السياسة الخارجية الجديدة لروسيا وتأثيرها على دول الشرق الأوسط ولبنان

السياسة الخارجية الجديدة لروسيا وتأثيرها على دول الشرق الأوسط ولبنان
إعداد: العقيد الإداري جورج الخوري
ضابط في الجيش اللبناني

المقدمة

لقد شهدت منطقة الشرق الأوسط عودة تدريجية للنشاط الخارجي الروسي إليها، فروسيا تحتاج إلى إقامة علاقات شراكة مع دول هذه المنطقة، ودول العالم الإسلامي والعربي خصوصًا (إيران- تركيا - سوريا...) لتقليل حجم التهديدات على حدودها الجنوبية. على خط آخر، تعتبر هذه المنطقة الخزّان العالمي لمادة الغاز الطبيعي ومركز الثقل لخطوط الأنابيب التي تنقله أو ما يسمّى بـ"شرايين الأنظمة الحاكمة"، وهذا ما يجعلها مسرحًا للتجاذب الجيوسياسي الروسي _ الغربي بسيناريوهات ظاهرها سياسي وباطنها اقتصادي.

عمل الرئيس فلاديمير بوتين على إعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية من جديد، من خلال عدّة استراتيجيات براغماتية قائمة على ثوابت أهمّها: عدم الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، النهوض بالاقتصاد القائم بالدرجة الأولى على الاحتياط الضخم من مادة الغاز، السعي إلى عالم متعدّد الأقطاب وتكوين تحالفات إقليمية ودولية ذات طابع أمني (منظمة شانغهاي) واقتصادي (مجموعة البريكس).

لقد انتقلت الأزمة السورية الراهنة إلى مرحلة التدويل الفعلي، وبخاصة بعد الظهور العسكري الروسي على خط المواجهة ونجاحه في قلب المعادلة على الأرض على الرغم من الضربات العسكرية الأميركية الخجولة في هذا الإطار بهدف إعادة إحياء الدور الأميركي، وتبقى جملة من الأسئلة تطرح نفسها على هذا الصعيد: ما هي الأهداف الحقيقية وراء التدخل الروسي في الشرق الأوسط عامةً وسوريا خاصةً؟ وهل هذا النوع من التدخّلات سيُكتَب له التوفيق بعد انتهاء ولاية القيادة السياسية الحالية، وبالتالي ارتفاع ترتيب روسيا في السلّم العالمي؟ وهل أصبح لبنان يشكّل وجهات جذب محتملة لروسيا خصوصًا مع اكتشاف حقول الغاز قبالة شواطئه؟

 

أوّلًا: مؤثرات السياسة الخارجية الروسية

يقصد بمؤثرات السياسة الخارجية تلك العوامل المتعدّدة التي تسهم بشكل أو بآخر في توجيه السياسة الخارجية وتبلورها لأي دولة، كما تعني أيضًا "دراسة السياسة الخارجية كمتغير تابع أمام مجموعة من المُتغيِّرات المستقلة التي تفرضها معطيات البيئتين الداخلية والخارجية".

أمّا المؤثرات الداخلية فتتمثل بالجغرافيا، السكان، الاقتصاد، القوة العسكرية، بيئة صنع القرار...

تقدّر مساحة روسيا بـ17.075.200 كلم2، وتمتد إلى شرقي أوروبا وشمالي آسيا. إلاَّ أنّ طبيعتها السهلية في حدودها مع أوروبا تجعل منها أرضًا مكشوفة من ناحية الغرب بعكس الشقّ الشرقي الذي تحيط به سلسلة جبال الكاربات، إذ يتسبّب المحيط المتجمِّد الشمالي بتعطيل معظم موانئها الشمالية في فصل الشتاء، أمّا وصولها إلى مياه المحيط الأطلسي أو المياه الدافئة عبر الممرات البحرية  فمرهون بظروف عدّة دول. من هنا يمكن تحليل بعض قراءات الخرائط لفهم السياسة الخارجية الروسية وما تستشعره هذه الدولة من أخطار محدقة بها، سببها الرئيس فقدانها للمنطقة العازلة أو ما يُعرف بدول بحر البلطيق ، وتحكُّم أوروبا وتركيا بوصولها إلى المنافذ البحرية، إضافة إلى وجود معظم الأراضي الزراعية والتي تُشَكِّل 8٪ فقط من مساحتها العامة في المنطقة الجنوبية الغربية بمحاذاة جورجيا، أوكرانيا، القوقاز وآسيا الوسطى، أمّا السبب الآخر والذي لا يقلّ أهمية عن السبب الرئيس فيعود إلى قرب موسكو من الحدود الروسية الغربية، وبُعدِها مئات الأميال عن أماكن تمركز حلف الناتو.

على خطٍ موازٍ، يعتبر العامل السكّاني من العوامل المؤثِّرة على السلوك الخارجي للدول، فالتنوّع العرقي، اللغوي والديني غالبًا ما يُفرِز كتلًا بشرية غير متجانسة تحاول التأثير على قرارات السياسة الخارجية. يصل عدد السكان في روسيا، بحسب إحصائيات العام 2014 إلى حوالى 148،8 مليون نسمة معظمهم من العرق الروسي بنسبة تصل إلى 81.5٪، أمّا باقي الأعراق (تتار-أوكرانيون- تشوفاس- يهود...) فتشكّل مجتمعة ما نسبته 18.5٪. كذلك يعدّ الروم الأورثوذكس في روسيا النسبة الأكبر بين السكان في حين "يشكّل المسلمون 16٪  من إجمالي عدد السكان". علّق "بول غلوب" الخبير الروسي بشؤون المسلمين، قائلًا "روسيا تمرّ بتَحَوّل ديني ستكون له نتائج على المجتمع أكبر من تلك التي رافقت انهيار الاتحاد السوفياتي".

لقد بلغت نسبة النمو في الصادرات الروسية من الناحية الاقتصادية وبحسب منظّمة التجارة العالمية 22٪ في العام 2011، كما احتلَّت روسيا المركز التاسع بين المصدرين الرئيسيين، وشكّلت حصّتها من التجارة السلعية ما نسبته 4،7٪. كذلك أصبح للنفط والغاز شأن محوري في الاقتصاد الروسي الذي صُنّف من ضمن أكبر عشر اقتصاديات في العالم، وذلك بوصف روسيا أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وثاني منتج للنفط بعد المملكة العربية السعودية.

عسكريًا، ومع كل التغيُّرات التي شهدها النظام العالمي في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من توقيع برنامج التعاون "سي تي آر" أو "نان لوغار" ومعاهدتي"START 1-2" بين الجانبين الأميركي والروسي، إلاّ أنَّ العالم لا يزال ثنائي القطبية في هذا المجال ، فالترسانات الاستراتيجية الأميركية والروسية تتجاوز القوى النووية الثلاث الأخرى، أي الصين وفرنسا والمملكة المتحدة. إنّ روسيا تمتلك وفق معطيات العام 2012، 11 ألف رأس نووي من النوعين التكتيكي والاستراتيجي في مقابل 8500 رأس للولايات المتحدة، وهي تستعمل ذلك كقوّة ردع استراتيجية لمواجهة الدرع الصاروخي الأميركي وتوسع حلف الأطلسي.

على صعيد آخر، فإنّ عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الروسية تتم ضمن مؤسسات الدولة، إلا أنّ ما يجعل هذه العملية تختلف عن أي دولة أخرى هو طبيعة صُنَّاع القرار، أي القيادة السياسيّة والأحزاب. تُعدّ القيادة السياسيّة من أهمّ مؤثّرات السياسة الخارجية للدولة، فالقائد السياسي هو رأس الدولة والمسؤول عن صنع سياستها الخارجية وفقًا للدستور الروسي الذي ينصّ على أنّ " الرئيس الروسي يحدِّد توجهات السياسة الداخلية والخارجية ". لذا فإنّ أي تغيّر في هذه القيادة يؤدِّي إلى حدوث تغيّر في توجُّه السياسة الخارجية، كما أنّ تغيّر رؤية القائد السياسي للأحداث والمصالح من وقت إلى آخر تجعله يغيّر في سياسته الخارجية.

تشهد روسيا تعدُّد الأحزاب واختلاف توجّهاتها وبرامجها، ووصل عددها تلك الأحزاب مؤخرًا إلى 37 حزبًا سياسيًا، أهمّها: حزب روسيا الموحَّدة الذي تأسس في العام 2001، وهو يهيمن على المشهد السياسي ويسيطر على مجلس الدوما والحزب الشيوعي الروسي، وحزب روسيا العدالة والحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي. وعلى الرغم من وجود معارضة شديدة للسياسة "البوتينية" بزعامة ألكسي نافالي، إلّا أنّ تأثيرها على الكرملين لا يزال ضعيفًا.

ومع تفكُّك الاتحاد السوفياتي برزت حقيقة جيوسياسية جديدة تمثّلت بظهور عدّة دول أُعيد دمجها في خريطة العالم المعاصر تقع في وسط آسيا وشمالها، ما أدى إلى تقلُّص مجال روسيا الآسيوي بنسبة 20٪، وجعل ثروات تلك المناطق هدفًا لمصالح القوى الإقليمية والدولية. "تم إنشاء كومنولث الدول المستقلة لإظهار دور روسيا البارز ضمن الكيان الجديد". لكنّ هذا الدور قابلته جملة من التحدّيات الإقليمية، لعلّ أبرزها توسع الحلف الأطلسي على تخوم روسيا ونشر الدرع الصاروخي الأميركي في دول أوروبا الشرقية.

فقد عكس السعي الأميركي، لتطويق التحرك الروسي في إقليمها المجاور، واقع الرغبة الروسية في العودة إلى الساحة الدولية كدولة عظمى. من هنا، أنشأت منظمة "شانغهاي" التي جسّدت رؤية روسية صينية مشتركة حول عالم متعدّد الأقطاب، كما وَطَّدت علاقتها مع كل من الهند ودول أميركا الجنوبية بإنشاء تحالفات وتكتلات اقتصادية. على خطٍ آخر، أدركت روسيا أهمية العنصر الطاقوي فهي تهيمن على 67٪ من إنتاج الغاز في العالم، وتعَدّ المُورِّد الأول لهذه المادة للصين وأوروبا، وتسعى في الوقت نفسه لتخطّي منافسيها في هذا الحقل.

 

ثانيًا: استراتيجية بوتين للنهوض من الإمبراطورية إلى الاتحادية

شكّل فوز بوتين في الانتخابات الرئاسية في العام 2000 نقطة بداية لنسق جديد في العلاقة مع الغرب تقوم على التوازن بين الطموحات والإمكانيات لإصلاح المجتمع الروسي واستعادة مكانة روسيا في العالم. لم ترحّب واشنطن بالتغيير في موسكو، ورأت مستشارة الأمن القومي الأميركي "كوندليزا رايس" أنّه من السذاجة التعاون مع روسيا في الوقت الذي تسرِّب تقانة أسلحتها إلى دول معادية لأميركا ككوريا الشمالية وإيران، فردّ بوتين بتوقيف اتفاق غور - تشيرنومردن  متذرّعًا بأسباب مالية. أُعيد انتخاب بوتين لولاية ثانية في العام 2004 فعمل على إخراج الاقتصاد الروسي من حال الأزمة "النظامية" التي كان يتخبّط بها، وأصبحت الطاقة مصدر مناعة لهذا الاقتصاد، وامتلأت الخزينة بالاحتياط الأجنبي بفضل أسعار النفط، وصارت روسيا سابع أكبر اقتصاد في العالم.

مع عودة بوتين إلى السلطة في 4 أيار من العام 2012، عمل على إحداث علاقة توازن بين أجهزة الدولة، كما ركّز اهتمامه على حماية حقوق المواطنين الروس في الداخل والخارج، وأكّد التمسُّك بالمبادئ السابقة ومنها الوضوح والبراغماتية وحماية المصالح القومية، من دون الانزلاق إلى نزاعات أو مواجهات، خصوصًا مع شركاء روسيا.

ففي بداية العام 2014، دعم الغرب انقلابًا في أوكرانيا ضد "يانوكوفيتش"، وبدت هذه الدولة السوفياتية السابقة تبتعد عن تأثير روسيا. أثار هذا الأمر حفيظة بوتين فلم يتردّد في توجيه ضربة عسكرية إلى أوكرانيا في شباط من العام 2014، استولت من خلالها القوات الروسية على معظم شبه جزيرة القرم في منطقة جنوب شرق البلاد. وقد دعم لاحقًا استفتاءً شعبيًا في القرم في 16 آذار من العام 2014 أدّى إلى ضم شبه الجزيرة إلى الاتحاد الروسي.

على خلفيّة ضم القرم، تزايدت التهديدات والعقوبات الغربية المرتبطة بنشاط الولايات المتحدة وحلف الناتو على أمن روسيا، خصوصًا مع تحديث القدرات الهجومية للحلف الذي تحوّل بحسب وجهة النظر الروسية من حلف دفاعي إلى حلف عدواني، وهذا ما دفع إلى تعديل وثيقة الأمن القومي الروسي التي صدرت في العام 2009 لتتناسب مع هذه التهديدات والتحدّيات التي تواجه البلاد.

 

أ‌- وثيقة الأمن القومي الروسي

دعا بوتين في تموز من العام 2015 إلى ضرورة تعديل استراتيجية الأمن القومي الروسي الصادرة في العام 2009، والمقرّر العمل بها حتى العام 2020. وقال بوتين خلال اجتماع مجلس الأمن الروسي: "من الضروري تحليل التحدّيات والأخطار المحتملة جميعها، لتشمل السياسة والاقتصاد والإعلام وغيرها، خلال فترة قصيرة، وتعديل استراتيجية الأمن القومي الروسي، بناءً على نتائج هذا التحليل".

وبالفعل في 31/12/2015 صدرت وثيقة الأمن القومي الروسي المعدّلة، حيث شكّل ضمان هذا الأمن أولويّة في إطار عمل الدولة، وتبلور الهدف الرئيس منها في استعادة روسيا لمكانتها كقوة عظمى موازية للغرب، وبخاصةٍ في الشرق الأوسط، للاستجابة الملائمة للتهديدات التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين، ومن أبرز ما جاء فيها:

(1)- تلقى ممارسة روسيا لسياستها المستقلة داخليًا وخارجيًا مقاومة من قبل الولايات المتحدة والدول الحليفة لها والتي تسعى إلى تكريس هيمنتها على شؤون العالم. كما أنّ سياسة الردع هذه تشمل ممارسة الضغط عليها اقتصاديًا، سياسيًا وإعلاميًا.

(2)- إنّ تعزيز قدرات حلف الناتو وتكليفه وظائف كونية تنفَّذ بما يخالف القوانين الدولية، يشكِّل تهديدًا واضحًا للأمن القومي الروسي، وانتهاكًا للشرعية الدولية، كما أنّ إبقاء منطق الكتل العسكرية في حلّ القضايا الدولية يؤثِّر سلبًا على التعامل مع التحدّيات والتهديدات الجديدة، أمّا استمرار تدفُّق المهاجرين وتناميه من أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، فيعكس مدى عجز نظام الأمن الأوروأطلسي.

(3)- تدعو روسيا إلى تحويل "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" إلى "منظمة دولية شاملة قادرة على التصدّي للتحدّيات والتهديدات الإقليمية"، بما فيها الإرهاب الدولي والتطرف وتجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية، وإلى ضرورة تنبُّه المجتمع المدني إلى زيادة عمليات إسقاط الأنظمة السياسيّة الشرعية، مع تحوُّل الأراضي التي تستعر فيها هذه النزاعات إلى قواعد للإرهاب والنعرات الطائفية.

(4)- إنّ ظهور المنظمة الإرهابية التي أطلقت على نفسها اسم "الدولة الإسلامية" وتعزيز نفوذها كانت نتيجةً لسياسة المعايير المزدوجة التي تبنّتها بعض الدول في مكافحة الإرهاب".

(5)- تعتمد روسيا سياسة عقلانية وبراغماتية في مواجهة التحدّيات بما فيها التسلّح. أمّا في مجال الأمن الدولي، فإنّ الاستراتيجية أشارت إلى أنّ روسيا متمسّكة باستخدام وسائل سياسيّة وقانونية وآليات دبلوماسية هادفة إلى حفظ السلام قبل غيرها، أمّا استخدام القوة فليس ممكنًا إلّا في حال لم تؤدِّ الوسائل السلمية مفاعيلها.

(6)- يستمرّ قلق روسيا من تدخّل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الدائم في أوكرانيا، والهادف إلى "إحداث انشقاق عميق داخل المجتمع الأوكراني"، كما أنّ خطّة الولايات المتحدة لـ"نشر الدرع الصاروخي في أوروبا على مقربة من الحدود الروسية" تشكل مصدر قلق للأمن القومي الروسي.

(7)- تهدّد "الثورات الملوَّنة" في المحيط الروسي، وخصوصًا في أوكرانيا، السيادة الروسية وسط "تغذية الأيديولوجيات القومية المتطرفة لإظهار صورة روسيا على أنها العدو في عقول المواطنين الأوكرانيين".

(8)- تنبع أهمية شرقي أوروبا بالنسبة للأمن القومي الروسي من ارتباطه بخطوط إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، العنصر الأبرز في الاقتصاد الروسي، خصوصًا مع التدهور الأخير الذي أصابه بسبب انخفاض أسعار النفط، والعقوبات الغربية على أثر الأزمة الأوكرانية.

(9)- تؤكّد موسكو اهتمامها ببناء شراكة متكاملة مع الولايات المتحدة الأميركية على أساس المصالح المتطابقة بين البلدين وتأثير العلاقات الروسية- الأميركية على الوضع الدولي العام. كذلك أبدت روسيا استعدادها لبناء علاقة مع الناتو على أساس المساواة من أجل تعزيز الأمن العام في المنطقة الأوروبية الأطلسية، شرط احترام القوانين الدولية.

 

ب‌- العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسيّة

استقرّ النظام السياسي بدرجة كبيرة في روسيا بعد وصول بوتين إلى السلطة، وقد عرف الرجل كيف يقارب عددًا من الملفّات الدولية الحسّاسة (الملف النووي الإيراني، شبه جزيرة القرم، سوريا،...) ويواجه التحدّيات والعقوبات الغربية بتغيّرات استراتيجية للتأقلم مع الواقع الجديد وإبقاء سيطرته على المنظومة السياسية داخليًا وخارجيًا. في هذا الإطار، أعلن بوتين بتاريخ 1/12/2016 عقيدة جديدة للسياسة الخارجية الروسية شملت عدّة مبادئ، أبرزها:

(1)- تتطلّع موسكو إلى تعاون مستقرّ وشراكة حقيقية مع الاتحاد الأوروبي، وإلى توسيع وجودها في القارة القطبية الجنوبية، وإلى إقامة علاقات متبادلة المنفعة مع الولايات المتحدة الأميركية مع الأخذ بالاعتبار مسؤولية الدولتين الخاصة عن الأمن الدولي، وعدم الإعتراف بتعميم الولايات المتحدة لتشريعاتها خارج أراضيها بتجاوز القانون الدولي بذريعة مسؤولية الحماية "R2P"، وعدم قبول روسيا بمحاولات الضغط عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية واحتفاظها بحق الرد بقوّة وبالطريقة المناسبة على الإجراءات غير الودّية بحقها.

(2)- التنبُّه إلى أنّ انعدام الاستقرار في "أفغانستان" يحمل تهديدًا لروسيا ورابطة الدول المستقلّة على حدٍّ سواء، لذا تسعى موسكو إلى بذل جهود حثيثة لحل هذه الأزمة، وتعارض أي محاولة لنقل المواجهة والنزاع العسكري إلى القطب الشمالي.

(3)- التوجّه إلى إنشاء تحالف دولي واسع من أجل مكافحة الإرهاب، والعمل على تعزيز الشرعية الدولية كأولوية، مع مواصلة نهج التسوية السياسية الدبلوماسية لحل النزاعات في الشرق الأوسط من دون تدخُّل خارجي.

 

ج‌- أهداف السياسة الروسية

يشكّل الشرقان الأدنى والأوسط والعالم العربي وتركيا وأفغانستان والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى وجنوبي القوقاز، النطاق الحيوي للمصالح الروسية. لقد انتهجت روسيا الاتحادية سياسة ناشطة تحمي أمنها القومي على المدى البعيد وتحفظ هيبتها وتعزّز منزلتها كقوة كبرى وتوسِّع مصالحها الاقتصادية، فكان عليها اتّباع استراتيجيات متداخلة، وتحديد أهدافها بدقة، والتي تتلخّص بالحفاظ على وحدة الأراضي الروسية، مكافحة الإرهاب، حفظ الهيبة والمكانة الدولية، تقوية القدرات الاقتصاديّة وإقامة نظام دولي متعدّد الأقطاب.

يمثّل البُعد الأمني لوحدة روسيا الاتحادية وسيادتها واستقلالها الدافع الأول للنشاط الروسي في المنطقة. إنّ اتّساع الأراضي الروسية والمطلب السيادي المتعلّق بها قد واجها تحدّيًا خطيرًا بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، فقد عمدت إلى تقليل حجم التهديدات المحتملة على حدودها الجنوبية "بإقامة علاقة شراكة مع العالم الإسلامي والعربي، وتعزيز العلاقات مع كومنولث الدول المستقلة". من ناحية أخرى تنشط السياسة الخارجية الروسية في مواجهة تهديدات أمنية آتية من كيانات في العالمين العربي والإسلامي، تعتمد التعبئة الدينية الجهادية التحريضية الانفصالية، حيث تُعتبَر روسيا من أكثر الدول المطالبة بتجفيف منابع تمويل الإرهاب وأُطر دعمه السياسي والإعلامي والتحريضي، ومنع انتشار الصراعات السياسيَّة والعسكرية المؤدية إلى عدم الاستقرار في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى.

لطالما حرصت روسيا على أن يكون لها مكان ودور متميزان في حفظ الأمن والاستقرار في مناطق العالم الحسَّاسة ويرجِعُ ذلك في أحد أسبابه إلى العامل المعنوي، وهو التأكيد على أنّ هذه الدولة لا تزال تتمتّع بمكانة خاصة على الساحة الدولية. فقد سعت موسكو إلى علاقات متميزة وتعاون استراتيجي مع أصدقاء الاتحاد السوفياتي السابقين، ولا سيما الهند وإيران والصين، واعتمدت خيار بناء تفاهمات متعدّدة الأطراف في وجه الهيمنة الأميركية، وأعادت هيكلة العلاقات الدولية من خلال توازن القوى والالتزام بميثاق الأمم المتحدة.

ارتكزت تقوية القدرات الاقتصاديّة لروسيا بشكلٍ أساسٍ على استعادة دورها الفاعل في العالم كقوة قطبية، وتحوّلها إلى عالم الحداثة وفق المنظور الغربي، والاعتماد على الاحتياط الضخم من الغاز بهدف إنشاء مُنظَّمة دول مُصدِّرة لهذه المادة على غرار منظمة "أوبيك"، تنشيط تجارة الأسلحة وتحقيق تنمية اقتصادية قومية تكون قاعدة لقوة استراتيجية جيوسياسية.

أمّا الهدف الأخير والمتمثل بنظام دولي متعدد الأقطاب، فمن البديهي أن يتحقّق من خلال تأسيس شراكة مع الولايات المتحدة الأميركية قائمة على مبدأ التكافؤ بعيدًا من الهيمنة الأحادية، وتطوير التعاون مع الدول الواقعة على الساحل الآسيوي للمحيط الهادئ، وإبقاء العلاقة مع الاتحاد الأوروبي ضمن أطرها التقليدية، والتحالف مع قوى اقتصادية صاعدة "مجموعة البريكس" من أجل التصدّي للاحتكار الغربي، بالإضافة إلى التوافق مع الصين في المجالات ذات الاهتمام المشترك والمصالح المتبادلة.

 

د- وسائل تحقيق الأهداف

"استكملت إدارة بوتين ما كانت بحاجة إلى إتمامه في فترة العقد الضائع، فرسمت حدودها الجيوسياسية وأهدافها في إطار عقيدة سياسية خارجية أمنية وعسكرية، وحدَّدت الوسائل اللازمة لبلوغها"، بدءًا بتطوير العلاقات الثنائية مع الأقطار العربية والتنظيمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، مرورًا بالوقوف في وجه الهيمنة الأميركية بكسر الأحادية القطبية من خلال "منظمة شانغهاي" للتعاون في مجال الأمن، و"مجموعة البريكس" للتعاون في المجال الاقتصادي وخلق توازن في القضايا العالمية، الأمنية، المالية والاقتصادية وصولًا إلى اتّباع خيار المسارات المتعدّدة في علاقاتها مع الدول التي تحتضن التيّارات الإسلامية، أو تدعمها بالمال والسلاح أو تستثمر التنافس لتأجيج الصراع بالنيابة بين الأقطاب الإسلامية، والتفريق بين الإسلام والإسلام السياسي في استراتيجية ما بعد الحرب الباردة، وأداء دور الوسيط النزيه في تسوية الخلافات العربية والشرق أوسطية.

ومن الوسائل المستخدمة لتحقيق الأهداف: ربط تفسير التطورات في المنطقة من قبل الدبلوماسية الروسية بمواقف الرأي العام العربي الذي يحمّل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية ما يجري، ويؤكِّد خطأ الظن بصدق نيّات واشنطن في تدخلها في المنطقة، والتركيز على بيع السلاح كإحدى الأدوات الأساسية في تنشيط علاقتها مع دول المنطقة باعتبارها سوقًا مهمًا للسلاح الروسي. ومن الأمثلة على ذلك، الصفقة التي تم عقدها لإمداد سوريا بـ36 صاروخ دفاع جو "بانتسير-س 1"، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية بين روسيا والمملكة العربية السعودية للتعاون في المجالين العسكري والتقني.

 

ثالثًا: طبيعة العلاقات الروسية - الأميركية

على الرغم من المعاهدات والاتفاقات (قمة سوتشي،...) التي عقدتها روسيا وأميركا، لإظهار حسن النوايا، إلّا أنّ الصراع بينهما لمّا ينتَهِ بعد. لقد مرَّت علاقات الدولتين بعدّة مراحل متقلّبة، فمن قانون "ماغنيتسكي" إلى حرب جورجيا فأزمة القرم، كلّها أحداث شكّلت ذروة التوتر بينهما، ما دفع بالكثيرين إلى التحدث عن حرب باردة جديدة، قد تصل إلى حدّ المواجهة العسكرية. على خط آخر، فقد عكس وعي القيادتين الحاليتين مساحات من التقاطع في معالجة بعض الملفات ذات الاهتمام المشترك، على الرغم من الخلافات الجديّة بينهما.

ثمّة توافق بين الرئيسين الروسي "بوتين" والأميركي "ترامب" في بعض الملفّات، كرفض أيّ محاولات إقليمية أو دولية للتأقلم مع قوى من تيارات " الإسلام السياسي"، ووقف أي دعم عسكري للمعارضة السوريّة خلافًا لما كان عليه الوضع سابقًا. على خطٍ موازٍ، يسعى البلدان إلى توثيق التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والعمل على تقوية التحالفات خصوصًا العسكرية بهدف دحر "تنظيم الدولة الإسلامية" أو ما يسمّى بـ"داعش" أينما وجد، وتطوير الصناعات النووية من أجل الأغراض السِلميَّة والمضِيّ قُدمًا في الشراكة بمجال الاقتصاد والتجارة والصناعة.

في مقابل التوافق الروسي– الأميركي في الملفات التي ذُكِرت، "تبرز عدَّة ملفات شائكة تُمثِّل نقاط خلاف جوهرية بين رؤيتي القيادتين الروسية والأميركية"، فإدارة "ترامب" تسعى إلى إحياء الدور الأميركي عالميًا وتجديده، بعدما أدّى غيابه إلى تقدّم موسكو وتوسّعها في جوارها المباشر، وتعزيز نفوذها دوليًا من خلال منطقة الشرق الأوسط، بعكس الإدارة الأميركية السابقة التي غضّت الطرف عن تصاعد التطرّف المدعوم من إيران إقليميًا في إطار سعيها لإنجاز الاتفاق النووي مع طهران، ما يعني صدامًا محتملًا مع حلفاء موسكو في الشرق الأوسط مستقبلًا.

ومن القضايا الخلافية بين هاتين القيادتين المحاولات الأميركية المستمرَّة  للهيمنة على جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، خصوصًا بعد استقلال "إقليم كوسوفو" وتسريع انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي، كذلك توسع انتشار قوات حلف الناتو ليصل إلى تخوم روسيا ومشروع نشر الدرع الصاروخي الأميركي في جوارها الاستراتيجي، وخصوصًا في جمهوريتي تشيكيا وبولندا والذي قابله نشر صواريخ روسية في كالينغراد المطلّة على بولندا.

في السياق عينه، فإنّ الوجود العسكري الأميركي في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز بشكل يهدّد مصالح روسيا القومية، دفع بالأخيرة إلى تعليق مشاركتها في معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في القارة الأوروبية.

لقد وصل هذا التباين إلى ذروته مع التدخل العسكري الأميركي في سوريا والغارات التي نفّذتها القوّات الأميركية على قواعد جويّة في دمشق وحمص وحماه، وآخرها الاستهداف الصاروخي الذي تصدّت له الدفاعات الجوية السورية، ما شكّل تغييرًا في المعادلة العسكرية في مقابل غارات استهدفت قوات روسية في دير الزور. هذا التباين مرتكز بشكل أساسٍ على فلسطين ودور إيران في المنطقة، بمعنى آخر إظهار الفرق بين مفهومَي الإرهاب والمقاومة.

 

رابعًا: الشرق الأوسط، الفضاء الأرحب لتغيير قواعد لعبة التوازنات

أ‌- العلاقات الروسية - الإيرانية

بعد أحداث 11 أيلول 2001، احتَلَّت الولايات المتحدة الأميركية أفغانستان والعراق للسيطرة على الشرق الأوسط الممتدّ من المحيط الأطلسي غربًا إلى حدود الصين شرقًا، بغية محاصرة روسيا والصين ومنعهما من الوصول إلى طرق المواصلات البحرية. على إثره، ازدادت أهمية إيران بالنسبة إلى روسيا والصين كونها حلقة وصل مع شرق المتوسط والمحيط الهندي، ما مكّنها من تعزيز نفوذها في العراق، وإحداث اختراق في جبهة المتوسط - البحر الأحمر: سوريا،  لبنان، فلسطين واليمن.

بعد نهاية الحرب الباردة، بدأ الاتحاد السوفياتي ببيع الأسلحة إلى إيران، فدخلت موسكو وطهران فترة من التعاون الاستراتيجي على أساس المصالح المتبادلة، حيث ساعدت موسكو طهران في بناء مصانع إنتاج الدبابات. تنامى التعاون بين الطرفين في التسعينيات من خلال مشاركة إيران الخوف الروسي حول مناطق آسيا الوسطى والقوقاز، وتحوّلت موسكو إلى مزيد من الاهتمام بالجغرافيا الاستراتيجية، وهو ما عزّز التركيز حول أوروآسيا حيث أضحت إيران درعًا للدفاع في المنطقة الجنوبية لروسيا.

مع تولّي بوتين سدّة الرئاسة الروسية، أيّد كثير من السياسيين والجنرالات الروس تحسين العلاقات مع إيران، وبحلول العام 2001 أصبحت إيران ثالث أكبر مستورد للسلاح الروسي في العالم، فسعت روسيا إلى تخفيف العقوبات المفروضة على هذا البلد. خلال فترة رئاسته الثانية، استخدم بوتين تعاونه مع طهران كورقة مساومة لمقاومة الدرع الدفاعي الصاروخي الأميركي والحفاظ على تزايد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.

زاد الطلب على النفط الروسي بعد فرض العقوبات على إيران بموافقة روسيا، ما جعل كلًا من كازخستان وأذربيجان وتركمانستان تعتمد تصدير الغاز عبر روسيا، وامتنعت روسيا في الوقت نفسه عن بناء خطوط أنابيب لنقل الغاز عبر إيران. في العام 2010، وافقت روسيا على تعليق عقد تصل قيمته إلى800 مليون دولار بتسليم صواريخ أس 300 إلى إيران، مقابل تقديم تنازلات لها بالدرع الصاروخي في أوروبا، إلّا أنّ الروس أعادوا تسليم الصفقة في العام2015 بعد توقيع إيران تفاهمات نووية مع الغرب.

تضطلع إيران بدور مهم على صعيد تحقيق توازن إقليمي يؤمِّن الحماية من تغييرات ديناميكية عقائدية تؤثّر جوهريًّا في أمن روسيا المستقبلي. فبعد انحلال الاتحاد السوفياتي، بدأت تركيا تعمل على إضعاف النفوذ الروسي في جمهوريات آسيا الوسطى، بتشجيع من الولايات المتحدة. فموسكو ترى في إيران الموحَّدة والقويّة ضرورة للأمن القومي الروسي، حيث تمارس لعبة التعادل الجيوسياسي في المسرح الإقليمي.

انطلاقًا ممّا تقدّم، "تُصرّ إيران على حقها "غير المشروط" في امتلاك دورة الوقود النووي كاملة، وإتمام إعداد برنامج تخصيب اليورانيوم، في حين ترفض الولايات المتحدة الأميركية ذلك"، لقد أتى الموقف الروسي الأكثر تفهمًا لهذا الملف في تحدٍّ واضح للإرادة الأميركية، وقد تجلّى ذلك من خلال بناء محطة "بوشهر" النووية لتوليد الطاقة الكهربائية بالتعاون مع روسيا، وتلخَّص في بُعدَين أساسيين: "أوّلهما تأييد حق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للاستخدامات السلمية فقط، وثانيهما رفض امتلاك إيران أسلحة نووية، أو تحويل برنامجها النووي السلمي للاستخدام العسكري".

وُقِّعَ الاتفاق النووي الإيراني في 14/7/2015 وبدأت بلاد فارس تتنفّس الصعداء مع رفع العقوبات الدولية عنها بالتزامن مع وفائها بالتزامتها في تطبيق بنود هذا الاتفاق، إلّا أنّ ذلك لم يكن ليدوم طويلًا، فمع انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين لولاية ثالثة تمتد حتى العام 2024، حاولت الإدارة الأميركية الجديدة في عهد ترامب وبشكل علني فكّ ارتباطها مع إيران حول الملف النووي بتباين واضح مع الموقفين الروسي والأوروبي ومحاولات كل من فرنسا وألمانيا الإبقاء على هذا الاتفاق بفتح قنوات حوار وتعاون مالي واقتصادي مع روسيا، ما سمح لهذا البلد الاستمرار في تعزيز مكانته الإقليمية في الشرق الأوسط وبالتالي دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية كحليف استراتيجي لها.

 

ب‌- العلاقات الروسية- التركية

إنّ التاريخ المشترك بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية حافل بالحروب، فما بين العامين 1568 و1917خاضت هاتان الدّولتان قرابة 17حربًا انتهت بمجملها لصالح الإمبراطورية، أمّا السبب الرئيس فيعود إلى رغبة الروس في السيطرة على البحر الأسود وممرّاته (البوسفور والدردنيل) نحو مياه المتوسط الدافئة. بعد الحرب العالمية الثانية انضمّت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي في العام 1952، ما شكّل جدارًا أمنيًا مواجهًا للاتحاد السوفياتي من الجنوب لصدّ تسرُّبه إلى الشرق الأوسط. وليس من المبالغة القول إنّ طبيعة الموقع الجغرافي لتركيا هي التي حدّدت عبر التاريخ تَشَكُّل علاقاتها مع دول الجوار، وهو ما ينطبق بصورة جليَّة على العلاقات التركية - الروسية التي شهدت خطوات للتقارب وأخرى للتباعد طبقًا لتضارب المصالح والرؤى بينهما.

لقد كانت تركيا البلد الأوّل الذي اعترف بروسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. على خطٍ موازٍ، مثّل الجانب الاقتصادي حجر الزاوية في مسار التقارب الروسي - التركي، فتركيا هي سابع أكبر شريك تجاري لروسيا، وتسبق معظم أعضاء مجموعة "البريكس" في اتجاه أكبر الأسواق النامية في العالم ، كما أنّها الوجهة الأولى للسيّاح الروس، وثاني أكبر أسواق التصدير بعد ألمانيا بالنسبة إلى شركة الغاز "غاز بروم" المملوكة من قبل الدولة الروسية. من هنا جاء التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة، الاقتصاد وغيرها.

"تعتبر روسيا أهم مُورِّد للغاز الطبيعي لتركيا"، بحيث تعتمد شركة "بوتاس" التركية على الغاز الروسي بواقع 6 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا. كما يمتدّ التعاون في هذا الشأن إلى الطاقة الكهربائية والتعاون الاستراتيجي في تسويق تكنولوجيات السلع والمعدّات والخدمات الخاصة بصناعة الطاقة الذريَّة، فمؤسسة "تكنوستروي إكسبورت" الروسية تشارك في إنشاء السدّ والمحطة الكهرذرية "ديرينر" بقدرة 670 ميغاواط في مقاطعة أرتفين التركية.

من ناحية أخرى برز تنامي العلاقات الاقتصادية بين هذين البلدين من خلال حجم الاستثمارات والتبادل التجاري الذي بلغ في العام 2008 قيمًا قياسية وصلت إلى 33.8 مليار دولار، وعدد الشركات التركية التي تعمل في روسيا والذي وصل إلى 140 ألف شركة، وعدد السيّاح الروس في تركيا الذي قارب الخمسة ملايين سائح سنويًا واتفاقيات التعاون في مجال الإنشاءات إذ تعمل حاليًا 150 شركة تركية في روسيا.

أمّا على صعيد التعاون المتبادل، فيمكن ترجمته من خلال عدّة معاهدات واتفاقيات بين البلدين، أهمّها: معاهدة أسس العلاقات (1992)، اتفاقية التعاون العسكري (2002)، اتفاقيات القطاع المصرفي والصناعي والزراعي، اتفاقية إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين، البيان السياسي المشترك حول تعميق الصداقة والشراكة (2004)، البروتوكول الخاص بشأن دخول السلع والخدمات الروسية إلى الأسواق التركية في إطار انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.

على الرغم من التقارب الروسي - التركي، إلّا أنّ ثمّة عددًا من النقاط الخلافية والعقبات التي قد تحول دون المزيد من التعاون بينهما، وتتركز في مجموعة من المواقف السياسيّة والقضايا المحورية، منها: الأزمة السورية، عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، العلاقات التركية الأرمنية، العلاقات التركية الجورجية والعلاقات التركية الأميركية.

في الوقت الذي أعلنت فيه أنقرة دعمها للمعارضة السورية والسماح للجيش السوري الحرّ بالتمركز في مخيم اللاجئين، ودعوة حلف الناتو إلى نشر صواريخ "باتريوت" في تركيا، فضلًا عن حادثة إسقاط الدفاعات الجوية التركية المقاتلة الروسية على الحدود التركية في تشرين الثاني2015، تتمسّك موسكو بدعم النظام في سوريا، وهذا ما يفسّر إرسالها أربع بوارج إلى مرفأ طرطوس، ودعمها لوحدات حماية الشعب الكردي، والتي تُشكِّل مع حزب العمال الكردستاني تهديدًا للأمن القومي التركي.

على صعيد عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، تتعارض الالتزامات الأمنية والاقتصادية والعسكرية التي تفرضها هذه العضوية على تركيا مع المصالح والأهداف الروسية. فالاستحقاقات التركية في منطقة البحر الأسود، واشتراك تركيا في مشاريع بحر قزوين وخطط إمداد الطاقة من أذربيجان وجورجيا نحو أوروبا، كلّها تُشكّل مسائل لن تجد قبولًا لدى الجانب الروسي.

أمّا من ناحية العلاقات التركية - الأرمنية، فعلى الرّغم من توقيع البلدين بروتوكولًا بشأن إقامة علاقات دبلوماسية وفتح الحدود بينهما، إلّا أنّ الحرب الأرمنية - الأذربيجانية حول إقليم "ناغورني قارة باخ" واحتلال القوات الأرمنية بعضًا من مواقعه، شَكَّلَ حجر عثرة في مجال التقارب الروسي - التركي.

على خط آخر، ترتبط تركيا بجورجيا جارتها من الغرب، حيث تعيش جالية مُسلِمة تركية. وجورجيا هي مكان مرور أنبوب النفط الآذري الواصل إلى ميناء جيهان التركي. لقد وجدت تركيا نفسها في موقع صعب حيث اجتاح الروس جورجيا في 8 آب 2008، فدعت إلى تشكيل حلف متعدد الأقطاب للتعاون والشراكة والأمن في منطقة القوقاز لتقليص تأثيرات المواجهة الروسية مع الغرب على مصالحها الاستراتيجية. ومن العلاقات التركية الجورجية إلى العلاقات التركية الأميركية ذات الخصوصية المميزة، الأمر الذي يفرض على تركيا أن تحسم خياراتها مع الروس، خصوصًا وأنّ تقاربها من روسيا سيعزّز الدور الإيراني في المنطقة، وهذا ما يتعارض مع الولايات المتحدة الأميركية ومصالحها في المنطقة، ويدفعها إلى استخدام بعض الأوراق ضدّ تركيا، كتحريك قضية الأكراد، وإثارة القضية الأرمنية، فضلًا عن الورقة الكبرى وهي نسفها لطموحات تركيا بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي.

 

ج- الموقف الروسي من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني

تستند روسيا الاتحادية في بناء موقفها من تسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى قاعدة حقوقية، تَعدُّ قرارات مجلس الأمن (242-338-1397-1515) والمبادرة العربية السلمية للعام 2002 و"خريطة الطريق" للعام 2003 التي اقترحتها اللجنة الرباعية المؤلفة من روسيا الاتحادية، الولايات المتحدة الأميركية، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أُسسًا لأي تسوية محتملة بين الطرفين. وانطلاقًا مما تتضمّنه هذه الوثائق، فإنّ روسيا تدعم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام وأمن إلى جانب إسرائيل على أساس حدود العام 1967.

 

د- خطوط الغاز في الشرق الأوسط  واستراتيجية موسكو الدفاعية

يعتبر "بروتوكول كيوتو" خطوة متقدّمة في مواجهة الاحتباس الحراري والتغيّرات المناخية والتحوّل العالمي نحو الطاقة النظيفة أي الغاز. وهذا ما يفسِّر تضاعف استهلاكه في القارة الزرقاء وتسابق الكثير من الدول المصدِّرة لهذه المادة على مدِّها به، وفي مقدّمتها روسيا الاتحادية، كما يلقي الضوء على الأسباب المحتملة للنزاعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها الأزمة السورية.

بحسب كتاب "حقائق العالم" الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية، فإنّ روسيا تحتلّ المرتبة الأولى بالاحتياط العالمي من الغاز، تليها إيران فقطر، ومن ثمّ تركمانستان،... لقد باشرت موسكو بواسطة شركة "غازبروم" الروسية بناء عدد من أنابيب الغاز لنقله إلى شمال أوروبا وجنوبها ومنطقة البلقان وتركيا، وأبرزها خط "السيل الشمالي North Stream" الذي يتجه عبر بحر البلطيق نحو ألمانيا، وبواسطته ستتمكّن روسيا من نقل غازها إلى كل من الدنمارك وهولندا وبلجيكا، وخط "السيل الجنوبي South Stream" لنقل الغاز إلى جنوب أوروبا ووسطها عبر البحر الأسود وبلغاريا.

على صعيد آخر، تحرّكت أوروبا ومن بعدها أميركا، وولّدت فكرة مشروع خط "نابوكو" الذي تمّ التوقيع عليه في أنقرة  في العام 2009، حيث رُبِطَت احتياطات الغاز في آسيا الوسطى بأوروبا من خلال خط لنقل الغاز التركمانستاني عبر بحر قزوين إلى أذاربيجان فتركيا ليصبّ داخل مستودعات ضخمة في النمسا (بوجمارتن أندرماتس) من دون المرور بالأراضي الروسية. اعتبرت روسيا أنّ هذا المشروع يستهدف كيانها الإقليمي ويضرب خط السيل الجنوبي الذي اعتمدته، فتبنّت استراتيجية دفاعية بثلاثة محاور ذات أبعاد تتقارب في المركز، وتتباعد في زمن التنفيذ، لتفريغ مشروع "نابوكو" من محتواه وإجهاضه. تمثّل المحور الأوّل في إثارة الصفة القانونية للمسطّح المائي لقزوين، وتبنِّيه تعريفًا مفاده أنّه بحيرة وليس بحرًا وبالتالي فإنّ القانون الدولي يعطي روسيا الحق بتقاسم مياهها وثرواتها بالتساوي مع الدول المحيطة بها كتركمانستان وأذاربيجان، أمّا المحور الثاني فتلخّص ببناء قوة شراء احتكارية لكامل الغاز المنتج في وسط آسيا (تركمانستان-أذاربيجان-أوزباكستان) من خلال عقود شراء طويلة الأمد، وتركّز المحور الثالث على تكثيف الجهود لبناء خطوط غاز جديدة، حيث أعلنت شركة "غازبروم" أنّها ستستثمر مشاريع غاز مستحدثة في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا كمشروع الغاز السائل من نيجيريا إلى النيجر فالجزائر، ومشروع خط السيل التركي كبديل لخط السيل الجنوبي الذي تم التوقيع عليه في العام 2015، والذي سينقل الغاز من روسيا عبر البحر الأسود إلى تركيا فاليونان.

بعيدًا عن موسكو، تطرح قطر نفسها كدولة إقليمية منتجة ومصدِّرة للغاز إلى أوروبا بديلًا من روسيا الاتحادية، وبخاصة بعد التجربة القطرية الناجحة مع المملكة المتحدة في مجال الغاز السائل وأزمة أوكرانيا مع روسيا، والتي كانت بمثابة جرس إنذار للقارة الزرقاء للبحث عن مصادر بديلة عن الغاز الروسي. غير أن قطر مضطرّة إلى تسييل الغاز قبل شحنه إلى أوروبا ما يزيد من كلفته، علاوة على أنّ عبّارات الشحن يجب أن تمر عبر ثلاثة مضائق مائية وهي: هرمز، باب المندب وقناة السويس، وهذه المناطق جميعها غير مستقرّة، كل ذلك دفع بقطر إلى التفكير في إنشاء خط ينطلق منها ويمرّ بسوريا وتركيا ليلتقي بخط "نابوكو"، وهذا ما تعارضه سوريا حرصًا على مصالح الحليف الروسي.

تسعى إيران من جهتها إلى أن تلعب دورًا قويًا في رسم خريطة الغاز في العالم، خصوصًا بعد توقيع الاتفاق النووي مع منظّمة (5+1) في تموز2015، والبدء بتنفيذ خط الغاز الإسلامي الذي يُفتَرض أن يمرّ من إيران عبر مياه الخليج العربي إلى العراق، ومنه إلى الموانئ السورية واللبنانية ليصل إلى أوروبا مستقبلًا. تتركّز غالبية احتياطات إيران من هذه المادة في حقل "بارس" الذي تتقاسمه مع قطر في مياه الخليج العربي. لقد جعل مشروع خط الغاز الإسلامي بقاء النظام السوري ضرورة حتمية بالنسبة إلى إيران لتأمين مشروعها الاستراتيجي، وهذا ما يتضارب مع المصالح القطرية، ويُفسِّر موقف كل من الطرفين من الثورة السورية وفرصته للإطاحة بالمشروع المنافس.

"جدير بالذكر أنّ أميركا والغرب يسعيان إلى أن يكون الغاز الإيراني هو البديل لملء أنابيب خط "نابوكو" بعد أن جفّفت روسيا مورّديه في آسيا الوسطى"، إلّا أنّ هذا الخيار لن يكون المفضّل لدى الإيرانيين، خصوصًا وأنّه سيعزّز الدور التركي عالميًا ويسهم في زيادة نموِّه الاقتصادي ويرفع حظوظ هذا البلد بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

لقد ظهر مؤخرًا عامل جديد في حوض البحر المتوسط تمثّل في اكتشافات حقول من الغاز الضخمة قبالة الشواطئ السورية واللبنانية، ما دفع بروسيا إلى المسارعة في الحصول على امتياز التنقيب في عدد من هذه الحقول، منها البرّ السوري (منطقة رقم 12).

يرسم سياق ما ورد سابقًا، صورة واضحة للأهمية الجيو استراتيجية لسوريا بالنسبة للحليف الروسي، فهي من ناحية مُرشَّحة لأن تكون الممر الرئيس للغاز القطري في حال سقوط النظام، ومن ناحية أخرى من المحتمل جدًا أن تكون ممر خط الغاز الإسلامي الإيراني في حال صموده.

إنَّ جملة المصالح المذكورة للروس في سوريا تفسِّر تطوّر السلوك الروسي من دعم النظام ماديًا وعسكريًا وبشكل غير معلن في بداية الثورة، إلى التدخّل العسكري المباشر في سوريا بعد اتفاقية 26 آب 2015 مع القيادة السورية واستمراره حتى يومنا هذا، ما غيَّر قواعد لعبة التوازنات وقضى على الحلم القطري بمد الغاز إلى أوروبا، وعزّز سياسة احتواء التوجه الإيراني في هذا الإطار، وهذا السلوك ليس غريبًا على روسيا بالرجوع إلى تجربتها السابقة في جورجيا بضم "أبخازيا" إليها بالقوّة للحفاظ على مصالحها في وسط آسيا آنذاك.

 

ﻫ - سوريا في استراتيجية روسيا الحديثة

شكّل الموقف الذي تبنّته الخارجية الروسيَّة تجاه الأوضاع التي تمرّ بها سوريا والتدخّل العسكري على أراضيها، نقطة انعطاف بارزة في تاريخ السياسة الروسيّة تجاه منطقة الشرق الأوسط، ومن الطبيعي أن لهذا التحرّك حسابات براغماتية ودوافع اقتصادية، عسكرية وجيو استراتيجية.

تُعتبر المصالح الاقتصادية الروسية في سوريا من أهم الدوافع للدعم الروسي للنظام السوري، وتتركز على عاملين، أوّلهما "التبادلات التجارية واستثمارات الشركات الروسية، والتعاون في قطاع الطاقة"، بحيث تميل هذه التبادلات بدرجة كبيرة إلى الصادرات الروسية وتتمحور بشكلٍ أساسٍ حول المنتجات النفطية والآلات والأسلحة، وثانيهما الاكتشافات الهائلة للغاز والنفط على امتداد الساحل السوري في حقول (مارين - ليفايثن- تمار...) والموقع الجيو استراتيجي الذي تتمتّع به سوريا كونها مُرشَّحة أن تكون الممر الرئيس لخطوط الغاز التي ستغذّي أوروبا مستقبلًا، كلّها عوامل تُفسِّر تطوّر التدخّل الروسي في الأزمة السورية لإفشال أي مخطط يهدف إلى المسّ بالمصالح الروسية، وفي مقدّمتها التحكّم بسوق الغاز في أوروبا.

أمّا من الناحية العسكرية، فإنّ الأحداث التي شهدتها سوريا منذ بداية العام 2011 أعادت ترتيب الأولويات لأهداف سياسة روسيا الحديثة في الشرق الأوسط، فميناء طرطوس والذي يتم حاليًا تحويله إلى قاعدة بحرية، يعتبر موطئ قدم روسيا الوحيد على البحر المتوسط، بحيث تسعى موسكو من خلاله إلى استعادة مكانة البحرية الروسية في هذا البحر، مُستكملةً بذلك الخطَّة التي بدأتها بوضع اليد على قاعدة "سيفاستوبول" المُطِلَّة على البحر الأسود عند ضمّها لشبه جزيرة القرم في العام 2014.

كذلك يعكس التاريخ الطويل لتجارة الأسلحة الروسية مع سوريا أحد الأسباب المهمّة لمساندة روسيا للنظام السوري. وحسب وجهة النظر هذه، فإنّ روسيا تدعم سوريا لأنّها لا تريد أن تفقد سوقًا مربحة خصوصًا بعد الأحداث التي شهدتها ليبيا. في هذا السياق،  صدّرت روسيا إلى سوريا ما بين العامين 2005 و2010 ما قيمته 3 مليار دولار من الأسلحة من بينها 72 صاروخًا من نوع "Yakhont" وصواريخ دفاع جو من طراز "بوك-م2" وعدد من الرادارات البحرية وغيرها من التكنولوجيا لحماية السواحل السورية.

يبقى تفسير الموقف الروسي من الأزمة السورية بالدافع الجيو استراتيجي الأهم نسبةً إلى المصالح الأخرى خصوصًا وأنّه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بميزان القوى على الصعيدين العالمي والإقليمي. في السياق عينه، منح حضور روسيا في الأزمة السوريّة فرصة اتّباع سياسة متعدِّدة المسارات في علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية لكون مفتاح هذه الأزمة أصبح حصرًا بيد موسكو، بدءًا من الصعيد الدولي فالصعيد الإقليمي وصولًا إلى الداخل السوري، وهذا ما ظهر جليًّا في اتّفاقية تسليم ومراقبة تدمير أسلحة الدمار الشامل فيه، وفي الضربة العسكرية المحدودة جدًا التي نفّذتها الولايات المتحدة الأميركية على سوريا في نيسان الجاري بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا. "ترى موسكو أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى الحد من شراكتها مع الدول الإقليمية المتنامية والقوى الآسيوية الصاعدة كالصين، من خلال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وخلق كيانات ضعيفة يسهل توجيهها ولا تهدِّد مصالحها في المنطقة". من هنا تشكِّل سوريا (ومن بعدها إيران) منطلقًا مثاليًا لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد بحكم موقعها الجغرافي وتحالفاتها الإقليمية، لذا تحاول روسيا جاهدةً منع هذا المخطّط الذي سيعزّز الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط ويخلق تهديدًا حقيقيًا لأمنها القومي.

 

و- ارتدادات السياسة الروسية الحديثة في الشرق الأوسط على لبنان

إنّ الحركة الروسية المتسارعة تجاه الملفات اللبنانية في العام الماضي تؤشّر إلى رغبة روسيا في "تقريش" الوجود العسكري للجيش الروسي في سوريا والشرق الأوسط لبنانيًا. لا تُخفي المصادر نيّة روسيا الإطلال عن قرب على الملفّات الداخلية اللبنانيَّة بدءًا من ملف مكافحة الإرهاب، وصولًا إلى ملفي النازحين السوريين وإعادة إعمار سوريا، وغيرها من الملفات ذات الاهتمام المشترك.

أثناء المؤتمر الذي أقامه معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في العام 2016 تحت عنوان "روسيا والعالم العربي"، أشار السفير الروسي في لبنان إلى أنَّ روسيا تسعى إلى منع تدمير الدولة السوريَّة وتشارك في عملية مكافحة الإرهاب بناءً على طلب الحكومة السورية، مُعلِنًا استعداد بلاده للتعامل مع الجميع في مكافحة الإرهاب و تشكيل "جبهة واسعة ضدّ الإرهاب"، بعد أن تبيّن أنَّ لدى الإرهابيين قدرة انتشار واسعة في العالم. من هنا، كان أحد أهداف التدخّل الروسي في سوريا منع الإرهابيين من الوصول إلى السلطة وإنشاء منطقة متواصلة من الرقّة إلى شمال لبنان وصولًا إلى البحر المتوسط، ما يُهدِّد التعايش المشترك ووجود الأقلّيات في الشرق الأوسط.

من الواضح أنّ الاتحاد الروسي يتعامل مع قضية التسليح في لبنان وباقي الدول التي تشارك في الحرب ضدّ الإرهاب، من زاوية التعاون العسكري وحماية الأمن القومي الروسي، وهي نقطة يركِّز عليها سفير روسيا في لبنان من خلال تلميحه المتكرر بأنّ أمن لبنان هو جزء من الأمن القومي الروسي. لقد حاولت موسكو الاستفادة من التلكّؤ الغربي في تأمين حاجات لبنان لتسليح جيشه وقواه الأمنية، قبل انخراط الأخير في الحرب ضد الإرهاب، فعرضت بدايةً تزويده سرب طائرات ميغ 29، قبل أن يستبدل ذلك بتوجيه طلب إلى الولايات المتحدة للحصول على مجموعة من الأسلحة، من بينها طوافات MA-24، صواريخ جوّ - أرض، صواريخ كورنيت، راجمات وذخائر وأعتدة عسكرية.

على خط آخر، ارتبط ملف النزوح السوري إلى لبنان بوتيرة المعارك في المناطق السورية المحاذية لحدوده وفي مقدّمتها دمشق، حمص، حماه، ريف دمشق وطرطوس. وليس مصادفةً تحريك هذا الملف بقوّةٍ اليوم من قبل الحكومة اللبنانية بعدما فاق عدد النازحين السوريين المسجّلين في لبنان المليون وبضعة آلاف، يتوزّع10٪ منهم على 1700 مخيم عشوائي، وبما أنَّ روسيا قد أصبحت المحرّك الأول لملف مناطق "خفض التوتُّر" التي من المفترض أن يعود إليها النازحون بعد تثبيتها، فإنّ زيارة رئيس الحكومة "سعد الحريري" إلى موسكو في أيلول من العام الجاري أتت في هذا السياق، حيث وضع الملف على بساط البحث بعدما حضّرت الحكومة الروسيّة خطة لمعالجته، مع إدراكها لانعكاساته الخطيرة على الصعيدين الديموغرافي والاقتصادي.

في نيسان من العام 2015، وعلى هامش الاجتماع الثالث للّجنة الحكومية الدولية للتعاون التجاري والاقتصادي، وقَّعت روسيا ولبنان بروتوكولًا يؤكِّد الاستعداد الروسي لمساعدة لبنان في عمليات المسح الجيولوجي والاستكشاف لحقول النفط والغاز قبالة شواطئه"(25 تريليون قدم مربع من الغاز الطبيعي تقريبًا)"، والاهتمام بمشاريع عدّة في البنية التحتية في لبنان. لقد أسهم هذا البروتوكول في رفع حظوظ روسيا بنيل حصة من عقود الغاز اللبنانية مع إبداء شركات روسية ومن بينها "غاز بروم" و"نوفاتيك" اهتمامًا بالمناقصات المتعلقة بالموضوع. غير أنّ هذا المشروع الحيوي للبنان لن يصبح نافذًا إلّا بعد حَلحَلة رُزمة عقد أبرزها عدم ترسيم الحدود بين المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين اللبنانية والإسرائيلية حتى تاريخه، وعدم امتلاك لبنان مصافي على شواطئه لتسييل الغاز بهدف تصديره إلى القارة الزرقاء.

أمّا في موضوع إعادة إعمار سوريا، فقد حسم رئيس البلاد هذا الأمر بإعلانه أنّ روسيا هي من سيكون لها الامتياز الأوّل في مرحلة ما بعد الحرب لإعادة الإعمار. في هذا الإطار، تسعى موسكو إلى تعزيز دور قطاع الاستخراجات والإنشاءات لديها من حديد وصلب وأسمنت لتدفُّق الاستثمارات باتجاه سوريا من خلال القطاعين العام والخاص. على خطٍ موازٍ، يسعى وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني رائد خوري من خلال اللجنة الحكومية الروسية اللبنانية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي التي بدأت أعمالها في موسكو في نيسان 2017، إلى أن يكون لبنان منصّةً لهذا المشروع من خلال مرفأي طرابلس وبيروت، وقد أعلن في هذا السياق " نحن نتطلّع في لبنان لإقامة مناطق اقتصادية حُرّة، تكون منصة للمستثمرين اللبنانيين والأجانب، وخصوصًا لرجال الأعمال الروس، للتسويق من خلالها إلى خارج لبنان، لكي تكون ممرًا لإعادة إعمار سوريا".

 

الخاتمة

في الخلاصة، إنّ منطقة الشرق الأوسط تحتلّ مكانة جيوسياسية مميّزة في السياسة الخارجية الروسية، ومردُّ ذلك إلى ارتباط بقاء روسيا الاتحادية وكيانها بهذا الشرق خصوصًا بعد المحاولات المستمرّة من طرف الدول الغربية وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو على إضعافها ومنعها من استعادة مكانتها في النظام الدولي. وهذا ما تعمَّقت في إبرازه وثيقة الأمن القومي الروسي الجديدة، من هنا تركَّزت السلوكيات الخارجية الروسية في المنطقة باتجاه دول محور الممانعة وفي مقدمتها سوريا وإيران، لتخترق سياسة العزل المطبَّقة ضدها.

تشكِّل جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز مجالًا حيويًّا للأمن القومي الروسي، وتُسخِّر روسيا كل إمكاناتها لمنع أي تعدٍّ يُهدِّد تلك المناطق. لذا كان اهتمام موسكو بشكل خاص بكلٍّ من تركيا وإيران، ذلك لأنّهما رغبتا قبل غيرهما النفاذ إلى هاتين المنطقتين، وحاولتا اختراقهما والسيطرة عليهما، هذا نظرًا لوجود نوع من الارتباط الديني، العرقي واللغوي بينهما وبين الشعوب القوقازية وسكان آسيا الوسطى، ناهيك عن أن توثيق العلاقات مع طهران وأنقرة يفيد الولايات المتحدة بقدر ما يسبّب إزعاجًا لها، ويشكِّل رافعة حقيقية للاقتصاد الروسي.

وإذا كان القول الفرنسي "La question d'orient n'est qu'une question d'occident"، ينطبق على مجريات الأحداث الشرق أوسطية في هذه الحقبة، ويعكس مدى إصرار الولايات المتحدة الأميركية في الحفاظ على مصالحها في المنطقة، بحيث تسعى إلى تغيير الخريطة الجيوسياسية فيها من خلال ما سُمِّي بثورات "الربيع العربي"، والتي ارتكزت أساسًا على "القوة الناعمة" مع ما يستتبع ذلك من "فوضى خلّاقة" تحقّق النتائج المرجوة. غير أنّ روسيا قد تنبّهت لهذا الأمر ولو متأخّرة، وقد ترجمت ذلك من خلال مقاربتها للعديد من الملفّات، كان آخرها استراتيجيتها في حرب أنابيب الغاز، وتدخّلها العسكري في سوريا.

لقد تطوّر السلوك الروسي في سوريا من دعم غير معلن للنظام إلى تدخّل عسكري أسهم في قلب المعادلة على الأرض وقضى على الحلم القطري بمدّ الغاز إلى أوروبا وأطاح بمشروع "نابوكو"، وانعكس إيجابًا على العديد من الملفات اللبنانية. لقد عاد لبنان ليحتل موقعًا مميزًا على الخريطة الدولية، خصوصًا مع اكتشاف حقول من الغاز الطبيعي على شواطئه، فهل سَيُسهم ذلك في استقراره وإنعاش اقتصاده وإزاحة صخرة الدين العام عن صدره؟ أم أنّ التجاذبات عبر التاريخ بين الدب الروسي والنسر الأميركي في المنطقة، والاصطفافات الداخلية في ظل هذه التجاذبات ستؤدي إلى عكس ذلك؟ وإلى متى ستظل شعوب المنطقة تدفع ثمن تلك التجاذبات؟

 

المراجع

  • زايد عبد الله مصباح,السياسة الخارجية , دار التالة, الطبعة الثانية , طرابلس, 1999, ص129.
  • أنا بوسيفكايا, روسيا في الشرق الأوسط: الدوافع- الأثار- الأمال, دراسة صادرة عن معهد واشنطن,شباط2016,ص16.
  • كاظم هاشم نعمة, روسيا والشرق الأوسط بعد الحرب الباردة, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ,لبنان, 2016, ص20.
  • ميشال يمين, السياسة الخارجية الروسية الجديدة, تقويم للنجاحات والإخفاقات شؤون الشرق الأوسط, مركز الدراسات الإستراتيجية, العدد63, بيروت1997, ص12.
  • نصر المجالي, بوتين يقرّ الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الروسي, صحيفة إيلاف 31/12/2015, متوافر على الرابط:www.elaph.com/web/news/2015/12/106456
  • ألكسي دروزهنين, بوتين يقرّ الأستراتيجية الجديدة للأمن القومي الروسي , متوافر على الرابط:https://arabic.rt.com/news/805975
  • لورا خوري, وثيقة الأمن القومي الروسي: علاقة متدهورة مع الغرب,متوفر على الرابط:https://al-akhbar.com/World/2332
  • معين عبد الحكيم, روسيا بين استعادة الدور والأنفتاح على العالم, متوافر على الرابط:
  • عبد الساتر قاسم, دراسة بعنوان: روسيا بين الأحترام والقطبية, صدانا,2009, ص4-6,
  • نيكولاي كوزهانوف, علاقات روسيا مع طهران, معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى, أميركا,2012
  • نورهان الشيخ, تحالف محسوب, محددات التوافق بين إيران وروسيا, مجلة السياسة الدولية, العدد196, القاهرة, 2014.
  • اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشان تغير المناخ, متوافر على الرابط:  www.unfccc.int
  • سوريا ولعنة الغاز-أخبار الدفاع والتسليح, المنتدى الإقتصادي السوري, متوافر على الرابط:www.defense-arab.com/vb/threads/115833
  • Azuolas bagdonas,"russias interests in the Syrian conflict:power,prestige, and profit", European journal of economic and political studies, faith university, turkey, vol 5,winter 2012,p 63
  • ألكسندر زاسبكين, محاضرة بعنون" روسيا والعالم العربي", الجامعة الأميركية, بيروت, تالايخ12و 13/5/2016.
  • فبفيان عقيقي, الصراع على حقول الغاز, متوافر على الرابط:https://al-akhbar.com
  • رائد خوري, نتطلع لإعادة إعمار سوريا بالتعاون مع روسيا, متوفر على الرابط: http://arabic.sputniknews.com

المواقع الإلكترونية:

Russia's new foreign policy and its impact on the Middle East and Lebanon
Exploring the geography of a State is to discover its foreign policy.
This ancient saying of Napoleon Bonaparte corresponds to the situation of Russia. It explains to the reader the strategy adopted by Russia towards other countries in general and towards the Middle East in particular. The Middle East has witnessed a gradual Russian intervention, more specifically, following the victory of Vladimir Putin in the 2000 presidential elections. Putin still runs his country for the third mandate that will stretch until 2024.
Putin aimed at establishing inter-communal relations with neighboring states and particularly with the Muslim world (Iran, Turkey and Syria) in order to muffle the threats along the southern border of Russia while preserving its International stature as a state that dominates the corridors of pipelines better known as “the veins of the dominant powers”.
The issue of the Iranian nuclear program and the flow of Iranian weapons has turned into a Russian vital interest. On one hand, this enables Russia to be the main supporter of Iran. On the other hand, this collaboration has created a strategic and rather political balance in Central Asia and the Caucasus region. In return, Russia is attempting to win over Ankara for multiple reasons especially after realizing the importance of Turkey in terms of security, politics and economy taking into consideration the Russian – U.S. relations.
The convention of popular security truly embodies how Russia is taking the initiative and working to change the rules of the game and the balance of powers at least on the regional level. However, this convention shows clearly and for the first time that the U.S. and NATO represent a threat against Russia’s social security. Nevertheless, Russia is keeping its doors open toward any possible collaboration. On the other hand, this convention highlights the challenges of energy at the borders of the Russian Federation where International politics is concentrated. This incites us to understand that the decisions are no longer taken in order to prove the Russian stature and that they aim to preserve Russia’s interests during regional and international events that draw the fears of Russian foreign policy. In this regard, we can give the examples of Georgia, Crimea, the Iranian nuclear issue and the Syrian crisis.
Various are the elements that drive the evolution of the Russian position vis-à-vis the Syrian crisis since it supports the Syrian regime and intervenes militarily on the ground.
The geographic changes related to the regional and international balance push the “Russian Bear” to be highly alerted.
Nevertheless, the deep Russian involvement in the Syrian crisis enables Moscow to adopt a multidimensional policy toward the United States. In reality, the main solution to this crisis is exclusively in the hands of Moscow despite trump’s “modest” attempts to regain the United States role in drawing the new map of this country.
The political and military involvement of Russia in Syria clearly means a dual intervention in Damascus and Beirut in light of the correlation between these two countries, and this what led to bolster the role of Russia in Lebanon and positively influences several Lebanese issues.
How can Russia interpret its return to play role in the Middle East and in Lebanon?

La nouvelle politique étrangère dela Russie et son impact sur le Moyen Orient et le Liban
Connaître la géographie d’un état c’est connaître sa politique à l’étranger.
Cet adage de Napoléon BONAPARTE correspond à la situation de la Russie. Il permet au lecteur de saisir une bonne part de la stratégie de cet état et de sa récente conduite à l’étranger en général et en particulier à l’égard du Moyen-Orient.
Le Moyen-Orient a connu une intervention progressive de l’activité étrangère de la Russie, plus précisément, après la victoire de Vladimir PUTIN aux élections présidentielles de 2000. Ce dernier qui continue diriger la Russie pour un troisième mandant qui va s’étendre jusqu’à l’an 2024.
PUTIN a voulu établir des relations communautaires avec les états voisins en particulier le monde musulman, «Arabe» (Iran, Turquie, Syrie…) afin d’amortir les forces des menaces le long des frontières SUD de la Russie et afin de préserver sa situation internationale qui consiste en la dominance des tuyaux de gaz connus par «les vaisseaux des pouvoirs dirigeants».
L’affaire de l’énergie Nucléaire de l’Iran et de l’afflux de ses armes, est devenue un intérêt vital et nécessaire pour la Russie: d’un côté, ceci permet à la Russie d’être le support de l’Iran, de l’autre côté, cette collaboration crée un équilibre stratégique voire politique sur la scène régionale et crée aussi une armature protectrice géographique vis à vis de l’Asie-Centrale et du Caucase. En outre, la Russie essaie de mettre  Ankara à ses côtés pour de multiples raisons telle que la réalisation de  l’importance de la Turquie sur le plan de la sécurité, de l’économie et de la politique concernant la structure de la relation Russie-Amérique.
La convention de la sécurité populaire (sociale) est une vraie incarnation du but de la Russie de prendre en main l’initiative et le changement des règles du jeu de l’équilibre du moins sur le plan régional. Cependant, cette convention fait clairement des USA et l’OTAN comme, et pour la première fois, une menace à sa sécurité sociale. Cependant, elle garde ouverte les portes pour une  collaboration possible. En revanche, cette convention signale les défis de l’énergie sur les frontières de la Russie Fédérale où va se concentrer la politique internationale. On comprend alors, que les décisions ne sont plus précises seulement pour prouver sa place mais aussi pour les intérêts de la Russie à travers les événements régionaux  et internationaux qui attirent le souci de la politique étrangère de ce pays; on assiste alors aux événements de la Géorgie, du KORM, l’affaire nucléaire de l’Iran, et la crise de la Syrie en sont les témoins.
Multiples sont les mobiles qui mènent à l’évolution de la position de la Russie vis à vis de la crise syrienne, elle soutient le régime politique, elle intervient militairement sur le terrain. Les mobiles géographiques en relation de l’équilibre des puissances régionales et internationales, tous ces mobiles, mettent «l’ours russe» en alerte et transforment la crise syrienne actuelle en une vraie étape internationale.
En revanche, la présence de la Russie au cours de la crise syrienne offre une occasion à poursuivre une politique pluridimensionnelle avec les États Unis de l’Amérique. En réalité, la clef de voute de cette crise est exclusivement entre les mains de Moscou, malgré les tentatives «Timides» de TRUMP de reprendre le rôle de l’Amérique pour tracer la nouvelle géographie de ce pays.
La présence politique et militaire de la Russie en Syrie marque une double intervention à Damas et à Beyrouth vu l’ingérence entre les deux pays. Ceci mène à améliorer la place de la Russie au Liban et affecte positivement plusieurs problèmes libanais.
Comment la Russie traduit t- elle sa présence reprise au Moyen-Orient… au Liban?!