تربية وطفولة

السلوك السيئ قد يكون تعبيرًا عن حاجات أو ضعف
إعداد: ريما سليم ضوميط

القصاص
ليس العلاج الملائم
يحمل سامر (5 سنوات) كوب الحليب ويسكب محتوياته على الطاولة؛ تصرخ والدته مؤنّبة إيّاه فيرد بالضحك بصوت عالٍ. تهدّد بالضرب والقصاص فيضحك بصوت أعلى. قد يبدو هذا السلوك غير معقول بالنسبة إلى الكثيرين ولكنّه في الواقع موجود في المجتمع، ويشكّل مصدر معاناة لعدد من الأمهات.
عندما يسيء صغارنا التصرّف بشكل فاضح، ويرفضون الإمتثال لتوجيهات ذويهم، ولا يأبهون للقصاص فهناك حكمًا أسباب وجيهة لذلك، فما هي هذه الأسباب؟

 

عوامل التمرّد لدى الصغار
تشير الإختصاصية في علم النفس العيادي السيدة إنغريد القزّي إلى وجود عدّة عوامل تدفع الصغار إلى «التمرّد» وسوء التصرّف، وتشرح أبرزها على الشكل الآتي:


• الرغبة الشديدة في لفت انتباه الأهل:
يرن جرس الهاتف، فتجيب الوالدة لتدخل في حديث طويل مع صديقاتها. هنا يبدأ صلاح (3سنوات) نوبة غضب فيرمي ألعابه، ثم يعمد إلى استفزاز أخيه الأكبر فيجرّه إلى عراك بالأيدي. هنا تنهي الوالدة حديثها وتتوجّه إلى صلاح بالتوبيخ والتأنيب.
تشير السيدة إنغريد إلى أن التصرّف السيىء الذي قام به صلاح ما هو إلا وسيلة ناجحة يستعملها الأطفال لاستدراج ذويهم للاهتمام بهم. وتضيف: «في حالات كهذه، نحن ننصح الأهل بتجاهل السلوك السيىء كي يشعر الولد بأنه لم يحصل على النتيجة المرجوّة منه، ما يدفعه إلى عدم تكراره. في المقابل على الوالدين أن يمدحا الطفل عندما يكون حسن السلوك، وأن يقدّما له الدعم والحنان عندما لا يتوقّع ذلك.


• النزاع على السلطة:
يطلب الوالد من مريم (6 سنوات) أن تدخل إلى غرفتها وترتدي ملابس النوم، فترفض ذلك، يكرّر طلبه بطريقة صارمة، فتصرّ على الرفض بشدّة. يلجأ الوالد إلى تأنيبها، ولكن من دون جدوى، فيفقد أعصابه ويقوم بضرب الطفلة، فيزداد الوضع سوءًا ويزداد عناد الطفلة ورفضها.
توضح السيدة القزّي أن التصرّف السيىء الذي قامت به مريم ناتج عن محاولتها التحكّم بالقرار وانتزاع السلطة من والدها. وفي حالة كهذه، لا يأبه الطفل للقصاص ولا حتى للضرب.
لذلك ننصح الأهل بعدم الدخول في تحدّي النزاع وراء الرغبة في ربح معركة السيطرة، وإنما الأفضل إعطاء الطفل خيارات تمنحه بعض الشعور بالسيطرة من دون أن يقدّم الأهل أي تنازلات. مثلاً: «هل تفضّلين ارتداء ملابس النوم ومن ثم قراءة قصّة، أم العكس؟».
هنا يحصل الأهل على مبتغاهم، وتشعر الطفلة أنها ساهمت في صنع القرار، فينعكس ذلك إيجابًا على الطرفين.


• الإنتقام من سلطة الأهل:
ما إن جلست ليزا (8 سنوات) إلى مائدة الطعام حتى صرخت منزعجة «لا أحب هذا الطعام، فمذاقه سيئ للغاية». غضبت والدتها وطلبت منها السكوت، فتمتمت الطفلة كلامًا غير مفهوم معبّرة عن استيائها، وتحولّت طاولة الطعام إلى ساحة للمعركة.
تؤكد السيّدة القزّي أن سلوك ليزا ما هو إلا محاولة للانتقام من سلطة والدتها، وتضيف: «عندما يربح الأهل معركة السلطة، يسعى الأطفال إلى الانتقام مستخدمين مختلف الوسائل «لمعاقبة» الأهل وجرح مشاعرهم. هنا، يشعر معظم الأهل بالرغبة في توبيخ الطفل السيىء السلوك ومعاقبته، لكننا ننصحهم بكبت هذه الرغبة، واعتماد السلوك الودّي لتجاوز الموقف. فلو كانت والدة ليزا قد تجاهلت انتقادات الطفلة، وغيّرت دفّة الحديث، لكان انقضى الأمر من دون الحاجة إلى المشادات الكلاميّة.


•افتقار الطفل إلى المهارات اللازمة:
في صباح كل يوم يبدأ رالف (5 سنوات) نهاره بالتذمّر مصرّحًا أنه لا يريد أن يرتدي ملابسه بمفرده. فتبادله والدته التأفّف بمثله، ثم ترضخ لمشيئته وتساعده في ارتداء ثيابه.
في هذا الإطـار تشير السيـدة إنغريد إلى أن افتقار الأولاد للمهارات اللازمة يدفعهم إلى سوء التصرّف في بعض الأحيان.
فالولد الذي يفتقر إلى المهارات الإجتماعية، قد يلجأ إلى ضرب رفاقه. لذلك ننصح الأهل بعدم انتقاد الأطفال حين يظهرون عدم الكفاءة في عمل ما، وإنما تشجيعهم على جهودهم ومساعدتهم في تنمية مهاراتهم الجسدية والإجتماعية.


•نشوء حاجات جديدة للطفل:
تتلهّى سيرين (10 سنوات) بالمحادثة مع صديقاتها على الإنترنت متجاهلة نداء والدتها لمرات متتالية، فتغضب الوالدة و«تصادر» جهاز الـ Ipad، لتبدأ الفتاة بالبكاء المرير.
توضح السيدة القزّي أن الأطفال في مرحلة ما قبل المراهقة يصبّون اهتماماتهم على الأصدقاء والعلاقات الإجتماعية، لذلك يجدر بالأهل مراقبة ما يدور من أحاديث ومشاريع بينهم وبين أصدقائهم، بدلاً من تأنيبهم على إضاعة الوقت على شبكات التواصل الإجتماعي. فالأولاد هنا لا يقصدون عدم الطاعة وإنما هم يختبرون مرحلة جديدة يحتل فيها الأصدقاء الحيّز الأكبر من اهتماماتهم ويتسبّبون بإلهائهم، لذا ينبغي معالجة هذه الأمور برويّة.
وتلفت السيدة إنغريد أنه في بعض الأحيان قد يقوم الولد في سن المراهقة بتحدّي والديه وعدم التزام تعليماتهما عمدًا في حضور رفاقه وذلك بغية التأثير بهم والظهور أمامهم بمظهر الإنسان القوي، صاحب القرار. وفي هذه الحالة، يجب على الأهل معالجة هذا السلوك على انفراد، بعد مغادرة الرفاق، مع التشديد على عواقب عدم احترام الأهل أو مخالفة تعليماتهم.
وتختم بالقول: «عندما يعبّر السلوك السيىء عن حاجة أو ضعف، فإن علاجه يكون الدعم لا القصاص». وتضيف: «هذا لا يعني أن نتراخى في تربية أطفالنا بل ينبغي اعتماد الصرامة عند الضرورة، واستبدالها بالحوار الودّي والتفاهم بصورة دائمة بغية بناء عائلة سعيدة وتنشئة أطفال منفتحين ذوي اكتفاء عاطفي واجتماعي».