لاتين 4127
كلدان 1390
ديانات 6684

 

 

انتخب كميل شمعون في العام 1952 خلفًا لبشارة الخوري، فبرزت الانقسامات الداخلية حول السياسة الخارجية. فبعد أن أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا في العام 1958، انقسم اللبنانيون بين مؤيد لهذه الوحدة والانضمام إليها بقيادة جمال عبد الناصر، وبين التخوّف من هذه الوحدة وأثرها على لبنان والميل إلى الغرب. هذه المعمعة أدّت بالميثاق الوطني إلى التجاذبات والاجتهادات فاندلعت ثورة 1958 بوجه حكم كميل شمعون، والتي طالبت إجمالًا بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح رئيس مجلس الوزراء، وبتقاسم الوظائف العامة تقاسمًا عادلًا بين المسلمين والمسيحيين، وانتهاج سياسة انمائية متوازنة وتعديل الدستور بهدف إجراء توازن بين السلطات الثلاث، وإجراء إحصاء غير طائفي، وحماية عروبة لبنان وإزالة التيارات الإمبريالية من لبنان وتطبيق اللامركزية المالية والإدارية في جميع المناطق اللبنانية[31].

يُضاف إلى ذلك الخلاف المستمر بين مكوّنات المجتمع اللبناني حول الإحصاء السكاني ومن يمكن اعتباره لبنانيًا وبالأخص مسألة المغتربين اللبنانيين. وبسبب عدم الاتفاق على هذا البند، يدور معظم اللبنانيين حتى اليوم في حلقة مفرغة حول الاحصاء السكاني لما له من أبعادٍ سياسية منعكسة على مناصب الدولة ووظائفها وتوزيعها على الطوائف. كل هذه العوامل أدت إلى تفجير الحالة اللبنانية العام 1958، فوقف الجيش على الحياد، وانتخب قائده رئيسًا للجمهورية بعد أن عدّل الدستور لضروراتٍ داخلية واقليمية ودولية، فعاد الهدوء والاستقرار إلى لبنان لما شكّله فؤاد شهاب من ثقة لجميع الأطراف، وانتصرت مرة أخرى المعادلة اللبنانية "لا غالب ولا مغلوب".

عمد الرئيس شهاب (1958-1964) إلى فرض العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن استنادًا إلى تقارير بعثة إيرفد[32] حول التنمية الشاملة في البلاد. ونجح في ضبط التباينات الداخلية وتعزيز العيش المشترك، وأعاد إحياء الميثاق الوطني على أساس سياسة خارجية معتدلة بين الشرق والغرب مشددًا على احترام سيادة لبنان واستقلاله والبرهان على ذلك اجتماع الخيمة مع الرئيس جمال عبد الناصر[33].

أنشأ فؤاد شهاب مؤسسات الدولة[34] التي لا تزال إلى يومنا هذا، من بينها مصرف لبنان، ومجلس الخدمة المدنية الذي يفترض أن يوظّف في الدولة على أساس الكفاءة، والضمان الاجتماعي، والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة، وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والتربوية. كما استطاع الرئيس شهاب فرض الأمن من خلال المؤسسة العسكرية الأمر الذي سمح بنهضة اقتصادية، ونموًا، وازدهارًا، واستقرارًا لم يشهد لبنان مثيلًا لها.

تلاقى اللبنانيون مجددًا خلال عهد فؤاد شهاب بعد عدة خلافاتٍ بينهم بين سنة 1958 وسنة 1963وهذه عادة لا تفارقهم أبدًا. لكن هذا الالتقاء لم يدم طويلًا إذ عادت الخلافات من جديد بعد اندلاع الحرب العربية - الاسرائيلية الثانية سنة 1967. فانقسم اللبنانيون بين مؤيد للعمل الفدائي الفلسطيني ضد العدو الاسرائيلي من لبنان، وبين معارضٍ له. أمام هذا الواقع أصبح من الصعب المحافظة على الميثاق وعلى النظام على الرغم من البرامج الإصلاحية التي صاغتها الحكومات اللبنانية أوائل السبعينيات والتي دعت إلى العمل من أجل العدالة الاجتماعية، وتحقيق التوازن الطائفي، وتطبيق قانون انتخابي عادل، وانجاز اللامركزية الإدارية والإصلاح الإداري. لكن في ظل غياب الإحصاءات الديموغرافية الرسمية بقي الميثاق موضع جدل وسوء تفسير. فمن وجهة نظر المسيحيين، التمسّك بالميثاق هو الضمانة لديمومة لبنان كما فهموه منذ تأسيسه، أمّا من وجهة نظر المسلمين فالميثاق لا يعني قطع العلاقات مع البلدان العربية ورفض الاصلاحات والمساواة[35].

وفي مطلق الأحوال، فإنّ هذه طبيعة المجتمعات المركبة، إذ ستخضع لمخاضٍ عسير وتدفع دماءً بريئة قبل أن ترسو على بر الأمان. ويكفي أن نشير إلى ما استشفّه الرئيس فؤاد شهاب من أخطارٍ آتية على لبنان والصراع على السلطة نتيجة تمايز الديموغرافيا اللبنانية. ففؤاد شهاب رفض الترشح لرئاسة الجمهورية في العام 1970 وأصدر بيان العزوف الذي تتضمن ما يلي: "(...) إنّ المؤسسات السياسية اللبنانية، والأصول التقليدية المتبعة في العمل السياسي لم تعد في اعتقادي، تشكّل أداة صالحة للنهوض بلبنان وفق ما تفرضه السبعينيات في جميع الميادين. وذلك أنّ مؤسساتنا التي تجاوزتها الأنظمة الحديثة في كثير من النواحي سعيًا وراء فعالية الحكم، وقوانينا الانتخابية التي فرضتها أحداث عابرة ومؤقتة، ونظامنا الاقتصادي الذي يسهّل سوء تطبيقه قيام الاحتكارات. كل ذلك لا يفسح في المجال للقيام بعمل جدّي على الصعيد الوطني. إنّ الغاية من هذا العمل الجدّي هي الوصول إلى تركيز ديموقراطية برلمانية أصيلة صحيحة ومستقرّة، وإلى إلغاء الاحتكارات ليتوافر العيش الكريم والحياة الفضلى للبنانيين في إطار نظام إقتصادي حرّ سليم يتيح سبل العمل وتكافؤ الفرص للمواطنين، بحيث تتأمن للجميع الإفادة من عطاءات الديموقراطية الاقتصادية والاجتماعية الحق. إنّ الاتصالات التي أجريتها والدراسات التي قمت بها عزّزت اقتناعي بأنّ البلاد ليست مهيأة بعد، ولا معدّة، لتقبل تحوّلات لا يمكنني تصوّر اعتمادها إلاّ في إطار احترام الشرعيّة والحريّات الأساسية التي طالما تمسّكت بها. وعلى ذلك، واستنادًا إلى هذه المعطيات، قرّرت أن لا أكون مرشّحًا لرئاسة الجمهورية (...)" [36].  

وقبل اندلاع الحرب اللبنانية وعشية وفاته في العام 1973، سُئل شهاب ما إذا كان ينبغي أن يظلّ مستقبل لبنان قائمًا على توازن الطوائف. وعلى الرغم من أهمية هذا التوازن بالنسبة لفؤاد شهاب فقد أجاب: "إنّ المشكلة الأساسية في لبنان اليوم وغدًا هي مشكلة مجتمعية ينبغي أن نعمل في لبنان على إيجاد توازن مجتمعي لا وجود له اليوم. وقد كان هذا هدفي يوم كنت في الحكم. ولا أعتقد أنني كنت مخطئًا في هذه النقطة. بل أعتقد أن المأساة ما زالت راهنة اليوم أكثر من ذي قبل، إذ إنني لم أستطع إلاّ إرساء بعض الأسس اللازمة للانطلاق بمشروع لا بدّ أن يكون طويل النفس"[37] .

 

ثامنًا: إهتزاز الميثاق: الهجرة والنزوح

عشية اندلاع الحرب اللبنانية سنة 1975 كان لبنان بيتًا بمنازل كثيرة[38]. فنأخذ مثلًا عدد السكان اللبنانيين في المحافظات وما يقابلهم من الفلسطينيين في المخيمات[39]:

المحافظة

المحافظة لبنانيون فلسطينيون
بيروت 474870 1200
جبل لبنان 833055 36800
شمال لبنان 364935 25000
جنوب لبنان 249945 65000
البقاع 203520 2500
المجموع 2126325 130500

 

 

 

لكن قبل أن نلوم الغريب ونتهمه في اشعال الحرب، لا بدّ من الاشارة إلى وجود أسباب داخلية لهذه الحرب، "تعود في أصولها إلى تعدد الأجسام التي يتكون منها المجتمع، تعدّدًا مبنيًا في جوهره بالذات على التنافس بين هذه الأجسام المغرقة كلّ في خصوصيته المميّزة، ومن طبيعة هذه البنية أن تخضع أبناءها، حسب الوضع السائد، لحركة دائمة قوامها التوتر وإعادة التوازن حينًا بعد آخر"[40].

إنّ الهجرة المعاكسة خلال السبعينيات والثمانينيات أدّت إلى خللٍ ديموغرافي. توافد فلسطينيين وسوريين إلى لبنان ينتمون إلى الطائفة الإسلامية قابلها هجرة لبنانية من المسيحيين إجمالًا أيضًا.

إنّ الفوضى التي حلّت بلبنان على مدى خمسة عشر عامًا حالت دون إجراء إحصاء رسمي، تبقى هذه الإحصاءات غير دقيقة ولا يمكن الاستناد إليها.

قدّر عدد المهاجرين اللبنانيين بين سنتي 1975 و1994 بـ 800000 أو900000، أمّا النسب المئوية لهم من الطوائف الرئيسة فكانت على الشكل الآتي[41]:

الطائفة

النسبة المئوية للمهاجرين

أرثوذكس 25,4 ٪
موارنة 22,9 ٪
كاثوليك 19 ٪
سنّة 12,9 ٪
شيعة 10,3 ٪
دروز 9,5٪
مجموع المسيحيين 67,3 ٪
مجموع المسلمين 32,7 ٪

 

 

 

وأدّت الحرب اللبنانية إلى فرز ديمغرافي جديد أيضًا نتيجة التهجير الداخلي أو النزوح بالقوة. وإنّ هذا التموضع الجديد للعائلة اللبنانية لا يساعد على قيام دولة حديثة، بل تقطّع أواصر العلاقات الاجتماعية التي طالما كانت صمام الأمان للبنان عبر تاريخه، وذلك بفضل التعايش، ولو بصعوبة، بين مختلف المكوّنات.

هذا وأثّر التهجير الداخلي على اللاتجانس، ففقدت عدّة مناطق رونقها المختلط الذي كان يساعد كثيرًا على إرساء الأمن والإستقرار بفضل تبادل العادات والتقاليد الاجتماعية. كما كان الاختلاط موجودًا في المدن بفعل العوامل الاقتصادية والتجارية. لكن بعد الحرب، كان لا بدّ أن تترك هذه الحركية المكانية للسكان أثرًا بالغاً على عملية إعادة تأهيل البلد سياسيًا واقتصاديًا بخاصةٍ بعد أن انتقل أكثر من مليون لبناني خلال الحرب من أماكن إقامتهم الأصلية إلى أماكن أخرى[42]. والجدول الآتي يبيّن لنا مدى الفرز الطائفي التي أنتجته الحرب[43]:

 

 

المنطقة

1975 (النسبة المئوية)

1989 (النسبة المئوية)

المسيحيون

الشوف، عاليه، المتن الأعلى

55

5

 

غرب بيروت والضاحية

35

5

 

البقاع

40

15

 

جنوب لبنان

26

10

المسلمون

الضاحية الشرقية لبيروت

40

5

 

الحزام الأمني في جنوب لبنان

50

10

 

الكورة، البترون

10

2

 

شرق بيروت

8

1

 

تاسعًا: السلطة بموجب الطائف والديموغرافيا الجديدة

جسّدت الحرب اللبنانية السيّئة الصراع بين جبل لبنان ولبنان الكبير، الصراع على السلطة السياسية. كما أنّ التغيّرات الديموغرافية التي أنتجتها الحرب زعزعت في الصميم الركيزة الاجتماعية للنموذج اللبناني التوافقي. وعلى الرغم من ذلك، توصّل اللبنانيون إلى تسوية الحد الأدنى للخروج من الأزمة وتحاشي الأسوأ. فكان إتفاق الطائف سنة 1989 الذي حلّ بدل الميثاق الوطني لسنة 1943وفي الوقت ذاته كرّسه. فكيف توزّعت السلطة على مكونات المجتمع اللبناني بموجب الديموغرافية الجديدة التي أفرزتها الحرب، والعقد الإجتماعي الجديد؟

إنّ الاتفاق الذي توصل إليه اللبنانيون كان في مدينة الطائف السعودية التي عبّرت عن طائفية المجتمع اللبناني. لقد تناقضت بنود اتفاق الطائف[44] مع بعضها البعض بين إلغاء الطائفية واعتمادها. ففي حين يطالب الطائف بإلغاء طائفية مجلس النواب في المادة 24 فهو يطالب بالمادّة نفسها بإعتماد المناصفة في عدد النواب بين المسيحين والمسلمين. إنّ إلغاء الطائفية في مجلس النواب يعني إمكانية فوز أغلبية النواب من لون طائفي معيّن وليس أن يكونوا مناصفة. من ناحية أخرى نصّت المادة 22 من إتفاق الطائف على إنشاء مجلس شيوخ على أساس طائفي، في حين أنّ هذا المجلس قد خبره اللبنانيون في العام 1926 وقد أدّى إلى مشاكل مع مجلس النواب على الصلاحيات والسلطة.

التناقض الثالث يكمن في المادة 95 من إتفاق الطائف إذ تنصّ من جهة على إنشاء هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية والإدارية في البلاد ومن جهة أخرى تدعو إلى إعتماد التوازن الطائفي في تأليف الوزارة والوظائف العامة.

أمّا في ما يختص بالهوية، فقد حسم إتفاق الطائف هوية لبنان العربية، فأصبح بذلك بوجه واحد وليس بوجهين كما كان عليه زمن ميثاق 1943.

في ما خصّ إدارة البلاد وتوزيع الصلاحيات على الطوائف، فهو لم يحدّد مذهب رئيس الجمهورية، ولا مذهب رئيس مجلس النواب، ولا مذهب رئيس الحكومة، ولا مذهب نائب رئيس مجلسي النواب والوزراء، لكن العرف والتقليد استمرا مع اتفاق الطائف.

أمّا الإصلاحات فكانت بتقليل صلاحيات رئيس الجمهورية وإسناد بعضها إلى رئيس الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعًا، ورئيس مجلس النواب لم يكن الهدف من هذه التعديلات تسهيل آلية الحكم، بل توزيع السلطات على أساس طائفي، ليصبح الحكم قائمًا على التفاهمات بين الطوائف والمذاهب وليس على دستور يكفل حقوق جميع الأفرقاء.

وعلى الرغم من سيئات إتفاق الطائف الذي أراده معظم اللبنانيين تدليلًا لطائفتهم، بقي هذا الاتفاق المخرج الوحيد من حالة الحرب، فكان إتفاق الضرورة بإنتظار تغيير الظروف الديموغرافية والسياسية والاقتصادية .

إنّ إتفاق الطائف شأنه شأن ميثاق 1943، لم يلقَ إجماع جميع اللبنانيين، وما كانت الموافقة عليه إلاّ بدافع الضرورة. فهو كان أفضل الممكن في ظلّ الظروف التي كانت سائدة ولتحاشي الأسوأ، فهو عرضة لتفسيرات متناقضة من قبل الأفرقاء اللبنانيين في عصرنا المعاصر لذا أسس لأزمات مستقبلية.

غير أنّ الإيجابية في إتفاق الطائف كانت التشديد على العيش المشترك بين مختلف طوائف لبنان ومذاهبه. أي أنّ هذا التعايش هو بإرادة الشعب اللبناني وليس مفروضًا عليهم فرضًا. وهذا التعايش يجب أن يؤدي إلى صياغة مفهوم واضح وجامع لهوية وطنية تتجاوز الهويات الطائفية التوافقية وتقترب من نظام ديموقراطي مضمونه الوطنية. وللوصول إلى هذه المرحلة، على اللبنانيين إلغاء الطائفية من نفوسهم أولاً من ثم إلغاؤها من نظامهم. فمفهوم إلغاء الطائفية يختلف بين طائفة وأخرى. فإذا كان هذا الإلغاء يمكّن فريقًا ما من بلوغ سدّة السلطة السياسية والإدارية فعندها ينادي هذا الفريق بضرورة إلغاء الطائفية من أجل تكافؤ الفرص أمام المواطنين ونشر العدالة الإجتماعية. وإذا كان إلغاء الطائفية يضر بمصلحة فريق آخر أو يخفّض حصته في السلطة، فيكون هذا الإلغاء طمسًا لفئة من اللبنانيين وإقصاءًا لها عن المشاركة في إدارة البلد.

 

عاشرًا: الديموغرافيا بعد الحرب وأثرها على النظام

لم يكن من السهل على المجتمع اللبناني تبادل الثقة في ما بينه بعد حرب بين مكوناته دامت طيلة خمس عشرة سنة، كما إنّه لم يكن من السهل إعادة اللحمة بعد الفرز الطائفي في الأقضية والمناطق التي أفرزتها الحرب. لقد أعادت الحرب رسم الخريطة السكانية للمجموعات المجتمعية اللبنانية، فأعادتها إجمالًا إلى ما كانت عليه زمن السلطنة العثمانية. لذا كان لا بدّ من إعادة إحياء أوساط إجتماعية مختلطة في مناطق متداخلة مجددًا، فهذه أفضل ضمانة لوحدة لبنان أرضًا وشعبًا. من هذا المنطلق يجب تسهيل عودة المهجّرين إلى أماكن إقامتهم الأصليّة. ووضع التشريعات اللازمة والإجراءات الأمنية الضرورية والحوافز الاقتصادية والاجتماعية لضمان حق تنقل اللبنانيين في أي جزء من وطنهم وفق ما نصّت عليه وثيقة الوفاق الوطني[45].

هذا وبلغ عدد سكان لبنان في العام 1990، 2,7 مليون نسمة بحسب تقديرات قسم السكان في الأمم المتحدة. وقد جرت محاولات عدّة من أجل إعادة اللحمة بين اللبنانيين والمناداة بهوية واحدة. فالمسيحيون ضحّوا بهويتهم السريانية ولغتها من أجل العربية وذلك إيمانًا منهم بلبنان العيش المشترك مع إخوانهم المسلمين. والمسلمون أيضًا ضحّوا حين إرتضوا بالكيان اللبناني والمناداة به والعيش مع المسيحيين وإدارة البلاد معًا. فالمسيحيون والمسلمون في لبنان لهم ميزة خاصة متقاربة إجتماعيًا تفاعلت مع الزمن وجعلتهم يعيشون بالشراكة. أليست كلفة الحرب كفيلة بتعليم اللبنانيين الوحدة والتضامن والعيش معًا وإدارة البلاد؟

لم تتحقق الوحدة اللبنانية فعليًا بعد الحرب وذلك لعدة أسباب سياسية وطائفية، منها الفرز الديموغرافي الذي انتجته الحرب، وقانون الأحوال الشخصية الخاص بكل طائفة لبنانية[46]. غير أنّ هناك رأيًا آخر ينادي بالنظام الطائفي وببقاء هذه المؤسسات كونها حقوقًا مكتسبة من قبل الطوائف وأنّها تؤمّن معاملة متساوية لكل اللبنانيين. يقول ميشال شيحا أنّ فلسفة الطائفية في لبنان هي "ضمان تمثيل سياسي وإجتماعي عادل لأقليات طائفية مشاركة. والتوازن اللبناني القائم على قاعدة طائفية ليس توازنًا إعتباطيًا فهو مبدأ وجود لبنان"[47]. لكن لا بدّ على الدولة اللبنانية المتعدّدة الطوائف أن تحقق تحوّلات ثقافية داخل المجتمع الطائفي تنشر وعيًا وطنيًا، لا يلغي الطوائف ولكنّه يتجاوزها من أجل الوصول إلى دولة مدنية تحمي الجميع وتوقّف اللعبة الديموغرافية.

إنّ الديموقراطية التوافقية التي اعتمدها اللبنانيون تناقض مبدأ الديموقراطية، لكن بسبب عدم تفاهمهم على عدة أمور منها؛ السياسة الداخلية والخارجية، والإدارة والهوية، تمّ اعتماد هذا المبدأ التوافقي. لكن في الوقت ذاته شكّل هذا النظام خطرًا على الأنظمة الأحادية أو التوتاليتارية العربية وذلك بسبب حرية إعلامه وكونه ملجأً للمنشقين والهاربين من بطش تلك الأنظمة. واليوم في ظلّ الاحتقان القائم في البلدان العربية التي تشهد تحركات شعبية تزيد من الفرز الطائفي في المنطقة، من الضروري على اللبنانيين فك الارتباط بين نظام الطائفية القائم على التوافق والتسويات، وبين ممارسة سلطة الدولة في ظلّ الحلقة المفرغة التي يعيشها المجتمع اللبناني بين الوضع الاقتصادي والحجم الديموغرافي المؤثر على السلطة[48]. أي على اللبنانيين البدء بتأسيس الجمهورية المدنية.

تعتمد الديموقراطية التوافقية على سياسة التراضي الممكن تطبيقها في لبنان في ظل غياب الوحدة الوطنية، وفي ظل الخلافات على السياسة الخارجية والاتهامات المتبادلة بين مكوّنات المجتمع. إنّ النظام اللبناني الحالي يقوم على التوازنات السياسية الدقيقة التي يعتبر الاعتدال ضمانتها من أجل المحافظة على حياده واستقراره نسبيًا في ظل المتغيرات الاقليمية وتداخلها مع عوامل داخلية.

إنّ استمرار النظام اللبناني الطائفي يعود لأسباب "انفتاحه على مختلف الطوائف والمناطق والولاءات المحلية، ولو انه لم يكن مفتوحًا بصورة كافية أمام الطبقات الاجتماعية الدنيا. ويمكن القول أنّه في ظل غياب مجتمع مدني، كان النظام البرلماني اللبناني، على طائفيته، أحسن تمثيلًا من أي نظام آخر في المرحلة الليبرالية من عمر المنطقة، لتنوع المجتمع المدني"[49].

أصبح إذًا الحكم في لبنان قائمًا على التفاهمات الوطنية بين المذاهب ثنائية كانت أو جماعية، والتي أصبحت مصطلحًا مرادفًا للميثاق الوطني[50]، وبمثابة الدستور الفعلي للبلاد.

وإذا كانت التفاهمات الوطنية قد حصلت على بعض الملفات، إلاّ أنها لم تشمل بشكل جدّي ملفًا أساسيًا له علاقة بالديموغرافيا والإحصاء السكاني وهو ملف التجنيس واستعادة الجنسية. هذا الملف تمّت مناقشته بعد ادخال بعص التعديلات عليه، في الجلسة النيابية يوم الخميس في 12/11/2015 حيث أقرّ بالإجماع. وعلى الرغم من الدور الإيجابي الذي يضطلع به المغترب اللبناني تجاه بلده اقتصاديًا، فهو مغبون في حقوقه لأنه لا يمكنه المشاركة في انتخاب ممثلين له في البرلمان اللبناني. إذ لا يجوز أن يكون هناك غبن بحق المغتربين اللبنانيين جرّاء منعهم من المشاركة في الحياة السياسية اللبنانية على الرغم من دورهم الكبير في إنماء الاقتصاد اللبناني. فالهجرة اللبنانية إلى الخارج انعكست بعد انتهاء الحرب وحتى اليوم، إذ أصبحت النسبة الأكبر من المهاجرين هي مسلمة مقابل انخفاض نسبة المسيحيين المهاجرين. والجدول الآتي يبيّن لنا مدى انقلاب هذه النسبة[51]:

هجرة الطائفة النسبة المئوية
شيعة 36,8٪
سنة 18,8٪
دروز 10,5٪
روم أرثوذكس 14,3٪
موارنة 10,5٪
روم كاثوليك 3,8٪
أرمن 2,3٪
أقليات
مجموع المسلمين 66,1٪
مجموع المسيحيين 66,1٪
مجموع الأقليات المختلطة

 

 

الخاتمة

مهما تبدّلت الديموغرافيا وتغيّرت يبقى الشعب مصدر السلطات. فاللبنانيون خَبِروا بما فيه الكفاية من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما أدى إلى حرمان المواطنين من خدماتٍ حياتية أساسية: لا ماء، ولا كهرباء، ولا تعليم، ولا استشفاء وضمان شيخوخة، ولا مواصلات حديثة أقلّه القطار، والنفايات في الشوارع وعلى أبواب المنازل وليس هناك من فرزٍ وتدويرٍ لها ونحن في هذا العصر، والهجرة في نزيفٍ دائم والبطالة بلغت50٪، وليس هناك من خدمة إتصالات جيدة.

لذا فالحالة الاقتصادية المزرية التي وصل إليها لبنان، والوضع الاجتماعي الصعب الذي طال جميع اللبنانيين، كلّها عوامل ستدفع بالشعب اللبناني إلى المطالبة بالتغيير. فإذا كانت كل هذه العوامل لن توحّد الشعب اللبناني، فما الذي سيوحدّهم؟ ألا يكفي الشعب اللبناني هذه المعاناة ليأتي النزوح السوري إثر الحرب في سوريا سنة 2011 وما بعد ليزيد من معاناتهم بعد أن بلغوا حوالى نصف عدد سكان لبنان، الأمر الذي سيؤثر على ديموغرافية البلد واقتصاده، ويزاحم اليد العاملة اللبنانية في ظل غياب الضوابط لذلك. فكل ما يريده المواطن هو الإستقرار الاجتماعي والأمني، وأن يُحترم ويعيش كريمًا في بلده. هذه الأمور ستدفع بالكثير من الشعب اللبناني إلى التخلي عن فكرة اللعبة الديموغرافية من أجل السيطرة على السلطة. فالمواطن لا يهمّه من يكون في السلطة إذا كانت متطلباته مؤمنة وحقوقه مصونة.

لقد أثبت التاريخ أنّ إرادة الشعب هي التي ستنتصر في آخر المطاف مهما بلغت التضحيات. ولا بدّ من هذه التضحيات لكي يصل الشعب إلى ما يتمناه. فروح التوافق والتسامح متجذرة في نفوس اللبنانيين. لذا يريد  اللبنانيون إصلاح النظام السياسي في لبنان وتطبيق المواطنية. لكن كيف سيكون شكل الدولة؟ فإذا كان الشعب يريد التغيير فعلًا بعد تجربة النظام الطائفي، وهو فعلًا يريد التخلي عن الطائفية، فهل يتّجه نحو اللامركزية الموسّعة أم الدولة المدنية؟

إنّ نظام اللامركزية هو جزء من المناطقية التي تأتي كجوابٍ عصري لمشكلة التنوع. والمناطقية هي نظام للمشاركة، لا تفترض توزيعًا فقط لاختصاصاتٍ، فيمكن للمناطق أن يكون لها صلاحياتٌ أوسع لكن عليها في الوقت ذاته أن تقرّ بالسلطة المركزية القوية التي تضمن الاستقلال الوطني والحرية[52].

أمّا في حال اختار الشعب اللبناني الدولة المدنية، فعليه إقرار قانون الزواج المدني الاختياري، وبناء ثقافة وطنية موجهة من خلال التأكيد على أهمية الإنسان اللبناني، وفرض مؤسسات نهضوية جامعة، وتوضيح العلاقة بين المجتمع والسلطة بمعزل عن ديموغرافية الطوائف.

لم يعد إعتماد الدولة المدنية أمرًا صعبًا في لبنان. فالدولة المدنية تقرّب المسلمين والمسيحيين من بعضهم البعض أكثر، لأنّ هذا المشروع يسهم في حل مشكلة اجتماعية-ديموغرافية ويساعد على إعادة الاختلاط بين اللبنانيين.

لبنان بلد الأقليات، وقدرهم هو التعايش في ما بينهم على هذه الأرض التي التقوا عليها والتي شكّلت ملجأً لهم. فهذه هي رسالتهم، فهل ستؤمن جميع مكوّنات المجتمع اللبناني بالكيان اللبناني، وبعدم إعتماد سياسة ديموغرافية لأهدافٍ سلطوية، وبالدولة المدنية أم اللامركزية من أجل رفع الشأن العائلي والعيش بحياة كريمة، وحقوق جميع المواطنين مصونة؟

من جهة أخرى لا يمكننا فصل لبنان عن محيطه وعما يجري فيه والقول بأنه لا يتأثر بشيء، فالسياسة إبنة التاريخ، والتاريخ إبن الجغرافيا، والجغرافيا لا تتغير. لطالما تأثرت القضية اللبنانية بالصراعات الإقليمية، وبأطماع الجيران، وتمكّن هؤلاء من اللعب على الوتر الطائفي داخل لبنان. لذا، ومن أجل بقائه على قيد الحياة، لا بدّ للشعب اللبناني التحرّر من مشكلته المزمنة، وهي الديموغرافيا التمايزية الطائفية التي تؤدي إلى نزاعاتٍ على السلطة، وإلاّ فسيبقى ساحةً للصراعات المحليّة، والعربيّة، والإقليميّة، والدوليّة التي تتناتشه . ألم يحن الوقت لكي يتعلّم الشعب اللبناني من أخطائه عبر تاريخه، ويؤسس دولة قوية تحمي الجميع وتفرض القانون؟ على من يريد أن يكون في السلطة عليه أن يفهم تاريخ لبنان ويحقّق العدالة الإجتماعية، وإلا فستستمر الأزمات.   

 

المصادر

- أرشيف بكركي، جارور البطريرك يوسف حبيش رقم 16.

- الجمهورية اللبنانية، الدستور اللبناني الصادر في 23 أيار 1926 مع جميع تعديلاته، بيروت، 1991.

- الجريدة الرسمية 1926، عدد 1978؛ و1932، عدد 2718؛ و1936، عدد 3225.

- محضر مجلس الشيوخ في 12 تشرين الأول 1926.

- النهار في 12/2/1952، و5/8/1970.

Great Britain, Public Record Office, Foreign Office, V. 424/233, Asiatic Turkey and Arabia, Further correspondence, part VIII, 1912 oct-dec.

- M.A.E. série E-Levant 1930-1940, V. 497 (Janvier 1930-9 mai 1932), politique interieur, exercice du mandat.

 

المراجع باللغة العربية

- أبو جوده، صلاح، "هويّة لبنان الوطنية؛ نشأتها وإشكالياتها الطائفية"، دار المشرق، بيروت، 2008.

- أبي فرح، أنيس، "السكان والبطالة والهجرة في لبنان (1982-2001)"، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 2005.

- الجسر، باسم، " ميثاق 1943؛ لمإذا كان؟ وهل سقط؟"، دار النهار، ط.2، بيروت، 1997.

- الخازن، فيليب وفريد، "مجموعة المحررات السياسية والمفاوضات الدولية عن سوريا ولبنان من 1840 إلى "1860، دار نظير عبود، د.م. 1996.

- الدحداح، سليم، "تنصر الامراء الشهابيين واللمعيين في لبنان"، المشرق، مجلد 18 (1920)، ص 543-544.

- الصليبي، كمال، "بيت بمنازل كثيرة، الكيان اللبناني بين التصوّر والواقع"، تعريب عفيف الرزاز، نوفل، ط.4، بيروت، 2007.

- ايليا، حريق، "التحول السياسي في تاريخ لبنان الحديث"، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1982.

- خاطر، لحد، "عهد المتصرفين في لبنان 1861-"1918، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1967.

- رباط، إدمون، "التكوين التاريخي للبنان السياسي والدستوري"، تعريب حسن قبيسي، جزءان، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 2002.

- رحمة، ألبير، "لبنان وإلغاء الطائفية السياسية والإدارية"، شمالي اند شمالي، د.م.، 2003.

- سالم، يوسف، "50 سنة مع الناس"، دار النهار، بيروت، 1975.

- سلامة، غسان، "المجتمع والدولة في المشرق العربي"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987.

- شوفالييه، دومينيك، "مجتمع جبل لبنان في عصر الثورة الصناعية في اوروبا"، ترجمة منى عبد الله عاقوري، دار النهار، ط.2، بيروت، 2001.

- شيحا، ميشال، " لبنان في شخصيته وحضوره"، تعريب فؤاد كنعان، ط.2، دار النهار، بيروت، 1998.

- شوقي، عطيّه، "السكان في لبنان من الواقع السياسي إلى التغير الاجتماعي والاقتصادي"، دار نلسن، بيروت، 2014.

- فارس، وليد، "التعددية في لبنان"، منشورات جامعة الروح القدس، ط.2، الكسليك، 2007.

- لطيف، لطيف، "في التحولات الديموغرافية للطوائف اللبنانية، د.ن.، بيروت، 2012.

- ناصيف، نقولا، "جمهورية فؤاد شهاب"، دار النهار ومؤسسة فؤاد شهاب، بيروت، 2008.

- نصر، سليم، "سوسيولوجيا الحرب في لبنان؛ اطراف الصراع الاجتماعي والاقتصادي 1970-1990"، دار النهار، بيروت، 2013.

- هانف، تيودورن "تعايش في زمن الحرب؛ من انهيار دولة إلى انبعاث أمّة"، نقله عن الألمانية موريس صليبا، مركز الدراسات العربي-الأوروبي، باريس، 1993.

- لجنة من الأدباء بإشراف اسماعيل حقي بك، "مباحث علمية واجتماعية"، تقويم وفهرست فؤاد افرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية، ج.2، بيروت، 1970.

 

 

المراجع باللغة الفرنسية

- Assaf, Georges: "Système communautariste et déconfessionnalisation; la problématique de la mutation du système politique libanais", in travaux et jours, no 64(1999), pp. 43-73.        

- Chahal, Nahla: "Le système communautaire au Liban; du compromis au consensus", in Annales de philosophie et des sciences humaines, no 21(2005), tome 2, pp.71-81.

- Charaf, Georges: "Communautés et pouvoir au Liban", CERDRE, Beyrouth, 1981.

- Corm, Georges: "Contribution à l'étude des sociétés multi-confessionnelles", librairie générale de droit et de jurisprudence, Paris, 1971.

- Courbage, Youssef et Fargues Philippe: "La situation démographique au Liban", t. 1, Université Libanaise, Beyrouth, 1973.

- Haut Commissariat Française en Syrie et au Liban, rapport à la société des nations pour l'année 1922, 1923, 1932 et 1936; tableau comparatif de 1921 et 1932, conseil supérieur des intérêts communs, recueil des statistiques de la Syrie et du Liban, 1942-1943, Beyrouth 1945.

- KEFALA Vivi: "L'évolution du Liban, les facteurs déterminants", L'Harmattan, Paris, 2011.

- Malsagne stéphane: "Chronique de la construction d'un état"; Journal au Liban et au moyen-orient (1959-1964), Geuthner, Paris, 2014. (Journal du père Lebret, directeur de la mission I.R.F.E.D.)

- Theodor Hanf, Antoine Messarra, Hinrich Reinstrom (sous direction): "La société de concordance approche comparative", actes du symposium international organisé par le Goethe-Institut sur "la régulation démocratique des conflits dans les sociétés plurales", publication de l'université libanaise, Beyrouth, 1986.

 

 

[1]-     يهتم علم الديموغرافيا بدراسة السكان الإحصائية في المجتمعات أو الدول التي تتوافر فيها المعطيات الإحصائية التي تسمح بتحديد حجم السكان في مكان وزمان معّينين، وبتحليل التركيبة السكانية وتوزّع عناصرها جغرافياً واجتماعياً، كما تسمح تلك المعطيات بضبط حركة السكان وعوامل تقلّباتهم في المدى الطويل. لكن سرعان ما تعدّدت اهتمامات الديموغرافيا وتنوّعت ليصبح لها أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية. وهناك الديموغرافيا التاريخية التي تدرس كل الشعوب في الماضي القريب والبعيد والتي لا نملك عنها أية معطيات إحصائية أو معطيات كافية.

        أما الديموغرافيا التمايزية (La démographie différentielle) فهي تشمل المجتمعات المركبة مثل سويسرا، وبلجيكا، وكندا ولبنان حيث يتوزّع السكان حسب الطوائف والمذاهب، مع ما يترتب على ذلك من تمثيل هذه الطوائف والمذاهب في مختلف مؤسسات الدولة. ومن أجل ان يتم توزيع هذه الوظائف، تقوم الدولة بإجراء إحصاءات لمعرفة حجم كل طائفة لديها، فيأخذ هذا الإحصاء بعداً سياسياً طائفياً تماماً  كما هو حاصل في لبنان. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فالديموغرافيا التمايزية تجعل من البلد الخاضع لها في حالة عدم استقرار سياسي، وأمني، واقتصادي، فتتأزّم أوضاعه دائماً بخاصة إذا لم تكن مكوّناته متفاهمة.

 

[2]-     سليم الدحداح: "تنصر الأمراء الشهابيين واللمعيين في لبنان"، المشرق، مجلد 18 (1920)، ص 543-544.

 

[3]-     - إيليا حريق: "التحول السياسي في تاريخ لبنان الحديث"، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، 1982، ص 123.

 

[4]-     أرشيف بكركي، جارور البطريرك يوسف حبيش رقم 16، وثيقة رقم 5817.

 

[5]-     المصدر نفسه، وثيقة رقم 5805.

 

[6]-     دومينيك شوفالييه، "مجتمع جبل لبنان في عصر الثورة الصناعية في اوروبا"، ترجمة منى عبد الله عاقوري، دار النهار، ط.2، بيروت، 2001، ص 135، 136، 151-155.

 

[7]-     - فيليب وفريد الخازن، "مجموعة المحررات السياسية والمفاوضات الدولية عن سوريا ولبنان من 1840 إلى 1860"، دار نظير عبود، د.م. 1996، ص 211 - 221.

 

[8]-     لحد خاطر، "عهد المتصرفين في لبنان 1861-1918"، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1967، ص 16.

 

[9]-     إدمون رباط، "التكوين التاريخي للبنان السياسي والدستوري"، ج.1، تعريب حسن قبيسي، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 2002، ص 355.

 

[10]-    لجنة من الأدباء بإشراف إسماعيل حقي بك، "لبنان مباحث علمية واجتماعية"، تقديم وفهرست فؤاد أفرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية، ج.2، بيروت، 1970، ما بين صفحتي 644 و645.

 

[11]-     Great Britain, Public Record Office, Foreign Office, V. 424/233, Asiatic Turkey and Arabia, Further correspondence, part VIII, 1912 oct-dec, despatch no 165, from Sir G. Lowther to Sir Eduard Grey, Constantinople, December 23, 1912, fol. 119, 120; and Enclosure 2 in no 165, Protocol, fol. 120, 121                                                                                                                   

 

[12]-    لم تكن تريد فرنسا إنشاء دولة لبنان الكبير إذ كان لديها خمسة مشاريع للمنطقة منها سوريا الكبرى تحت سلطة حاكم فرنسي على أن يبقى لبنان بمساحته المتصرفية.

 

[13]-    Archives de la ministère des affaires étrangères; (M.A.E.), Rapports du Haut-Commissariat sur la situation de la Syrie et du Liban à la société des nations, année 1922, V. III, p. 46.             

 

[14]-    شوقي عطيّه، "السكان في لبنان من الواقع السياسي إلى التغير الاجتماعي والاقتصادي"، دار نلسن، بيروت، 2014، ص       45.

 

[15]-    Archives de la ministère des affaires étrangères; (M.A.E.), Rapports du Haut-Commissariat sur la situation de la Syrie et du Liban à la société des nations, année 1923, pp. 154-155.

 

[16]-    - الجمهورية اللبنانية، الدستور اللبناني الصادر في 23 أيار 1926 مع جميع تعديلاته، بيروت، 1991.

 

[17]-    - راجع مادتي 22 و96 من الدستور.

 

[18]-    مرسوم رقم 4 تاريخ 31/5/1926، الجريدة الرسمية 1926، عدد 1978.

 

[19]-  تعقّد النظام السياسي اللبناني بعد الخلاف على السلطة بين مجلسي النواب والشيوخ، لإدّعاء كلّ منهما بأحقية صلاحياته على الرغم من استنادهما على مبدأ التمثيل الطائفي في الوقت ذاته. فبعد أن طالبت كل طائفة بزيادة ممثليها في المجلسين، وصلاحية كل مجلس بتشكيل الحكومات، إرتأت السلطات الفرنسية المنتدبة إلغاء مجلس الشيوخ وضم أعضائه إلى مجلس النواب. فعدّل الدستور للمرة الأولى في 17 تشرين الأول 1927، وأصبح جزء من المجلس النيابي منتخب، و16 منهم معينين الذين هم أعضاء مجلس الشيوخ.

أعيد انتخاب شارل دباس رئيساً للجمهورية اللبنانية لمدّة ثلاث سنوات وذلك في 27 إذار 1929. وقد ارتأت السلطات الفرنسية تحديد إنتخاب أورثوذكسي للرئاسة، من أجل جعل المسلمين ينخرطون أكثر في إدارة الكيان اللبناني، ولكي لا ينفرون من إنتخاب ماروني لهذا المنصب، بخاصة بعد تعديل الدستور للمرة الثانية من أجل منح رئيس الجمهورية صلاحياتٍ أوسع.

[20]-    محضر مجلس الشيوخ في 12 تشرين الأول 1926.

 

[21]-    M.A.E. série E-Levant 1930-1940, V. 497 (Janvier 1930-9 mai 1932), politique interieur, exercice du mandat, fol. 192-196.

 

[22]-    - يوسف سالم،"50 سنة مع الناس"، دار النهار، بيروت، 1975، ص 81-96.        

 

[23]-    الجريدة الرسمية 1932، عدد 2718، ص 5.

 

[24]-    المصدر نفسه، قرار رقم 55 ل.ر.

 

[25]-    الجريدة الرسمية 1936، عدد 3225، قرار رقم 114 ل.ر.

 

[26]-    - صلاح أبوجودة، "هوية لبنان الوطنية؛ نشأتها وإشكاليّاتها الطائفية"، دار المشرق، بيروت، 2008، ص 59 و60.

 

[27]-    Rapport à la S.D.N. pour l'année 1936.

 

[28]-    ظلّ معمولاً بهذه القاعدة لغاية العام 1992. فمجلس نواب 21/9/1943 تألف من 55 نائبًا (30 نائبًا مسيحيًا و25 نائبًا مسلمًا)؛ كذلك الأمر في مجلس نواب 25 أيار 1947. أما مجلس نواب 10 آب 1951 فقد تألّف من 77 نائبًا (42 نائبًا  مسيحياً و35 نائبًا مسلمًا). مجلس نواب 13 آب 1953 تألف من 44 نائبًا (24 نائبًا مسيحياً و20 نائبًا مسلمًا). 66 نائبًا في مجلس نواب 30 حزيران 1957 (36 نائبًا مسيحياً و30 نائبًا مسلمًا). 99 نائبًا في مجلس نواب 26/4/1960 الذي بقي حتى العام 1992 (54 نائبًا و45 نائبًا مسلمًا). وقد وزع هذا القانون المقاعد النيابية على المذاهب كلّها (20 للسنة، 19 للشيعة، 6 للدروز، 30 للموارنة، 11 روم أروثوذكس، 6 روم كاثوليك، 4 أرمن اورثوذكس، أرمن كاثوليك واحد، إنجيلي واحد، أقليات واحد). عدّل هذا القانون بموجب اتفاق الطائف في العام 1989 وأصبحت المقاعد النيابية الــ 128 مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وقد اصبح للطائفة العلوية مقعدان.

 

[29]-    Conseil supérieur des intérêts communs: Recueil des statistiques de la Syrie et du Liban 1942-1943, Beyrouth, 1945, p.18

 

[30]-    النهار في 12/2/1952.

 

[31]-    - صلاح أبوجودة، مرجع مذكور، ص 90 و91.

 

[32]-    I.R.F.E.D. منظمة فرنسية للتخطيط الانمائي، يرئسها الراهب الدومينيكاني الاب "لويس - جوزف لوبريه".

 

[33]-    عمد فؤاد شهاب إلى عدم استفزاز المسيحيين والمسلمين تجاه عبد الناصر. ففي حين كان بعض الزعماء المسلمين في لبنان متحمسين لملاقاة عبد الناصر في سوريا العام 1959 والمناداة بضم لبنان إلى الجمهورية العربية المتحدة ودعوا الرئيس شهاب للذهاب إلى سوريا ولقاء عبد الناصر هناك الأمر الذي كان سيغضب المسيحيين في حال اقدم شهاب على عمل كهذا. فكان اقتراح اجتماع الخيمة بين الرئيسين على الحدود اللبنانية-السورية. وقد توصل إلى هذا الحل كل من وزير الخارجية حسين العويني والنقيب أحمد الحاج من الجانب اللبناني، وقائد جيش الوحدة المصرية-السورية العميد عبد المحسن أبو النور، والسفير المصري عبد الحميد غالب. وقد وضعت مصلحة الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني خيمة من الصفيح في منطقة وادي الحرير، نصفها في الاراضي السورية وفيها كرسي الرئيس جمال عبد الناصر، ونصفها الثاني في الاراضي اللبنانية وفيها كرسي الرئيس فؤاد شهاب. تمّ اللقاء في 25 إذار 1959. أراد فؤاد شهاب إجراء محادثات مثمرة مع نظيره المصري سعيًا إلى علاقات بناءة مع مصر وسوريا على السواء. ومما قاله له شهاب لعبد الناصر:" أنت عملت من أجل الوحدة بين مصر وسوريا وأنا اعمل من اجل الوحدة بين جناحي لبنان (المسلم والمسيحي) لأن لدينا أفرقاء متناحرين، وثمة من يتدخل ليحرض هذا الفريق أو ذاك". لمزيد من التفاصيل راجع نقولا ناصيف: "جمهورية فؤاد شهاب"، دار النهار ومؤسسة فؤاد شهاب، بيروت، 2008، ص 323-334.

 

[34]-    Stéphane Malsagne: Chronique de la construction d'un état; journal au Liban et au moyen-orient(1959-1964), Geuthner, Paris, 2014. (Journal du père Lebret, directeur de la mission I.R.F.E.D.)

 

[35]-    - صلاح ابو جودة، مرجع مذكور، ص 102.

 

[36]-    - النهار في 5 آب 1970.

 

[37]-    - إدمون رباط، مرجع مذكور، ج. 2، ص 899.

 

[38]-    كمال الصليبي، "بيت بمنازل كثيرة؛ الكيان اللبناني بين التصوّر والواقع"، تعريب عفيف الرزاز، نوفل، ط. 4، بيروت، 2007.

 

[39]-    -Youssef Courbage, op.cit., p.60.

 

[40]-    - كمال الصليبي، مرجع مذكور، ص 886.

 

[41]-    أنيس أبي فرح، "السكان والبطالة والهجرة في لبنان 1982 – 2001"، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 2005، ص 113.

 

[42]-    سليم نصر، مرجع مذكور، ص 279.

 

[43]-    المرجع نفسه، ص 281.

 

[44]-    راجع الدستور اللبناني الصادر سنة 1926 والمعدّل بموجب اتفاق الطائف في 22/10/1989.

 

[45]-    سليم نصر، مرجع مذكور، ص 290.

 

[46]-    صدر بعد الاستقلال تباعاً قوانين أحوال شخصية خاصة بالطوائف وهي: قانون 2 نيسان 1951 للطوائف المسيحية والطائفة اليهوديّة- المرسوم الاشتراعي بتاريخ 5 إذار 1967 للطائفة السنية- قانون 1962 للطائفة الدرزية- قانون 19 كانون الأول 1967 للطائفة الشيعية. كل ذلك يدل على المجتمع الطائفي.

 

[47]-    ميشال شيحا: "لبنان في شخصيته وحضوره"، تعريب فؤاد كنعان، ط.2، دار النهار، بيروت، 1998، ص 26، و31 و36.

 

[48]-    شوقي عطيه، مرجع مذكور، ص 316.

 

[49]-    غسان سلامة: "المجتمع والدولة في المشرق العربي"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987، ص 142.

 

[50]-    - Nahla Chahal: "Le système communautaire au Liban; du compromis au consensus", in Annales de philosophie et des sciences humaines, no 21(2005), tome 2, p. 75.

 

[51]-    - شوقي عطيّه، مرجع مذكور، ص 262؛ وهو قد اعتمدها بدوره عن الدراسة الميدانية التي أجريت في تموز 2009. تفاوتت الأرقام بين المراجع. فمنهم من قال أن الهجرة بين 1985 و1990 كانت: مسيحيون 17٪ ومسلمون 83٪؛ بين 1992-2007: مسيحيون 39,40٪ ومسلمون 60,60٪؛ بين 2008 و2011: مسيحيون 41٪ ومسلمون 59٪.

 

[52]-    Theodor Hanf, Antoine Messarra, Hinrich Reinstrom (sous direction): La société de concordance approche comparative, actes du symposium international organisé par le Goethe-Institut sur "la régulation démocratique des conflits dans les sociétés plurales", publication de l'université libanaise, Beyrouth, 1986, pp. 55-61.                                         

 

Power in Lebanon and the market of distinctive demography

The Lebanese entity has witnessed throughout its recent history several geographic changes that left an impact over its sociopolitical status and regime. Starting with the principality of coexistence between the Maronites and the Druze community Mount Lebanon and Greater Lebanon which represented the Republic of coexistence joining Christians and Muslims in contemporary history, the Lebanese entity has been undergoing an arduous labor. What are the causes behind the continuous Lebanese issue? Is it the distinctive demography that the Lebanese society is subjected to with the inexistence of a patriotic coexistence formula? Or is it because of regional avidities in this entity? Does the Lebanese problem reside in its constitution or in the conflicting religious communities which are fighting over power, authorities and administrative positions? Is it a lack of understanding problem between the Lebanese with regard to their entity, identity, citizenship and urbanism and this has prompted some Lebanese sects to adopt the demographic game in order to reach their objectives.
Whatever sect is attempting to impose its political project through demography should learn from failed attempts made by other sects. Lebanon is the country of minorities and persecuted groups and thus these groups are destined to coexist over this land where they have met and took as a shelter.
On the other hand, one cannot separate Lebanon from its surrounding by saying that it is immune from everything going on around it since politics depends on history and history depends on geography and geography is a constant factor.
The Lebanese problem has long been affected by regional conflicts and the avidities of its neighbors and the successes that these neighbors had achieved by using the sectarian conflicts inside Lebanon. Therefore, in order to keep this entity alive, the Lebanese people must rid itself of its chronic problem which is the sectarian distinctive demography that leads to conflicts over power.

Le pouvoir au Liban et la bourse de la démographie distinctive

À travers son histoire récente, l’entité Libanaise a témoigné divers changements géographiques, fait qui a affecté son statut sociopolitique et son régime. En effet, allant du Mont Liban, l’Émirat de la coexistence Maronite-Druze et arrivant au Liban en tant qu’État et république de la coexistence chrétienne-islamique, l’entité Libanaise a vécu tout au long de son histoire récente et continue toujours, une délivrance douloureuse. Quelle est donc la raison derrière la persistance du problème libanais? Est-elle la démographie distinctive à laquelle est soumis le peuple libanais et son incapacité à adopter une forme de coexistence nationale? Ou soit-elle l’avidité régionale de cette entité? Le problème du Liban est-il véritablement au niveau de sa constitution ou aux niveaux de ses diverses confessions toujours en conflit, à la recherche du pouvoir, des autorités et des postes administratifs? Ou bien soit-il à cause de l’incapacité du peuple libanais à accéder à l’entente quant à son entité, identité, citoyenneté et civilisation. Fait qui pousse certaines confessions à jouer la démographique pour achever leur but.
Toute personne tentant d’accéder au pouvoir afin d’imposer son propre plan politique à travers la démographie, doit prendre en tant qu’élément moralisateur les expériences ratées de ses confrères du même pays, car le Liban, c’est le pays des minorités et des oppressés parmi leurs grands groupes. Leur destin est de se coexister entre eux sur cette terre où ils se sont une fois rencontrés et qui a fini par leur former un abri.
Cependant, nous ne pouvons point séparer le Liban de son entourage et des incidents qu’il témoigne en disant que nulle chose ne peut l’affecter, car la Politique en tant que telle fut formée de l’Histoire qui à son tour fut formée de la Géographie qui est invariable. En effet, la cause Libanaise fut tant affectée par les conflits régionaux et les avidités des pays voisins, ces pays qui ont bien joué la carte confessionnelle à l’intérieur du Liban. Fait qui signifie que pour que ce pays reste vivant, il est indispensable au peuple libanais de se libérer de son problème perpétuel qui est la démographie distinctive confessionnelle et qui aboutit à des conflits pour accéder au pouvoir.