السياسة الأميركية تجاه لبنان 2001 - 2007 تصادم الأهداف

السياسة الأميركية تجاه لبنان 2001 - 2007 تصادم الأهداف
إعداد: د. مرغريت الحلو
أستاذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية.

يحتلّ موضوع العلاقات الأميركية اللبنانية موقعاً بارزاً في اهتمامات الباحثين في الشؤون اللبنانية والشرق - أوسطية حالياً، كما يشكل موضع جدل داخل الإدارة الأميركية وخارجها.  ففي ظلّ الانقسام الحادّ الذي تشهده الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، والاتهامات المتبادلة بين أهل الحكم والمعارضة بالعمالة للولايات المتحدة الأميركية والغرب من جهة، ولإيران وسوريا من جهةٍ أخرى، لا بدّ لأي مهتمّ بالشأن اللبناني من أن يطرح التساؤل حول وجود سياسة أميركية محدّدة، واضحة وثابتة تجاه لبنان خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، والتي أدّت بأهل الحكم إلى التمسّك بها، كما حول ماهية هذه السياسة والعوامل الفاعلة في رسمها وتحديدها، والنتائج التي تترتّب عليها. وهذا ما سنحاول تقديم إجابة عنه في هذه الدراسة. ولكننا في محاولتنا هذه لن نعمد إلى التشديد على تفاصيل التصاريح والأحداث اليومية، بل سنشدّد على الأهداف المعلنة وتطبيقاتها الفعلية بحثاً عن الأنماط لتقييم هذه السياسة.

 

  • هل هناك سياسة أميركية تجاه لبنان؟

كان لطريقة تعاطي الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ السبعينيات من القرن الماضي أثرها الفاعل في إثارة الشكوك حول وجود سياسة أميركية محدّدة وثابتة تجاه لبنان. واستند المشككون إلى عدَّة حججٍ، منها:

أولاً، عدم اهتمام هذه الإدارات، على الرغم من الدعم الكلامي، بمصير لبنان، والقبول بوضعه تحت الوصاية السورية شبه المطلقة؛

ثانيا، صغر حجم لبنان وافتقاره إلى النفط وغيره من الموارد الطبيعية؛

ثالثاً، فقدانه دوره التاريخي كصلة بين الشرق والغرب ثقافياً وحضارياً بحكم الأحداث التي شهدها خلال العقود الثلاثة الماضية؛

رابعاً، فقدانه الأهمية الاستراتيجية في ظلّ التطوّر الحاصل في مجال صناعة الأسلحة واستراتيجية الحروب، مقابل تطوّر العلاقة الأميركية مع دول الخليج وغيرها من دول المنطقة على الصُعُد العسكرية والسياسية والاستراتيجية.

واستند هؤلاء أيضاً في معرض إثباتهم لعدم وجود سياسة أميركية تجاه لبنان، إلى كون هذه السياسة، إن وُجِدَت، هي مجرّد جزءٍ لا يُذكَر، تابع في جميع الأحوال للسياسة الأميركية تجاه المنطقة أو بعض دولها الكبرى، ما جعلها سياسة تفتقر إلى الوضوح والثبات والصدقية. وبالتالي، فقد رأى هؤلاء عدم وجود سببٍ يدعو الولايات المتحدة إلى إدراج لبنان على سلّم اهتمامات سياستها الخارجية.

ويعاني هذا التشكيك مشكلتَين في منهجية المقاربة للموضوع، تتجلّى الأولى في الخلط ما بين وجود سياسة أميركية تجاه لبنان من جهة، والموقع الذي يحتلّه لبنان في سلّم أولويات السياسة الخارجية الأميركية من جهةٍ أخرى.  وتتجلّى المشكلة الثانية في الإيحاء الضمني أو الربط بين وجود هكذا سياسة وكونها سياسة إيجابية فاعلة Positive Activist. 

تُعرَّف السياسة التي تعتمدها الدول على الصعيدَين الداخلي والخارجي بأنها كل ما تقرّر الدول أن تقوم أو لا تقوم به.  وبهذا تشمل السياسة قرار التصرّف (decision to act) أو قرار عدم التصرّف (Policy of inaction or decision not to act)، وتراوح سياسات الدول بعضها تجاه البعض الآخر بين هذَين الخيارَين، بما يحمله كلٌ منهما من انعكاساتٍ سلبية وإيجابية، وهذه هي حال سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان. ويرتبط قرار الاختيار بين هذَين الخيارَين بعدة عوامل داخلية عائدة للمعطيات داخل الدول المعنيّة كما إلى معطياتٍ خارجية متنوّعة. ولا يقتصر دور هذه العوامل في تحديد سياسة الدول الكبرى كالولايات المتحدة تجاه دولٍ صغرى كلبنان، بل أيضاً في تحديد علاقات الدول الكبرى بعضها بالبعض الآخر. وفي هذا نفي للقول بغياب سياسة أميركية ثابتة ومحدّدة تجاه لبنان في هذه الفترة لأنّ هذه السياسة تحدّدها مصالح الولايات المتحدة الأخرى في المنطقة، أو لأنها تابعة لسياسة أميركا تجاه إسرائيل والشرق الأوسط.

 فما هي ماهية هذه السياسة ومقوّماتها، وكيف تطوّرت تاريخياً، وما هو وضعها الحالي؟

 

  • السياسة الأميركية تجاه لبنان حتى العام 2000

لم يكن هناك من اهتمام أميركي خاص بلبنان أو الشرق الأوسط خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، أي الفترة التي اعتمدت فيها الولايات المتحدة سياسة العزلة. فقد اقتصرت العلاقة في هذه الفترة على أعمال المرسلين كما على اعتماد الولايات المتحدة على الدول الاستعمارية الصديقة حينها لحماية أي مصالح اقتصادية لها في المنطقة. وبعد التدخّل المباشر للولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى، وخصوصاً إطلاق ويلسن لمبادئه الأربعة عشر، أصبحت هذه المبادئ الشعار الذي التجأت إليه شعوب المنطقة، ومنها الفئات المكوّنة للشعب اللبناني، لتدعم مطالبتها بالاستقلال وحقّها في تقرير المصير (إنْ من السلطة العثمانية أو المستعمر الأوروبي).

وكان لقرار الولايات المتحدة العودة إلى سياسة العزلة إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى، أثره في الإبقاء على الهالة التي سبق أن تمتّعت بها كحامية للشعوب المستضعفة ومثال على الديمقراطية الحقّة. فبالمقارنة مع السياسة الاستعمارية التوسعية لبريطانيا وفرنسا، كانت الولايات المتحدة بمبادئها المثالية خشبة خلاص بنظر شعوب المنطقة من الواقعية السياسية التي ميّزت سياسة الدول الأوروبية المستعمرة.

إلا أنه ومع دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وتخلّيها عن قرار العزلة واندلاع الحرب الباردة وسباق الجبارين على مناطق النفوذ، ابتدأت نظرة شعوب الشرق الأوسط وحكوماته إلى الولايات المتحدة تتغيّر خصوصاً مع الدور الذي اضطلعت به في نشوء دولة إسرائيل ودعمها غير المشروط لها من العام 1948 وحتى اليوم، على حساب الفلسطينيين والعرب.

أما بالنسبة إلى العلاقات اللبنانية - الأميركية، فقد تميّزت بكونها علاقات جيدة بالإجمال ما بين العامين 1943 و1958.  فعلى الرغم من المشاكل الداخلية التي عاناها لبنان خلال هذه الفترة إلا أنه كان مركزاً ثقافياً ومالياً استقطب رؤوس الأموال الغربية والخليجية، كما اعتبر عبر صيغته التوافقية واستقراره النسبي، واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط إلى جانب إسرائيل، وهمزة وصل بين الشرق والغرب ومركزاً لتفاعل الحضارات. ومع سياسة رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق كميل شمعون الغربية التوجّه، والتهديد الذي واجهه من قِبَل الدول العربية الحديثة الدوران في الفلك السوفياتي (كسوريا ومصر)، وخصوصاً بعد أحداث الأردن نهاية الخمسينيات، اعتبر الساسة الأميركيون الحفاظ على أمن لبنان واستقلاله وديمقراطيته مصلحة قومية أميركية. فسقوط لبنان أمام المدّ الناصري والسوري سيكون ربحاً للسوفيات، كما سيشكّل سقوطه تهديداً لأمن إسرائيل واستقرارها، الأمر الذي دفع بالإدارة الأميركية إلى إرسال قوات المارينز إلى الشواطئ اللبنانية العام 1958.

هذا العرض الأميركي للقوّة وإظهار الاستعداد لدعم نظامٍ حليف، كان واحداً في سلسلة المغامرات الأميركية خارج حدودها بعد البدء باتّباعها السياسة التدخلية النشطة (activist policy) مع ترومان في كوريا. إلا أنّ هذا الدعم لم يساهم، لا في تكريس موقع الولايات المتحدة كحليفٍ للبنان، ولا في تعزيز أهمية لبنان وموقعه في السياسة الخارجية الأميركية.  فبالإضافة إلى تقوية الحركات والأحزاب القومية واليسارية المناهضة للغرب وللولايات المتحدة تحديداً داخل لبنان وخارجه، ساهم هذا التدخّل الأميركي المباشر في لبنان في اكتشاف الأميركيين لتعقيدات الوضع الداخلي اللبناني وهشاشة ديمقراطيته وتقلّب تحالفاته. وبالتالي، خسر لبنان من وجهة نظر الإدارات الأميركية المتعاقبة العوامل الذاتية التي كان من الممكن أن تجعل من الحفاظ على سيادتِه واستقلالِه وأمنِه مصلحة أميركية.

وكان للأحداث التي شهدها لبنان والمنطقة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أثرها الفاعل في تحويل اهتمام الولايات المتحدة بلبنان من اهتمامٍ إيجابي إلى اهتمامٍ سلبي.  فبغضّ النظر عن الكلام الأميركي المعسول الداعم لاستقلال لبنان واستقراره ووحدة أراضيه، أصبح لبنان بلداً هامشياً يمكن المساومة به أو عليه في خدمة الأهداف الأميركية الأساسية، أي حماية النفط وإسرائيل.

 

أ- العوامل الفاعلة في تحديد السياسة الأميركية تجاه لبنان 1970-2001

لن ندخل في تفاصيل هذه المرحلة وتعقيداتها، بل سنكتفي فحسب بعرضٍ مختصر لأهم الأحداث وأثرها في بلورة السياسة الأميركية تجاه لبنان من ضمن سياستها تجاه المنطقة ككل.[1]

- إنعدام الاستقرار على الجبهات العربية الإسرائيلية، والذي بلغ ذروته في حرب 1967 وما نَجَمَ عنه من خسارة للأرض العربية والتغيّر في القيادة الفلسطينية وسياستها، والتي أدّت إلى رغبة عربية ملحّة وغير معلنة في استبعاد المسلحين الفلسطينيين عن أرضهم.

- أحداث لبنان نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات والتي أثبتت، بعكس تجربة الأردن في الوقت ذاته، الضوابط (الناجمة عن تركيبة البلد الاجتماعية والسياسية) على حرية الحكومة اللبنانية في لَجم النشاط العسكري الفلسطيني ضد إسرائيل عبر أراضيها، وبالتالي عدم مقدرتها على ضمان أمن إسرائيل. ببساطة، وبسبب التكوين الطائفي للمجتمع اللبناني، ما كان مسموحاً به عربياً للنظام الأردني المسلم ولاحقاً النظام السوري من ضرب للفلسطينيين، لم يكن مسموحاً به للبنان تحت إمرة حكامه "المسيحيين". وما كان مسموحاً به أميركياً للأردن لم يكن مسموحاً به للبنان المرشح لأن يكون الساحة الأرخص لتنفيس الصراعات العربية - العربية والعربية - الإسرائيلية، وبالتالي خدمة أهداف أميركا وإسرائيل والعرب.

- تحوُّل التحالفات على صعيد المنطقة خلال السبعينيات من تحالفات على أساس عقائدي (يسار/يمين) إلى تحالفات على أساس مصالح، كما تحوَّل النظام المصري إلى حليف للغرب مع أنور السادات.

- حرب 1973 وحظر النفط عن الولايات المتحدة والغرب.

- الثورة الإسلامية في إيران العام 1979 ونتائجها على التوازن الإقليمي.

- التحوّل في الخطاب السياسي العربي من خطاب قومي يساري إلى خطاب إسلامي، إذ لم تَعُدْ قضايا المنطقة قضايا عربية بل صارت قضايا إسلامية. وترافق هذا مع بوادر نجاح الحركات الدينية الإسلامية في إضعاف الحركات والأحزاب اليسارية عبر استقطاب أتباعها (مثلاً حركة أمل التي أسّسها الإمام موسى الصدر في لبنان).

 

ولقد كان لهذه الأحداث، إلى جانب انشغال الولايات المتحدة بلملمة جراحها في فيتنام وفضيحة ووترغيت وعلاقاتها مع أوروبا الخ...، أثرها في بلورة السياسة الأميركية تجاه المنطقة خلال هذه الفترة، والتي انعكست سلباً على لبنان وما تزال حتى اليوم، وإنْ بأساليب مختلفة (كما سنظهر في ما بعد).

ولقد ركّزت هذه السياسة اهتمامها على تحقيق أهداف مترابطة هي العمل على التوصّل إلى معاهدات سلام في الشرق الأوسط لضمان أمن إسرائيل ولحماية مصالحها النفطية والاستراتيجية. ولم تتغيّر هذه الأهداف أو الأساليب المعتمدة لتحقيقها حتى نهاية القرن العشرين بتغيير الإدارات الأميركية، وبالتالي لم يكن هناك أي تغيّر في المقاربة خصوصاً للوضع اللبناني بين الجمهوريين والديمقراطيين.  فمثلاً، اتّهم بيل كلينتون خلال حملته الانتخابية جورج بوش الأب باستعداده لمسايرة "الدكتاتور السوري على حساب استقلال لبنان".[2] وقد ضمن هذا لكلينتون أصوات اللبنانيين الأميركيين، ولكنه لم يضمن لهؤلاء أي تغيّرٍ في السياسة الأميركية تجاه لبنان بعد استلامه مقاليد الحكم. فهو، كَمَن سبقَه من الرؤساء الأميركيين، كان مهووساً بجعل معاهدة سلام في الشرق الأوسط من إنجازاته، بغضّ النظر على حساب مَن.[3]

 

ب- تجلّيات هذه السياسة وشوائبه

أما السياسات التي اعتمدتها الولايات المتحدة لتحقيق هذه الأهداف والتي تطابقت مع سياسات الدول العربية وإسرائيل ومصالحها حول لبنان، فهي:

- مباركة سياسة تجميع المسلحين الفلسطينيين في لبنان لرفع عبئهم عن الدول العربية الأخرى، ولضمان استقرار الجبهات الأخرى مع إسرائيل، وحصرهم بمكانٍ واحدٍ يسهل فيه ضربهم كما حصل العام 1982 على يد إسرائيل، أو العام 1984 في طرابلس على يد سوريا.

- مباركة مشروع توطين الفلسطينيين في لبنان والذي يحظى بمباركة من الدول العربية السنّية لضمان التوازن الديمغرافي مع التزايد السكاني الشيعي، كما بمباركة من سوريا للمقايضة بهم في عملية السلام.

- تسليم لبنان لسوريا في محاولات استقطابها إلى طاولة المفاوضات وللحصول على موافقتها على السياسة الأميركية في المنطقة (مثلاً الحرب ضد العراق 1991).

- تأييد المطالب بتعديل الصيغة التوافقية داخل لبنان تحت شعار حقوق الإنسان والديمقراطية.

ولقد شابَت السياسة الأميركية تجاه لبنان كما المنطقة العيوبَ أو أقلّه نقاط الضعف التالية:

- التحيّز المُطلَق لإسرائيل الذي أدّى في ظلّ تراجع حدّة الحركات القومية واليسارية إلى تصاعد الموجات الدينية والأصولية المناهضة للغرب.[4]

- محاولات إرضاء سوريا والتقرّب منها من دون وعيٍ فعلي لعدم نيّة سوريا في احترام معاهدة سلام (لِما قد تشكّله من تهديد لحكم الأسد فيها). فإبقاء سوريا على الوضع الذي كان سائداً منذ دخول الجيش السوري إلى لبنان بصورة غير شرعية العام 1973، كما أكّد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بنفسه في خطاب ألقاه في 20 تموز/يوليو العام 1976، وحتى مطلع هذا القرن، عزّز حكم الأسد وجماعته أكثر مما يمكن لأي معاهدة سلام أن تعزّزه.[5] فعلاقة سوريا بالولايات المتحدة في هذه الفترة يمكن تشبيهها بوضع العشيقة التي تريد أن تتلقى ثمن كل خدماتها والتي ليس أحدها بالتأكيد الارتباط الذي يجرّدها من المقدرة على المناورة والربح.  فبعكس الدول المارقة والمتعثّرة حسب التصنيف الغربي (Rogue & failing states) ككوبا وكوريا الشمالية وليبيا والعراق الخ، لم تحاول الولايات المتحدة اعتماد السياسة نفسها مع سوريا، أي سياسة الإفقار وزيادة الضغط والإضعاف العسكري. في الواقع، إنّ تسليم لبنان لسوريا على مدى ثلاثة عقود، كما المساعدات التي نالتها دمشق من دولٍ عربيةٍ حليفة للولايات المتحدة، دعم سوريا الأسد وأنعش اقتصادها وزادها قوّة عسكرية وقوّى دورَها في دعم مجموعات كثيرة في أنحاء العالم، يُتّهم بعضها بالإرهاب. وفي حال كانت هذه السياسة مبرّرة قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، إلا أنها لم تعُدْ مبرَّرة منذ مطلع التسعينيات، إلا إذا تعمّقنا في دراسة مدى خدمة السياسة السورية للأهداف الأميركية والإسرائيلية[6].

- وقوع الولايات المتحدة في شرك سوريا في مؤتمر الطائف عبر ربط الخروج السوري من لبنان على مراحل بتنفيذ الإصلاحات المنصوص عليها في وثيقة الطائف (والتي أُدخِلَت في الدستور)، ومن أهم هذه الإصلاحات إلغاء الطائفية السياسية[7]. ففي حين تعرف سوريا جيداً استحالة حصول هذا إذا كان للبنان أن يحافظ على تعدّديته، اعتبر الأميركيون أنّ هذا من شروط التطوّر والديمقراطية، وغاب عنهم أنّ الديمقراطية نسبية ترتبط بحاضنتَيها الاجتماعية والثقافية. فالدراسات تشير إلى أنه لا يمكن تطبيق الديمقراطية الغربية بجميع مبادئها، وخصوصاً الديمقراطية العددية، في البلدان ذات المجتمعات غير المتجانسة والتي تكون أحدى فئاتها صاحبة عقيدة تقوم على استثناء الآخر (exclusionary political ideology) كالعقيدة الإسلامية[8].

- الاستهتار بالحركات الدينية المتطرّفة وخصوصاً الأصولية، والإيمان بالمقدرة على استغلالها من دون التفكير بإمكان انقلاب هذا الطفل الذي يرعاه الأميركيون إلى وحشٍ جائعٍ مستعد ليسدّ جوعه بابتلاع أول مَن يقف بطريقة كما حدث في 11 أيلول 2001.

- عدم فهم أو عدم إعطاء أي وزن للثقافة الشعبية الإسلامية وموقفها من الوجود الأجنبي على أرضٍ إسلامية، إذ قلّما عكس حكام البلدان الإسلامية من حلفاء الولايات المتحدة موقف شعوبهم منها، وبالتالي عزّز هذا نشوء الأصوليات على أنواعها، المناهضة ليس للغرب فحسب بل للأنظمة المتحالفة معه (أفغانستان، العراق، فلسطين، لبنان، الصومال، الخ...).

- خسارة صدقيّتها بسبب التناقض بين القول والفعل في علاقتها مع دول المنطقة وخصوصاً في ما يتعلّق بدعم سيادة لبنان، ودخولها كطرف في النزاعات الإقليمية والداخلية حتى عندما كان تدخّلها تحت غطاءٍ إنساني (العام 1982 في لبنان).

- الخلط الأميركي بين مفهومَي التعدّدية وعدم التجانس في المجتمعات بسبب الاستناد إلى تجربة النموذج الأميركي والرغبة في تعميمه.

 

باختصار، نستطيع القول أنّ سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان خلال هذه الفترة كانت قائمة بثبات ومرتبطة بالأهداف العامة للسياسة الأميركية في المنطقة. وبالتالي، لم تتأثّر لا بتغيّر الإدارات (Bipartisan policy) ولا الرئاسات، إذ لم يكن للاختلاف في شخصية الرؤساء أثر جذري على هذه السياسة على الرغم من هيمنة السلطة التنفيذية إلى حدٍّ ما على السلطة التشريعية في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة عامة. ومن أهم ركائز هذه السياسة تجاه لبنان كان إطلاق يد سوريا فيه لِما قدّمته، على الرغم من العداء العلني، من خدماتٍ لأهداف ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة. وعلى الرغم من اختلاف الجبارين على أمورٍ كثيرةٍ خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي واختلاف أساليبهما، إلا أنّ التطابق النهائي في سياستهما حيال لبنان وسوريا كان ظاهراً وإن لأسبابٍ مختلفة.

فما الذي تغيّر في السياسة الأميركية تجاه لبنان مع وصول بوش الإبن إلى سدّة الرئاسة، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول والأحداث التي تلاحقت في لبنان؟ وأي اتجاه أخذه هذا التغيّر؟ وأي انعكاسات محتملة له في المستقبل؟

 

  • سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان في عهد بوش الابن

ورث بوش الإبن عن الإدارات التي سبقته وضعاً بالغ التعقيد والتناقض في ما يتعلّق بالوجود السوري في لبنان، إذْ وجدَ:

أولاً التزاماً كلامياً من قِبَل بلاده دعم استقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه،

ثانياً ومع حكم الرئيس الشهيد رفيق الحريري "تلميذاً مثالياً" آخرَ (Model pupil) كأندونيسا (وإن اختلف معها من حيث الموارد والأهداف)[9]،

ثالثاً في سوريا شريكاً غير مرغوبٍ فيه في صفقات "العولمة" التي يقوم بها هذا التلميذ[10]،

وأخيراً أنّ هذا الشريك شر لا بدّ منه لِما قدّم ويقدّم من منافع وخدمات للمصالح الأميركية وحلفائها في المنطقة وخارجها، ولِما له من أهمية في تحديد فُرَص نجاح أي معاهدة سلام شرق-أوسطية.

وكان من الممكن أن تبقى السياسة الأميركية تجاه لبنان على حالها على الرغم من انتماء بوش إلى المحافظين الجُدُد (neoconservatives) ومواقفهم من شؤون السياسة الخارجية، لولا أحداث 11 أيلول 2001[11].

فلقد ساهم هذا الحدث، ليس وحسب في إعطاء المبرّر والدعم لسياسة المحافظين الجُدُد الهجومية، وفي زيادة استعمال القوة العسكرية من قِبَل أميركا وحلفائها في أنحاء مختلفة من العالم تحت شعار إعلان الحرب على الإرهاب التي احتلّ فيها لبنان موقعاً مهماً، لكنه اضطلع بدور مهم أيضاً في تغيير مقاربة الإدارة الأميركية لأسباب الإرهاب وسُبُل معالجتها.

ولقد لخّص الرئيس بوش سياسته هذه نحو لبنان بعد 11 أيلول/سبتمبر لدى زيارته وزارة الخارجية الأميركية في 14 آب/أغسطس 2006 إذ اعتبر أنّ لبنان هو واحد من الجبهات الثلاث في الحرب العالمية ضد الإرهاب (إلى جانب العراق وأفغانستان)، وقال إنّ "النزاع في لبنان هو جزء من صراعٍ أوسع بين الحرية والرعب الآخذ بالظهور في المنطقة ككل (الشرق الأوسط). فعلى مدى عقود هدفَت السياسة الأميركية إلى إحقاق السلام عبر الترويج له والتشجيع عليه. لكن افتقار المنطقة للحرية (lack of freedom) أدّى إلى تزايد الغضب والنفور، وإلى تغذية الراديكالية كما إلى نجاح الإرهابيين في تجنيد أتباعٍ لهم. ولقد رأينا النتائج في 11 أيلول/سبتمبر"[12].

يعتبر المدافعون عن سياسة بوش الإبن تجاه الشرق الأوسط ولبنان أنها أدخلت تغييراً جذرياً في أسلوب مقاربة تعقيدات هذه المنطقة. فبدل أن يكون همّه الشاغل، كما كان حال مَن سبقه، التركيز على عملية السلام والعمل على السير فيها، ركزّت إدارته على خلق الأوضاع التي تجعل السلام ممكنًا وتعزيزها[13]. ويأخذ هؤلاء على الإدارات السابقة عدم اهتمامها بتغيير الأوضاع والخصائص السياسية للعالم العربي. فبدل أن تمارَس جميع أنواع الضغوط على الحكام الدكتاتوريين في المنطقة كانت تتملّقهم وتطلب رضاهم لضمان تعاونهم في عملية السلام. ولقد عزّزت هذه السياسة مقدرة هؤلاء في إحكام قبضتهم على شعوبهم (ياسر عرفات، حافظ الأسد، حسني مبارك وغيرهم)، وتعزيز مقدرتهم على دعم الإرهاب، وبالتالي يرى هؤلاء أنّ جهود جورج بوش الابن (بالتعاون مع حلفائه الغربيين) للعمل على دمقرطة الشرق الأوسط (والتي أصبحت تُعتبَر ضرورة من ضرورات الأمن القومي الأميركي بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001)، قد بدأت تعطي ثمارَها. ويستشهد هؤلاء في دعم هذا الاستنتاج بالانتخابات الفلسطينية، والانتخابات الرئاسية المصرية وإعطاء الحقوق السياسية للمرأة في بعض دول الخليج وانتخابات العراق ولبنان، الخ...[14].

إنّ التسليم بصحة هذه الحجج وتبنّي هذه النظرة لا بدّ أن ينعكسا تقييماً إيجابياً للعلاقات الأميركية - اللبنانية، يُصنِّف ويُفسِّر جميع الأحداث ومواقف الإدارة الأميركية تجاه لبنان بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، وخصوصاً بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري من ضمن هذا الإطار الشامل، وبالتالي، يصبح الدور الأميركي في استصدار قانون محاسبة سوريا واستعادة استقلال لبنان (2003) والقرار 1559 وغيره من القرارات التي طلبت من سوريا الانسحاب من لبنان وإنهاء دعمها للإرهاب وسحب سلاح حزب الله، ودعمها المطلق لثورة الأرز، والدعم غير المشروط للمحكمة الدولية ولحكومة الرئيس فؤاد السنيورة (التي تعكس برأي الإدارة الأميركية "الأكثرية التي وصلت إلى السلطة عبر انتخاباتٍ ديمقراطية ونزيهة")، ومؤتمر باريس 3 والدعم الذي قدّمته الولايات المتحدة للبنان...، دلائل يقدّمها أنصار هذه المقاربة لتقديم تحليلٍ إيجابيٍ للسياسة الأميركية تجاه لبنان. ونستطيع إضافة دليلٍ آخر إلى هذه اللائحة يتمثّل بكمية الأموال التي تُصرَف لتمويل (بشكلٍ مباشر أو غير مباشر) هيئات المجتمع المدني والمنظّمات غير الحكومية العاملة على نشر مبادئ الديمقراطية على جميع الصُعُد[15].  وتنطوي هذه المقاربة للسياسة الأميركية تجاه لبنان على تقديم "صك براءة لها من دم هذا الصدّيق" (الذي ما زال يَنزف ويُستنزف منذ مطلع السبعينيات وإن بأشكالٍ مختلفة). كذلك تنطوي هذه المقاربة على قناعة بوجود تغييرٍ إيجابيٍ وجذريٍ في الموقف الأميركي الفعلي من لبنان بفعل المتغيّرات الدولية والإقليمية. هذا التحليل للسياسة الأميركية وإن كان على قدرٍ من الصحة إلا أنه يبقى ناقصاً. فهو عبر تشديده على التفاصيل اليومية واعتباره أنّ التغيّر في التكتيك يعكس تغيّراً في الأهداف، والحكم على النتائج بالنوايا، نراه يعكس جانباً واحداً من الصورة الكاملة مهمّشاً الجوانب الأخرى التي تعكس التعقيدات المحلية والإقليمية والدولية، والتي تشكّل معضلات (dilemmas) تواجه الإدارة الأميركية، والتي بنتائجها وتجليّاتها تمنع التفاؤل بجدوى هذا التوجّه المعلَن حتى وإن صفت النوايا.  فما هي هذه الأوجه الأخرى؟

 

كما أشرنا أعلاه، تتمحور سياسة الرئيس بوش الإبن تجاه لبنان (كما تجاه بلدان أخرى) حالياً على هدفَين أساسيَين هما محاربة الإرهاب من جهة وتعزيز الديمقراطية من جهةٍ أخرى.  ولكنها لا تقتصر على ذلك إذ هناك أهداف أميركية أساسية سابقة لعهده لا يمكنه تخطّيها أو تجاهلها، وهي ضمان أمن إسرائيل (عبر الحرب أو السلم) كما ضمان مصالح أميركا في المنطقة، والتي يأتي النفط في طليعتها.

وعلى الرغم من الترابط الوثيق بين جميع هذه الأهداف واعتماد تحقيق كل منها على تحقيق الآخر، إلا أنها تنطوي على تناقضات مرشحة لأن تؤثّر سلباً أكثر منه إيجاباً على مستقبل المنطقة ومصالح الولايات المتحدة فيها وعلاقتها بشعوبها.  فكما أشار مايكل هيرش Michael Hirsh في مجلة "نيوزويك" "أنّ أجندتَي بوش، أي محاربة الإرهاب من جهة وترويج الديمقراطية وتعزيزها من جهةٍ أخرى، هما في خطر الصدام (collision) في لبنان"[16]. وإذ نوافقه الرأي، نضيف أنّ هذا التصادم ليس محصوراً بهاتَين الأجندتَين، بل يشمل الأهداف الأربعة التي ذكرنا أعلاه. ولا بدّ لإيضاح رأينا هذا من إظهار العوامل الضرورية والكافية الواجب توفّرها لضمان تحقيق كل من هذه المطالب.

يتطلّب نشر المبادئ الديمقراطية وتعزيز ممارستها توافقاً على هذه المبادئ، وما إذا كانت بجوهرها وتطبيقها عالمية أم نسبية، تتأثر بحاضنتها الاجتماعية والسياسية والثقافية. وتتطلّب الجهود لنشر الديمقراطية في عالمنا اليوم تفريقاً واضحاً بين الدمقرطة والأمركة والعولمة (على صعيد المبادئ والسياسة والأهداف). وتتطلّب الديمقراطية ضمان حقوق الإنسان واحترامها على صعيد الجماعات والأفراد ومنها حق الشعب وحريته في اختيار حكامه، وبالتالي تحديد الحرية مِن مَن ومِن ماذا. كذلك تتطلّب الديمقراطية تعزيزاً للتعدّدية ورفضاً للأحادية واحتراماً لحق الآخر بالاختلاف. وبالتالي يتطلّب نشر الديمقراطية معرفة بتكوين الشعب المتلقّي وعدم الخلط بين "التعدّدية" من جهة (بالمفهوم الغربي الديمقراطي) و"عدم التجانس" من جهةٍ أخرى داخل المجتمع الواحد. ففي حين يشمل "عدم التجانس" حتماً مفهوم التعدّدية، لا يمكن اعتبار كل مجتمع تعدّدي مجتمعاً غير متجانس بالضرورة. فلكل من هذَين النوعَين من المجتمعات أُسُسٌ مختلفة للديمقراطية، ويصحّ هذا خصوصاً في المجتمعات غير المتجانسة التي تدين إحدى فئاتها بعقيدة تقوم على استثناء الآخر وعدم تقبّله كمساوٍ لها في الحقوق والواجبات. ويتطلّب نشر الديمقراطية خلق ثقافة ديمقراطية كما ثقافة ممانعة، أي تعزيز لدور المجتمع المدني كأداة ضغط فعّالة، وهذا مما لا يمكن خلقه بالقوة وعبر مجرد إطاحة حكام أو تغيير للنصوص. وأخيراً وليس آخراً، تتطلّب الديمقراطية تعزيز حكم المؤسسات الدستورية الشرعية التي تعلو على حكم الأفراد، وتكون قابلة للمحاسبة من قِبَل الشعب الذي هو مصدر الشرعية والسيادة.

للأسف، إنّ معظم هذه الشروط لا تتوافّر في حدّها الأدنى في المقاربة الأميركية الفعلية للواقع اللبناني. لن ندخل في تفاصيل المواقف الأميركية اليومية (والتي كان آخرها الأمر الرئاسي الأميركي يحظّر سفر وتجميد أموال كل مَن يعمل على زعزعة الاستقرار في لبنان)[17] من مجريات الأمور على الساحة اللبنانية. تكفي الإشارة إلى أن خروج الجيش السوري من لبنان ليس كافياً للقول أنّ الشعب بات حراً في اختيار ممثليه. فدور المال والإقطاع القديم والحديث والزبائنية في ظلّ القانون الانتخابي الذي فصّله السوريون على قياس أرباب السلطة اليوم، لم ينتهِ بانتهاء الوجود العسكري السوري في لبنان. والسكوت الأميركي حيناً والدعم العلني أحياناً لتجاوز الحكومة حدّ السلطة وفسادها في عدة مجالاتٍ [18] وتبريرها بمنطق الأكثرية والأقلية غير مبرّر إلا من منطلق المصالح وليس من منطلق الديمقراطية. ففي مجال نشر وتعزيز الممارسة الديمقراطية، يؤخَذ على الولايات المتحدة كونها أصبحت طرفاً بدل أن تكون حكماً، ما أضعف صدقيّتها ومقدرتها على ممارسة الضغوط اللازمة على جميع الفرقاء، لتعزيز المؤسسات الدستورية الشرعية والتي كان لا بدّ أن تنطلق من قانون انتخابي حديث العام 2005 يضمن المساواة وحرية الشعب في اختيار ممثليه في مختلف السلطات. فالوضع اللبناني الداخلي أعقد من أن يختصر بأقلية وأكثرية انتخبت في ظلّ قانون انتخاب وجد (كما العديد من القوانين التي سبقته) ليكرّس دور المال والإقطاع والزبائنية والعائلية والعصبية الطائفية بدل أن يكرّس صحة التمثيل والمساواة في الفرص والتي تشكل أُسُسَ الممارسة الديمقراطية.

وإذا أضفنا إلى المواقف الأميركية من مجريات الأمور على الساحة اللبنانية، المواقف الأميركية خلال حرب تموز 2006 وانتفاء مبدأ المساواة أقلّه في تقييم حياة البشر وأمنهم ورزقهم، نرى الأثر السلبي لهذا على صدقية الولايات المتحدة. كذلك نرى أنّ جهد إدارة بوش لجعل لبنان، كما العراق، مثالاً يُحتذى في العودة إلى الممارسة الديمقراطية وحكم المؤسسات الدستورية لن يحصد النتائج المرجوّة. فمن جهة أدّى هذا إلى زيادة حدّه الانقسام حول مؤيّد ومعارض للحكومة المتحالفة مع الولايات المتحدة، كما إلى زيادة التراشق بِتُهَم الخيانة والعمالة للخارج، ووضعت اللبنانيين في وضع خيار بين "مع أميركا" أو "ضدها"، والخيار الثاني هو أن تكون بالضرورة مع "محور الشر". وانعكس هذا تغذية للتطرّف داخل الفئات المكوّنة للمجتمع اللبناني وتقوية للقيادة الأحادية داخلها. وعلى الرغم من إمكان استثناء الفئة المسيحية، المشهورة بتعدّديتها منذ قرون، من هذا التوجّه نحو القيادة الأحادية، إلا أنها لم تسلم من خطر أكبر وهو خطر تحوّل التعدّدية إلى انقسامٍ حاد بين فئاتها سهّل استغلالها كأدوات في صراع المتطرفين على الجهتَين[19]. ومن النتائج الأولية لهذه الأوضاع السائدة تحوّل لبنان، تماماً كما في السبعينيات، إلى الساحة الأرخص لتنفيس الاحتقان الناجم عن الحرب الباردة القائمة إقليمياً بين السنّة والشيعة، كما الساحة الأرخص لتوجيه الرسائل الأميركية والإسرائيلية وغيرها من الدول الحليفة إلى إيران وسوريا وحلفائهم أو العكس (كما حدث في تموز 2006). ومن أهم أدوات الحرب الباردة  سلاح الإرهاب الذي تهدف الإدارة الأميركية الحالية إلى محاربته.

على صعيدٍ آخر، من الوسائل التي تستخدمها الولايات المتحدة في خدمة هدف نشر الديمقراطية في لبنان ومناطق أخرى من العالم، هو العمل على تعزيز دور المجتمع المدني في العملية السياسية. ويظهر هذا التوجه واضحاً في المبالغ الطائلة التي تضخّها الولايات المتحدة مباشرةً أم عبر وكالات الأمم المتحدة وبرامجها المتخصصة وبالتعاون مع شركاء من حلفائها أو من دونهم في هذا المجال. وتعتبر الإدارة الأميركية وحكومات الدول الغربية المجتمع المدني هذا شريكاً أساسياً في عملية التغيير والدمقرطة. وهذا بحدّ ذاته مؤشّر مهم على اهتمام الإدارة الأميركية بخلق الأوضاع الضرورية لإنجاح عملية السلام في المنطقة. إلا أنّ نظرة معمّقة لواقع "المجتمع المدني" في لبنان تفرض على الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات والمؤسسات الواهبة أن تجد الجواب عن بعض الأسئلة إذا أريد لهذا المجتمع المدني أن يضطلع بدوره في المساعدة على تغيير الأوضاع لا على تكريسها وزيادة حدّتها. ومن هذه الأسئلة: هل الشريك في عملية نشر الديمقراطية، ديمقراطي في ممارسته ويعتمد الشفافية والمساءلة والمحاسبة وتداول السلطة؟ إلى أي مدى يمكن الحديث في لبنان عن هيئات مجتمع مدني (باستثناء قلّة) غير منقسمة على خط الطوائف والزعامات والمحسوبيات، وبالتالي، تشكّل أداة في يد أرباب السلطة لا أداة ضغطٍ عليهم؟  وإلى أي مدى تهدف عملية تعزيز دور المجتمع المدني إلى إحداث تغيير فعلي أو إلى مجرّد امتصاص لنقمة نخب، أو إلى أن يكون أداة طيّعة في يد الحكومات الواهبة للضغط على الحكومات الخارجة عن الطاعة؟ وأخيراً، هل هناك تنسيق بين الدول الواهبة كما بين المنظمات غير الحكومية وغيرها لتجنب هدر الأموال (على مشاريع متطابقة مثلاً)[20]؟

 

أما على صعيد هدف محاربة الإرهاب، فلا بدّ أن نبدأ بطرح سؤالَين أساسيَين تُعتبَر الإجابة عنهما من شروط نجاح هذه السياسة. يتعلّق السؤال الأول بمدى وجود إجماع على تعريف موحّد للإرهاب ولتصنيف الجماعات الإرهابية، كما على وجود أُسُسٍ محدّدة للتفريق بينها وبين حركات المقاومة والتحرير. ويتعلّق السؤال الثاني بمدى فعالية الديمقراطية في محاربة الإرهاب.

على الرغم من وجود تحديداتٍ متشابهة لمقومات العمل الإرهابي في الأدب المنشور حول الموضوع، إلا أنّ تحديد الجماعات التي تنطبق عليها صفة الإرهاب، والدول الداعمة أو الممارسة له، تبقى عملية سياسية بامتياز تُمليها مصالح الدول. وفي تعاطي الولايات المتحدة مع موضوع الإرهاب في لبنان، تكمن أهم المطبّات والتناقضات والتهديدات لمصالحها كما التهديد الأكبر لاستقرار لبنان والمنطقة وتعزيز الممارسة الديمقراطية فيهما. أما بالنسبة لمدى فعالية الديمقراطية في محاربة الإرهاب، فإنّ الإدارة الأميركية تعلم أنّ الإرهاب يرتع في الأنظمة الديمقراطية، ويفيد من المساحة التي يتيحها احترام الحريات وحقوق الإنسان. وأكبر دليلٍ على هذا، الضوابط على مقدرة الحكومة الأميركية ذاتها في التعامل مع الإرهاب على أرضها، والذي فاد من احترام الشعب الأميركي (أفراداً وهيئات) لحقوق الإنسان، وهي ضوابط غير موجودة في الأنظمة الدكتاتورية العربية وغير العربية. كذلك تشير تجاربها وتجارب حلفائها في مناطق مختلفة من العالم، إلى أنّ الديمقراطية قد توصل جماعات غير مرغوب فيها إلى الحكم، أو إلى بروز جماعاتٍ مناوئة للنظام وقادرة على زعزعة استقراره، ما يخلق أوضاعاً تهدّد مصالحهم وأهدافهم في آن (الجزائر، فلسطين، لبنان، السعودية[21]، الخ). وهنا يكمن التناقض الكامن بين الدعوة إلى نشر الممارسة الديمقراطية من جهة ومحاربة الإرهاب (والذي يتمّ تعريفه سياسياً في معظم الأحوال) من جهةٍ أخرى، ولعلّ في هذا يكمن التفسير لِما يبدو محاولة الولايات المتحدة فرض نظامٍ موالٍ قادرٍ على ضبط الأمور وحماية مصالحها بغضّ النظر عن مدى ديمقراطيته وشرعيته الشعبية. فهل نجحت في تحقيق أي من هذه الأهداف حتى الآن؟

تعتمد إدارة بوش في محاربتها للإرهاب في لبنان، كما في أماكن أخرى من المنطقة والعالم، سياسة تقوم على التناقض والمقامرة من دون حسابٍ للمخاطر. فعلى أثر الثورة الخمينية في إيران العام 1979، عملت الولايات المتحدة على تقوية علاقتها بالأنظمة السنّية لخلق توازنٍ مع إيران، كما قامت المملكة العربية السعودية بتجييش المتطرفين السنّة تحضيراً لمواجهة هذا الخطر المستجدّ[22]. أما بعد أحداث 11 أيلول التي خطّط لها ونفّذها تنظيم القاعدة (منظمة إرهابية سنّية لها قيادة وأنصار داخل المملكة العربية السعودية) فأصبح السؤال الأساس في أوساط الإدارة الأميركية يتعلّق بتحديد مَن يشكّل التهديد الأكبر للمصالح الأميركية: التطرّف السني أم التطرّف الشيعي. وللتعاطي مع هذا الوضع، افترضت الإدارة الأميركية أنّ قيام نظامٍ شيعي موالٍ لها في العراق كفيل بخلق توازن مع التطرّف السنّي متجاهلة تحذيرات الاستخبارات الأميركية حول العلاقة الوثيقة بين شيعة العراق وإيران والتي تظهر اليوم في علاقة حكومة المالكي بإيران[23]. لكن تطوّر الأوضاع إقليمياً وعراقياً ولبنانياً زاد في مقدرة السعودية وأنصارها داخل الإدارة الأميركية على حسم الجدل لصالح السنّة. وقد لخّصت كونداليزا رايس هذا في شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مطلع العام 2007 عندما أعلنت عن وجود تحالفات استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط تفصل بين المصلحين (reformers) والمتطرفين (extremists)، وفي حين اعتبرت الدول السنّية (مصر، السعودية والأردن) مركز الاعتدال، اعتبرت إيران وسوريا وحزب الله المتطرفين الذين اختاروا زعزعة الاستقرار في المنطقة[24]. وكان لهذا التحالف الأميركي - السنّي آثاره الإيجابية والسلبية على لبنان كما على موقع الولايات المتحدة في لبنان والمنطقة.

فمن جهةٍ انعكس هذا إيجابياً في ممارسة الضغط للحدّ من تدخّل المحور الإيراني السوري في الشؤون اللبنانية والمطالبة بنزع سلاح حزب الله وإرسال الجيش إلى الجنوب (ما قد يخفّف من حدّة المخاوف الداخلية لدى باقي الأطراف) كما في تأييد أميركي مطلق، ولأول مرة، لمطالبة اللبنانيين بخروج "جيش الاحتلال السوري" من لبنان[25]، الخ...  ولم تساهم التطورات في العراق حيث يشكل الشيعة لا السنّة حلفاء للولايات المتحدة، كما لم تساهم الإحصاءات التي تشير إلى مسؤولية السنّة بقدرٍ أكبر من الشيعة عن الخسائر الفادحة في صفوف القوات الأميركية في العراق إلى خلق موقفٍ أكثر توازناً بين الفريقَين. فإصرار إيران على استكمال برنامجها النووي إلى جانب الموارد النفطية المتوافرة لديها، يثير مخاوف العديد من الدول وفي طليعتها الولايات المتحدة وإسرائيل لما لهذا من انعكاس على هيكلية النظامَين الدولي والإقليمي وتوزّع القوى فيهما. ويشكّل هذا إلى جانب الدور الإيراني الحالي على الساحة الإقليمية ونتائج حرب تموز 2006 والموقف السنّي من تصاعد القوة الإيرانية الشيعية عوامل أساسية ساهمت في تكريس التحالف السنّي الأميركي.

من جهةٍ أخرى، انعكس هذا التحالف دعماً أعمى للفريق السنّي وحلفائه في لبنان وعداء معلناً لِمَن يختلف معه في الرأي. وشكّل هذا تغاضياً عن تعقيدات الوضع اللبناني، وإنكاراً لحق فئاتٍ تمثّل شريحة من اللبنانيين في المشاركة في صنع القرار السياسي، وهذا نقيض المبادئ الديمقراطية. فلماذا دعم فئة واحدة ودعم الأحادية ضمنها على حساب تعزيز التعدّدية والمشاركة؟ تظهر المراقبة للمعطيات على الأرض وجود أكثر من هدف، وبالتالي أكثر من ثمن على لبنان أن يدفعه.  فالثمن الأول والأهم هو برأينا توطين الفلسطينيين في لبنان والذي يشكّل نقطة التقاء مصالح كل من أميركا وإسرائيل وحلفائهما كما مصلحة العرب بِمَن فيهم سوريا، لِما يشكّله حق العودة من عقدة أساسية تواجه عملية السلام. كذلك يخدم هذا التوطين سنّة لبنان بما يحمله من تعديلٍ لخللٍ ديمغرافي مرشح للتفاقم بين السنّة والشيعة. وهذا الهدف هو اليوم وغداً كما كان مطلع السبعينيات وصفة للنزاع الداخلي في لبنان وإن اختلفت تسمية أطرافه (يمين/يسار أو مسيحي/مسلم أو سنّي/شيعي)[26].

 

فكما تظهر المراجعة الدقيقة لتاريخ لبنان القديم والحديث لم يكن التكوين الطائفي لجبل لبنان وللبنان المستقل يوماً سبباً كافياً بحدّ ذاته لاندلاع الحروب الأهلية على أرضه. إنّ الشروط الضرورية والكافية لاندلاع المواجهات الداخلية كانت دوماً العوامل الآتية مجتمعة:

 1) الخلل في موازين القوى الإقليمية أو الدولية وإعادة توزيع القوى؛

 2) محاولة أطراف خارجية استغلال موارد لبنان (مادية أو بشرية) لخدمة أهدافها؛

 3) التزام فئة أو أكثر من اللبنانيين أهداف أطرافٍ خارجية للحفاظ على مصالحهم وموقعهم؛

 4) رفض الفئات الأخرى تسخير البلد وموارده في خدمة أطرافٍ خارجية على حساب لبنان أو فئاتٍ فيه[27].

وجميع هذه الشروط متوافرة اليوم وبحدّة أكثر من مطلع السبعينيات.

والأخطر من هذا هو اعتماد التحالف السنّي الأميركي سياسة "داوني بالتي كانت هي الداء"، إذ تمّ ضمن إطار هذا التحالف، دعم، أو أقلّه غضّ طرفٍ أميركي، عن تمويل الدول السنّية أو فئات نافذة داخلها لجماعاتٍ إرهابيةٍ سنّية سلفية في أكثر من منطقة داخل لبنان (والعالم) مرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تعلن عداءَها بشراسة للولايات المتحدة الأميركية. والهدف هو خلق توازن في الإرهاب وتوجيه ضربات إلى إيران وحلفائها في لبنان. ولقد بنيت هذه السياسة إلى حدٍّ ما على ثقةٍ زائدة من قِبَل إدارة بوش (كما سابقاتها) بمقدرتها على استغلال هذه الفئات دون أن يتوجّب عليها دفع الثمن، كما استندت برأي المراقبين إلى "تطمينات من قِبَل بعض المتموّلين والنافذين في المملكة العربية السعودية حول مقدرتهم على ضبط هذه الفئات عندما تدعو الحاجة، كما على مقدرتهم على تحديد الاتجاه الذي ستُطلق أسلحة هذه الفئات باتجاهه"[28]. ويبقى السؤال: هل إعادة المارد إلى القمقم هي بذات سهولة إخراجه منه؟؟ ومَن المقامر الأكبر في هذه اللعبة؟

وفي هذه السياسة تجاه الإرهاب تكمن المفارقات والتناقضات الأكبر والمقامرة الأخطر بمصالح الولايات المتحدة (كما باستقرار لبنان والمنطقة) التي تلعبها الإدارة الحالية، وفي طليعة هذه التناقضات موقف الإدارة الأميركية من موضوع تعزيز قوّة الجيش اللبناني الذي يندرج في إطار تعزيز دور المؤسسات الدستورية.

لقد دأبَت الإدارات الأميركية المتعاقبة (منذ منتصف الثمانينيات) وخصوصاً الإدارة الحالية على الطلب من الحكومة اللبنانية نشر الجيش على الحدود مع إسرائيل، كما طلبت وتطلب علناً أو إيحاءً من الجيش والسلطة اللبنانية نزع سلاح حزب الله المصنّف أميركياً منظمة إرهابية. في مقابل هذا، لم تقم الولايات المتحدة بين العامين 1985 و2005 بتقديم أي مساعدات عسكرية للبنان تؤهّله للقيام بهذه المهام. فقد اقتصرت المساعدات خلال هذه الفترة على مبالغ زهيدة خصّصت للتثقيف والتدريب العسكري، ومنها التي استُعملت في أيار/مايو 2001 كأداة ضغطٍ على الحكومة اللبنانية عندما قرّر مجلس النواب الأميركي التهديد بإنقاصها بما يوازي 600.000 دولار أميركي ما لم يتم نشر الجيش على الحدود مع إسرائيل خلال ستة أشهر[29]

العام 2006 استأنفت الإدارة الأميركية تقديم "مساعدات عسكرية" للبنان، فبلغت قيمة هذه المساعدات مليون دولار أميركي للعام 2006، و4،8 مليون دولار أميركي للعام 2007. إلا أنّ زيادةً مهمةً قد طرأت على قيمة المساعدات للعام 2007 بحيث وصلت إلى 220 مليون دولار أميركي[30]، لكن نوعية هذه المساعدات، كما الفيتو الأميركي على نوعية بعض الأسلحة التي يرسلها بعض الدول الأوروبية لمساعدة الجيش اللبناني[31]، بالإضافة إلى التأخّر بإرسالها، كلها عوامل تقلّل من أهمية هذه المساعدات وفعاليّتها في تعزيز مقدرات الجيش. فإذا اعتبرنا حجم التحدّيات التي تواجه المؤسسة العسكرية في لبنان، إن على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وحجم ما يطلب منها من مهام، لَوجدنا أنّ وضعها اليوم يشبه وضع الطائر الذي يطلب منه التحليق من دون أجنحة.

 

على الرغم من هذا، من الممكن اعتبار هذه الزيادة في قيمة المساعدات العسكرية دليل تحوّل إيجابي في موقف الإدارة الأميركية من الجيش وتأكيداً على صدقيّتها في دعمها لدور المؤسسات الدستورية. لكنّ تناقض هذه الدلائل مع مجريات الأمور على الساحة اللبنانية يطيح أي تفاؤل بنجاح النوايا بتعزيز الأمن والاستقرار والممارسة الديمقراطية. ومن الأمثلة على هذا التناقض غضّ الطرف الأميركي عن مموّلي الجماعات السنّية السلفية وداعميها من حلفاء الولايات المتحدة داخل لبنان[32] وخارجه، والإصرار وحسب على معاقبة داعمي التطرّف الشيعي وحزب الله[33]. فهذه الجماعات السنّية المتطرّفة، والتي تعتقد الإدارة الأميركية أنها تخدم هدف "إحقاق توازن في الرعب بين الإرهابيين" تمارس إرهابها على لبنان ومؤسساته وشعبه (عصبة الأنصار وجند الشام وقضية اغتيال القضاة الأربعة، أحداث الضنّية، ومؤخراً المواجهة بين الجيش وتنظيم فتح الإسلام في نهر البارد والتي انتهت بانتصار الجيش، وتهديد هذا التنظيم بفتح جبهات أخرى على الساحة اللبنانية). هذا بالإضافة إلى إعلان هذه التنظيمات والأحزاب التي تدين بالعقيدة نفسها عن عدم اعترافها بلبنان ودستوره وصيغته التوافقية عبر الدعوة إلى إقامة خلافة إسلامية (كحزب التحرير الذي تمّ الترخيص له مؤخراً من قِبَل الحكومة اللبنانية)[34]. وفي هذا تهديد بأن تصبح الحرب السنية - الشيعية الباردة إقليمياً حرباً ساخنةً جداً على الساحة اللبنانية. وفي هذا أيضاً تهديد بخسارة الاستقلال الذي أحرزه لبنان من سوريا عبر عودتها إليه من ضمن صفقة إقليمية جديدة أو استبدالها باحتلالٍ آخر على نسق العراق.

وإذ نجد تفسيراً وتبريراً لهذا الموقف في حرص الولايات المتحدة على ضمان أمن إسرائيل عبر عدم خلق جيشٍ قادرٍ وقويٍ على حدودها، كما عبر محاولات الحدّ من تصاعد النفوذ الإيراني المتجسّد في حزب الله على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، لا يمكن إغفال أثر الأساليب المعتمدة لتحقيق هذا الهدف على فرص نجاحها في محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية وضمان ممارستها في لبنان. فالسياسة الأميركية المعتمدة ماضياً وحاضراً لضمان أمن إسرائيل، مسؤولة إلى حدٍّ كبيرٍ عن تنامي الإرهاب (أو على الأقل تبرير وجوده وتناميه) وزيادة مقدرته على تجييش الأتباع[35]. كما أنّ القضية الفلسطينية وغياب "الحلّ العادل" لها كانت دوماً الشعار الذي استغلّه الحكام العرب لإفقار شعوبهم وإحكام قبضتهم عليهم، وبالتالي تغييب الحرية والديمقراطية التي يهدف الرئيس الأميركي الحالي إلى استعادتها. وعلى الرغم من أنّ بعض المراقبين يقلل من أثر القضية الفلسطينية في الحدّ من نجاح عملية نشر الديمقراطية في العالم العربي[36]، فإنّ ما يصحّ في باقي الدول العربية لا يصح في لبنان بسبب الوجود الفلسطيني على أرضه. وأكبر دليلٍ على هذا أنّ لبنان لم يصبح بلداً منتجاً ومصدراً للإرهاب (كما صنّفه الأميركيون) ولم تنتفِ الممارسة الديمقراطية فيه ويقع في قبضة التوتاليتارية السورية والميليشياوية إلا بعد أن اختُصِرَت وقُلِّصَت جبهات المواجهة والتحرير العربية والإسلامية واقتُصرت على الساحة اللبنانية.

وما يصحّ قوله في هدف ضمان أمن إسرائيل وأساليبه يصحّ أيضاً في هدف حماية المصالح الأخرى للولايات المتحدة في المنطقة والتي يأتي في طليعتها النفط. وفي محاولتنا تحديد أثر محاولات تحقيق هذا الهدف على تحقيق الأهداف الأخرى لا بدّ من أن نشير بدايةً إلى أنه وفي حين كانت الأهداف الأميركية تتركّز سابقاً على ضمان تدفّق النفط إلى الولايات المتحدة والغرب بأسعارٍ مقبولة، والحؤول دون وقوعه تحت رحمة المعسكر الشرقي، فإنّ السياسة الأميركية من موضوع النفط، والتي بدأت تظهر مع الاجتياح العراقي للكويت وانهيار الكتلة الشرقية، تبلورت بصورةٍ واضحة مع الرئيس الحالي، وأصبحت جاهزة للتنفيذ في ظلّ استغلال واسع للمتغيّرات الإقليمية والدولية. وهذه السياسة هي سياسة إحكام القبضة عن قرب على منابع النفط "أي وضع اليد على الحنفية (to control the tap)" للتمكّن من إغلاقها في وجه الحلفاء قبل الأعداء لدى ظهور أول بوادر خروجهم عن الطاعة الأميركية.

وبالتالي، تسعى الولايات المتحدة اليوم ليس، فحسب، إلى ضمان استقرار إنتاج وتدفق النفط بأسعارٍ مقبولة لها ولحلفائها، بل أيضاً إلى تكريس هيمنتها على المنطقة والعالم عبر المقدرة على التحكّم باقتصاد الحلفاء قبل الأعداء. فكما يشير تاريخ المنطقة والعالم منذ القرن الماضي، يضطلع توزّع القوى والسيطرة على موارد الشرق الأوسط بدور فاعل في تحديد توزّع القوى على الساحة الدولية وليس العكس.

وفي الأساليب التي اعتمدتها الإدارات المتعاقبة منذ التسعينيات والتي أخذت وتأخذ أبعاداً أوسع منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001 يكمن سبب آخر لنشوء الإرهاب وتناميه،  سواء كان ضد الولايات المتحدة أو بلدان الغرب أو الحكام العرب "الفاسدين والمفسدين" على حدّ تعبير قادة بعض هذه التنظيمات الإرهابية. وهذا السبب يكمن في موقف المسلمين العرب إجمالاً، وإن كانوا حلفاء للغرب، من الوجود العسكري غير المسلم على أراضٍ إسلامية (إن بشكل قواعد عسكرية أو احتلال فعلي).

فإذا صحّ ما يُشاع عن نوايا أميركية بإقامة قواعد عسكرية أميركية/أطلسية في لبنان[37] (منطقة مطار القليعات) إن لمحاربة الإرهاب (كهدف معلن) أو كاستكمال لحلقة من القواعد العسكرية المنوي إنشاؤها على طول خط أنابيب النفط من العراق إلى سوريا إلى المصافي في طرابلس شمال لبنان (كهدفٍ أساسي)، لا بدّ من أن يتزايد الخوف من تفاقم حدّة الإرهاب وغياب الديمقراطية أكثر فأكثر بما يحمله من تهديد للمصالح الأميركية في لبنان والمنطقة وللاستقرار والأمن في لبنان. أما إذا صحّ ما يُشاع عن وجود النفط في لبنان، فهذا كفيل بإلقاء أضواءٍ جديدةٍ على السياسة الأميركية في لبنان.

 

ويبقى السؤال: ما هي حظوظ نجاح الإدارة الأميركية الحالية في تحقيق أهدافها المعلنة في ضوء الأوضاع على الساحتَين اللبنانية والإقليمية اليوم؟

لا تدعو المقاربة الأميركية الفعلية للوضع في لبنان إلى التفاؤل حول مقدرتها على تحقيق هدفَيها بمحاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية لعدة أسبابٍ، منها الأسباب الذاتية النابعة من خصوصية المجتمع اللبناني، ومنها ما يتعلّق بأساليب السياسة الأميركية في لبنان والمنطقة. يكمن أول هذه الأسباب في التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع اللبناني الذي يضمّ فئات غير متجانسة اجتماعياً وثقافياً وعقائدياً تعاني انعدام الاكتفاء الذاتي داخل حدود الوطن، ولا تجد ذاتها إلا في امتداداتٍ خارج حدود الدولة، ما يعزّز سياسة الاستقواء بالخارج ويسهّل التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية ويزيد في حدّة الانقسام كما يزيد في مدى ترابط الوضع اللبناني وتشابكه مع الوضع الإقليمي. وبالتالي، فإنّ أيّ إغفال لهذا الواقع واختصاره بـ"التعددية" هو مقاربة سطحية (مقصودة أو غير مقصودة) كفيلة بتعميق المشاكل أكثر مما هي كفيلة بإيجاد الحلول. أما السبب الثاني فنجده في الثقافة السياسية السائدة على مستوى الشعب والحكام. فدرجة التسييس العالية التي يتميّز بها الشعب اللبناني قد تعتبر من قِبَل البعض دليلاً على وجود ثقافة مشاركة (Participant Culture) يمكن البناء عليها لنشر الديمقراطية وتعزيزها.  للأسف إنّ الواقع لا يشير بهذا الاتجاه، فالشعب "مسيّس" ولكنه لا يتمتع بحدٍّ أدنى من النمو أو النضوج السياسي والذي يشكّل أحد أهم مستلزمات تقبّل الثقافة والممارسة الديمقراطية. ومن المؤشرات على غياب النمو السياسي عدم إفادة الشعب وحكامه من التجارب الماضية على الصعيدَين الداخلي والخارجي. فتاريخ لبنان يعيد نفسه بأسماء وأشكال مختلفة لأنّ اللبنانيين لم يعملوا على وضع خلاصة للتجارب التي مرّوا بها بصيغة قوانين تحول دون وقوعهم فيها مرةً أخرى. ومن المؤشرات أيضاً الدور الذي تضطلع به العصبيات الطائفية والمذهبية (وليس الطائفية السياسية) على حساب دور تقييم الأداء والمحاسبة والمساءلة في تحديد الخيارات والمواقف السياسية. والأهم هو دور هذه العصبيات في تبرير الإرهاب سواء كان بشكل مجازر من قِبَل فئاتٍ ضد أخرى (كما حصل خلال السبعينيات والثمانينيات) أم بشكل تفجيرات أو غيرها في الداخل والخارج.

ويأتي في طليعة الأسباب المتعلّقة بالأساليب المعتمدة من قِبَل الإدارة الأميركية عامل التناقض بين القول والفعل، بين نبذ الإرهاب والمساعدة على نشوئه بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة، بين الدعوة إلى الديمقراطية وعدم التزام أبسط مقوّماتها في التعاطي مع الأطراف المعنيّة. فكما كانت سياسة الإدارات السابقة تجاه الوجود العسكري السوري في لبنان نقيضاً لجميع المبادئ المثالية التي كانت تنادي بها، هناك خوف من أن يؤدّي تضارب الأهداف الأميركية اليوم إلى النتيجة ذاتها. فلا "الانتخابات الديمقراطية" التي تغنّت بها الإدارة الأميركية أنتجت حكماً ديمقراطياً حتى الآن، بل ساهمت في تدهور الأوضاع أكثر فأكثر، ولا أفلحت السلطة المدعومة أميركياً وغربياً في تحقيق الاستقرار والأمن ومعالجة هموم الشعب الحياتية، ولا أفلحت الإدارة الأميركية في إغلاق معاقل الإرهاب وضبط مموّليه أياً كانوا كما سبق أن وعدت الإدارة الأميركية على لسان وولفويتز[38].

ولعلّ أهم الأسباب التي تثير مخاوفنا حول جدوى السياسة الأميركية في نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب هي ما يبدو من اختزال للمشاكل اللبنانية "بالدور السوري الإيراني" فيه والتلهّي بمعالجة قشور الديمقراطية ومظاهرها دون العمل على توفير أُسُسِها الفعلية عبر المساعدة على إحقاق الإصلاح الفعلي المبني على المعرفة والإقرار بالأوضاع الخاصة للبلد المعني. ولا يمكن تحقيق الإصلاح الفعلي إذا استمرّ الساسة اللبنانيون، إلى أي جهةٍ انتموا، بعدم أخذ العِبَر من التجارب السابقة التي يعجّ بها تاريخنا، واستمروا برفض تفضيل مصلحة الشعب والدولة على كل مصلحةٍ أخرى. فالأميركيون والغرب وأي قوة من الخارج لن تستطيع اجتراح العجائب وتحقيق التغيير والإصلاح، وخصوصاً الحفاظ على الوطن في غياب النية والتعاون من الداخل[39]. ولهذا، يبقى خوفنا الأكبر أن نصل إلى اليوم الذي نجد فيه الديمقراطية تُباع والإرهاب يُشترى في بازار السوق الإقليمية والدولية.

 


[1]-     لشرح حول سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان في هذه الفترة، راجع حلو مرغريت، "السياسة السورية في لبنان: الأهداف والأساليب"، الدفاع الوطني، العدد الأول، بيروت، 1989.

[2]-     راجع: Statement of Presidential Candidate Bill Clinton on Lebanon, Excerpts, The Beirut Review, No.4, Fall 1992.

[3]-    راجع: Gary C. Gambill, US Mideast Policy & the Syrian Occupation of Lebanon. Jointly published by the United States Committee for a Free Lebanon and the Middle East Forum, Vol.3, No.3, March 2001

[4]-    حول دور سياسة الولايات المتحدة وبخاصة CIA في نشوء الحركات الأصولية والإرهابية، راجع: Michael Schwartz, CIA Terror Bombings, Bob Gates and the Rise of Hizbollah, antiwar.com, the Huffington Post, June 28, 2007.

[5]-    لوجهتَي نظر متناقضتَين حول موقف الرئيس السوري من عملية السلام، راجع: Testimony of Richard Murphy and Daniel Pipes, “Is a Syria-Israel Treaty Good for the United States”, addressing a Middle East Briefing, January 28, 2000.

ورغم الاعتقاد السائد بالدخول السوري إلى لبنان عام 1976، إلا أنّ التاريخ الفعلي لهذا الدخول غير الشرعي قد تمّ تحديده من قِبَل الرئيس السوري حافظ الأسد بالعام 1973 في خطابٍ ألقاه عام 1976.  راجع حلو مرغريت، "السياسة السورية في لبنان..."، مرجع سابق.

[6]-    حلو مرغريت، المرجع السابق، راجع أيضاً: Assad’s Back Channel Connection in Washington, Middle East Intelligence Bulletin, March 2001.

[7]-     وهي الحجة التي تذرّع بها الرئيس السوري حافظ الأسد وخدّام لعدم إعادة نشر الجيش السوري تطبيقاً لاتفاق الطائف في لقاء مع وزير الخارجية الأميركية جيمس بايكر ومساعدة إدوار جيرجيان خلال لقاءٍ تمّ بينهما صيف 1992.

[8]-    راجع حلو مرغريت، "الديمقراطية التوافقية في المجتمعات غير المتجانسة: تقويم للتجربة اللبنانية"، في إشكالية الديمقراطية التوافقية في المجتمعات المتعدّدة: لبنان والعراق، عمل جماعي، المركز اللبناني للدراسات، بيروت 2007.  راجع أيضاً:

Michael E. Brown (et. al.), “The Causes of Internal Conflict” in Nationalism and Ethnic Conflict (Mass: MIT Press, 1997), pp.3-25.

عدم تطبيق "إلغاء الطائفية السياسية" كان الذريعة التي قدمها الأسد وخدّام صيف العام 1992 في لقاء وزير الخارجية جيمس بيكر ومساعده إدوار جيرجيان لرفض تقيّدهم ببنود اتفاق الطائف المتعلقة بإعادة انتشار الجيش السوري لبدء الانسحاب من لبنان.

[9]-     راجع: Ending Syria’s Occupation of Lebanon: The US Role, Report of the Lebanon Study Group, May 2000.

راجع أيضاً: John Pilger, The New Rulers of the World, London: Verso, 2002.

[10]-    المرجع السابق: Ending Syria’s Occupation of Lebanon: The US Role…

[11]-    أظهرت جميع المؤشرات والمواقف من القضايا المستجدة كما من الشخصيات اللبنانية التي زارت الولايات المتحدة مطلع عهد بوش الابن (البطريرك صفير، العماد ميشال عون) وجود استمرارية في سياسة أسلافه. للتفاصيل، راجع Gary C. Gambill، مرجع ذكر أعلاه، راجع أيضاً:

Hearing before the House Committee on International Relations, 7 March 2001, Middle East Intelligence Bulletin, March 2001, Washington Post, 12 April 2001.

[12]-   راجع:President Discusses Foreign Policy during Visit to State Department, August 14, 2006.  Antiwar.com.

[13]-   راجع:Martin Peretz, “Giving George W. Bush his Due on Democracy, the Politics of Churlishness”, The New Republic, 4/11/2005.

راجع أيضاً:Gary C. Gambill, “Jumpstarting Arab Reform: The Bush Administration’s Greater Middle East Initiative”, Jointly published by US Committee for a Free Lebanon and the Middle East Forum, Vol.6, No.6-7, June/July 2004.

[14]-   المرجع ذاته.

[15]-   المرجع السابق. إنّ الدعم الأميركي لهيئات المجتمع المدني ليس بجديد ولكن كمية الدعم وأساليبه تغيّرت إلى حدٍّ ما.

[16]-   راجع: Michael Hirsh, “The Legacy on the Line”, Newsweek, July 24, 2006, p.30

[17]-   والمشكلة هنا في تحديد معايير التصنيف.

[18]-   قضية المجلس الدستوري مثلاً والطعن في الانتخابات النيابية والفساد (الالتزامات والمشاريع).

[19]-    إنّ الدور التاريخي لمسيحيي لبنان في إدخال الممارسة الديمقراطية على الحياة السياسية وتعزيزها أمرٌ لا بدّ وأن يؤخَذ في الاعتبار. وإنّ أي تهميش لوجودهم أو دورهم أو أي محاولة لضرب قياداتهم وإضعافهم ستؤدّي بلبنان إلى أن يكون نسخة مطابقة عن باقي الدول العربية غير الديمقراطية. فالمحافظة على الدور المسيحي هو ضمانة لتعزيز الديمقراطية، وهذا ما يبدون أنّ الإدارة الحالية تتغافل عنه في نشرها للديمقراطية وضمان الحرية.

[20]-   حول تعاطي الإدارة الأميركية مع المجتمع المدني، راجع:

Gary C. Gambill, "Explaining the Arab Democracy Deficit" Parts I & II published jointly by US Committee for a Free Lebanon and the Middle East Forum, February/March & August/September 2003.

[21]-   أدّى الضغط الأميركي على المملكة السعودية إلى إجراء انتخابات لأول مرة ما أدّى إلى بروز أصوات أصولية رافضة للفساد في أوساط العائلة المالكة، وهذا ما حدا بها إلى تمويل مدارسهم ومؤسساتهم الإحسانية (والتي أظهرت بعض التقارير أنها تستعمل كغطاء لتمويل الإرهاب) لتدرأ عنها كَيدهم.

 راجع:Gary C. Gambill, Democratization, The Peace Process & Islamic Extremism, Middle East Forum & US Committee for a Free Lebanon, Vol.16, No.6-7, June/July 2004.

راجع أيضاً:The Redirection: Is the Administration’s New Policy Benefiting our Enemies in the War on Terrorism”, Annals of National Security, The Redirection Reporting Essay, 5 March 2007, www.newyorker.com/printables/fact/070305.

[22]-   راجع:Robert Kagan and William Kristol, “The Gathering Storm”, The Weekly Standard, October 29, 2001.

راجع أيضاً: The Redirection…، المرجع السابق.

[23]-   المرجع السابق.

[24]-    المرجع السابق.

[25]-    راجع:Garry Gambill, "US Mideast Policy and the Syrian Occupation of Lebanon”, jointly published by the United States Committee for a Free Lebanon and the Middle East Forum, vol.3, No.3, MEIB main page.

[26] -   راجع حلو مرغريت، "السياسة السورية في لبنان: الأهداف والأساليب"، الدفاع الوطني، العدد الأول، بيروت 1989.

[27]-   تكفي مقارنة الأسباب والأوضاع التي أدّت إلى أهم المواجهات خلال القرنَين التاسع عشر والعشرين ومطلع القرن الحالي لتبيّن هذه العوامل وإن أخذت أشكالاً وعناوين مختلفة.

[28]-    راجع The Redirection…، المرجع أعلاه.

[29]-   حول المساعدات الأميركية للبنان، راجع:

US Foreign Assistance to the Middle East: Historical Background, Recent Trends and the FY 2007 Request.  CRS Report, RL33933, US Foreign Aid to Lebanon: Issues for Congress by Jeremy Sharp, CRS Report, R32260 and US AID, US Overseas Loans and Grants.

[30]-    الملفت للنظر أنّ عملية الزيادة هذه قد تمّت مباشرةً قبل حرب تموز 2007، وهذا يثير العديد من التساؤلات.

راجع: “US Pledges more Aid to Lebanon in 2007”, Defense news.com, July 10, 2006

[31]-    راجع: Robert Fisk, "Can the Lebanese Army Fight America’s Wars against Terror”, The Independent, 11 August 2007.

[32]-    راجع:Franklin Lamb, "Inside Nahr al Bared & Bedawi Refugee Camps: Who is Behind the War in North Lebanon?"  Antiwar.com, May 24, 2007.

[33]-   راجع Michael Schwartz مرجع سبق ذكره.

[34]-   وقد برّر الوزير المختص أنه حسب القوانين المرعية الإجراء، لا تقوم وزارة الداخلية بإعطاء الترخيص بل بأخذ "العلم والخبر" وحسب. ويبقى السؤال لماذا "العلم والخبر"؟ أليس للتأكد من أنّ عقائد هذه الأحزاب والجمعيات ونظامها الأساسي لا تضرّ بالمصلحة العامة ويهدّد الأمن والاستقرار، وبالتالي واجب إحالتها على مجلس الوزراء لإجراء المقتضى إذا تأكد العكس؟

[35]-    المرجع السابق وFranklin Lamb مرجع سبق ذكره.

[36]-   راجع Gary C. Gambill, Explaining the Arab Democracy…، مرجع سبق ذكره.

[37]-    كان هذا مطلب إسرائيلي من بشير الجميّل العام 1982 (قواعد إسرائيلية) ثم أصبح مطلباً أميركياً من الرئيس الحريري الذي كان يريد إنشاء سوق حرّة بالمنطقة، وهذا ما لم توافق عليه سوريا لِما يلحق بها من أضرار.

[38]-    مقتبس ورد في:

Robert Kagan & William Kristok, A War to Win, The Weekly Standard, Editorial, September 24, 2001.

[39]-    حول المخاوف من فشل الجهود الأميركية أو تراجع الاهتمام بنشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب،
راجع Robert Kagan & William Kristol,، المرجع السابق.  راجع أيضاً:

Michael Rubin “Lebanon’s Tenuous Transformation” Aspenia No.30, October 2005 (English version on Daniel Pipes Website).

The American Policy in Lebanon 2001-2007. the conflict of objectives

The researcher tackles the issue of the American-Lebanese relations from the Lebanese and the American points of view and wondered from the beginning whether there is truly a definite American policy towards Lebanon or not, justifying its dangerous question with the way the successive administrations dealt with the Lebanese issue since the seventies of the past century and points out that there was no definite American policy neither concerning Lebanon nor the Middle East all throughout the nineteenth century until the end of the Second World War in the middle of the twentieth century.

The researcher also reviewed the efficient factors which defined the American policy towards Lebanon since the seventies and highlighted the manifestations of this policy and its flaws especially because of the problems and disturbances due to the Palestinian cause or the related issues.

In this context the policy of Washington was distinguished with a cmplete partiality in favor of Israel according to the researcher and as soon as the administration of Georges.W.Bush took control and the dilemma of international terrorism emerged after the terrorist incidents of September 11, the American pressure towards Lebanon increased to restrict the intervention of the Iranian-Syrian axis in this country and this pressure reached the level of “making the most dangerous gamble with the interests of the United States and the stability of Lebanon and the region”.

Contrast dominated the American position since Washington persevered from one part on demanding the Lebanese authorities to deploy the Army in the south and from the other part the United States didn’t grant the Lebanese Army any military aids to enable it to execute the missions which the American administration asked for.

The researcher concludes her study by declaring its pessimism towards the positivism of the American policy in Lebanon and its failure especially since it summarized the Lebanese problems with what this administration calls  “the Syrian-Iranian role” without truly working on solving the Lebanese problems.  

La politique américaine envers le Liban 2001 – 2007 L’affrontement des buts

La chercheuse évoque le sujet des relations libano-américaines des deux angles libanais et américain, en se demandant s’il existe dès le début une politique américaine bien définie envers le Liban, tout en justifiant sa question dangereuse par la façon dont les administrations successives ont traité le Liban, dès les années 70 du siècle précédent.
La chercheuse signale l’absence d’une politique américaine définie envers le Liban et le Moyen Orient, tout le long du 19ème siècle et jusqu’à la fin de la 2ème Guerre mondiale, vers la moitié du 20ème siècle. Elle a exposé les facteurs actifs dans la définition de cette politique américaine envers le Liban depuis les années 70, tout en mettant l’accent sur les manifestations de cette politique et ses défauts, notamment à l’ombre des problèmes et des troubles résultant de la cause palestinienne ou des questions qui leur sont liées. C’est dans ce contexte que la politique de Washington s’est distinguée par une partialité absolue, selon la chercheuse, envers Israël. Une fois le régime de Georges W. Bush s’installa et le labyrinthe du terrorisme international surgisse suite aux événements du 11 septembre, la pression américaine exercée sur le Liban s’amplifia pour freiner l’ingérence de l’axe irano-syrien. Le problème atteint son apogée qu’est « la mise la plus dangereuse des intérêts des Etats Unis ainsi que de la stabilité du Liban et de la région » de la part de l’administration américaine actuelle. La position américaine fut surtout marquée par la contradiction ; d’une part Washington s’appliqua à exiger des autorités libanaises de faire déployer l’armée dans le sud, et d’autre part, les Etats Unis n’ont offert aucune aide militaire à l’armée entre les années 1985 et 2005 – afin de le qualifier pour assumer les missions qui lui sont requises.
    La chercheuse conclut en exprimant son pessimisme envers la positivité de la politique américaine envers le Liban et l’incapacité de cette politique, surtout qu’elle résume les problèmes libanais par ce qu’elle nomme le « rôle syro-iranien », au lieu d’œuvrer à résoudre les problèmes du Liban.