تحية لها

السيدة نعمت عون عن تجربة العمر: مسؤولية وشراكة

عندما ترتبط امرأة بضابط في بلد كلبنان قد تنتظر أن تواجهها صعوبات، وقد لا تفكر في الأمر مطلقًا وتترك للقدر أن ينبئ بما يحمله لهما، لكنّها في الحالتين ستُمضي أيامًا وليالي على جمر الخوف والقلق. وستقضي العمر كله وهي تتحمل العبء المزدوج: الأمومة والكثير من مسؤوليات الأبوّة. فكيف تكون أحوالها إذا أصبحت زوجة قائد الجيش؟ السيدة نعمت عون تتحدث بدفء وشفافية عن تجربة عمر ومسؤولية وشراكة...

 

تقول السيدة عون في بداية حديثها: «يخطّ لنا القدر مسارًا نتكيّف معه رغم ما قد يحمله من صعوبات وتحديات. منذ ارتباطي بزوجي أدركت أنّ حياتنا لن تكون بالسهولة التي تسير فيها حياة أزواج آخرين. فاختياره الحياة العسكرية كان بمثابة ارتباطه بزوجة أخرى، لا بل أولى بالنسبة إليه. كان يردّد على مسامعي بأنّني الزوجة الثانية، وعليه اخترت طوعًا التأقلم مع هذا النمط من الحياة لمعرفتي بمدى حماسته لخدمة وطنه وتكريس حياته له. كان يثق بقدرتي على تعويض غيابه المتكرّر عن المنزل بسبب ظروف الخدمة وتقدّمه في الرتب، كما بسبب الأوضاع الأمنية والحروب التي عاشها وطننا، والتي تسبّبت في إصابته أكثر من مرّة».

 

شراكة التضحية والدعم المتبادل
وتضيف قائلة: «عشت القلق والخوف كأي زوجة ضابط، ولكن كان عليّ أن أتحلّى بالقوّة لأنّني كنت أتحمّل مسؤولية الوالد والوالدة مع ابني وابنتي وهما ثمرة زواجنا. اختار زوجي التضحية من أجل الوطن، وأنا اخترت التضحية إلى جانبه، وهو ما ساعده كثيرًا في معظم مسيرته العسكرية وصولًا إلى تسلّمه قيادة الجيش».
هل حرمتها مسؤولياتها العائلية في ظل غياب العماد من ممارسة حياة المرأة العادية؟
تؤكد أنّ أمومتها ومسؤولياتها لم تقف عائقًا أمام ممارسة عمل أحبّته وخبرت كل تفاصيله وهو العلاقات العامة، ما أوصلها إلى ترؤّس قسم البروتوكول والعلاقات العامة في الجامعة اللبنانية الأميركيةLAU ثلاثة وعشرين عامًا. وتوضح في هذا الإطار أنّ هذه الفترة لم تكن سهلة، ولكنّها تمكّنت من تحقيق التوازن بين واجباتها العائلية كأم وكأب أحيانًا، وبين عملها. وتؤكد: «لا شكّ في أنّ زوجي كان سندًا قويًا لي في هذه المرحلة. في مطلق الأحوال، الزواج هو شراكة ودعم متبادل، لا يمكن لأي شريك أن يحقّق النجاح في عمله من دون دعم شريكه الآخر».

 

في البداية ترهقنا المسؤولية ولكن...
وفي سياق متصل تشير السيدة عون إلى أنّ «الظروف التي عاشها وطننا لم تكن يومًا مستقرة، ما ينعكس على حياة العسكري بشكل عام غيابًا متكرّرًا عن المنزل، وبالتالي فعلى الزوجة مسؤوليات كبيرة تقوم بها لتعويض هذا الغياب». وهي إذ تؤكد تقديرها لنبل الرسالة التي يؤدّيها الزوج العسكري وخصوصيتها، تشدّد على ضرورة تحلّي الزوجة بالقوّة والإرادة الصلبة والصبر والنضج. وتقول: «ترهقنا المسؤولية في البداية ولكنّنا نعتادها مع الأيام. ننضج بوقت أسرع، ونحترف لعبة الوقت فالمرأة تملك مؤهّلات تتفوّق بها على الرجال في كيفية استغلال الوقت للقيام بعدّة مهمّات».
وفق رأيها، «إنّها لمسؤولية كبيرة أن تكون المرأة زوجة قائد للجيش خصوصًا في بلد يواجه المخاطر باستمرار، فزوجة القائد تتحمّل أعباءً تُضاف إلى كل المسؤوليات التي تحملها. القلق الذي تعيشه على زوجها الذي يحمل مسؤولية وطن بأكمله، يوازي بحجمه جبالًا. ولكن، عليها أن تقف إلى جانبه وتسانده، وأن تستمر في تولّي مسؤولية العائلة، ليتفرّغ هو لمسؤولياته الكبرى».
وتتابع قائلة: «أيًا كانت ظروف الزوجين، عليهما دومًا أن يتحلّيا بالوعي الكافي لضمان نجاح الزواج وتوفير ظروف صحّية لتربية الأولاد. قد تختلف الحياة الزوجية إذا كانت المرأة مرتبطة بعسكري، فكيف إذا كان قائدًا للجيش، تكبر حينها التحدّيات والمسؤوليات، وتزداد الحاجة إلى الوعي والصبر من الجانبين. تتحمّل الزوجة مسؤولية العائلة أكثر، ويزداد اهتمامها بالوضع العام لمواكبة عمل زوجها ودعمه. وتتعالى عن أمور كثيرة، فتضطر للتضحية بأمور أكثر، احترامًا لخصوصية مهنة زوجها وما تحمله من رسالة سامية تختلف عن باقي المهن والوظائف، ويبقى محور اهتمامها توفير جو من الراحة والاستقرار في المنزل العائلي».
 

تجربة الجد والجدة
في عائلة العماد عون جوزيف صغير فماذا غيّر الحفيد في حياة القائد وزوجته؟
تقول السيدة نعمت: «ولادة جوزيف الصغير غيّرت حياتي وحياة زوجي بشكل كبير. فمقولة «ما أعز من الولد إلا ولد الولد» تفسّر العلاقة الوطيدة والمميّزة التي تنشأ بين الأجداد والأحفاد والتي تتغلّب على علاقة الأبناء بآبائهم. يعيش الجد والجدّة مع الأحفاد الأبوّة والأمومة المتأخّرة، إذ إنّ عواطفهما تصبح مفعمة بالحنوّ والرعاية مع التقّدم بالعمر، بعكس الآباء الذين تغلب نزعتهم التربوية عاطفتهم، فيلجأون إلى استعمال القساوة أكثر مع أبنائهم. الأحفاد هم الاستمرارية ومصدر الفرح، وهكذا هو حفيدنا، يُشعرنا بأنّ للحياة نكهة مختلفة. أَسعدُ برؤية عينَيْ جدّه تلمعان فرحًا وأملًا عندما يحمله بين ذراعيه وكأنّه يحادثه. أرى فيه مجدّدًا الصفات التي طالما خبرتها عنده، وهي إنسانيته وعاطفته وشفافيته، وهو ما زال يتمتّع بها رغم تولّيه مسؤولية قيادة الجيش».
 وتضيف قائلة: «يجسّد جوزيف الصغير فسحة الأمل التي نشعر بها في ظل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها، وجلّ ما أتمنّاه أن ينعم صغيرنا كما أطفال لبنان كلهم بمستقبل أفضل وبوطن يعيشون فيه بسلام وطمأنينة».

 

افتخرن
في رسالة إلى زوجات العسكريين وأمهات الشهداء، تكرّر السيدة عون ما قاله القائد في إحدى كلماته لأمهات الشهداء وزوجاتهم: «أنتنّ رمز العطاء الذي يتخطّى كلّ عطاء والتضحية التي تفوق كل تضحية». وتضيف: مهما قلنا، فإنّ الكلام ينحني خجلًا أمام عظمة تضحيات من بذلوا دماءهم فداءً عنّا جميعًا. شهادة أزواجكنّ وأبنائكنّ هي لحظة فخر لنا، ووسام شرف نحمله في قلوبنا، كما تحمله مؤسّستهم الأم وتحييه يوميًا. افتخرن أنكنّ أمهات وزوجات أبطال كنتنّ لهم يومًا سندًا ودعمًا، وغرستنّ فيهم شرف التضحية والعطاء».